جواهر الشعر
الاِخْتِيارَاتُ الشِّعْرِيَّةُ
لِلشَّيْخ العَلَّامَة عَبْد الله بنِ زَيْد آل مَحْمُود
المتوفى سَنة 1417 هـ/ 1997م
رحمه الله تعالى
جَمَعَها وَراجَعَهَا
عبد الرحمن بن عبد الله بن زيد آل محمود
نسَّقهَا وَحَققها
الدّكتُور رياض عبد الحميد مُراد
القِسمُ الأوَّلُ
الطبعة الأولى 2011- وزارة الثقافة والفنون والتراث- دولة قطر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فقد وجدت وأنا أقلب في أرشـيف والدي رحمه الله الكثير مما يمكن أن يشكل مادة لأكثر من كتاب، وكان منها ما لاحظته من كثرة الأشعار التي كتبها رحمه الله في مفكرته وفي أوراق كثيرة مبعثرة بين ملفاته وكتبه، فقد كان رحمه الله ذواقة للأدب والشعر يهتم بالبلاغة ويحفظ جيد الشعر وقطع النثر الرائـق، خاصـة ما يحتوي على الحكمة. ووجدت أن ما اجتمع عندي من الأشعار كمية كبيرة تكفي لتأليف كتاب في هذا المجال يحتوي على اختياراته الشعرية التي جمعها خلال مراحل حياته المختلفة.
فأكملت عملي بجمع كل ما أجده من الأشعار، حيث كنت أجد بين الحين والآخر قصاصات أخرى بين كتبه الكثيرة، وأظن أن هناك ما لم أتمكن من الوصول إليه ولكن ما اجتمع عندي كان كافياً لمادة كتاب كبير. فقمت بمراجعة هذه النصوص وتصحيح ما أتمكن من تصحيحه اعتماداً على ما أحفظه وبمساعدة الموسوعات الشعرية الكبيرة كموسوعة أبوظبي وعن طريق الإنترنت حتى تمكنت من تصحيح غالبية الأبيات الشعرية غير الواضحة أو المكسورة وتحديد اسم قائلها.
ثم استعنت بدار النوادر في سوريا لترشيح شخص يتولى تحقيق الكتاب ومراجعته وتوزيعه على فصول بحسب الموضوع ووضع عناوين جانبية وهوامش الكتاب، فتم ترشيح الاستاذ الدكتور رياض عبد الحميد مراد صاحب الخبرة الكبيرة في هذا المجال. الذي قام بعمله بهمة ونشاط وصحح ما لم أتمكن من تصحيحه واستخرج اسماء بقية الشعراء الذين لم نجدهم، كما وضع هيكل الكتاب وتقسيمه إلى فصول ووضع عناوينه الجانبية وعمل على وضع الهوامش اللازمة حتى أصبح الكتاب متكاملاً.
وزرت الرياض ورتبت موعداً مع الشيخ عبدالله بن خميس وكان قد أسنّ بما خشيت معه أن لا يتمكن من إجابة مطلبي وهو كتابة مقدمة للكتاب وكان لقاء حميمياً حيث فرح بزيارتنا وكان يلح على جلوسنا كلما أردنا الاستئذان. وقد اخترت ابن خميـس لكونه من أصدقاء الشيخ رحمه الله وكان مناصراً له عندما أصدر رسائله الشهيرة، كما أنه يعتبر شيخ الأدباء السعوديين بما أصدره من كتب وأبحاث أدبية، وقد أرسلت له نسخة أولى من الكتاب قام بقراءتها على عدة أيام حسـبما تسمح ظروف صحته المتداعية ثم بدأ بكتابة المقدمة بمساعدة ابنه عبد العزيز وكان الأخ عبد العزيز بن عبد الرحمن آل محمود يتابع الأمر باستمرار حتى ظفر بالمقدمة وأرسلها لي وكانت تستحق كل هذا العناء.
وكنت أثناء ذلك قد راجعت الكتاب مراجعة أولى وأبديت ملاحظاتي التي تقبلها الاستاذ رياض وعدل بموجبها كما كنت أضيف أشعاراً جديدة أعثر عليها حتى طلبت مني الدار عدم إرسال إضافات جديدة، وقامت دار النوادر بإدخال التعديلات والتصحيح الإملائي واللغوي وأرسلت إلي وللدكتور رياض أكثر من مرة للمراجعة واستغرق ذلك الكثير من الوقت وزرت أثناءها دمشق للاجتماع بالدكتور رياض والمسؤولين في الدار وكنا حريصين على أن يظهر الكتاب بشكل لائق.
ووضعت المقدمة والفصل الخاص بسيرته رحمه الله، وكان الاستاذ رياض قد أنهى مراجعة الكتاب ووضع فهارسه فأرسله إلي للمراجعة الأخيرة. وفي جميع هذه المراحل كانت دار النوادر بإشراف الأستاذ نور الدين طالب مديرها العام تقوم بأعمال الصف وتصحيح الأخطاء المطبعية، ثم إحالة الكتاب إلى المخرج لوضع الرسوم والخطوط والتنسيق الفني والألوان حتى تم الانتهاء من تحضير الكتاب بصورته النهائية. وقمت بتحضير صور من الوثائق القديمة لتلك الاختيارات الشعرية والكثير منها كانت بخط الشيخ الوالد رحمه الله لتوزيعها بين ثنايا الكتاب. وكان الغلاف الجلدي والورقي هو آخر مراحل الكتاب حيث قمت باختيار تصميم الغلاف من بين عدد من الأفكار التي قدمها أحد الفنانين المتخصصين في الدار.
وأرجو من القارئ الكريم وهو يقرأ هذا الكتاب أن يراعي ما يلي:
1ـ إن صاحب الاختيارات جمعها لنفسه وقد يكون فيها ما لا يرى هو نشره، والاجتهاد في النشر هو لي وأرجو أن أكون مصيباً.
2ـ إن هذه الاختيارات قد كتبت في مختلف مراحل حياته يرحمه الله منذ كان مراهقاً وحتى شيخوخته لذا فقد يكون فيها ما لا يتناسب مع وقار الشيخ مما اختاره في صغره.
3ـ في البابين الديني والتعليمي بعض الأبيات تتضمن آراء فقهية كانت هي المعتمدة في الفتوى وقت دراسة الشيخ وقد تغير رأي الشيخ بشأنها بعد أن تبحر في العلم فيراعى ذلك.
وأنا أكتب هذه المقدمة التي سـتضاف للكتاب أتطلع بشوق إلى اليوم الذي استلم فيه أولى نسخ الكتاب بعد طباعتها وأتذكر الأيام التي كنت أحضر فيه أمام والدي الشيخ رحمه الله النسخة الأولى من كتاب جديد من تأليفه فيفرح به فرحة الأب بابنه البكر ويقلبها بين يديه ثم يقول لي اقرأ لنـا منه، فأقـوم بقراءة الفصل الأول منه وأنا أسترق النظر لوجه والدي الذي يبرق من السرور.
وأتخيل لو صدر كتاب جواهر الشعر في حياته رحمه الله لكان أحسن هدية أقدمها إليه ومع ذلك فإنني أعتبر هذا الكتاب الذي استغرق الكثير من الجهد والوقت هو وفاء مني لذكرى إنسان كان له تأثير كبير على كل من يحيطون به، ولا يزال الكثير من أعماله بحاجة إلى التحقيق والإخراج والتي أرجو أن أتمكن من إنجاز شيء منها، وأترك للباحثين المتمكنين العمل على الجوانب المتخصصة من آرائه واجتهاداته.
