954

الغلاف

الإمامة والخلافة




تأليف

حيدر ﻋﻠﻲ قلمداران القُمي

مقدمة المشروع

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله الذي أنعم على عباده بنعمة الإسلام، واختار منهم أفضل عباده وأطهرهم لإبلاغ رسالة الحرية والتحرُّر من كل عبودية سوى عبودية الله، والصلاة والسلام على أهل بيتِ نبي المحبة والرحمة الكرام الأطهار، وعلى صحبه الأجلاء الأبرار، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، فإن الدينَ الذي نفخر به اليوم ثمرةٌ لجهاد رجال الله وتضحياتهم؛ أولئك الذين كانت قلوبهم مُتَيَّمةً بحب الله، وألسنتهم لَـهِجَةً بذكر الله، وبذلوا الغالي والنفيس في سبيل حفظ رسالات الله ونشرها، واضعين أرواحهم وأموالهم وأعراضهم على أكفهم ليقدِّموها رخيصةً في سبيل صون كلمة الله سبحانه و سنة نبيه الكريم، لا تأخذهم في ذلك لومة لائم، ولا يخشون إلا الله.

أجل، هكذا قامت شجرةُ الإِسْلاَمُ العزيز واسْتَقَرَّت ضاربةً بجذورِها أعماق الأرض، بالغةً بفروعها وثمارها عنان السماء، مُعْليةً كلمة التوحيد والمساواة.

ولكن في أثناء ذلك، تطاولت على قامة الإسلام يد أعدائه الألدَّاء، وظلم علماء السوء وتحريف المتعبِّدين الجَهَلة، فَشَوَّهُوا صورة الإسلام الناصعة بشركهم وغلوهم وخرافاتهم وأكاذيبهم، إلى درجة أن تلك الأكاذيب التي كان ينشرها المتاجرون بالدين غطَّت وجه الإسلام الناصع. وقد اشتدَّ هذا المنحى من الابتعاد عن حقائق الدين وعن سنة رسول الله الحسنة، بمجيء الصفويين إلى حكم إيران في القرن التاسع الهجري ثم بقيام الجمهورية الإسلامية في العصر الحاضر، حتى أصبحت المساجد اليوم محلاً لِـلَطْمِ الصدور وإقامة المآتم ومجالس العزاء، وحلَّت الأحاديث الموضوعة المكذوبة محل سنة النبيص، وأصبح المدَّاحون الجهلاء الخدّاعون للعوام، هم الناطقون الرسميون باسم الدين؛ وأصبح التفسير بالرأي المذموم والروايات الموضوعة المختَلَقة مستمسكاً للتفرقة بين الشيعة والسنة، ولم يدروا للأسف من الذي سينتفع ويستفيد من هذه التفرقة المقيتة؟

إن دعوة التقريب بين المذاهب الإسلامية التي تُرْفع اليوم في إيران، ليست سوى ضجَّة إعلامية ودعاية سياسية واسعة، القصد منها جذب الأنظار وإعطاء صورة جيدة عن حكومة إيران الشيعية في العالم. إن نظرةً إلى قادة الشيعة في إيران وزعماءهم الدينيين ومراجعهم تدل بوضوح على هذه الحقيقة وهي أن التقريب بين المذاهب الإسلامية والأخوَّة والمحبَّة الدينية بين المسلمين، على منهج حُكَّام إيران الحاليين، ليست سوى رؤيا وخيالٍ وشعارات برَّاقة لا حقيقة لها على أرض الواقع.

في هذا الخِضَمّ نهض أفراد مؤمنون موحِّدون من وسط مجتمع الشيعة الإمامية في إيران، دعوا إلى النقد الذاتي وإعادة النظر في العقائد والممارسات الشيعية الموروثة، ونبذ البدع الطارئة والخرافات الدخيلة، وإصلاح مذهب العترة النبوية بإزالة ما تراكم فوق وجهه الناصع منذ العصور القديمة من طبقات كثيفة من غبار العقائد الغالية والأعمال الشركية والبدعية، والأحاديث الخرافية والآثار والكتب الموضوعة، والعودة به إلى نقائه الأصلي الذي يتجلى في منابع الإسلام الأصيلة: القرآن الكريم وما وافقه من الصحيح المقطوع به من السنة المحمدية الشريفة على صاحبها آلاف التحية والسلام وما أيَّدهما من صحيح هدي أئمّة العترة الطاهرة وسيرتهم؛ وشمَّر هؤلاء عن ساعد الجِدّ وأطلقوا العِنان لأقلامهم وخطبهم و محاضراتهم لإزالة صدأ الشرك عن معدن التوحيد الخالص، ولسان حالهم يقول: «انهض أيها المسلم وامحُ هذه الخرافات والخزعبلات عن وجه الدين، واقضِ على هذا الشرك الذي يتظاهر باسم التقوى، وأعلن التوحيد وحطِّم الأصنام».

لقد اعتبر «حيدر علي قلمداران القمِّي» - وهو أحد أفراد تلك المجموعة من الموحِّدين المصلحين - في كتابه «طريق الاتحاد»، أن سبب هذه التفرقة هو جهل المسلمين بكتاب الله وسيرة نبيه، وسعى من خلال كشف الجذور الأخرى لتفرُّق الفرق الإسلامية، إلى التقدّم خطوات مؤثرة نحو التقريب الحقيقي بين المذاهب. ولا ريب أن جهود علماء الإسلام الآخرين مثل آية الله السيد أبو الفضل ابن الرضا البرقعي، والسيد مصطفى الحسيني الطباطبائي، وآية الله شريعت سنكلجي، ويوسف شعار وكثيرين آخرين من أمثال هؤلاء المجاهدين في سبيل الحق، أسوة ونبراس لكل باحث عن الحق ومتطلِّعٍ إلى جوهر الدين، كي يخطوا هم بدورهم أيضاً خطوات مؤثرة في طريق البحث والتحقيق التوحيدي، مُتَّبِعين في ذلك أسلوب التحقيق الديني وتمحيص الادِّعاءات الدينية على ضوء التعاليم الأصيلة للقرآن والسنة، ليعينوا ويرشدوا من ضلوا الطريق وتقاذفتهم أمواج الشرك والخرافات والأباطيل، ليصلوا بهم إلى بر أمان التوحيد والدين الحق.

إن المساعي الحثيثة التي لم تعرف الكلل لِرُوَّاد التوحيد هؤلاء لَهِيَ رسالةٌ تقع مسؤوليتها على عاتق الآخرين أيضاً، الذين يشاهدون المشاكل الدينية لمجتمعنا، ويرون ابتعاد المسلمين عن تعاليم الإسلام الحيَّة، لاسيما في إيران.

هذا ولا يفوتنا أن نُذَكِّر هنا بأن هؤلاء المصلحين الذين نقوم بنشر كتبهم اليوم قد مرُّوا خلال تحوُّلهم عن مذهبهم الإمامي القديم بمراحل متعددة، واكتشفوا بطلان العقائد الشيعية الإمامية الخاصة - كالإمامة بمفهومها الشيعي والعصمة والرجعة والغيبة و... وكالموقف مما شجر بين الصحابة وغير ذلك - بشكل متدرِّج وعلى مراحل، لذا فلا عجب أن نجد في بعض كتبهم التي ألفوها في بداية تحولهم بعض الآثار والرسوبات من تلك العقائد القديمة لكن كتبهم التالية تخلَّصت بل نقدت بشدة كل تلك العقائد المغالية واقتربوا للغاية بل عانقوا العقيدة الإسلامية الصافية والتوحيدية الخالصة.

***

الأهداف

تُمثِّلُ الكتبُ التي بين أيديكم اليوم سعياً لنشر معارف الدين وتقديراً لمجاهدات رجال الله التي لم تعرف الكَلَل. إن الهدف من نشر هذه المجموعة من الكتب هو:

1- إمكانية تنظيم ونشر آثار الموحِّدين بصورة إلكترونية على صفحات الإنترنت، وضمن أقراص مضغوطة، و بصورة كتب مطبوعة، لتهيئة الأرضية اللازمة لتعرُّف المجتمع على أفكارهم التوحيدية وآرائهم الإصلاحية، لتأمين نقل قِيَم الدين الأصيلة إلى الأجيال اللاحقة.

2- التعريف بآثار هؤلاء العلماء الموحِّدين وأفكارهم يشكِّل مشعلاً يهدي الأبحاث التوحيدية و ينير الدرب لطلاب الحقيقة ويقدِّم نموذجاً يُحْتَذَى لمجتمع علماء إيران.

3- هذه الكتب تحث المجتمع الديني في إيران الذي اعتاد التقليد المحض، وتصديق كل ما يقوله رجال الدين دون تفكير، والذي يتمحور حول المراجع ويحب المدَّاحين، إلى التفكير في أفكارهم الدينية، ويدعوهم إلى استبدال ثقافة التقليد بثقافة التوحيد، ويريهم كيف نهض من بطن الشيعة الغلاة الخرافيين ، رجال أدركوا نور التوحيد اعتماداً على كتاب الله وسنة رسوله.

4- إن نشر آثار هؤلاء الموحِّدين الأطهار وأفكارهم، ينقذ ثمرات أبحاثهم الخالصة من مقصِّ الرقيب ومن تغييب قادة الدين والثقافة في إيران لهذه الآثار القَيِّمة والتعتيم عليها، كما أن ترجمة هذه الآثار القَيِّمة لسائر اللغات يُعَرِّف الأمّة الإسلامية بآراء الموحدين المسلمين في إيران وبأفكارهم النيِّرة.

***

آفاق المستقبل

لا شك أنه لا يمكن الوصول إلى مجتمع خالٍ تماماً من الخرافات والبدع وإلى المدينة الفاضلة التي تتحقق فيها الطمأنينة في ظلِّ رضا الله سبحانه وتعالى، إلا باتِّباع التعاليم النقيَّة الأصيلة للقرآن الكريم وسنة نبي الرحمة والرأفة ص. إن هدف القائمين على نشر مجموعة آثار الموحِّدين هو التعريف بآثار هؤلاء المجاهدين العلميين الكبار، كي تكون معرفة الفضائل الدينية والعلمية لهؤلاء الأعزاء، أرضية مناسبةً لنموّ المجتمع التوحيدي والقرآني في إيران وقوّته، وذلك لنيل رضا الخالق وسعادة المخلوق.

نسأل الله تعالى أن يجعل هذه الكلمات المختصرة وسيلة لعلوّ درجات أولئك الأعزاء، وأن يمنّ علينا بالعفو.

مقدمة الناشر

الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة العبودية له، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وآخر رسل الله محمد المصطفى وعلى آله الأطهار وصحبه الأبرار.

وبعد، فقد كان المسلمون طول القرون المنصرمة سبَّاقين للآخرين في تحصيل العلم والمعرفة وتعلُّم العلوم المختلفة، وذلك ببركة تعاليم الإسلام العزيز واتِّباعاً منهم لكلام رسول الله ج، حتى صار العلماء المسلمون في أواخر فترة الخلافة العباسية سادة العلوم في عصرهم، وتحول بيت الحكمة الذي تأسس في بغداد في النصف الثاني من القرن الهجري الثاني في عهد خلافة هارون الرشيد العباسي، إلى أكبر مؤسسة علمية وبحثية في العالم، ولا يزال بيت الحكمة يُعتَبر مظهراً من مظاهر الحضارة الإسلامية وذلك بفضل نشاطاته الثقافية والعلمية في المجالات المختلفة من تأليف وترجمة واستنساخ وأبحاث متنوعة في المجالات العملية المختلفة سواء الطب والهندسة أم العلوم الإنسانية.

ولا شك أن هذه القوة العلمية للمسلمين كانت بمثابة شوكة في أعين أعداء الإسلام، لذلك سعوا من خلال بثِّ أسباب الفرقة والاختلاف بين المسلمين إلى تحطيم عَظَمَة الإسلام هذه وسؤدده الذي يعود الفضل فيه إلى وحدة المسلمين وتماسكهم والأخوة السائدة بينهم، فأثار أعداء الإسلام عواصف النزاعات والتفرقة بين المسلمين كي يحجبوا جمال الحق عن أبصارهم، ويخفوا شمس الدين المشعة خلف غيوم البدع والخرافات. وكما يقول الشيخ سعدي الشيرازي:

الحقيقــة مكـان مزَينٌ
ألا ترى أن كل مكان اعتلاه الغبار
لكن الهوى والرغبات أثارا الغبار فوقه
لا يقع عليه النظر ولو كان الرجل بصيراً

إن المساعي المخطط لها وعلى المدى الطويل لأعداء الإسلام، لأجل إغلاق أعين المسلمين عن حقيقة الدين وإضعاف المسلمين عن تعلُّم معارف الدين ونشرها، وإبعادهم عن سنة النبي الأصيلة الهادية، أدت إلى حدوث فجوة عميقة واختلاف كبير في أمة الإسلام وأصبح أبناء الإسلام اليوم يعانون بشدَّة من تبعات هذه الفجوة وآثارها المشؤومة.