أسأل الله أن يتقبل منا ما عملناه وفاء وبراً لوالدنا وأن نتمكن من إفادة القارئ بهذه العصارة من الاختيارات البديعة والتي جمعها شيخنا ووالدنا على مدى أكثر من سبعين سنة من حياته المديدة. رحمه الله رحمة واسعة وتقبله في الصـالحين من عباده وجازاه خير ما يجزي عالماً في قومه وقاضياً في حكمه وخطيباً في محفله وحكيماً في وطنه. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
الدوحة في الثامن من جمادى الأولى 1431ﻫ
الموافق 22/4/2010م
عبد الرحمن بن عبد الله بن زيد آل محمود
[email protected]
قبل عـدة عقود كنت تلقيت كتاباً جديداً «حـول الأضاحي» من تأليف شيخي واستاذي فضيلة العلامة الجليل الشيخ/ عبدالله بن زيد آل محمود رئيس محاكم قطر آنذاك، تغمده الله بواسع رحمته وغفرانه..
وتمرّ الأيام وتتعاقب السنون لأجد بين يدي نسخة من كتاب تحت الطبع عنوانه (جواهر الشعر) قام بجمع مادته الأساسية رحمه الله ولم يقم لا بتأليفه ولا الإشراف على تبويبه وتنسيقه ولا حتى تسميته، وكان من أرسل لي هذه النسخة فضيلة الأخ الشيخ عبد الرحمن بن عبدالله بن زيد آل محمود حفظه الله طالباً مني أن أضع مقدمته، وقد أرفق لي صورة من خطاب قديم كنت قد وجهته لوالده ووالدنا الشيخ الجليل رحمه الله، أشكره من خلاله على هديته وأشيد بفكره وعلمه وراجح عقله وسعة أفقه، ولا أجد ضيراً في اقتطاف بعض مما كتبته لشيخي آنذاك كي يدرك القارئ عن أي علمٍ وقامةٍ نتكلم، ولأي شيخٍ وأديبٍ وقاضٍ جليل نقدم:
(ولقد تلقيت نسخةً من كتابكم الجديد «حول الأضاحي» وما يصل ثوابه للميت بنص الشـرع، وقرأته بكل شـوقٍ واغتباط، والواقع أن استنتاجاتكم واجتهادتكم الإسلامية ومآخذكم الموفقة لما يتفق وروح الإسلام ومقاصده المرنة السمحة إذ هي تهدف إلى تحكيم الكتاب والسنة والرجوع إلى معينها الصافي دون الالتفات إلى التقليد والمحاكاة وتحكيم آراء الرجال الأمر الذي يجعلنا نطمع في أن يكثر الله من أمثالكم أهل العقول النيرة والأفكار الرحبة الذين تنشرح بهم الصدور وتطمئن إليهم القلوب ويجتذبون الناس بما أعطاهم الله من الحكمة والموعظة الحسنة والمنطق الهادف والبحث عن الحق أين ما كان وحيثما كان، ولا أكتم شيخي الفاضل أنني من المعجبين باجتهادته الشرعية وبصراحته في الحق ولا أزال ولن أزال أكرر إعجابي وأدعو من صميم قلبي أن يكون قدوة الرجال من هذا الطراز لا تأخذهم في الحق لومة لائم ولا يركنون إلى التقليد الجامد الأعمى بل يجاهرون بالحق ويجاهرون به، وأنا واثق (وإن حف اجتهاداتكم الإسلامية ما حف بها من تنفجات ومخالفات) إلا أن النية الحسنة وسلامة الطوية وعمق المأخذ وسلامة التفكير وتلمس مقاصد الإسلام الكريمة وأهدافه السـمحة، كل ذلك سوف يكتب لهذه الاجتهادات الخلود والبقاء رغم ما يثار حولها من غبار طال الزمن أو قصر.. ﴿وَقُلِ ٱعۡمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ﴾ [التوبة: 105].
ذلكم كان الشيخ، وتلكم كانت العقلية المستنيرة والبصيرة الثاقبة والآفاق الرحبة المترامية..
أما (جواهر الشعر).. هذا السفر الرائع الذائع الجميل، فقد وجدته بمنزلة الواسطة من العقد وبمكان الدرة من التاج أو كمثل النابغة في سـواد الملأ.. إنه فريد الشعر ووحيده.. إلهامٌ يُلقى على ذهن الشاعر، فيترجمه بيتاً شارداً يبلغ الآفاق، ويلقى الحظوة والحفاوة ما يجعله يحتل من الكتاب ناصيته ومن المنتدى صدره ومن بيان الخطيب الوقفة المعجبة المطربة..
ولقد كتبت يوماً حول فريد الشعر: أنه عندما يريد المتحدث أن يدعم فكرته، ويريد الكاتب أن يلقى الضوء على قصده أو أن يريد المناظر أن ينتزع الانتصار أو يفحم الخصم.. فيأتي أيٌ منهم بالبيت أجيد سبكه، ونُغم جرسه، وشرُف معناه، وأحكم مبناه.. فيحل من ذهن السامع وأذنه محل القبس لخابط الدجنة، ومحل المؤشر لضارب بيداء التيه.
كل الناس لقي من دهره ما لقي، واحتسى من حلوه ومره، وصافح من صنوفه وصروفه، فإذا وجد بيت الشعر أو قطعته.. تواسيه أو تسليه، أو تريه العظة والعبرة، أو الأسـوة والقدوة، أو الشـبه والنظير.. تنفس من خلالها الصعداء، واستجاب لنداء الفكر وثمرات التجارب..
وفي الشـعر العربي من هذا الطراز نفحـاتٌ وفرائـد، في غاية الروعة والجمال والتأثير.. فيه كنوزٌ حفل بها عبر القرون، وجاءت شواهد ناطقة على ما لهذه الأمة من فكر أصيل، ضرب بسهمٍ وافر في تكوين الفكر العالمي عبر القرون المتعاقبة.
ولست أصدر عن عاطفةٍ، ولا أحكم عن تأثير شعري، كمتذوقٍ يهزني جيد الشعر، ويبهرني منتقاه.. ولكني أتحرى قول الحق، وأحاول التجرد عما سواه عندما أؤكد، بعد منادمتي لهذه الجواهر الشعرية، أنني لم أكن أتوقع أن يكون الفكر العربي قد بلغ عن طريق الشعر هذا المبلغ.. عمقٌ في التفكير، ودقة في التعبير، وإحاطةٌ بتيارات الخواطر، وضروب الحياة، وتلون المجتمعات وتصوير البيئات، إلى ما هنالك من انتفاضات ذهنية، وتأملات كونية، وتعمق في سلوك الناس، وطبائعهم، وانفعالاتهم.. تتمثل في النكتة تنتزع الابتسامة من القارئ مهما كان ظرفه، وفي المثل يطبق المحز، ويصيب شاكلة القول، وفي الهجاء يقطع النياط في السخرية، في التلوين، في الغمز وفي المماحكة، في التعريض، في العظة والعبرة، وفي الخَلق، وفي الخُلُق، فيما يخطر ببالك، وما لا يخطر.. ولعلك تدرك حقيقة هذا حينما تكون لهذه الجواهر مسامراً، وحينما تستطعم نماذجها، وتتذوق مجانيها، وتجدك مشدوداً بعد كل نفحةٍ إلى أخرى، ومن كل نغمةٍ إلى ترنيمة، ومن كل أنشودةٍ إلى تغريدة تعيد لك ذكرى، أو تروي لك مجداً، أو تسبح بك في حلم، أو تنبه فيك عاطفة، أو تحملك على عزم، أو تصرفك عن خاطر، أو تعيـش بين هذه وهذه متلذذاً مستطرفاً.