وبموازاة مساعي أعداء نبي الإسلام ج العِدائية الرامية إلى تحريف تعاليم الإسلام وتشويهها وإدخال البدع المختلفة في الدين، أدرك أشخاصٌ مؤمنون أطهار شفيقون هذا الخطر، ونهضوا مشمِّرين عن ساعد الجِد والجهاد المتواصل لإحياء معالم الإسلام والسنة النبوية الأصيلة، وتناولوا بأيديهم -بشجاعة منقطعة النظير- أقلامهم وأخذوا يكتبون ويؤلفون في نشر ثقافة الإسلام الأصيلة والعقائد الإسلامية الصحيحة النقية بين أوساط الشيعة عُبَّاد الخرافات، وصدحوا بينهم بنداء التوحيد بصوت عال أيقظ المتاجرين بالدين والبدع من نوم غفلتهم مذعورين! لقد ضحى هؤلاء الموحدون الطالبون للحق والحقيقة بمصالحهم الشخصية فداء للحقيقة، وقدموا أرواحهم في هذا السبيل هديةً رخيصةً للحق تعالى، وصاروا عن حق مصداقاً لقوله تعالى: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس/62].

إن ما جاء في هذه المجموعة ليس سوى غيضٍ من فيض المعارف الإلـهية، ومُنْتَخَبٍ من آثار الموحدين الطالبين لله تعالى الذين كانوا ينتمون في بداية أمرهم لطائفة الشيعة. لقد أشرق نور الله في صدورهم، وصار التوحيد نبراس حياتهم المباركة. لقد تم تحرك هؤلاء الأفراد الذين كانوا جميعاً في بداية أمرهم من الطراز الأول من علماء الشيعة في إيران، في مسيرتهم التحولية من مذهبهم القديم، خطوةً خطوةً؛ بمعنى أن نظرتهم إلى المسائل العقائدية لم تتحول بشكل فجائي مرةً واحدةً، بل حَصَل هذا التحول بمرور الزمان وعلى إثر المطالعة والدراسة المتأنية والتواصل مع من يوافقهم في أفكارهم، لذا من الطبيعي أن لا تنطبق بعض رؤى وأفكار هؤلاء الإصلاحيين في بعض مراحل حياتهم وكتاباتهم، مع عقائد أهل السنة والجماعة واتجاهاتهم الفكرية بشكل كامل؛ لكن رغم ذلك قمنا بنشر هذه المؤلفات كما هي نظراً لأهميتها في هداية شيعة إيران وغيرهم من الناطقين باللغة الفارسية. كما أنه من الجدير بالذكر أن الرؤى والمواقف الفكرية المطروحة في هذه الكتب، لا تنطبق بالضرورة مع رؤى الناشر والقائمين على نشر هذه المجموعة من الكتب، هذا على الرغم من أن هذه الكتب تمثل بلا ريب نفحةً من نفحات الحق و نوراً من جانب الله لهداية طالبي الحقيقة البعيدين عن العصبيات والظنون التاريخية الطائفية.

إن النقطة الجديرة بالتأمّل هي أنه للوقوف بشكل صحيح على رؤى وأفكار هؤلاء الأفراد، لا يمكن الاكتفاء بقراءة مجلد واحد من آثارهم؛ بل لا بد من قراءة حياتهم بشكل كامل، كي يتم التعرُّف بشكل كامل على كيفية تحولهم الفكري، ودوافعه وعوامله. فعلى سبيل المثال، ألف آية الله السيد أبو الفضل البرقعي في الفترة الأولى من بداية تحوله الفكري كتاباً بعنوان «درسى از ولايت» أي «درسٌ حول الولاية»، بحث فيه موضوع الأئمة وادعاء الشيعة حول ولايتهم وإمامتهم ورئاستهم المباشرة للمسلمين بعد نبي الله ج. واعتبر أن عدد الأئمة 12 إماماً، مصحِّحاً بذلك الاعتقاد بوجود محمد بن الحسن العسكري وحياته حتى الآن، بوصفه الإمام الثاني عشر. لكن المؤلِّف نفسه ألف بعد عدة سنوات كتاباً باسم «تحقيق جدي في أحاديث المهدي» ووضع تحت تصرف القراء نتائج بحثه التي توصل إليها في هذا المجال، وهي أن جميع الأخبار والروايات التاريخية المتعلِّقة بولادة ووجود المهدي إمام الزمان، روايات وأخبار موضوعة وكاذبة. من هذا المثال ومن أمثلة مشابهة أخرى يتبيَّن أن أفضل طريق لمعرفة المسيرة التحولية لأفكار هؤلاء الموحدين وآثارهم هي قراءة مجموعة كتاباتهم بشكل كامل، مع الأخذ بعين الاعتبار تقدم كل مؤلَّف من مؤلَّفاتهم أو تأخّره زمنياً.

نأمل أن تكون آثار هؤلاء المؤلّفين الكبار ومساعي القائمين على نشرها، سبباً للعودة إلى مسيرة الأمن الإلـهية وعبادة الحق سبحانه وتعالى الخالصة.

نسأل الله تعالى أن يجعل هذه الكلمات المختصرة وسيلة لغفران ذنوبنا وأن يسامحنا إذا وقعنا في خطأ أو زلل، وأن يرحم أرواح أولئك المؤلفين الأعزَّاء ويجعلهم في جوار رحمته، إنه رؤوف رحيم، والحمد لله رب العالمين.

مُقَدِّمَةُ المُحَقِّق (الطبعة الثانية)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله وكفى والصلاة والسلام على النبي المجتبى والخليل المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله الأطهار والصحب الأخيار وبعد:

مرَّ على وفاة الأستاذ حيدر علي قلمداران قرابة خمسةٌ وعشرون عاماً إلا أن مداده الذي جرى على مئات الصفحات لايزال يروي أنفساً عطشى للحق والهدى ذلك الهدى الذي دعا إليه النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وآل بيته الأطهار وتحملوا المشاق لأجله، فهذه الرسالة تجلي شيئاً من ذلك الطريق الذي كان القرآن دليله، ونحن إذ نُقدَّم الطبعة الثانية من هذه الرسالة استشعاراً منَّا لعظيم نفعها في بيان السبيل الأمثل للوحدة الإسلامية التي ينشدها كل مسلم، لقد لخص الأستاذ حيدر هذا السبيل في هذه الرسالة وذلك حين بين حقيقة موقف آل البيت الأطهار من مسألة الإمامة والعصمة بياناً مختصراً، وقد أطال في بيان ذلك الموقف في كتابة العظيم طريق الاتحاد، فاللهم ارحم عبدك حيدر وأنزله منازل الشهداء، اللهم اشرح صدورنا لهديك وأرشدنا لنور وحيك ..

عبدالله سلمان

يناير 2014

[email protected]

مُقَدِّمَةُ المُحَقِّق (الطبعة الأولى)

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى صحابته الغر الميامين. أما بعد:

أخي القارئ الكريم: بين يديك رسالة قيمة نافعة سطرها الأستاذ حيدر علي قمداران القُمي تحدث فيها عن موضوعين في غاية الأهمية هما الإمامة والعصمة.

إن الوحدة الإسلامية مطلب مُلح في هذه المرحلة من حياة الأمة، وإن أعظم طريق للوحدة الإسلامية أن ينظر كل فريق ما عنده من تراث وأفكار بعين الطالب للحق الباحث عن الحقيقة لا يهمه أن يظهر الحق على لسانه أو لسانه غيره، وهذه الرسالة خطوة مباركة في طريق الوحدة الإسلامية، وقد كتبها الأستاذ حيدر قلمداران باللغة الفارسية وقد تم ترجمتها ثم مراجعتها والتعليق عليها، فأرجو منك أن تعيش في صفحاتها وأنت متجرد لطلب الحق والهدى، وللأستاذ حيدر قلمداران كتاب آخر هو طريق الاتحاد وهو من عنوانه دعوة لوحدة الأمة الإسلامية فأحرص أخي على الاطلاع عليه.

وقبل أن أدعك تقلب هذه الصفحات أتركك مع ترجمة مختصرة لراقم هذه الصفحات لترى مثالاً حياً لتضحية رائعة في سبيل وحدة الأمة.

والله أسأل أن يوفقني وإياك للهدى والخير.

عبد الله سلمان

15/11/2006م

ترجمة مختصرة للأستاذ حيدر علي قلمداران رحمه الله

الحمد لله الذي يهدي من يشاء برحمته، ويضل من يشاء بحكمته، والصلاة والسلام على من أرسل لتبليغ الدين بدعوته، وعلى جميع الأطهار الأخيار من صحبه وعترته.

وبعد:

فالهداية نعمة إلهية ومنة ربانية، لا يملكها ولا يستطيع التصرف فيها حتى الملائكة والأنبياء عليهم السلام كما قال سبحانه: ﴿إِنَّكَ لَا تَهۡدِي مَنۡ أَحۡبَبۡتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ ٥٦ [القصص: ٥٦].

عدة سنوات مرَّت على وفاة المفكر الإسلامي والعالم الداعية الأستاذ حيدر علي قلمداران رحمة الله عليه، وقد كُتِبت سيرة مختصرة عن حياته النضالية وآثاره العلمية وفاءاً لبعض خدماته الغالية النادرة الخالصة التي قدمها للإسلام والشريعة الإسلامية المقدسة في إيران.

المولد والمنشأ

ولد حيدر علي بن إسماعيل قلمداران في عام 1292 ه‍.ش الموافق 1332ه‍.ق في قرية «ديزيجان» على بعد 55 كم من طريق قم- أراك من أعمال مدينة قم في أسرة فقيرة نسبياً، تشتغل بالزراعة. وأصله من مدينة »تفرش« لأن جده لأبيه المرحوم الحاج حيدر علي - وكان رجلاً سخياً جداً، يقضي حاجات الناس ويحل مشاكلهم - انتقل من تفرض إلى ديزيجان.

توفيت أمُّه وهو ابن خمس سنوات، ولم يكن بإمكانه أن يسجل في الكتّاب عند امرأة إمام الحي التي كانت تدرّس الأبناء وبنات الحي؛ لأنه لايستطيع أن يدفع الأجرة الشهرية، وكان يقف خلف الباب ويستمع إلي دروس العجوزة، ومرّة حينما عجز الطلاب عن إجابة ما تسأله العجوزة وأجابها «قلمداران» الصغير من خلف الباب، سمحت له أن يحضر الدروس مجاناً. ولكنه بسبب عدم امتلاكه ثمن الدفاتر والأقلام، وشدَّة شغفه بالتعليم كان يستخدم الدخان الأسود لنار الحمام كحبر، وأعواد الثقاب كأقلام، والأوراق الزائدة التي يرميها أصحابها في الشوارع، بدل الكراسات، ليستمرّ في دراسته.

كان حيدر علي قلمداران الولد الوحيد المتبقي لأبيه من أصل ثلاثة عشر ولداً ذكوراً وإناثاً توفوا جميعاً في الصغر بسبب الأوبئة والأمراض الفتاكة، ثم فقد قلمداران والدَه وهو ابن خمسة عشر سنة. وكان والده رجلاً سريع الغضب ويعترض على حضور ابنه الحلقات التعليمية ويرغب بأن ينصرف ابنه إلى مساعدته في الأعمال الزراعية فحسب. فكان الشاب قلمداران يضطر إلى حرمان نفسه من تناول طعام الفطور كي يتمكن من الذهاب للمكتب للتعلم في الصباح الباكر كي لا يأخذه والده معه للزراعة في أول النهار.

الدعوة والنشاط عند الأستاذ قلمداران

تزوّج «قلمداران» بعد مضي سبعة وعشرين ربيعاً من عمره، ورزقه الله ثمانية أولاد (خمسة ذكور وثلاث إناث). وفي سن الثلاثين من عمره استُخدم في مديرية التربية في مدينة «قم»، فعُيِّن في بداية أمره كاتباً لحسن خطه، ثم أصبح معلماً في المدارس الثانوية التابعة لمديرية التربية.

ولما نضج علمه وانبرى في ميادين الثقافة بدأ يكتب مقالات في بعض الجرائد مثل: جريدة «استوار» وجريدة «سرچشمه» في مدينة قم، وصحيفة «وظيفة» في مدينة طهران.