هذه هي التي نالت من حفاوة العرب وعنايتهم المكان الأسمى، حينما كان الأدب غاليـاً، وحملته مجدودين.. يقول ابن نباتة السـعدي - حسبما يروي ابن خلكان - ضرب على بابي رجلٌ فقلت: من؟ قال: سائلٌ من أهل المشرق، فقلت: اسأل.. فقال هل أنت القائل: [من الطويل]
ومن لم يمت بالسيف مات بغيره
تنوعت الأسباب والموت واحدُ
فقلت: نعم.. فقال: أروي عنك؟.. قلت: نعم. قال ابن نباتة: وبعد مدة ليست بطويلة تكررت القصة مع رجلٍ من أهل المغرب..
فبلغ هذا البيت مبلغه من المشرق والمغرب، في زمن ابن نباتة ووسائل التبليغ بدائية آنذاك، وأدوات النشر خطية، ولكن سوق الأدب رائجة وهبوبه مزعزعة.
ومدرك قصب السبق، والمبرز في هذا الميدان، أبو الطيب المتنبي، تواتيه القريحة وينتشي عند مواصلة القريض، فيطلق البيت، يذهب مثلاً على ألسنة الناس، ويخلد خلود الدهر، فما هي القدرة التعبيرية، وما هو الوقت، وما هو حجم القول المرسل حينما تريد أن تقول لجاهلٍ أو متجاهل: أريد أن أقنعك بوجود النهار، وليس هذا فحسب، بل بمقالٍ مؤثر، ومنطقٍ لا يماحك في قبوله، اقرأ لأبي الطيب: [من الوافر]
وليس يصح في الأذهان شيء
إذا احتاج النهار إلى دليلُ
ألا ترى أن المتنبي قد ألهم أيما إلهام، حينما ترك بيته هذا للناس مثلاً، وجعلهم في كل قضية تتطلب قولاً فاصلاً في هذا المعنى يفزعون إلى بيته؟!.
وما يفيد البصر عند من لا يميز بين النور والظلمة، ولا بين الحق والباطل، ولا بين الجمـال والقبـح، ولا بين العلم والجهـل، ولا بين مئـات من هذه المتضادات، سـواء أكان الإبصار فيها إبصار رؤية، أو بصيرة، في كل ذلك وغيره مما هو على شاكلته يعود الناس إلى بيت آخر لأبي الطيب: [من البسيط]
وما انتفاع أخي الدنيا بناظره
إذا استوت عنده الأنوار والظلمُ
ثم لو لززت عبقرياً مبرزاً مع نكرة بليد، ثم قلت: إن الأول أفضل من الثاني، فما هو المفهوم لهذا القول لدى العقلاء، وما هو رد الفعل له، وما هو القول الفصل في جملة مقتضية مفيدة ماذا يقول الشاعر؟: [من الطويل]
ألم تر أن السيف ينقص قدره
إذا قيل إن السيف أمـضى من العصا
ولعل الدرب لا يطول بك، إذا انتقرنا لك بعضاً من نماذج معبرة تشفُّ عما قصدناه، وتومئُ إلى ما أردناه عبر أبواب هذا السفر الجليل: فمن واحد من فصول باب الحكمة تعال واقرأ معي للمتنبي: [من الطويل]
وأتعب خلق الله من زاد همه
وقـصّر عما تشتهي النفس وجده
فلا ينحلل في المجد مالك كله
فينحل مجدٌ كان بالمال عقده
ودبره تدبير الذي المجد كفه
إذا حارب الأعداء والمال زنده
فلا مجد في الدنيا لمن قل ماله
ولا مال في الدنيا لمن قل مجده
ولشاعرٍ آخر في الباب نفسه: [من الكامل]
إن لم تكونوا مثلهم فتشبهوا
إن التشبه بالكرام فلاحُ
وللشاعر القطامي: [من البسيط]
قد يدرك المتأني بعض حاجته
وقد يكون مع المستعجل الزللُ
وفي باب الرثاء..
تعال اقرأ معي بعضاً مما قالته الخنساء في رثاء أخيها صخر: [من الوافر]
ألا يا صخر إن أبكيت عيني
فقد أضحكتني زمناً طويلا
دفعت بك الخطوب وأنت حي
فمن ذا يدفع الخطب الجليلا
إذا قبُح البكاء على قتيلٍ
رأيت بكاءك الحسن الجميلا
وفي باب الزهد قول ابن المعتز: [من الطويل]
نسير إلى الآجال في كل لحظةٍ
وأيامنا تطوى وهن مراحلُ
ترحل من الدنيا بزادٍ من التقى
فعمرك أيامٌ وهن قلائل
وما أقبح التفريط في زمن الصبا
فكيف به والشيب للرأس شاعل
ولشاعر آخر: [من الطويل]
إذا كثرت منك الذنوب فداوها
برفع يدٍ في الليل والليل مظلمُ
ولا تقنطن من رحمة الله إنما
قنوطك منها من ذنوبك أعظم
فرحمته للمحسنين كرامةٌ
ورحمته للمسرفين تكرم
وفي باب الغزل العذري العفيف..
قول أبي القاسم القشيري: [من الطويل]
سقى الله وقتاً كنت أخلو بوجهكم
وثغر الهوى في روضة الأنس ضاحكُ
أقمنا زماناً والعيون قريرةٌ
وأصبحت يوماً والجفون سوافك
وقول ابن الملوح (المجنون) في معشوقته ليلى: [من الطويل]
تعلقت ليلى وهي ذات ذؤابةٍ
ولم يبد للأتراب من ثديها حجمُ
صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا
إلى اليوم لم نكبر ولم يكبر البهم
وفي باب الفخر.. نقتطف بعض أبياتٍ من لامية السموأل: [من الطويل]
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه
فكل رداءٍ يرتديه جميلُ
وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها
فليس إلى حسن الثناء سبيل
تعيرنا أنا قليلٌ عديدنا
فقلت لها: إن الكرام قليل
وما قل من كانت بقاياه مثلنا
شبابٌ تسامى للعلا وكهول
وما ضرنا أنا قليلٌ وجارنا
عزيزٌ وجار الأكثرين ذليل
ولأبي فراس الحمداني:
ولو سد غيري ما سددت اكتفوا به
وما كان يغلو التبر لو نفق الصفرُ
ونحن أناسٌ لا توسط بيننا
لنا الصدر دون العالمين أو القبر
أعز بني الدنيا وأعلى ذوي العلا
وأكرم من فوق التراب ولا فخر
وفي باب المديح..