وكانت مجلة «يغما» أيضا تطبع الأشعار الرائعة والمقالات القيمة للأستاذ «قلمداران»، وكانت مجلة «الحكمة» تنشر المقالات الفقهية التي يكتبها الأستاذ، وكان آية الله «طالقاني» والمهندس «مهدي بازركان» -رحمهما الله- يكتبان في هذه المجلة.

كان كثير الشغف بالقراءة والبحث ومطالعة الكتب الإسلامية منذ صغره، وما لبث -وهو في ريعان الشباب- أن قرض الشعر وأصبح كاتباً في عدد من المجلات التي كانت تصدر في عصره في قم وطهران، وعمل في سلك التدريس في مدارس مدينة قم، وكان يسخِّر قلمه لكتابة المقالات الإسلامية التي يدافع فيها عن تعاليم الدين الحنيف، ويردّ على مخالفي الإسلام، ويدعو لإصلاح الأوضاع وإيقاظ همم المسلمين.

فمرّةً نشرت مديرية الثقافة في مدينة قم مقالاً ينال من الحجاب الإسلامي، فكتب الأستاذ رداً قاطعاً على ذلك المقال ونشرت مجلة «استوار» ردَّه هذا. فغضب رئيس إدارة الثقافة في قم على الأستاذ وهدده بالطرد من الإدارة أمام الجميع.

يقول الأستاذ: فاستأذنت ووقفت أمام المنصة الخطابية ورددت على كلامه السخيف وتهديداته الواهية، وانتهت الجلسة بعد كلامي، ولم يستطع أن يفعل شيئاً؛ بل بحمد الله نُقل إلى مدينة أخرى.

علاقة الأستاذ قلمداران بالخميني

قال الأستاذ قلمداران: يحتمل أن السيد روح الله الخميني كان وراء نقل رئيس مديرية الثقافة في قم، إذ كان السيد الخميني في ذلك الوقت يعطي دروساً في الأخلاق في قم، وكنتُ أحضَرُ دروسه أحياناً. وعندما سمع بقضية مديرية الثقافة، أرسل إليَّ شخصاً يقول إن السيد الخميني يريد أن يلقاك ويكلّمك، فلمَّا ذهبتُ إليه استفسر مني عن الموضوع (أعني موضوع المقالة ضد الحجاب وردِّي عليها)، فلمَّا بيَّنتُ له القصَّة قال لي: لا تخف أبداً فإنهم لن يستطيعوا فعل شيء ضدَّك، ولن أسمح ببقاء هذا الرُّجَيل (تصغير رجل، ويقصد به رئيس مديرية الثقافة في قم) في قم، فإن قال شيئاً حول هذا الموضوع مرَّةً أخرى فرُدَّ عليه ولا تخشى شيئاً. (وبالمناسبة أشار الأستاذ قلمداران مرَّةً إلى أن السيد الخميني قال مرةً في أحد دروس الأخلاق تلك، في معرض حديثٍ له عن الولاية ومقام الولي: "إذا نفخ الوليُّ بفمه انطفأ مصباح الخليقة!" قال الأستاذ: فلما رأيت هذا النمط من التفكير لديه، لم أعد أحضر دروسه).

الأستاذ قلمداران والشعر

رغم أن الأستاذ قلمداران لم يكن شاعراً بالمعنى الأخص للكلمة، إلى أنه كان يمتلك قريحة شعرية حسنة، فكان يَنْظِمُ أحياناً بعض الأبيات الشعرية، وكما ذُكِرَ سابقاً كانت مجلة «يغما» تنشر بعض أشعاره.

صلة «قلماردان» بالشخصيات المعاصرة

تَعرَّف الأستاذ قلمداران رحمه الله بعدد من الشخصيات المعروفة في عصره منهم:

1- العلامة الشيخ محمد الخالصي (رحمه الله)

آية الله العظمى محمد بن محمد بن مهدي الخالصي المولود عام 1888م في مدينة الكاظمية بالعراق درس على كبار علماء عصره وحاز على درجة الاجتهاد في سنٍ مبكرة جداً، له آراء إصلاحية كثيرة، توفي في بغداد عام 1963م[1].

العلامة الشيخ محمد «الخالصي» من العلماء المجاهدين في العراق. بدأت معرفة الأستاذ بالعلامة الخالصي بسبب ترجمة كتابه «المعارف المحمدية»، واستمرّت بعد ترجمة كتاب «الإسلام سبيل السعادة والسلام» وكتاب إحياء الشريعة في ثلاث مجلدات والآثار الأخرى للعلامة الخالصي. وأعقبت هذه الأعمال الثقافية إرسال الرسائل واللقاء بين الأستاذ والعلامة؛ حتى أن السيد الخالصي تأثر بأفكار الأستاذ المنوِّرة الإصلاحية، ونستطيع أن نشاهد علائم هذا التغيير في الآثار التي نشرها الخالصي فيما بعد، وكذا نرى هذا التأثير المشهود من المقدمة التي كتبها العلامة الخالصي على كتاب «أرمغان آسمان = تحفة السماء» للأستاذ «قلمداران»، وهو يكتب:

"شابٌّ مثل الأستاذ حيدر علي«قلمداران» في عصر الغفلة وتجاهل المسلمين، وفي عصر نسيان المسلمين للتعاليم الإسلامية؛ بل في عصر الجاهلية، يوضح الحقائق الإسلامية وينشرها بالشجاعة التامة وبدون أي خوف من المعاندين الجهال، فكيف نستطيع أن نشكر هذه النعمة العظيمة؟!"

تأثّر المؤلف كثيراً بالمرجع الشيعي المصلح آيـة اللـه الشيـخ محمد مهدي الخالصي (رحمه الله) وقام بترجمة أغلب كتبه إلى الفارسية، لكنه تجاوز شيخه الخالصي بخطوات أكثر انفتاحاً وخرج عن إجماع الإماميّة في بعض المسائل كنفيه وجوب أداء خمس المكاسب والأرباح، وقوله بأن الأئمة الاثني عشر ليس منصوصاً عليهم من قبل الله تعالى ورسوله ص، بل هم علماء ربانيون وفقهاء مجتهدون فحسب، وأفضل أهل عصرهم وأولاهم بالاتباع، وألف في هذا الموضوع كتابه الشهير «طريق الاتحاد» وقد تعرض بعد نشره إلى محاولة اغتيال فاشلة من بعض المتعصبين الغلاة.

كما قال قلمداران بأنه لا ثبوت لإمامٍ غائبٍ مستترٍ إلى الآن ولا رجعة ولا عصمة مطلقة لأحد إلا عصمة رسول الله ص في تبليغ رسالات ربه، ورأى كذلك من خلال دراسته لتاريخ زيارة القبور في الإسلام، عدم صحة نصب القباب وإقامة الأضرحة على قبور الصالحين سواء من أئمة آل البيت أو أولادهم وجعلها مزارات يحج لها الناس ويطوفون بها داعين مستغيثين ورأى ذلك من مظاهر الشرك في العبادة، وألف في ذلك كتابه «بحث حول زيارة المزارات».

التقى الأستاذ «قلمداران» في أسفاره إلى بعض المدن العراقية وخاصة مدينة كربلاء بكاشف الغطاء وهبة الدين الشهرستاني مؤلف كتاب «الهيئة والإسلام» وهما من العلماء الأكابر عند الشيعة الإثني عشرية وتعرّف بهما من قريب، وكان يراسل العلامة الخالصي وأحيانا الشهرستاني ويناقشه في بعض المسائل الكلامية.

[1]انظر ترجمته وآراءه ودعواته الإصلاحية في كتاب أعلام التصحيح والاعتدال للبديوي ص 278-337.

2- المهندس مهدي «بازركان»

المهندس مهدي بازركان المولود عام 1905م في طهران والحاصل على الدكتوراه في الهندسة من فرنسا.

الأستاذ بنفسه ينقل لنا كيف تعرّف على المهندس بازركان، ويقول: بينما كنت واقفاً على الشارع بين القرية ومدينة قم وأنتظر وصول الحافلة وكنت أقرأ كتابا كي أستفيد ولا أضيع وقتي بالانتظار، مرّت سيارة أمامي فيها بضعة أشخاص، ثم وقفت السيارة ورجعت إلى الخلف ووقفت أمامي، وطلب ركابها مني أن أركب معهم.

وأثناء الطريق انتبهتُ إلى أن أحد الركاب هو المهندس بازركان (أول رئيس وزراء في إيران بعد انتصار الثورة، عام 1979م)، و كان رئيس «صناعة البترول» آنذاك (سنة 1370 أو 1371ه‍) وكان عائداً من مدينة عبادان أثناء مهمة رسمية للأمور المتعلقة بالنفط. وقال السيد بازركان لي: تعجبتُ جداً، لما رأيت شخصاً قروياً يغرق في المطالعة وهو ينتظر الحافلة. وكان هذا الحدَث سبباً في عقد الألفة والمحبة بيننا حتى أن السيد بازركان استفاد كثيراً من كتاب «الحكومة في الإسلام» في تأليف كتابه «البعثة الإيديولوجية». وكان السيد بازركان معجبا بكتاب «ارمغان آسمان= بشرى السماء» تأليف الأستاذ «قلمداران» وعرَّف الدكتور علي شريعتي على هذا الكتاب و وصفه له.

ومن الجدير بالذكر أنه بعد إطلاق سراح المهندس مهدي بازركان من السجن جاء على الأقل مرتين إلى قم لزيارة الأستاذ قلمداران.

3- الدكتور علي شريعتي

الدكتور علي شريعتي المولود عام 1933م في خراسان، والذي يعتبر ملهم الثورة الإيرانية التي قامت عام 1979م رغم أنه توفي قبلها بسنتين تقريباً، عام 1977م في لندن. عدَّه هاشمي رفسنجاني مَعْلماً أساسياً في إرساء النهضة الإيرانية، له أفكار إصلاحية كثيرة نشرها في عدة كتب من أهمها كتاب التشيع العلوي والتشيع الصفوي.

رأى الدكتور علي شريعتي كتاب «ارمغان الهي» تأليف الأستاذ «قلمداران»، وبعدما سمع عن كتاب «ارمغان آسمان» من الباحثين والمفكرين وأساتذة الجامعات، وخاصة من المهندس بازركان، تأثر أكثر فأكثر بالأفكار المنوِّرة الإصلاحية التي يحملها الأستاذ «قلمداران»، وهذا الأمر بالذات حمل الدكتور شريعتي على كتابة رسالة إلى قلمداران من باريس يطلب فيها منه إرسال الكتاب المذكور إليه. (أدرج نص هذه الرسالة في كتاب «ذكريات مانا» - كُتَيِّب نشر في ذكرى شريعتي- ).

ولما رجع الدكتور شريعتي إلي إيران قال لأحد أصدقائه وهو الدكتور «أخروي» الذي كان يعرف «قلمداران» من قريب، إن لقلمداران دور كبير في اتجاهاتي الفكرية وأشتاقُ لرؤيته، فهلا يسرتم لي اللقاء به، لكن هذا اللقاء لم يتحقق مع الأسف، ولبى الدكتور شريعتي نداء ربه، رحمه الله.

4- الأستاذ الشيخ مرتضي «مطهري»

الأستاذ مرتضى مطهري المولود عام 1338هـ في خراسان، تتلمذ على كبار علماء الشيعة كصدر الدين الصدر والخميني، وكان من الأعضاء البارزين في إدارة الحكم بعد قيام الثورة وقد تم اغتياله في طهران عام 1399هـ، وله مؤلفات كثيرة[2].

كان الأستاذ الشيخ مطهري أيضاً من المعجبين بقلمداران، ولكنه لم يكن يظهر حبه للأستاذ قلمداران خوفاً من لوم زملائه من علماء الدين. وكما قال السيد «قلمداران» إن مطهري قال له مرةً حينما التقيا في أحد الشوارع بعد الخروج من إحدى المحاضرات: "بخٍ بخٍ! أحسنتَ يا سيد قلمداران، لقد قرأتُ كتابَكَ «ارمغان آسمان» فاستمتعت به جداً و وجدته كتاباً ممتازاً".

[2]انظر ترجمته في كتاب تراجم الرجال لأحمد الحسيني 2/817.

5- آيت الله العظمى حسينعلي منتظري

كان بين هذا الفقيه القدير رفيع الشأن والمرحوم قلمداران صداقة ومودَّة متميَّزة منذ سنوات قبل الثورة، وكان منتظري يحب كتابات قلمداران ونظرته الدينية، دون أن يفصح عن ذلك للآخرين. والشواهد الدالَّة على هذا المُدَّعى هي التالية:

ألف) عندما سمع الشيخ منتظري بقضية طباعة ونشر كتاب «الخُمس» للأستاذ قلمداران في أصفهان، أرسل عن طريق المرحوم السيد هاشمي مبلغ 1000 ريال وقال: هذا أيضاً مشاركة من قبلي في تكاليف طباعة كتاب الخُمْس!

وأذكر أن المرحوم قلمداران كان يقول: لما أُطلِق سراح الشيخ منتظري من السجن قُبَيل انتصار الثورة جاء إلى منزله في قم الكائن في حي «عشقعلي». فلما ذهبتُ إلى لقائه في منزله رحب بي أشدّ الترحاب وأبدى سروره البالغ بهذا اللقاء ثم قال لمن حوله - وأكثرهم من طلاب العلوم الدينية - مبتسماً مازحاً بلهجته الحلوة: هذا هو الأستاذ قلمداران الذي أخذ منا الخُمس وحرمنا منه!

فهذا يدل على أن هذا الفقيه الكبير كان واقفاً تماماً على الرأي الاستثنائي الذي لا سابقة له للأستاذ قلمداران حول انحصار الخمس في غنائم الحرب.

ب) طبقاً لقول المرحوم قلمداران، كان الشيخ منتظري منذ سنوات قبل انتصار الثورة يدَرِّس طلابه في مدينة «نجف آباد» كتاب «الحكومة الإسلامية» المثير والفريد الذي ألفه قلمداران.

ج) من الجدير بالذكر أنه بين السنوات 1363 حتى 1367هـ.ش. (الموافق لما بين عامي 1984 إلى 1988م) وبعد أن تعرض المرحوم قلمداران 3 مرات للجلطة الدماغية، وأصبح طريح الفراش في المستشفى، قام الفقيه الشيخ منتظري بلطفه وكرمه بإرسال مبلغٍ كبيرٍ من المال لأسرته، مرتين متواليتين - عبر أحد علماء الدين -، خشية أن يكون بحاجة إلى المال لأجل الدواء والعلاج. وقد شكرت أسرة المرحوم قلمداران في كلتا المرتين لطف الشيخ المنتظري وثمَّنت موقفه، واعتذرت عن قبول المال لعدم حاجتها إليه. هذا أيضاً علامة أخرى من علامات المحبة بين الأستاذين المرحومين. رحمهما الله!

حادثة اغتيال الأستاذ «قلمداران» والحوادث المؤلمة الأخرى في حياته

1- عندما نشر الأستاذ «قلمداران» كتابه «طريق الاتحاد - دراسة نصوص الإمامة» -قُبَيل انتصار الثورة - أرسل الشيخ مرتضي حائري نجل آية الله الشيخ عبدالكريم الحائري مؤسس الحوزة العلمية في قم رجلاً إلى الأستاذ وطلب منه أن يأتيه إلى بيته، ولما ذهب الأستاذ إلى بيت الحائري، قال له الحائري: أأنت ألفت كتاب «نصوص الإمامة»؟ فأجاب الأستاذ: أنا لا أقول أنا لم أكتبه! ولكن لا يُرى اسمي على الكتاب! قال له الحائري: يمكن أن تُقتل بسبب تأليف هذا الكتاب! قال الأستاذ: ما أسعدني! لو أُقتل من أجل عقيدتي، ثم قال له الحائري: لو بإمكانك أن تجمع الكتاب من السوق فافعل، ثم ادفنه أو أحرقه! فأجاب الأستاذ: ليس هذا بإمكاني، طبعه رجلٌ آخر ونشره، وأنت لو بإمكانك اشتر جميع النسخ واحرقها، ومن جانب آخر يطبع آلاف الكتب للدعاية للشيوعية وتبليغ البهائية، فلماذا لا تقفون أمام هذه الكتب ومؤلفيها؟!

وبعد مُضِيّ بضعة أشهر على انتصار الثورة، وفي ليلة العشرين من شهر رمضان المبارك سنة 1358 هجرية شمسية (1979م) عندما كان الأستاذ على عادته يأتي في هذا الشهر إلى مسقط رأسه قرية ديزيجان ويقيم فيها، دخل رجلٌ مأجور -أرسله المتعصبون عُميُ البصيرة وأفتوه بجواز قتل المرحوم قلمداران- بيتَ الأستاذ في منتصف الليل وأطلق عليه رصاصةً وهو نائم، ثم فرّ، ولكن رغم قرب المسافة من الهدف، جَرَحَت الرصاصُة بشرةَ رقبة قلمداران فقط واستقرَّت في أرض الغرفة!.

ونُقل عن الأستاذ أنه قبل يوم من حادثة الاغتيال جاءه رجلٌ من مدينة قم وسأله عن آرائه وعقائده، وكذا سأله عن الكتاب أيضاً!

مما لاشك فيه أن تأليف كتاب الخمس وطريق الاتحاد كانا من الأسباب الرئيسية لمحاولة اغتياله تلك.

على كل حال، لم يشأ الله أن يُقتل الأستاذ، وبعد هذا الحادث كان يأتي القرية ويداوم على أنشطته كما في السابق مؤمناً بقوله تعالى: ﴿قل لَّن يُصِيبَنَآ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوۡلَىٰنَا... [التوبة: 51].

طبقاً لرواية شهود العيان من أهل القرية الذين كانوا في تلك الليلة مشغولين بسقاية بساتينهم، يمكن شرح حادثة الاغتيال تلك بالصورة الآتية:

دخل ثلاثة أو أربعة أشخاص راكبين سيارةً إلى القرية في ليلة العشرين من شهر رمضان، وأوقفوا السيارة على جسر القرية جاهزةً ومستعدةً للفرار السريع. ودخل اثنان منهم منتصف الليل بيتَ الأستاذ وكَمَنَا في حديقة البيت بين الأشجار، وكان أبناء الأستاذ يقفلون الباب مرات عديدة من الداخل، ولكنهم كانوا يرون متعجبين أن البابَ مفتوحٌ، لكنهم لم ينتبهوا أصلاً إلى الكارثة التي تنتظرهم. وفي منتصف الليل بعدما رأى المهاجمون أن الكل قد ناموا، دخل الضارب معه المصباح الكاشف و مسدّسه، غرفةَ النوم الخاصة بالأستاذ. وكانت زوجة الأستاذ قلقة كثيرا تلك الليلة لا تستطيع النوم، وحينما رأت الوارد ظنت أنه ابنه علي فنادت: علي!

وخاف القاتل وأطلق النار بسرعة على الأستاذ وفرّ من البيت، وكانت زوجة الأستاذ تصرخ ولا تستطيع أن تتكلم من شدّة الفزع. وكذا الأولاد بعدما سمعوا صوت الطلقة النارية كانوا يصرخون ويقولون: قتلوا الحاجَ السيد، واجتمع أهالي القرية ونقلوا الأستاذ من القرية إلى مدينة قم وأدخلوه في مستشفى «كامكار». وبعد أيام جاء شابٌّ ومن ظاهره أنه كان من طلبة العلم وسأل عن الأستاذ، وتابعه ابن الأستاذ «قلمداران» فرأى أنه دخل إحدى الحوزات العلمية في محلة «يخجال قاضي» في مدينة قم.

2- والحادثة المؤلمة الأخرى التي أثرت على حياة الأستاذ هي وفاة أحد أبناءه في سنة 1360ش/ 1399ه‍ ، وتألم الأستاذ كثيراً بسبب هذا الحادثة المؤسفة، حتى أدى ذلك إلى إصابته بجلطة دماغية، ولم يستطع أن يستمر في التأليف ولكنه لم يترك القراءة إلى حد الإمكان.

3- الحادثة المؤسفة الأخرى في حياة السيد «قلمداران» هي سجنه في سجن «ساحل» قم.

ذكر الأستاذ هذه الواقعة وقال: كنت في أحد الأيام مستلقياً على سرير المستشفى إثر السكتتين اللتين أصبت بهما، فجاء رجلان من قبل محكمة الثورة واعتقلاني بتهمة معارضة الثورة، وظفرا ببعض كتبي ونقلاني إلى السجن، وحتى أنهما لم يسمحا لي بأخذ الأدوية التي كنت أحتاج إليها، وكنت في ذاك الوقت مصابا بأمراض خطيرة وحتى أنني لم أستطع أن أسيطر على بولي، وكنت أحمل الجهاز الخاص للمواقع الضرورية. وفي السجن لم يكن معي إلا بطانية صغيرة، وكان زجاج الغرفة مكسوراً، وعانيت حتى الفجر من البرد القارص. و لم أستطِع أن أتناول طعام العَشاء؛ لأن بقية المسجونين نهبوا الطعام. ناولني فقط أحد المسجونين بقية طعامه. ولما رأيت الوضع في السجن نويت الصيام من فجر اليوم التالي.

وذهب أولادي إلى بيت آية الله المنتظري وكان آنذاك نائبا عن الخميني (وجديرٌ بالذكر أنه كان بين آية الله المنتظري وبين الأستاذ «قلمداران» معرفة قديمة وكان الأستاذ يقول: أن آية الله المنتظري كان يدرّس كتابي «الحكومة في الإسلام» في نجف آباد إصبهان)، وفي الصباح رأيت أن بعض حرس الثورة دخلوا السجن مضطربين وقدَّموا الاعتذار وأخرجوني من السجن واتصلوا بأبنائي كي يحضروا لي بعض الألبسة، ثم رهنوا وثيقة استملاك البيت وأطلقوني.

الآن تصوروا لولا فضل الله، ولو لم تكن هناك علاقات ودية بين الأستاذ وبين آية الله المنتظري كيف كانت الثورة وحرسها سيتعاملون معه؟!

وجديرٌ بالذكر أن إدارة الثقافة في قم أقامت معرضا باسم «مجاهدتهاي خاموش = المجاهدات الصامتة» في هذه المدينة ووضعوا بعض كتب الأستاذ على مرأى الناس كأن هذه الكتب تحمل الأفكار والعقائد الانحرافية، كما أنهم وضعوا بعض الوثائق والمستندات ضد آية الله المنتظري في هذا المعرض أيضاً.

الخلق الرفيع عند الأستاذ «قلمداران» وحرّيته

كان رحمه الله طوال حياته رجلاً صادقاً، عفيفاً، صادق الوعد، عابداً، زاهداً، شجاعاً، سخياً وصريحاً. وجميع من كان لهم صلة بالأستاذ كانوا يبجلونه ويعرفون عنه أنه رجل عظيم، بسيط العيش، بعيد عن الرياء والتكلفات الاجتماعية وغير معتنٍ بالطعام واللباس؛ كأنه اقتدى بالأخلاق الحسنة بأكابر الدين الحنيف، وكانت حياته تشبه حياة السلف وقائدي الأمة الإسلامية.

ومع أنه كان رجلاً قد طبَّقَت شُهرتُه الآفاق وكان باستطاعته أن يقفز إلى المدارج الحكومية الرفيعة ويوفر لنفسه ولأسرته حياةً مرفهةً، إلى أن زهده في الدنيا منعه من أن يضحي بالعلم والتقوى في سبيل التقية والخرافات والأباطيل المروّجة في البيئة الإيرانية؛ بل وقف مع الحق صامدا ًورفض المتع المادية الحقيرة. فما أسعده!

الآثار العلمية وتأليفات الأستاذ «قلمداران»

إضافة إلى المقالات والبحوث التي كان الأستاذ يكتبها في الجرائد والمجلات المختلفة، ترك لنا أيضا ثروة ثمينة من الكتب؛ ألف بعضها وترجم البعض الآخر من العربية إلى الفارسية، وكلها كتب نفيسة، منها:

1- ترجمة كتاب «المعارف المحمدية» وهذا الكتاب من آثار العلامة الخالصي، وقد ترجم وطبع قبل سنة 1335 ه‍. ش. حسب التقويم الإيراني (يطابق سنة 1956م).

2- ترجمة كتاب «إحياء الشريعة» تأليف العلامة الخالصي، وكان كرسالة يوضح فيها العلامة الخالصي بعض المسائل الفقهية، وترجمه الأستاذ بعنوان: «آئين جاويدان» وطبعه.

3- «آيين دين يا أحكام اسلام» ترجمة كتاب «الإسلام سبيل السعادة والسلام» وهذا الكتاب أيضا من مؤلفات العلامة الخالصي، وترجمه الأستاذ «قلمداران» وطبعه في سنة 1376ه‍.