قال أبو طالب معرضاً بحمايته للنبي (ج): [من الكامل]
والله لن يصلوا إليك بجمعهم
حتى أوسد في التراب دفينا
وفي مدح زين العابدين بن علي بن الحسين س، ننتقر بعضاً مما قاله الفرزدق: [من البسيط]
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته
والبيت يعرفه والحل والحرمُ
هذا ابن خير عباد الله كلهم
هذا التقي النقي الطاهر العلم
وليس قولك: من هذا؟ بضائره
العرب تعرف من أنكرت والعجم
إذا رأته قريشٌ قال قائلها
إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
أما في باب الهجاء، كفانا الله شره، لن نذهب بعيداً كي نلتقي الحطيئة وهو يهجو الزبرقان بن بدر: [من البسيط]
والله ما معشرٌ لاموا امرأً جنباً
من آل لأي ابن شماسٍ بأكياسِ
دع المكارم لا ترحل لبغيتها
واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
وفي باب الوصف.. قول بشار بن برد: [من الطويل]
خليلي ما بال الدجى لا تزحزح
وما لعمود الصبح لا يتوضحُ
أضل الصباح المستنير سبيله؟
أم الدهر ليلٌ كله ليس يبرح
وطال علي الليل حتى كأنه
بليلين موصولٌ فما يتزحزح
وفي باب الشعر الديني.. قول عمرو القنا العنبري: [من الطويل]
فلا خير في الدنيا لمن لم يكن له
من الله في دار القرار نصيبُ
وقول الأعشى في مدح رسول الله (ج): [من الطويل]
إذا أنت لم ترحل بزادٍ من التقى
ولاقيت بعد الموت من قد تزودا
ندمت على ألا تكون كمثله
فترصد للموت الذي كان أرصدا
وأخيراً، وفي باب الشعر التعليمي.. قول الشاعر: [من الطويل]
دعا المصطفى دهراً بمكة لم يجب
وقد لان منه جانبٌ وخطابُ
ولما دعا والسيف صلتٌ بكفه
له أسلموا واستسلموا وأنابوا
وأيضاً قول الشاعر: [من الكامل]
الرب يغضب إن تركت سؤاله
وبُنيُّ آدم حين يُسأل يغضبُ
كل هذه النماذج أقتطفها اقتطاف المتعجل، ولم أتعمل في انتقائها أو أخذها على أنها العيون، وإنما هي حبات القلادة، ومن محتويات السمط.. ستعيش مع مثلها، ومع أجود منها عبر أبواب هذا الكتاب وفصوله المتنوعة المتشعبة..
من ناحيةٍ أخرى فقد أصاب الفرزدق كبد الحقيقة، حينما قال: لا يكون الشاعر متقدماً حتى يكون باختيار الشعر أحذق منه بعمله.
كما أجاد وأفاد من قال: [من الطويل]
ولله در الإختيار فإنه
يبين فضل السبق من غير سابق
فالشعر إلى جانب كونه ملكةً واستعداداً صاحبا تكوين الشاعر الذاتي، وفطرا معه.. فهو أيضـاً رياضـة نفـس، وإدمان درس، ومعاناة، وحفظ، واستقراء، واستزادة، واستجادة.. لتتنمى الملكة، وينضج الاستعداد، وتثرى الحافظة، وتخصب لغة الشعر، ومقاييسه، وترسخ مصطلحاته.. فحفظ الشعر وتذوقه، ومن ثم اختياره، ونقـده، واصطفاء الأجود منـه.. مراحل تسـبق قرضـه، وتأتي موطنةً لإنتاج ثمينه، وجيده، حينما تتلاقى روافده، ويطيب غراسه..
والشعر له صيارفةٌ يستعملون الحاسة السادسة في نقده، وتذوقه.. وبقدر محصول الإنسان من جيده، ومحفوظه من رصينه ومتينه، ومعاناة دراسته، وإدمان استقرائه.. بقدر كل ذلك تكون ملكته في نقده مؤاتية، وحاسته واعية صافية.. وإذا صادف هذا طبعٌ شاعري، وخاطر لماح، ورغبة مشوقة.. فقد تكاملت مادة الاختيار، وتوفرت عناصر النقد..
والأمر بعدئذ في تصنيف اختياراته أمرٌ نسبي، فضروب القراء وأذواقهم، واتجاهاتهم، ومحصولهم الثقافي.. متباينة، فكلٌ منهم يحركه جانب، ويعلق بذهنه معنى، ويهمه ضرب من الضروب.. فقد يستجيد فرد أو أفراد من الرواة بيتاً، أو أبياتاً من الشعر، لا يوافقهم الآخرون على استجادتها.. والحكم في ذلك - من قبل ومن بعد - لمن يحمل مؤهلات الاختيار، ويتوفر لديه الذوق السليم، والحاسة المدركة، وتتلاقى أحكام الأكثرين على علو كعبه، واستعداده وتبريزه.
ولقد كان لتلك الشوارد والشواهد الشـعرية دورٌ كبير في حياة العرب السياسية، والعسكرية، والاجتماعية، والثقافية.. كان البيت يغير مجرى حياة جيل، ويقيم أوار حرب، ويحط قبيلة ويرفع أخرى، ويحوِّل عزماً، ويقحم آخر.. وكانوا إذا استجادوه حكموا للشاعر بالتبريز من أجله، أو حكموا على أنه أحسن ما قيل في بابه، ومن أجل ذا قالوا: [من السريع]
أحسن من خمسين بيتاً سدى
جمعك معناهن في بيت
ولقد كان عجز بيتٍ لعمر بن أبي ربيعة مهمازاً بين يدي نكبة البرامكة يردده الرشيد ليله كله: [من الرمل]
إنما العاجر من لا يستبدْ
فكان ما كان بعده.
وكان الفرار ما عزم عليه معاوية في صفين، حتى تذكر قول ابن الإطنابة: [من الوافر]
أقول لها وقد جشأت وجاشت
مكانك تحمدي أو تستريحي
فكرَّ بعد العزم على الفرار، وثبت واستبسل.
وما أباد السفاح بني أمية في مجلسه، إلا قول سديف: [من الخفيف]
لا تقيلن عبد شمسٍ عِثارا
واقطعنْ كل رقلةٍ وغراسِ
خوفهم أظهر التودد فيهم
وبهم منكمُ كحزِّ المواسي
وقصة زفر بن الحارث، وعبد الملك بن مروان، حول قول زفر: [من الطويل]
وقد ينبت المرعى على دمن الثرى
وتبقى حزازات النفوس كما هيا
قصة مشهورة مذكورة..
وبيت جرير في بني نمير، وبيت الحطيئـة في بني أنـف الناقـة، وبيت الأعشى في آل المحلق، وبيت أبي حفصة في شيبان، وبيت قريط بن أنيف في مازن، وبيت ابن دارة في فزارة، وبيت الطرماح في تميم، وبيت حسـان في قريـش، وبيت جرير في حنيفة.. أبياتٌ وشـعراء لها مكانتها المعروفة في الأدب العربي..
وأبياتٌ أخرى كان للإسلام موقفه الإيجابي منها: [من الطويل]
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
وكل نعيمٍ لا محالة زائلُ
هذا قال عنه النبي عليه السلام: «إنه أصدق كلمةٍ قالها شاعر»..
ولما قال النابغة الجعدي: [من الطويل]
بلغنا السماء مجدُنا وجدودُنا
وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
قال عليه السلام: «إلى أين يا أبا ليلى؟» قال: إلى الجنة يا رسول الله قال عليه السلام: «إن شاء الله» .. ثم قال بعد إكمال قصيدته: «لا فض الله فاك» على ما يروى.
وشفع شعر كعب لكعب، بعد إهدار دمه، وشفع شعر الحطيئة له عند الفاروق بعدما ألقاه في قعر مظلمة.. ولما أنشدت قتيلة بنت الحارث قصيدتها في النبي عليه السلام بعد قتل أخيها، وجاء في قصيدتها هذا البيت: [من الكامل]
ظلت سيوف بني أبيه تنوشه
لله أرحامٌ هناك تمزقُ
قال عليه السلام - فيما يروى - «لو سمعت هذا قبل قتله ما قتلته»..
وفي كتاب «بهجة المجالس» لابن عبد البر قال: قال محمد بن سلام الجمحي عن ابن جعدبة قال: ما أبرم عمر بن الخطاب أمراً قط إلا تمثل فيه ببيت شعر..
وقال محمد بن علي بن عبدالله بن عباس: كفاك من علم الأدب أن تروي الشاهد والمثل..