4- تأليف كتاب «أرمغان آسمان = بشرى السماء» المشهور في سنة 1961م. وهذا الكتاب قد نشره من قَبل ضمن سلسلة مقالات في جريدة «الوظيفة».

5- «ارمغان إلهي» في إثبات وجوب صلاة الجمعة، وهذا الكتاب ترجمة لكتاب «الجمعة» تأليف العلامة الخالصي.

6- رسالة في الحج أو المؤتمر الإسلامي العظيم في سنة 1362ه‍.

7- رسالة «الاستملاك في إيران من وجهة النظر الإسلامي»، وهذا الكتاب مخطوط بخطه ولم يطبع إلى الآن.

8- قيام الإمام الحسين عليه السلام.

9- تأليف المجلد الأول من كتاب نفيس باسم «حكومت در اسلام = الحكومة في الإسلام» ودرس أهمية الحكومة وكيفية تأسيسها في ضمن 68 مبحثا، ولم يكتب مثله مِن قبل في إيران، بل وإلى الآن ليس لهذا الكتاب نظير في المحافل العلمية في إيران.

وسُمع من الأستاذ أنه قال: كان آية الله المنتظري يدرّس هذا الكتاب في نجف آباد إصبهان قبل ثورة الخميني.

وبين الأستاذ السبب الدافع لتأليف هذا الكتاب وقال: رأيت في المنام ليلة الإثنين السابع والعشرين من شهر محرم سنة 1384 من الهجرة أنني مع بعض الإخوة في كربلاء، وكأنه توفي الحسين وأنا لابدّ أن أغسل جثمانه وسائر الإخوة يساعدونني في هذا المهام، فتهيأت نفسي وقصدت الوضوء قبل كل شيء. فاستيقظت من النوم. وعبّرتُ نومي بأني سأغسل وجه الإسلام من الخرافات والأوهام بتأليف هذا الكتاب والكتب الأخرى وأظهر للناس الوجه الحقيقي الساطع للإسلام. فشكرا لهذه النعمة بدأت بصلاة قيام الليل، والحمد لله.

ثم من الغد بدأت بتأليف هذا الكتاب وكنت في قرية «ديزيجان» في العطلة الصيفية.

10 - رسالة «هل هؤلاء مسلمون؟»، هذا الكتيب الصغير ترجمة لوصية العلامة الخالصي في المستشفي سنة 1377ه‍ وقد أملاه سكرتيره، ثم طبع بعنوان: «هل هم مسلمون؟» وفي ضمنه رسالة قصيرة باسم: «ايران در آتش ناداني = إيران في نار الجهل» وهي ترجمة بعض المواضع من كتاب «شر وفتنة الجهل في إيران» من مؤلفات العلامة الخالصي.

11- مجموعة «راه نجات از شر غلات = طريق النجاة من شر الغلاة» في خمس مجلدات يشتمل على المباحث التالية: 1- علم الغيب، 2- الإمامة، 3- بحث في الولاية وحقيقتها (لم يطبع بعد)، 4- بحث في الشفاعة، 5- بحث في الغلو والغلاة وطبع ضمن بحث الشفاعة، 6- بحث في حقيقة الزيارة وعمارة المقابر وطبع باسم «زيارت وزيارتنامه». (طبع بالآلة الكاتبة القديمة وصورت منه 50 نسخة تقريبا و نشر بين محبي قلمداران فقط).

12- كتاب «الزكاة» وطبع بمساعدة المهندس بازركان في شركة الأسهم، ومنعت السلطة الدينية نشر هذا الكتاب إلى حين.

13- كتاب «الخمس» ألفه الأستاذ بعد كتاب الزكاة، ولم يطبع هذا الكتاب لأن الحوزات وعلماء الشيعة لهم حساسية خاصة حول هذا الموضوع، ونسخه بعض زملاء الأستاذ بالآلة الكاتبة في إصفهان ونشروه، وكتب آية الله «ناصر مكارم شيرازي» و «رضا استادي» وغيرهما ردودا على هذا الكتاب القيم، وأجاب الأستاذ «قلمداران» عن جميع هذا الردود وضمها إلى كتابه «الخُمْس».

14- كتاب «شاهراه اتحاد = طريق الإتحاد»، ومن المعلوم أن الشيعة تشتعل بسرعة عند سماع مسألة الإمامة. وهذا الكتاب اشتمل على مباحث الإمامة والوقائع بعد رحلة الرسولج، واجتماع الصحابة في سقيفة بني‌ساعدة، وموضوع الخلافة والإمامة. وهذا الكتاب نُشر من قِبَل بعض زملاء الأستاذ بأعداد قليلة.

15- قبل الثورة بعدّة أعوام كتب «ذبيح الله محلاتي»، -من الرجال المذهبيين الشيعة- رسالةً باسم «ضرب شمشير بر منكر غدير = ضربة السيف على منكر الغدير» وأدرج في رسالته مباحث زائفة تخالف الحق والعقل. فأجابه الأستاذ «قلمداران» برسالة عنوانها: «پاسخ يك دهاتي به آية الله محلاتي = ردٌّ من رجل قروي على آية الله محلاتي».

16- المجلد الثاني من كتاب «الحكومة في الإسلام» ودرس فيه مهام الحكومة الإسلامية والحاكم المسلم.

17- رسالة «سنة الرسول من عترة الرسول ج».

كان هذا نموذجاً مختصراً عن مؤلفات الأستاذ قلمداران[3].

ومن الجدير بالذكر أنه بالإضافة إلى المؤلفات والمصنفات وترجمةِ الكتب ونشر المقالات والبحوث الدينية والذب عن حوزة الدين، كان الأستاذ يلقي الخطب والدروس الدينية والثقافية العديدة في طهران (مسجد كذر وزير دفتر أيام آية الله البرقعي) وفي تبريز وأصفهان، وكذا ألقى خطبة مهمة في صحن قبر الحسين في كربلاء حينما زارها، وطبعت هذه الخطبة مع كتاب «زيارت و زيارتنامه».

[3] بعض كتب الأستاذ طبعت ضمن هذه المجموعة، ومنشور في موقع مجموعة موحدين على شبكة الإنترنت: http://www.mowahedin.com

وفاة الأستاذ

توفي هذا العالم النحرير في يوم الجمعة التاسع والعشرين من شهر رمضان المبارك عام 1409ه‍ (15 ارديبهشت 1368 ه‍ ش) وقد مضى من عمره 76 سنة بعدما تحمل المشاق والمتاعب في سبيل نشر الحقائق الإسلامية والوقوف أمام البدع والخرافات الموجودة في المجتمع، وكان عمره ستّ وسبعون سنة، ودفن عصر ذلك اليوم في مقبرة قم في آخر شارع (جهارمردان)، بعدما حضر بعض أصدقائه وتلاميذه جنازته.

وكان حفلاً بسيطاً خالياً عن جميع مظاهر البدعة المروّجة في المجتمع الإيراني، وقد صلى عليه العلامة الموحد مصطفى حسيني طباطبائي.

فرضي الله عنه وعن سائر الدعاة المصلحين.

الدكتور حنیف

20/4/1431 هـ. ق. المطابق لـ 5/4/2010 م، و 16/1/1389هـ. ش.

الإمامة والخلافة

بسم الله الرحمن الرحيم

أخي العزيز:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

طلبتَ منّي أن أكتبَ حولَ مذهب الإماميّة وفقهه إجمالاً فاستجبتُ لطلبكَ[4] وأسأل الله تعالى أن يصونَني بفضله العظيم مِن أيِّ تعصّبٍ جاهليّ ويُلهَمني البصيرةَ والإنصاف وسأسعى أن يكونَ كلامي موجزاً والله المستعانُ وعليه التكلانُ.

بُنيَ أساسُ مذهب الإمامية في مقابل المذاهب الأخرى الإسلامية على أنَّ الله اختار عليًّا ÷ وأحد عشر من أبنائه خلفاء لرسوله الأَكرم ص، وأنّ الشورى للمهاجرين والأنصار لاختيار خليفة النبي ص كان باطلاً وغير مشروع، ولكن هذا الادعاءُ مخالف للرسالة الصريحة التي نقلها الإمامية عن عليٍّ ÷ كما جاء في "نهج البلاغة": «إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان، على مابايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضاً فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردّوه إلى ما خرج منه فإن أبى قاتلوه على اتباعه غَيرَ سبيل المؤمنين...». [5]

وهذه الرسالة جاءت أيضاً في كتاب وقعة صفين من تأليف نصر بن مزاحم المنقري المتوفى سنة 212ه‍ وهو من الكتب المعتبرة والقديمة عند الشيعة، والذي أُعيدَ طبعُه في إيران أخيراً. [6]

مفاد هذه الرسالة يتوافق مع القرآن الكريم حيث يقولُ الله في سورة التوبة: ﴿وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلۡأَوَّلُونَ مِنَ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحۡسَٰنٖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُ وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي تَحۡتَهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ ١٠٠ [التوبة: ١٠٠].

كما يلاحظ أنّ المهاجرين والأنصاري وُعِدوا بالجنة في هذه الآية الكريمة صراحة، وكذلك يقول الله فيهم: ﴿وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَيۡنَهُمۡ [الشورى: ٣٨].

وإذا اجتمعت جماعة من أهل الجنّة وتشاوروا بينهم واختاروا شخصاً إماماً للمسلمين، فهل هذا العمل مخالفٌ لرضى الله تعالى؟ أم هو كما يقول علي÷: «كان ذلك لله رضى»؟!

عجباً أنّ فرقة الإماميّة لا تعتني بما تروي عن عليٍّ ÷ بنفسها ولا بالآيات القرآنية الصريحة!!

قال علي ÷ في "نهج البلاغة": «والله ما كانت لي في الخلافة رغبة، ولا في الولاية إربة، ولكنكم دعوتموني إليها وحملتموني عليها» [7].

إن كانَ الله قد اختارَ عليًّا ÷ للخلافة وولاية المسلمين، فلماذا لم يكن راغباً فيها، وكان معرضاً عنها؟

وهل رسول الله ص كانَ معرضاً وراغباً عن نبوّته ورسالته أيضاً؟! إن كان الله قد اختار عليّاً ÷ للخلافة فلماذا بايع أبا بكر وعمر؟ كما صرحت بها كتبُ الشيعة "كالغارات" للثقفي، ومستدرك نهج البلاغة، وكتب أخرى لفرقة الإماميّة.

نقرأ مثلاً في كتاب "الغارات" لأبي إسحاق الثقفي المتوفى سنة 283هـ أنَّ عليّاً÷ لمّا قُتل محمدُ بن أبي بكر كتبَ رسالةً إلى أصحابه في مصرَ متذكراً أبا بكر يقول فيها: «فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فبايعتُه» [8].

ويقول في عمر س: «تولى عمرُ الأمورَ وكان مرضي السيرة، ميمون النقيبة» [9].

قال الجوهري في "الصحاح": «فلانٌ ميمونُ النقيبة إذا كانَ مبارك النفس» [10].

هذه مفاد رسائلَ عليّ ÷ نقلها الشيعة بأنفسهم غير أهل السنة، وصرح بها أسلاف الإمامية فهل يبايع عليٌّ الغاصب؟!

وهل البيعة من شخصٍ اختاره الله تعالى خليفةً لرسوله ص صحيحة؟!

وهل يثني ويمجد عليٌ ÷ غاصباً أو ظالماً ويعدُّه مرضي السيرةِ ميمونَ النقيبة؟ فلماذا لا ينصفون ولا يتّقون الله؟

جاءَ في كتاب "وقعة صفين" أن عليًّا ÷ قال في أبي بكر وعمر: «أحسنا السيرةِ وعدلا في الأمة» [11].

أما الشيعة الإمامية فتقول إنَّهما كانا ظالمين غاصبين، إننا إذا عرضنا ادعاء الإمامية على القرآن وجدنا أن الله يقول في المهاجرين: ﴿ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّٰهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُواْ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَنَهَوۡاْ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۗ وَلِلَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ ٤١ [الحج : ٤١].

أما الشيعة فتقول: لمّا أعطاهم الله القدرةَ غصبوا خلافة عليٍّ ÷ وظلموا وآذوا فاطمةَ الزهراء بكسر ضلعها [12].

يقول الله تعالى في سورة الحج: ﴿ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بِغَيۡرِ حَقٍّ إِلَّآ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّهُدِّمَتۡ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٞ وَصَلَوَٰتٞ وَمَسَٰجِدُ يُذۡكَرُ فِيهَا ٱسۡمُ ٱللَّهِ كَثِيرٗاۗ وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ٤٠ ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّٰهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُواْ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَنَهَوۡاْ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۗ وَلِلَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ ٤١ [الحج : ٤٠، ٤١].

أيحق لنا أن نعرض عن الآيات القرآنية ورسائل علي ÷ الموثقة، ونؤمن بادعاءات هذا وذاك، وبالتالي نضع الفرقة بين الأمة الإسلامية؟

ألم يقل الله سبحانه: ﴿وَلَا تَفَرَّقُواْ [آل عمران: ١٠٣]؟

ألم يقل علي ÷ في نهج البلاغة: «والزموا السواد الأعظم فإن يد الله مع الجماعة وإياكم والتفرقة»؟[13]

عجباً ذلك اليوم الذي ازدحم المسلمون فيه على باب عليٍّ ÷ وأرادوا منه أن يبايعوه وهو يقول: «دَعُوني والتمسوا غيري» [14].

وعاقبة الأمر أن رضي بها بعد أن كان مُصرًّا على نبذها.

إن كانَ قد اختاره الله لخلافة النبي ص فلماذا هذا الاستنكاف؟ ولماذا لم يقبل مهمته التي أعطاه الله إياها إلاَّ بعد الإصرار الكثير؟

ولماذا كان يقتدي بالخلفاء في الصلواتِ؟ كما صرّح به صاحب وسائل الشيعة: «قد أنكح رسولُ الله ص وصلّى عليٌّ ÷ وراءَهم» [15].

لماذا كان عليٌّ ÷ – بناءً على قولِ الإماميّة – يؤيد الظالمين والغاصبين والمبتدعين؟ هل هذا كلُّه كانَ لتقوية الإسلام؟![16]

لماذا لا يوجد في القرآني اسمٌ ووصفٌ للأئمة الاثني عشر، ولكن جاء الكلام بالتفصيل حول أصحاب الكهف وذي القرنين ولقمان وهارون وغيرهم؟

هل يمكن أن يسكت كتاب الهداية عما يسبب الاختلاف والفرقة بين الأمة في قرونٍ متعاقبة، ويبحث بالتفصيل في الأسلاف والقدماء؟ أين ذهبَ إنصافكم؟[17]

نجد علماء الإماميّة -هداهم الله إلى طريق الحق والصواب- يستشهدون بحديث الغدير مراراً وتكراراً، وأنَّ رسول الله ص اختار عليًّا ÷ للخلافة والنبيُّ ص حين كان في الطريق بين مكةَ والمدينة تحدّث بمناسبة خلافٍ كان قد حدث بين بعض الصحابة وعليٍّ ÷، عن ولاية عليٍّ ÷، أي محبته، لا عن خلافته، لأنه قال ص: «مَن كنتُ مولاه فهذا عليٌّ مولاه» ثم أتى بالقرينة وقال: «اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه»[18] إذاً ما العلاقة بين المحبة والعونِ، وبين الخلافة؟

المولى هو الذي يجب أن نحَّبه، ليس معناه الخليفة أو الوصيُّ. أين ثبت أن مَفعَل جاءَ بمعنى أفعل كي يتضحَ أن المولى معناه أولى؟!

أليس في القرآن: ﴿... فَإِن لَّمۡ تَعۡلَمُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ فَإِخۡوَٰنُكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَٰلِيكُمۡ... [الاحزاب: ٥]؟

ألم يأت في سورة التحريم: ﴿... فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ... [التحريم: ٤]؟

هل (المولى) جاء بمعنى المتكفل والمراقب؟ وعلى هذا فالمؤمنون متكفلون بالنبيّ ص؟

يا له من فهم! فلماذا لم يفهم صحابة رسول الله ص الذين هم المخاطبون بهذه الكلمات في حديث الغدير بهذا المعنى الذي تدّعي الإمامية؟[19]

روى ابنُ عساكر عن حفيد عليٍّ ÷ حسن المثنى وهو يقول: «قيل: ألم يقل رسول الله من كنت مولاه فهذا علي مولاه؟ فقال: بلى! ولكن والله لم يعن رسول الله بذلك الإمارة والسلطان، ولو أراد ذلك لأفصح لهم به، فإنَّ رسول الله كان أفصح المسلمين، ولو كان الأمر كما قيل، لقال: رسول الله: يا أيها الناس هذا ولي أمركم والقائم عليكم من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا، والله لئن كان الله ورسوله اختارا عليًّا لهذا الأمر وجعله القائم للمسلمين من بعده، ثم ترك عليّ أمر الله ورسوله لكان عليّ أول من ترك أمر الله ورسوله» [20].

انظروا كيف يحكم حفيدُ عليٍّ ÷، ثم يأتي أناس يحرفون رسائل علي وأولاده ولا يبالون بذلك، ليكون كلامهم وآراؤهم مقدمة على كلام علي وأولاده؟ وينسبوا الضلالة إلى أكثر المسلمين من صدر الإسلام حتى يومنا هذا، ألا يخافون من الحساب يوم القيامة؟

وقد يستدلون في بعض الأحيان بما جاء في صحيح البخاري ما نصه: «ايتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعدي أبداً» ثم يقولون إن النبي ص ترك الكتابة لأنّ عمر بن الخطاب قال: «حسبنا كتاب الله»[21] وكان النبيُّ ص طبقاً لرأي الإمامية يريد أن يكتب شيئاً حول خلافة علي ÷.

وللإجابة على ذلك نقول:

أولاً: كان النبي ص أميّاً وليس في استطاعته أن يكتب بنفسه، ولكن جاء في هذه الرواية «أن اكتب» وإن كان المقصود من الكتابة إملاؤها فيقول «أملي عليكم».

ثانياً: طبقاً لهذه الرواية فقد أراد النبي ص – معاذ الله – وقوع الضلالة في الأمة حيث قال: «أكتب لكم» ولم يكتب، والقرآن الكريم يقول: ﴿...ٱلۡيَوۡمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمۡ فَلَا تَخۡشَوۡهُمۡ وَٱخۡشَوۡنِۚ ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗا... [المائ‍دة: ٣].

ثالثاً: إن كان هذا الأمر من الله سبحانه فكيف يجوز أن يقالَ إنّ النبي ص ترك أمر الله لأجل مخالفة عمر بن الخطاب؟!

رابعاً: وإن كان الحديث صحيحاً، ولم يكتب النبيُّ ص شيئاً ولم يعيّن نائباً، فلماذا فرقة الإماميّة تخالف الأمةَ الإسلاميّة وتنسبُ الضلالة إلى الآخرين على أمرٍ لم يتمَّ بعد؟!

خامساً: من أين لهم أن النبي ص لو كتب هذه الرسالة فإنه سيختار اثني عشر إماماً من أهل بيته؟! هل عندهم علم الغيب؟ وكيف اطّلعوا على ما في ضمير رسول الله ص؟

سادساً: إن كانوا يعتمدون على صحيح البخاري فلماذا لا يقبلون هذا الحديث الذي يقول إن النبي ص صعد جبل أحد مع أبي بكر وعمر وعثمانَ وأشار النبيُّ ص إلى الجبل وقال: «فليس عليك إلاَّ نبيٌّ وصدّيقٌ وشهيدان» [22].

ويقولون: عندنا روايات كثيرة في عليٍّ ÷ يجب علينا أن نتّبعها.

ونحن نقول: هناك روايات كثيرة أيضاً في أبي بكر وعمرَ توجب علينا اتباعهما، ويمكن الجمع بين هذه الروايات ولا خلاف بين بعضها البعض أبداً كما جاء عن الرسول ص أنَّه قال: «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» [23].

وكما قال ص: «إني لا أدري ما بقائي فيكم فاقتدوا باللذين من بعدي، وأشار إلى أبي بكر وعمر»[24] رواه الترمذي في صحيحه والآخرون بأسانيد مختلفة.

نحن لا ننكر فضل عليٍّ ÷ وأهل البيت البتة، وكذا فضل عليٍّ على سائر الخلفاء[25]، ولكن مسألة اختياره من الله للخلافة أمرٌ لا يتوافق مع أحاديث عليٍّ÷ نفسه التي جاءتنا من طرق الشيعة الإمامية فضلاً عن الروايات التي رواها أهلُ السنة.

مثلاً إضافةً على ما سبق يقول المسعودي الذي تعدُّه الشيعة من أنفسهم[26] في كتابه مروج الذهب: «دخل الناسُ على علي ÷ يسألونه، فقالوا يا أمير المؤمنين: أرأيت إن فقدناك ولا نفقدك أنبايع الحسن؟ قال: لا آمركم ولا أنهاكم، وأنتم أبصر» [27].

ويقول أيضاً قال الناس لعليٍّ ÷: «ألا تعهد يا أمير المؤمنين؟ قال: لا؛ ولكني أتركهم كما تركهم رسول الله ص» [28].

هذه آثارٌ رواها الشيعة الإمامية عن عليٍّ ÷ في كتب تاريخهم وحديثهم، وقد نقل أهلُ السنة والشيعة والزيدية[29] عنه ÷ ما يشبه هذه الآثار في كتبهم، مثل ما رواه أحمدُ بن حنبل في "مسنده"[30] قريباً من تلك الآثار التي نقلها الإمامية وهي من حجتنا عليهم عند الله.

مثل ما جاء في "مستدرك الوسائل"، و"وسائل الشيعة"، و"بحار الأنوار" للمجلسي أن عليًّا÷ قال: «والواجب في حكم الله وحكم الإسلام على المسلمين بعد ما يموت إمامهم أو يقتل، ضالاً كان أو مهتدياً مظلوماً، حلال الدم أو حرام الدم، أن لا يعملوا عملاً ولا يحدثوا حدثاً، ولا يقدموا يداً أو رجلاً، ولا يبدؤوا بشيء قبل أن يختاروا لأنفسهم – (في بحار الأنوار لجميع أمرهم) – إماماً عفيفاً عالماً عارفاً بالقضاء والسنة» [31].

فهنا كما ترى أنَّ عليا ÷ يعدُّ الإمامة أمراً اختيارياً لا انتصابياً ومعيناً من الله سبحانه.

وبناءً على قول الإمامية: كيف يفهم سبعة وسبعون ألف شخص من حديث الغدير أنّ عليّاً اختاره الله تعالى لأمر الخلافة ثم سكتوا كلُّهم وقبلوا خلافة أبي بكر وذلك بعد مضيّ أقلّ من شهرين؟![32]

هل المهاجرون الأولونَ الذين وعدهم الله بالجنة في سورة التوبة كفروا كلُّهم؟!

لو فرضنا أنّ المهاجرين – معاذ الله – ارتدّوا واتخذوا أمر الله ورسوله وراءَ ظهورهم، فلماذا سكت الأنصارُ الذين لم ينتفعوا من هذا، ولم يختار الخليفة من بينهم؟!

ولماذا لم يطيعوا أمر الله ورسوله ولم يبايعوا عليّاً؟ ألم يكونوا هم الذين نصروا الرسول ص بعد أن همَّ قومه بقتله؟ أليسوا هم الذين ضحّوا بأنفسهم في سبيل الله؟ ألم يقل الله سبحانه فيهم: ﴿... وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقّٗاۚ لَّهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ ٧٤ [الأنفال: ٧٤].

هل كل أولئك المؤمنون الحقيقيون تركوا أمر الله ورسوله في خلافة عليٍّ÷ بغير دليل وبدون نفع الدنيا والآخرة؟[33]

هل يمكن أن نغضُّ الطرف عن هذه الدلائل الواضحة كلّها؟!!

لقد وضح المقالُ إن استفادوا
ولكن أين مَن ترك العنادا؟!!

الادعاء الثاني للشيعة الإماميَّة أنّ أهلَ بيت النبيّ ص كانوا معصومين من أيّ سهوٍ أو خطأ أو نسيانٍ فلا خطأ في آرائهم أبداً، ومن هنا يجب على المسلمين أن يتبعوهم في أمور فقهية وتفسيرية ولا يجوز التمسك إلاّ بالأحاديث التي وردت في كتبهم [34].

وهذا الادعاء خطأ من وجوه:

أولاً: أجمع الإماميّة والآخرون على أنَّ النبيّ ص أرفعُ أهل بيته كلهم شرفاً ومنزلةً ومع ذلك لم يكن مصوناً من الخطأ كما ثبت هذا بالقرآن حيث قال الله تعالى مخاطباً النبيَّ ص: ﴿... لِمَ أَذِنتَ لهم... [التوبة: ٤٣]؟ ويقول في آية أخرى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَۖ تَبۡتَغِي مَرۡضَاتَ أَزۡوَٰجِكَ... [التحريم: ١].