وروي عن مخلد بن يزيد، عن جابر بن معدان قال: كل حكمةٍ لم ينزل فيها كتـاب، ولم يبعـث بها نبـي، ذخرهـا الله حتى تنطـق بها ألسـن الشعراء..
ويضيق المقام عن الاسترسال في هذا المجال، وإلا فمادته خصيبة، ومعينه ثر، ومرادي من إيراد هذه النماذج الإشارة إلى الأهمية التي تحملها شواهد الشعر وشوارده..
وفي الختام.. وأنا أنحني ظامئاً لأعب من مجج هذه اللجج الشعرية الثرة، وأغوص متشوقاً لأجني وبكل لهفةٍ ما احتواه (جواهر الشعر) من درر.. ليس لي إلا أن أتوجه بجزيل الشكر وعظيم الثناء لفضيلة الشيخ عبد الرحمن ابن عبدالله بن زيد آل محمود على هذا الجهد الرائع وهذه الأريحية والوقفة الصادقة الوفية لإبراز هذه الجواهر بعد انتشالها من غياهب الاختباء القسري، كما أتوسل كل جليسٍ أتاح له الزمان أن يتواصل مع محتويـات هذا السـفر الفريد، أن يدعو الله من الأعماق لأستاذنا وشيخنا العلامة المرحوم/ عبدالله ابن زيد آل محمود، يدعو له بالرحمـة والمغفرة وحسـن المآب مع الأبـرار والصديقين، وأن يجعل من هذا الإرث الفكري الجليل وهذا المدد الثقافي اللامتناهي، في موازين حسـناته الممتدة عبر عقـودٍ من الإحسـان وصالـح الأعمال.. وما هذه المقدمة إلا إطلالة وفاء، ووقفة برٍ ومحبة واصطفاء لشيخٍ وأديب وعالم وفقيه قلما يجود العصر بأمثاله من الرجال المؤمنين الذي صدقوا ما عاهدوا الله عليه.. والله لا يضيع أجر المحسنين.
عبدالله بن محمد بن خميس
الرياض 18/8/ 1431ﻫ
30/7/ 2010م
* * *
- سيرة العلامة الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود.
- البلاغة والأدب في كتابات الشيخ ابن محمود.
- الاختيارات الشعرية للشيخ العلامة عبدالله بن زيد آل محمود.
- اللغة والأدب عند الشيخ عبدالله.
هو الشيخ عبدالله بن زيد بن عبدالله بن محمد بن راشد بن إبراهيم بن محمود بن منصور بن عبد القادر بن محمد بن علي بن حامد الشريف.
وآل محمود من آل حامد - أمراء سيح الأفلاج - من ذرية الإمام حامد بن ياسين الشريف أمير الوادي، ويتصل نسبهم بالحسن بن علي بن أبي طالب.
ولد في حوطة بني تميم في جنوب نجد سنة 1329 للهجرة، ونشأ بها بين والديه، وكان والده رجلاً صالحاً محباً للعلم، فتعهَّد بتعليم ابنه الوحيد، ووجَّهه للعلم، وكان كسبه من التجارة، ولكنه توفي والشيخ صغير في بداية البلوغ، فتحمَّلت والدته رعايته وتشجيعه على الاستزادة من العلم، وكانت امرأةً صالحةً، تُكثر الدعاء له، وكانت ترجو أن تراه عالماً كبيراً.
تلقَّى دروسه الأولى على الشيخ عبد الملك بن إبراهيم آل الشيخ، قاضي حوطة بني تميم، ثم لازم الشـيخ عبد العزيز بن محمد الشثري (أبو حبيب) ملازمةً تامةً، فكان يقرأ عليه في الليل والنهار، ويسـافر معه، وعندما انتقل الشيخ أبو حبيب قاضياً في منطقة الرين انتقل معه لملازمته والدراسة عنده، واستمر معه حتى عام 1350ﻫ (1930م).
وأفاد الشيخ من كتب أخواله الشثور الذين تربَّى بينهم؛ حيث كانوا بيت علم، ثم انتقل إلى الرياض للدراسة لدى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، وكان يعتبر أكبر مرجع في الإفتاء والقضاء في المملكة السعودية، واستمر معه مدةً من الزمن.
وكان الشيخ قد أتمَّ حفظ القرآن الكريم بإتقان ولما يُتم السابعة عشرة، فقدَّمه شيوخه للصلاة بالناس التراويح والقيام، وكان شغوفاً بطلب العلم، وقد ساعده على ذلك نباهته وقدرته على الحفظ، حتى بز أقرانه، وقد تفرَّغ لطلب العلم فدرس وحفظ الكثير من الكتب والمتون، والكثير من الأحاديث النبوية عن ظهر قلب.
وكان الحصول على الكتب شاقّاً في ذلك الوقت؛ حيث لم تصل الكهرباء أو المطابع، وكان الناس يشترون الكتب بأثمان غالية، أو ينسخونها بأيديهم أو بأيدي النساخ، وقد استعار الشيخ كتاباً، وكان يسهر على نسخه على مدى شهرين على ضوء السراج حتى أتمَّه.
كان الشـيخ محباً للعلم شغوفاً به، وقد شجعه شيوخه على الاستزادة منه، فيمَّم وجهه شطر قطر، حيث افتتح الشيخ محمد بن مانع مدرسته التي استقطبت طلاب العلم من قطر وخارجها.
وكان لأسرة آل محمود علاقة قديمة بقطر، حيث كان عمه سـعد بن إبراهيم آل محمود مقيماً فيها منذ سنين طويلة، كما كان أعمامه وخاله يترددون عليها للغوص عن اللؤلؤ في مياهها، وقد توفي عمه محمد ودفن في الوكرة قبل وصول الشيخ بسنين.
بدأ الشيخ دراسته التي استمرت حوالي أربع سنين، وحتى انتقال الشيخ محمد بن مانع إلى مكة.
يقول بعض من عرفه في ذلك الوقت: إنه لم يكن يترك المصحف أو الكتاب من يده طوال اليوم، وكان يقضي أغلب وقته في مسجد عبلان المجاور لبيته للدراسـة والمراجعة، وقد شغل نفسه بالعلم حفظاً ودراسة بحيث فرغ نفسـه تماماً، فكان يعيش عازباً، ولم ينشغل بتجارة، وكان يذهب إلى بيت عمه سعد المجاور لتناول وجباته.
تقول زوجة عمه سعد (أم ناصر): كنا نضع للشيخ غداءه في المجلس ونغطيه، وعندما نأخذه عصراً نجد أنه لم يُمـسَّ، فقد كان انشـغال الشـيخ بالدرس والعلم ينسيه الغداء حتى يذهب وقته.
يقول رحمه الله في إحدى رسائله:...وكنت ممن تغرَّب عن الأهل في طلب العلم أربع سنين، ولم أجد مشقةً في الغربة ولا في العزوبة؛ لكون الاشتغال بالعلم وبالأعمال الدينية والمالية يستدعي الانصراف الكلي، على حدِّ ما قيل: [من البسيط]
قَوْمٌ إذا حارَبُوا شَدُّوا مَآزِرَهُمْ
عنِ النِّساءِ ولو باتَتْ بـِأَطْهارِ
ويقول - رحمه الله - عن سفرته لقطر: «كانت سفرةً مباركةً، حظيتُ فيها بحفظ كثيرٍ من العلوم والفنون، فحفظت: «بلوغ المرام من أدلة الأحكام»، و«مختصـر المقنع»، و«نظم المفردات»، و«نظم مختصـر ابن عبـد القوي» إلى باب الزكاة، وعملتُ عليه شرحاً حافلاً في مجلدٍ ضخمٍ، ويمكن جعله في مجلدين، وتوقفت عن مواصلة تكميله للعوارض التي شغلتني.
كما حفظت: «ألفية الحديث» للسيوطي، و«ألفية ابن مالك» في النحو، وكتاب «قطر الندى وبلّ الصدى في النحو أيضاً».
و يقول أحمد بن الشيخ محمد بن مانع: «كان الشيخ ابن محمود من أبرز طَلَبة الوالد رحمه الله، وكان يلتهم العلم التهاماً، وكان والدي يرى فيه مخايل النبوغ، فتعهَّده، واهتمَّ بتعليمه، وكان الشيخ ابن محمود حريصاً على العلم، سـريع الحفظ، حاضر البديهة، وطلب منه والدي التركيز على الفقه والنحو، وعندما غادر والدي إلى مكة لتسلُّم عمله بطلب الملك عبد العزيز سافر الشيخ معه».
ونُقل عن الشيخ ابن مانع أنه قال عندما سُئل عن الشيخ: «ابن محمود هو الوحيد الذي يتعلم مني وأتعلم منه».
وفي عام 1357ﻫ (1937م) وصل الشيخ إلى الرياض، والتحق بالدراسة مرة أخرى لدى الشـيخ محمد بن إبراهيم آل الشـيخ، مفتى الديار السعودية بالرياض، وذلك لمدةٍ تقرُب من سنتين، وقد أُعجب به الشيخ محمد، واختاره ضمن ثمانيةٍ [1] من أبرز طلبته للسفر إلى مكة للوعظ والإرشـاد في الحـرم ومساجد مكة، وليكونوا جاهزين لتولِّي المناصب القضائية بناءً على طلب الملك عبد العزيز.
[1] التلاميذ الثمانية البارزون هم - إضافةً للشيخ عبدالله بن زيد آل محمود -: الشيخ عبدالله بن حميد، والشـيخ عبدالعزيز بن رشـيد، والشيخ عبد العزيز بن إبراهيم آل عبد اللطيف، والشيخ محمد البصيري، والشيخ عبد العزيز بن مقرن، والشيخ صالح بن طوسان، والشيخ ابراهيم الزغيبي.
كانت حياة الشيخ طلباً متصلاً للعلم منذ صغره، فقد كان منقطعاً لتلقِّي العلم، وحفظ القرآن والأحاديث والمتون المختلفة، وكان لوالدته فضلٌ كبيرٌ عليه، تجلَّى في دفعه في هذا السبيل، ودعائها الدائم له، وموافقتها على سفره إلى مناطق بعيدة لطلبه مع كونه ابنها الوحيد.
وحتى حين تولَّى القضاء، فلم يشـغله عن طلب العلم شـاغل، وكان شغوفاً بالدراسة والمطالعة، لا ينقطع عن التنقيب في بطون الكتب، والبحث في المراجـع والأمهات التي تحفِل بها مكتبته الخاصة، وإن صـادفتْه - أثناء قراءاته - فكرةٌ أو فائدةٌ استحسنها بادر بتسجيلها، حتى تبقى حيةً في ذاكرته، وتحوي أوراقه الكثير من هذه الكتابات، وهي مكتوبة على أي أوراق تكون في متناول الشيخ كظهر رسـالةٍ أو مظروفٍ أو قصاصة ورقٍ،. بل إنه قد ينهض من نومه لتسجيل فكرةٍ أو خاطرةٍ قبل أن ينساها.
وكانت للشـيخ همةٌ عاليةٌ وفهمٌ كبيرٌ، وإذا اهتمَّ بأمرٍ لا يخلد للراحة حتى ينجزه، وقد درس فضيلته الكثير من الكتب المتعلقة بالعلوم الإسلامية المختلفة، ولم يقتصر على معرفة مذهبه، بل تعدَّاه إلى دراسة جميع المذاهب، واطَّلع على مواقع الخلاف والاتفاق بينها، ودرس كتب الملل والنحل الأخرى، وهو حنبلي المذهب، سلفي العقيدة.
وقد أحاط إحاطةً واسعةً بالتفاسير المختلفة والصحاح، كما قرأ الكثير من كتب التاريخ والسير، وكان على علمٍ واسعٍ بأيام العرب وأنسابهم، وتاريخ الإسلام ورجالاته، وله ولَعٌ بالأدب والشعر، ويحفظ الكثير من القصائد وأبيات الحكمة والأمثال العربية، ويستشهد بها كثيراً في أحاديثه وكتاباته.
يقول الشيخ عبدالله بن عبد الرحمن آل جبرين: «نقوم بزيارته ونجلس معه، ونجد في مجالسه البحث العلمي والمسائل والأجوبة المفيدة، ونراه حريصاً على تلقِّي طلبة العلم وتشـجيعهم على مواصلة الطلب والاستفادة، واستغلال الوقت في التلقِّي عن العلماء، واغتنام الحياة والفراغ فيما هو مفيد وخير، وعدم إضاعة الأوقات فيما لا فائدة فيه».
وقد رزقه الله ذاكرةً نادرةً، حيث كان سـريع الحفظ، ولديه قدرة على استرجاع ما حفظه، والاستشهاد بما مرَّ عليه، وعند مناقشة موضوعٍ من المواضيع فإنه يشير إلى الدليل والمرجع الذي يستند إليه، ويحدد الفصل والصفحة التي ورد فيها الدليل.
يقول الشيخ عبدالله المسعري رئيس ديوان المظالم السابق في السعودية: «إنني لم أعرف أحداً من العلماء لديه مثل ذاكرة الشيخ ابن محمود، فقد حفظ منظومة ابن عبد القوي في الفقه عن ظهر قلب، ولم يستطع أحدٌ من طلبة العلم القدامى أو المحدثين حفظها، وكان موسـوعةً علميةً، لا يضـاهيه أحد من معاصريه، ويحفظ الكثير من الأحاديث والنصوص والأشعار عن ظهر قلب.
كان كلامه حكمةً، سألته مرةً: هل تقول الشعر يا شيخ؟ فأجابني على البديهة: «جيِّده لا يواتيني، ورديُّه لا أواتيه»، وهي كلمةٌ تدلُّ على بلاغةٍ فائقةٍ، وحفظت من كلامه حكمةً قالها، وهي: «نكح الكسلُ التواني، فوُلد بينهما الحرمانُ.
فمناقب الشـيخ والكـلام عن سـعة علمه واطلاعـه لا يتسـع المجـال لاستقصائها». إﻫ.
وكان الشيخ حتى آخر أيامه يقرأ القرآن الكريم، ولا ينسـى منه شيئاً، مع أن القرآن الكريم - كما قال النبي ج - سـريع التفلُّت، لكن كان ذلك بفضل الله أولاً، ثم بحرص الشـيخ على مراجعة محفوظِهِ من كتاب الله من خلال وِرْدٍ يوميٍّ استمر عليه طوال حياته.
وكانت ذاكرته القوية مضرب مثل، يقول رجل الأعمال عبد العزيز بن علي بن عزمان: ذكر لي والدي عن حادثةٍ قديمةٍ وقعت في الحوطة، عندما كان الشيخ عبدالله يدرس عند الشيخ (أبو حبيب) وكان في سن صغيرة، يقول: أخذني الشيخ أبو حبيب لزيارة الشيخ عبدالله، فرحب بنا وبدأ يُعدُّ لنا القهوة (يحمِّسها) [2]، وأعطى أبو حبيب للشيخ عبدالله ورقةً، فيها منظومةٌ من ثمانين بيتاً، وأثناء ما كانت القهوة على النار استمر الشيخ عبدالله يطالع فيها، وقبل أن تفور الدلَّة أعادها إلى الشيخ (أبو حبيب)، فقال له: أنا أعطيك إياها لتقرأها علينا وأنت تعيدها؟. فاسـفتح الشـيخ بأول أبيات القصيدة، وأخذ يسردها حتى أتى على نهايتها.