هذه الآيات تُوضح أنَّ النبي أخطأ أحيانا وأذن للبعض أن يتخلفوا عن الجهاد، أو أوقع نفسه في المشقة، وحرم نفسه من الحلال لابتغاء مرضات أزواجه.

ولكن هناك فرق بين النبيّ ص والآخرين في أنّ الله تعالى كان يطلع نبيَّه ص على خطئه ويأمره بالإصلاح ولكن ليس هذا الارتباط إلاَّ بين الله والنبيّ ص، من هنا كان الآخرون يخطئون ولم يطلعهم الله على خطأهم لأنهم ليس لهم مقامُ النبوة، هذه القاعدة تشمل أهلَ بيت النبيّ ص أيضاً ونُقل عنهم أخطاء في التاريخ سيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى.

ثانياً: جاء في القرآن آيات صريحة تنسب النسيانَ إلى رسول الله ص منها: ﴿... وَٱذۡكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ... [الكهف: ٢٤].

اتّفق المفسرون على أنَّ مشركي مكةَ سألوا الرسول ص عن أصحاب الكهف والنبيُّ ص وعدَهم أن يأخذ الجوابَ لهم من الوحي غداً ونسي أن يقول: (إن شاء الله) فقطعَ الله الوحيَ مدةً تنبيهاً للنبي ص وتربية له ثم نزلت هذه الآية: ﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَاْيۡءٍ إِنِّي فَاعِلٞ ذَٰلِكَ غَدًا ٢٣ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُۚ وَٱذۡكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ... [الكهف: ٢٣، ٢٤][35].

فكيف يكون أهل بيت النبي ص مصونين من كل أنواع النسيان والخطأ؟ ألم يقل الله سبحانه لنبيّه ص: ﴿... وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيۡطَٰنُ فَلَا تَقۡعُدۡ بَعۡدَ ٱلذِّكۡرَىٰ مَعَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ ٦٨ [الأنعام: ٦٨].

ثالثاً: التاريخ يبين أنّ أهل بيت النبي ص أخطأوا في مواضعَ متعددة، في الأحكام وغيرها.

مثلاً جاء في نهج البلاغة أنَّ عليّاً ÷ كتب رسالةً إلى واليه في شيراز يقول فيها: «أما بعد، فإنّ صلاح أبيك غرّني منك، وظننت أنك تتبع هديه وتسلك سبيله» [36].

ومنذر بن جارود هو الذي أخطأ فيه عليٌّ ÷ حيث أرسله والياً على شيراز فتسلّط على بيت‌المال وسرق منه أربعة آلاف درهم ثم هرب إلى معاوية كما ذكر ذلك شارحوا نهج البلاغة.[37]

فكما ترى هنا حدث الخطأ، ولكنّ الله لم ينزل وحياً على عليٍّ ÷ ليخبره عن خيانةِ منذر بن جارود ولم يطلع على أحواله وسرقة أموال الناس إلاَّ بعد فراره.

وهناك شاهدٌ آخر وهو أنَّ الشيخ الطوسي يقول في كتابه تهذيب الأحكام: «صلى علي ÷ بالناس على غير طهر وكانت الظهر ثم دخل، فخرج مناديه إنَّ أمير المؤمنين صلى على غير طهر فأعيدوا، فليبلغ الشاهد الغائب» [38].

ومن هذا يتضح أن الخطأ والنسيان قد حدث من أهل البيت عليهم السلام.

كما روى محمد بن إدريس الحلي[39] – وهو من أعلام الشيعة الإمامية – في فصلٍ في كتابه السرائر قوله: «ذكرت لأبي عبد الله ÷ السّهو فقال: وهل يفلت من ذلك أحد؟ ربما أقعدت الخادم خلفي حتى يحفظ عليَّ صلواتي» [40].

وجاء في كتب علماء الشيعة الإمامية وتواريخهم أنّ الإمام الحسن ÷ كان يخالف أباه الفاضل في بعض الأمور السياسية والدينية، فإذا قلنا كان الحق مع الإمام الحسن ÷، فمعناه أنّ أباه قد أخطأ، وإذا قلنا الحق مع الأب فالابن هو المخطئ.

وكتب الدينوري المتوفى سنة 282هـ في كتابه أخبار الطوال بمناسبة ذهاب عليّ ÷ إلى حرب الجمل فقال: «فدنا منه الحسن فقال: يا أبت أشرت عليك حين قتل عثمان وراح الناس إليك وغدوا وسألوك أن تقوم بهذا الأمر ألا تقبله حتى تأتيك طاعة جميع الناس في الآفاق، وأشرتُ عليك حين بلغك خروج الزبير وطلحة بعائشة إلى البصرة أن ترجع إلى المدينة فتقيم في بيتك، وأشرتُ عليك حين حوصر عثمان أن تخرج من المدينة فإن قُتِل قُتِل وأنت غائب فلم تقبل رأيي في شيء من ذلك».

هل يمكن أن يقال إنّ الإمام الحسن ÷ كان معصوماً من كل خطأ ومع ذلك لم يقبل عليٌ÷ رأيه؟ بالتأكيد لا.

لذا يردُّ عليٌّ عليه ويقول له: «فقال عليّ ÷: أما انتظاري طاعة جميع الناس من جميع الآفاق، فإن البيعة لا تكون إلاَّ لمن حضر الحرمين من المهاجرين والأنصار، فإذا رضوا وسلّموا وجب على جميع الناس الرضا والتسليم وأما رجوعي إلى بيتي والجلوس فيه فإنَّ رجوعي لو رجعت كان غدراً بالأمة ولم آمن أن تقع الفرقة وتتصدّع عصا هذه الأمة، وأما خروجي حين حوصر عثمان فكيف أمنني ذلك؟ وقد كان الناس أحاطوا بعثمان فاكفف يا بني عمّا أنا أعلم به منك».[41]

وقد جاء نظيرُ هذه الاعتراضات والأسئلة والأجوبة في مصادر الشيعة الإمامية صراحة كما نقرأ في كتاب المجالس للشيخ المفيد، وفي كتاب بحار الأنوار للمجلسي أنَّ الإمام الحسن ÷ قال لأمير المؤمنين عليٍّ ÷: «اخرج من المدينة واعتزل فإنَّ الناس لابد لهم منك وإنَّهم ليأتونك ولو كنت بصنعا، أخاف أن يقتل هذا الرجل وأنت حاضره».

قال عليٌّ في جوابه: «يا بني أخرج من دار هجرتي؟ وما أظن أحداً يجتر عليّ هذا القول؟!»[42]

ورأينا أن عليّاً ÷ لم يصب في ظنه واتّهموه مع الأسف بأنَّه شارك في قتل عثمان. كما نقرأ شبيهَ تلك الآثار في الأمالي للشيخ الطوسي وهو من أساطين الإمامية[43]. كلُّ هذا يدلّ على أنّ الخطأ حدث بالفعل لأهل بيت النبيِّ ص.

دليل آخر يثبت ذلك وهي الأحاديث المتناقضة التي نُقلت عن الأئمة في الكتب الفقهية للشيعة الإمامية بحيث لم يمكّن لهم حملُها على التقية لأنَّه ليس هناك شيء يوجب الخوفَ والتقية كهذَين الحديثين الذين رُوي أحدهما عن جعفر الصادق والآخرُ عن ابنه موسى عليهم السلام.

جاء في باب الطهارة من كتاب وسائل الشيعة للشيخ الحرّ العاملي أنّ محمد بن يعقوب الكلبي روى عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن أبي عمير عن حفص بن البختري عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله الصادق أنه قال في زيارة القبور: «إنهم يأنسون بكم فإذا غبتم عنهم استوحشوا» [44].

وفي رواية أخرى روى محمد بن علي بن حسين (ابن بابويه) بإسناده إلى صفوان بن يحيى أنّه قال: «قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر: بلغني أنَّ المؤمن إذا أتاه الزائر أنس به فإذا انصرف عنه استوحش فقال لا يستوحش» [45].

أمثال تلك الروايات تُثبتُ لنا أنّ للأئمة آراء مختلفة، وأحياناً متضادة لا يمكنُ أن تكونَ كلُّها صحيحةً.

وقصة اختلاف الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام على قضية الصلح بين الحسن ومعاوية مشهورة بين الشيعة والسنة وقد جاءت في كتب الفريقين[46] وهي تدُّلُ على أنّ أحد الفاضلين قد أخطأ.

وهنا استدلّ الشيعة الإمامية بآية التطهير[47] الشريفة: ﴿... إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذۡهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِ وَيُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِيرٗا ٣٣ [الأحزاب: ٣٣].

فتدعي الشيعة أنّ هذه الآية تدل على عصمة أهل البيت عن كل أنواع الخطأ فنقول:

أولاً: إنّ رسول الله ص لم يكن بريئاً عن الخطأ بنص القرآن، فكيف بأهل بيته؟!

ثانياً: الآية المذكورة تدل على رفع الرجس عن أهل البيت، والخطأ ليس من الرجس، إنَّما الرجس سببه المعصية.

ثالثاً: هذه الآية تدل على الإرادة التشريعية في رفع الرجس عن أهل البيت، لا الإرادة الكونية التي تلزم الجبر.

وقد وردت نصوص كهذه في الطهارة لعموم المسلمين ولا تختص بأهل البيت كما قال تعالى: ﴿... وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمۡ... [المائ‍دة: ٦]. وهذا لا يدل على أنّ كل المؤمنين بريئون عن الخطأ والنسيان والمعصية.

والخلاصة أنَّ أهل البيت كسائر الناس ليسوا بمعصومين عن السهو والخطأ فأحاديث رسول الله ص حجّةٌ علينا لأنّه ص كان في حفظ الله ورعايته كما قال سبحانه: ﴿... فَإِنَّكَ بِأَعۡيُنِنَا... [الطور: ٤٧].

أما أهل البيت فليسوا كذلك وهكذا الأنبياء إذا نسوا أو أخطأوا ذكّرهم الله ليتم حجّته على الناس عن طريقهم كما قال سبحانه: ﴿... لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةُۢ بَعۡدَ ٱلرُّسُلِ... [النساء : ١٦٥].

وقد ادعى الشيعة الإمامية أنَّه لا يجوز أن نأخذ الفقه الإسلامي إلاَّ عن أهل البيت لأنَّ النبيص قال: «إني تاركٌ فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلوا أبداً»[48].

الجواب: هذا الحديث فرض صحّته – لأنّه جاء في بعض الروايات «كتاب الله وسنتي»[49] – لا يفيد وجوب أخذ الفقهاء الفقه الإسلامي عن طريق أهل البيت فقط، حيث قال الله سبحانه في كتابه الكريم: ﴿... فَلَوۡلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرۡقَةٖ مِّنۡهُمۡ طَآئِفَةٞ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوۡمَهُمۡ إِذَا رَجَعُوٓاْ إِلَيۡهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَحۡذَرُونَ ١٢٢ [التوبة: ١٢٢]. فهذه الآية تدل صراحة على أنَّ انتقال الفقه الإسلامي إلى الناس لم يكن منحصراً عن طريق أهل البيت، بل كان يأتي من كل طائفة ينفرون إلى رسول الله ص ويتفقهون عنده ثم يرجعون إلى قومهم ويعلمونهم الأحكامَ، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.

كما جاء في التاريخ أنّ رسول الله ص كان يُرسلُ أصحابَه إلى الأقوام لتعليمهم أحكام الله كإرسال معاذ بن جبل إلى اليمن، وحادثة بئر معونة[50]، والرجيع[51] في التاريخ مشهورة، حيث أرسل رسول الله ص عدداً من أصحابه إلى بعض الأقوام ليعلّموهم الكتاب والأحكام، ولكن قتلهم الأعراب في الطريق.

والخلاصة أنَّ تبليغ دين الله لم يكن محدوداً ومنحصراً في أهل البيت كي يلزم منه وجوبُ أخذ الفقه منهم فقط، بل كان كبارُ الصحابة أيضاً مبلِّغين لهذا الدين، وقد كان النبيُّ ص يقول بعد الانتهاء من بعض خطبه: «فليبلغ الشاهد الغائب»[52] ويقول: «نَضَّرَ الله عبداً سمع مقالتي فوعاها وأدّاها إلى من لم يسمعها، فرُبّ حامل فقه ليس بفقيه، ورُبّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه» [53].