يقول علي بن عزمان: فعجبنا غاية العجب، وعندما خرجنـا أمسـك أبو حبيب بيدي وقال: يا علي! والله إن طالت بك حياةٌ، واستمرَّ عبدالله في العلم أن يُعدَّ له عدود، أي: يُحسب له حساب.
وفعلاً حدث ما تنبأ به شيخه أبو حبيب، حتى إنه اعترف له في أكثر من مناسبة أنه أصبح أعلم منه.
يقول عبد العزيز بن عزمان: كنت أصبُّ القهوة في مجلس والدي الذي كان مستضيفاً للشيخ عبدالله بن زيد الذي قدم من قطر، وبدأت بتقديم الفنجال للشيخ (أبو حبيب) باعتباره الأكبر سناً، ولكنه ردَّه إلى الشيخ ابن محمود، الذي رفض بدوره أن يأخذه وقال: كيف آخذه؟، أنت شيخي وخالي، فردَّ عليه الشيخ أبو حبيب: أنا شيخك وخالك، ولكن الله فضلك عليَّ بالعلم، ومع ذلك رفض الشيخ ابن محمود أن يتقدم على شيخه في أخذ الفنجال.
[2] كانت عادة الناس قديماً أن تصنع القهوة أمام الضيوف ويتم تحميص القهوة ثم طحنها وغليها في الماء ثم دق الهيل في (الهاون) ووضعه في دلـة أخـرى وإضافة القهوة المغلية عدة مـرات إليها وتركها تغلي أكثـر من مـرة قبل تقديمها. وكان (الوجار) أو بيت النار في كل مجلس.
كان من نعم الله تعالى على الشيخ عبدالله أن شرَّفه للقيام بمهمة التدريس في أشرف بقعةٍ وأفضل مكانٍ؛ ألا وهو بيت الله الحرام، حيث اختاره الشيخ محمد بن إبراهيم ضـمن ثمانيةٍ من أبـرز تلاميـذه للذهاب إلى مكة للوعـظ والتدريس بها.
يقـول الشـيخ رحمه الله: «وفي عام 1359ﻫ صـدر الأمـر من الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن رحمه الله بإرسالنا إلى مكة المكرمة لنشر الوعظ والإرشاد والتعليم في الحرم وفي مساجد مكة، ولنكون وقت الطلب على أهبة الاستعداد..».
فتوجَّه الشيخ إلى مكة، ومكث بها، وخُصص له كرسيٌّ للتدريس في المسجد الحرام.
يقول الشيخ جاسم بن علي بن عبدالله: «سافرنا للحج عام 1359ﻫ مع الشيخ عبدالله بن جاسم رحمه الله، وسمعنا ونحن بالحرم عن شيخٍ اسمه ابن محمودٍ، له درسٌ، فبحثنا عنه، وسألنا حتى دلُّونا عليه، وكان شاباً أبيض ذا لحيةٍ خفيفةٍ، وكان يلقي درساً عن أحكام الحج، فجلسنا نستمع، وكانت هذه أول مرة أراه فيها».
ويقول الأستاذ عبدالله المعتاز مؤسس إدارة المساجد والأعمال الخيرية في الرياض: «أتذكَّر دروس الشـيخ ابن محمود في الحرم، وكان رحمه الله جهير الصوت، وله قبولٌ عند جمهور الناس، وحلقته من الحلقات الكبيرة، وكان يلبس بشتاً أسود، وفي يده عصا صغيرة، ومما لفت نظري أناقته وبياض ملابسه ونظافتها على غير عادة الناس في ذلك الوقت، كما كان في درسه يتميز بالبلاغة واستخدام المحسنات اللفظية كالسجع والطباق وشواهد الشعر».
في منتصف ذي القعدة من عام 1359ﻫ قدم الشيخ عبدالله بن قاسم آل ثاني - حاكم قطر - إلى مكة قاصداً الحج، وبصحبته ابنه وولي عهده الشيخ حمد بن عبدالله، وعددٌ من كبار أفراد الأسرة الحاكمة والأعيان.
وبعد أداء فريضـة الحج طلبا من الملك عبد العزيز آل سعود أن يبعث معهم برجلٍ يصـلح للقضاء والفتيا، حيث كانت قطر في ذلك الوقت بدون قاض، بعد أن غادرها الشيخ محمد بن مانع، الذي طلبه الملك عبد العزيز من الشيخ عبدالله بن قاسم ليتولى الإشراف على التعليم في المملكة الوليدة، وقد وقع اختيارهم على الشـيخ عبدالله بن زيد بإيعازٍ من الشيخ محمد بن مانع، الذي رشَّحه لما رآه منه من سعة العلم والاطلاع.
وقد استدعاه الملك عبد العزيز، وأمره بالسفر مع الشيخ عبدالله بن قاسم لتولِّي القضاء في قطر، فحاول الاعتذار، ولكن الملك أصرَّ عليه، فتوجَّه إلى قطر في السنة نفسها، حيث تقلَّد أمانة القضاء في 15 من ذي الحجة عام 1359ﻫ (1940م)، وكان عمره في ذلك الحين ثلاثين سنة.
كانت الفترة التي تولَّى فيها الشيخ القضاء هي في بداية تكوين الدولة، وكانت أجهزة الحكومة بسيطةً وقليلةً، وإمكانياتها محدودة، وقد مرَّ عليها ظرفٌ اقتصاديٌّ صعبٌ مع انهيار اللؤلؤ الطبيعي، الذي تسبَّب في ضررٍ كبيرٍ لاقتصاد دول الخليج.
وقد تولَّى الشيخ القضاء مع نشوب الحرب العالمية الثانية التي استمرَّت سـت سنوات، والتي ضاعفت المشاكل المالية لدول الخليج حيث انقطعت المؤن التي كانت تصل عن طريق البحر، وأدى ذلك إلى ازدياد نشاط التهريب، وارتفعت أسعار السلع إلى ثلاثين ضعفاً أو أكثر، مما تسبَّب في عجز الكثيرين عن توفير لقمة العيش، وكثرت الوفيات بسبب الجوع والأمراض.
تصدَّى في بداية عمله للكثير من المشاكل المعقدة والمزمنة، وبعضها خلافاتٌ تراكمت عليها سنون لم يتم حلها، فكان موفَّقاً في حلِّ أي مشكلةٍ مستعصيةٍ، وقد استطاع في مدةٍ وجيزةٍ أن يحلَّ الكثير من الخلافات القبلية، خاصةً في مناطق الشمال، بحيث استقرت العلاقات بين القبائل هناك.
وقد اشتهر في قضائه بتحري العدل والنَّزاهة، وكان لا يفرِّق في قضائه بين كبيرٍ وصغيرٍ فالجميع أمام الحق سواء، ويتناقل الناس كثيراً من المواقف التي حكم فيها لصالح أشخاصٍ ضعافٍ ضد شيوخٍ ووجهاء.
وهو يعتبر - بحق - مؤسس القضاء الشرعي في قطر، حيث وضع نظام تسجيل الأحكام والقضايا لحفظها، ولم يكن القضاة قبله يسجلون أحكامهم في سـجلاتٍ، أو يكتبون الأحكام في صـكوك، وإنما يكتفون بكتابة ورقةٍ مختصرةٍ في يد صاحب الحق تثبت حقه، ولا يوجد مايقابلها لدى القاضي.