ولأجل هذا فإننا إذا أردنا معرفة الفقه الإسلامي فإنه يجب علينا أن نرجع إلى آثار الصحابة التي جاءت في كتب الصحاح لأهل السنة ونسمي الصحابة فقهاءَ، كما يلزمنا أن نرجع إلى أحاديث أهل البيت التي جاءت في كتب الإمامية والزيدية ونبيّن الصحيح من السقيم وندرس فقهَ الإسلام من جميع الأطراف.

وبهذا يستطيع فقهاء أهل السنّة والزيدية أن يُـخرجا فقه الإمامية من مشكلة رئيسة وهي أنَّ فقهاءَ الإمامية خاصّة المعاصرين يعدّون خبرَ الآحاد حجّة، ويخصصونَ القرآن الكريمَ به، وبناءً على قولهم لا يكون خبر الواحد حجّة إلاّ عند انسداد باب العلم، أي إذا لم يوجد طريقٌ إلى العلم بالأحكام يميلون إلى الظن ضرورةً لأنّ خبر الواحد ظنيٌّ بدليل أنه لا يمكننا أن نوقن أنَّ الراوي لم يكذب، وبفرض حصول الاطمئنان على صدقه، لا نوقن أنَّه لم ينس، أو لم يخطئ، خاصّةً أنَّ الأئمة أجازوا أن تُروى الأحاديث بالمعنى رواية حديثٍ من أفراد متعددة ومع القرون المتعاقبة يقوي احتمال التغيير في مفاده، ولكن إذا راجعنا فقهَ الزيدية وأهل السنّة ورأينا حديثاً رُوي عن طرق متعددة وبأسانيد مختلفة فقد نطمئنُ إلى صحته، فخبر الواحد لا يكون حجةً إلاّ إذا كان باب العلم مسدوداً.

والحمد لله فهذا الباب ليس مسدوداً، ولكن فقهاء الإمامية لا يريدون الدخولَ منه ويكتفون بأخبار الآحاد الضعيفة والظنية، وبالتالي يصلون إلى أحكام عجيبة غريبة، خاصة أنّ الأئمة التزموا بالتقية خوفاً من خلفاء بني أمية وبني العباس ولم يظهروا آراءهم صراحةً.

ثم لا توجد كتب فقهية للشيعة يُعتمد عليها، لأنَّ تدوين كتبهم كانت بعد عصر الأئمة وجُمعت فيها الأخبار الصحيحة والسقيمة خلافاً لمذهب الزيدية لأنَّ بين أيديهم كتاب مجموع الفقه، أو المسند للإمام زيد كتبه تلميذه أبو خالد الواسطي على إملاء أستاذه، وهكذا فهناك كتب لفقهاء أهل السنة كالموطأ للإمام مالك، والأمّ للإمام الشافعي، والمسند للإمام أحمد بن حنبل رحمهم الله جميعاً.

ولكن لا يوجدُ كتابٌ فقهيٌّ لأئمة الشيعة[54]، حيث جمع الآخرون رواياتهم المتضادة والمختلفة في قرونٍ متأخرة كالكتب الأربعة: الكافي، والتهذيب، والاستبصار، ومن لا يحضره الفقيه. ومن هناك يلزم العلماء المنصفين المقارنة بين آثار الإمامية وروايات المذاهب الأخرى والمشاركة في هذا الأمر مشاركةً علمية، لأنَّ الله تعالى يقول: ﴿وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌ... [الإسراء: 36].

والسلام عليكم على مَن اتبع الـهُدى واجتنب الـهوى.

.. إن الوحدة الإسلامية مطلب مُلِح في هذه المرحلة من حياة الأمة، وإن أعظم طريق للوحدة الإسلامية أن ينظر كل مسلم ما عنده من تراث وأفكار بعين الطالب للحق الباحث عن الحقيقة، لا يهمه أن يظهر الحق على لسانه أو لسان غيره سابراً أما يراه من روايات وأقوال جاعلاً القرآن وصحيح الروايات مطلبه ومقصده، وهذه الرسالة خطوة مباركة في طريق الوحدة الإسلامية.

كتبها الأستاذ الكبير حيدر علي قلمداران القُمي فأرجو منك أن تعيش في صفحاتها وأنت متجرد لطلب الحق والهدى.

[4] هذا أسلوب درج عليه بعض المؤلفين لشد القارئ وكأن الرسالة كتبت لأجله شخصياً. [5] نهج البلاغة، ص: 266. قال الشيخ الهادي كاشف الغطاء في كتابه مستدرك نهج البلاغة ص191: (إن اعتقادنا في كتاب نهج البلاغة أن جميع ما فيه من الخطب والكتب والوصايا والحكم والآداب حاله كحال ما يروى عن النبي صلى الله عليه وآله وعن أهل بيته في جوامع الأخبار الصحيحة والكتب المعتبرة). [6] وقعة صفين لابن مزاحم المنقري، ص: 29. [7] نهج البلاغة، ص: 321. [8] الغارات 1/304، مستدرك نهج البلاغة للميرجهاني 4/174، بحار الأنوار للمجلسي 33/568. [9] الغارات 1/307، مستدرك نهج البلاغة للميرجهاني 1/275، بحار الأنوار للمجلسي 33/569. [10] الصحاح للجوهري 1/227. [11] وقعة صفين لابن مزاحم المنقري، ص: 201. [12] يقول آية الله العظمى محمد حسين فضل الله منتقداً قصة كسر ضلع فاطمة: (.. أنت إذا كان واحد جاء وهجم على زوجتك ويريد أن يضربها، هل تقعد في بيتك وبالغرفة وتقول: لا حول ولا قوة إلا بالله؟! أو تهجم على الذي جاء يضرب زوجتك؟! علي بن أبي طالب سلام الله عليه، هذا الرجل الذي دوخ الأبطال يترك الجماعة يهجمون على الزهراء بهذا الشكل وهو قاعد في البيت ..) ثم يقول: (لماذا الزهراء تفتح الباب؟ .. أنت إذا كنت موجود في البيت وزوجتك موجودة ودق الباب أحد، خصوصاً إذا جاء رجال أمن ليعتقلوك، هل تقول لامرأتك: أنت اخرجي؟ ... يعني الإمام علي جبان، ما عنده غيرة؟!! يقولون: النبيص أوصاه، أوصاه بأن لا يفتح المعركة في الخلافة وليس أن لا يدافع عن زوجته) انظر الحوزة العلمية تدين الانحراف ص 27-28. [13] نهج البلاغة، ص: 184. [14] نهج البلاغة، ص: 136. [15] وسائل الشيعة 8/301. [16] من تناقض الشيعة في هذه المسألة أنهم يدعون أن الباعث لسكوت الإمام علي  هو الحفاظ على بيضة الإسلام! ثم يزعمون أن أصل هذا الدين (الإمامة) اغتصب وضاع! كيف لدينٍ أن يكون محفوظاً وقد ضاع أصله؟! [17] وقد أسهب الشيخ محمد باقر سجودي في بيان هذا الموضوع في كتابه (لماذا لم يذكر اسم علي في القرآن؟). [18] بحار الأنوار 37/225. هذا الحديث المسمى بحديث الغدير يستدل به الشيعة على إمامة علي ÷ وينبغي التنبيه أنه لا يصح منه من طرق أهل السنة إلا قوله (من كنت مولاه فعلي مولاه) أما الزيادات الأخرى فلا تصح، انظر السلسة الصحيحة للألباني 4/330 – 344. [19] بل إن الإمام علي  لم يحتج بهذا الحديث في السقيفة! فلو كان نصاً صريحاً على إمامته لم يتردد في ذكره في ذلك الموضع. [20] تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 13/69. [21] صحيح البخاري كتاب العلم، باب كتابة العلم برقم 114. [22] صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة باب قول النبي ص (لو كنت متخذا خليلاً) برقم 3496. [23] جامع الترمذي كتاب المناقب باب مناقب أبي بكر وعمر ب كليهما برقم 3662. [24] جامع الترمذي كتاب المناقب باب مناقب أبي بكر وعمر ب كليهما برقم 3663. [25] ما ذكره المؤلف من أنَّ أهل السنة لا ينكرون فضل علي وسائر أهل البيت فهذا حق وكتبهم تشهد بذلك، وأما قوله في تفضيل علي س على سائر الخلفاء، فإطلاق غير صحيح بل أجمع أهل السنة أن أبا بكر س أفضل الصحابة ويأتي بعده عمر س واختلفوا في المفاضلة بين علي س وبين عثمان س فجماهير أهل السنة على تفضيل عثمان س وعلى هذا فعلي س رابع الصحابة في الفضل رضي الله عنهم أجمعين وهذا لا يقتضي القدح في أحد منهم. [26] انظر الذريعة لآغا بزرك الطهراني 1/110. [27] مروج الذهب 2/412. [28] مروج الذهب 2/412. [29] الزيدية إحدى فرق الشيعة نسبتها ترجع إلى مؤسسها زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين الذي صاغ نظرية شيعية في السياسة والحكم وقد جاهد من أجلها وقتل في سبيلها، وكان يرى صحة إمامة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم جميعاً، ولم يقل أحد منهم بتكفير أحد من الصحابة ومن مذهبهم جواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل. [30] مسند أحمد بن حنبل 1/130 رقم الحديث 1078. [31] كتاب سليم بن قيس ص 291، بحار الأنوار 33/143-144 وسائل الشيعة 4/191 مستدرك الوسائل 7/123-124. [32] وذلك أن بين حادثة الغدير وحادثة السقيفة - التي تم تداول موضوع الخلافة فيها – قرابة الشهرين فالعهد بحديث الغدير وحادثته قريب جداً لكن مع ذلك لم يحتج بحديث الغدير لا علي ÷ ولا غيره من الصحابة على أحقيته بالخلافة كون حديث الغدير نصٌ على إمامته. [33] هذا ملحظ مهم من المؤلف وهو ما الباعث وراء ترك أمر رسول الله ص في خلافة علي ÷ وماهي المحصلة من ذلك؟! وما هي الفائدة الدنيوية التي فازوا بها جراء ذلك؟! وما هو الترهيب الذي نالهم حتى يحجموا عن أمر رسول الله ص؟! [34] ينسب الشيعة العصمة بهذا المعنى للأئمة مع أن القمي ذكر في كتابه "من لا يحضره الفقيه" وهو من الكتب الأربعة المعتبرة عند الشيعة أن نفي السهو عن النبي ص مذهب للغلاة، انظر 1/234، فكيف يكون بعد ذلك من ضروريات المذهب..؟!! انظر تنقيح المقال للمامقاني 3/240. [35] انظر زبدة التفاسير للملا فتح الله الكاشاني 4/99-100، التفسير الأصفى للفيض الكاشاني2/713، تفسير الطبري 15/284. [36] نهج البلاغة، ص: 461. [37] انظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 18/55-57. [38] تهذيب الأحكام للطوسي 3/40. [39] محمد بن إدريس الحلي، من كبار فقهاء الإمامية في القرن السادس الهجري وصاحب كتاب السرائر الذي عُرِفَ فيه بآرائه الجديدة الجريئة في الفقه وشدة انتقاده لمن سبقه، توفي سنة 598 هـ، انظر ترجمته في مقدمة كتابه السرائر بتحقيق محمد مهدي الخرسان. [40] السرائر للحلي ص 484، وانظر وسائل الشيعة للحر العاملي 8/253. [41] أخبار الطوال للدينوري، ص: 146. [42] بحار الأنوار 31/487، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة لحبيب الله الهاشمي 4/38-39. [43] الأمالي للطوسي، ص: 714. [44] وسائل الشيعة للحر العاملي 3/222، الكافي للكليني 3/228. [45] وسائل الشيعة للحر العاملي 3/222. [46] حياة (زندكي) إمام حسين، تأليف محمد علي خليلي. [47] يطلق علماء الشيعة على هذا الجزء من آية رقم (33) من سورة الأحزاب بأنها آية التطهير وفي الحقيقة هي جزء من آية وردت في سياق كان المخاطب به أزوج النبي ص، مما يدل دخولهم في الآية قطعاً. [48] جامع الترمذي كتاب المناقب باب مناقب أهل البيت رقم 3786. [49] سنن الدار قطني 4/245، سنن البيهقي 10/114، الكافي للكليني 2/606، كمال الدين وتمام النعمة للصدوق ص235. [50] انظر مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب 1/168-169، بحار الأنوار 20/21. [51] انظر مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب 1/168، بحار الأنوار 20/147. [52] انظر: بحار الأنوار 73/348، . [53] انظر: الكافي للكليني 1/403، الأمالي للصدوق ص 432. [54] انظر كتاب أسطورة المذهب الجعفري للدكتور طه الدليمي فقد أفاض في هذه المسألة وأبانها بياناً شافياً.