وذكر الشيخ زهير الشاويش أن الشيخ محمد بن مانع قال للشيخ علي ابن عبدالله - حاكم البلاد في حينه -: «عليكم بالشيخ ابن محمود؛ فوالله إن ذهب أو ترك فلن تجدوا مثله».
كان فضيلته يبكر في الجلوس للقضاء قبل طلوع الشمس طوال العام، ما عدا أيام الجُمَع، وكان مع هذا قليل السفر خارج البلاد، ويبدأ جلسته ببحث وكتابة القضايا المعروضة أمامه في اليوم السابق، وبعد إنجازها يستدني الخصوم الذين تغصُّ بهم قاعة المحكمة في كثير من الأحيان، فيبدأ بحلِّ قضاياهم، ويجتهد في الإصـلاح بينهم ما وجد إلى ذلك سـبيلاً، ويسـاهم من ماله في الإصلاح إذا كان الخصم فقيراً.
وقد يتطاول عليه بعض الخصـوم برفع الصوت أو التجريح، فيتحمل منهم كل ذلك في صبر، وقد رفض عدة مرات وضع شرطة لتنظيم الدخول عليه؛ خوفاً من أن يردُّوا صاحب حاجة أو يمنعوا سائلاً.
وأكثر القضايا يحلُّها في جلسةٍ واحدةٍ أو جلستين، ويحرص في القضايا المتعلقة بالعقار أن يخرج بنفسـه لمعاينة مكان الخلاف، ويتأنى كثيراً قبـل إصدار حكمه حتى يتضح الحق والصواب فيقضي به..
وقد ذكر رحمه الله في إحدى رسائله منهجه في القضاء، ونصح إخوانه القضاة فقال: «شُرع القضاء رحمةً للناس وراحةً لهم؛ لإزالة الشقاق بينهم، وقطع النِّزاع عنهم، وإقامة الحدود، واستيفاء الحقوق، وردع الظالم، ونصر المظلوم.
لو أَنْصَفَ الناسُ اسْتَراحَ القاضي
وباتَ كُلٌّ عنْ أخِيْهِ راضـِي
فمن واجب القاضي أن يحتسب راحة الناس ورحمتهم في قطع النِّزاع عنهم، وأن يحتسب التبكير في الجلوس للناس، ويفتح باب المحكمة على مصراعيه، ثم يبدأ بالأول فالأول، كما نص على ذلك فقهاء الإسلام في كتبهم، ففي الحديث: «مَنْ تَوَلَّى شيئاً مِن أَمْرِ المسلمين فاحْتَجَبَ دُوْنَ حاجَتِهِمْ وفَقْرِهِمْ، احْتَجَبَ اللهُ دُوْنَ حاجَتِهِ وفَقْرِهِ» [رواه أحمد والترمذي].
ولما بلغ عمر أن سعد بن أبي وقاص قد اتخذ له باباً، وحُجَّاباً يمنعون دخول الناس عليه، أرسل محمد بن مسلمة، وأمره أن يحرِّق باب سعد قبل أن يكلم أحداً من الناس.
فهؤلاء القضاة الذين يغلقون أبواب المحاكم عليهم، ويتركون الناس خلف الأبواب يغشاهم الذل والصغار، والقاضي غير مكترثٍ بهم، ولا مهتمٍ بأمرهم، ويمضي أكثر وقته في الحديث في مصالح نفسه الخاصة، وشهر للحج، وشهر للعمرة، وشهر للمصيف في الطائف أو لبنان مثلاً، ويترك الناس يموج بعضهم في بعض بالنِّزاع والخصام، لا يجدون من يقطع النِّزاع عنهم، وهو مستأجَرٌ لحلِّ مشاكلهم.. فهؤلاء بالحقيقة مخالفون لنصوص مذهبهم؛ فإن الفقه الإسـلامي يمنـع غلق الأبواب، ونصب الحُجَّاب دون القاضـي ودون الناس.
فافتحوا الأبواب، وسهِّلوا الحُجَّاب، وبكِّروا في الجلوس؛ حتى يسهل عليكم معالجة الخصام، وتنظيم الأحكام؛ فإن جلوس القاضي في محلِّ عمله لفصل القضاء بين الناس، أفضل من تطوعه بحجه وعمرته، وأفضل من صيامه بمكة؛ لأن جلوسه في محل القضاء واجب عليه، ومطلوب منه شرعاً وعرفاً، أما التطوع بالحج والعمرة فإنها ليسـت بواجبة عليه، ولا مستحبة في حقه، وقد لا تصح منه.
فلا ينبغي أن يهمل هذا الواجب المحتَّم عليه في محاولة التنفُّل الذي هو ممنوع منه شرعاً وعرفاً».
وكان الشيخ ذا فكرٍ ثاقبٍ وحكمةٍ ودرايةٍ بأحوال الناس، وقد وضع عدداً من الأسس والآراء الفقهية التي تيسِّر على الناس، والتي تخالف ما كان عليه عمل المحاكم في المنطقة، وذلك نتيجة لخبرته القضائية الواسعة، وتمكُّنه من الفقه، فقد كان أول من طبق في دول الخليج اعتبار الطلاق الثلاث طلقةً واحدةً، واعتبار يمين الطلاق يميناً وليس طلاقاً، وخالف رأي الجمهور حول الطلاق البدعي، حيث لم يضع له اعتباراً، وله الكثير من الآراء التي تسير عليها محاكم قطر، والتي حلَّت الكثير من المشاكل.
وجلوسه ليس للقضاء فحسب، فقد يأتيه من يستفتي في مسألة أو حكم شـرعي، كما يلجأ إليه أصحاب الحاجات الذين يطلبون معونتـه في الأمور المختلفة، فلا يبخل عليهم بالمساعدة التي يريدون.
وكان يهتم بعـدم تأخير صاحـب الحاجة، ويكرم الشاهد ولا يعطله، ويجهد نفسه لمحاولة الوصول إلى الحق، فإذا احتاج الأمر إلى وقوفه على محل النِّزاع فقد كان يواعد الخصوم، ويذهب إليهم عصراً بنفسه.
ومجلس الخصوم لديه واحد، فإذا جاءه أحد كبار القوم أمره بالجلوس مع خصمه على كرسي الخصومة أمامه.
وقد كانت له هيبةٌ لدى كبار القوم وصـغارهم، وكان له فضـل إعطاء الشرع احترامه، وإلزام الناس بحدوده وحقوقه، وكان له فضل حماية حقوق الضعفاء من تسـلط الأقوياء، خاصـة في وقت لم تكن فيه أجهزة الدولة قد تكاملت بعد..
وحكام البلاد يحترمون أحكام الشرع، وإذا كان لأحد منهم قضيةٌ حول حقوق عقاريـة أو ماليـة، ولم يتمكنوا من حلها عن طريق وكلائهم، فكانوا يحيلونها إلى الشيخ، ويلتزمون بما يحكم به.
ومما نُقل عنه أنه ذهب لنظر قضيةٍ في الشمال بين أحد الشيوخ وأحد المواطنين، وكان من عادته أن يقف بنفسـه على موضع النِّزاع قبل البتِّ في الدعوى، فلما علم الذي رُفعت الدعوى في مواجهته أن الشيخ سيأتيه أعدَّ له العشاء كالعادة، حيث إن المنطقة بعيدة عن الدوحة، فلما حضر الشيخ قال له: يا شيخ! ترى حضَّرنا لك العشاء، فقال: أنا لم آتِ للعشاء، وإنما لنظر دعواكم، وبعد أن انتهى من الدعوى ركب سيارته وعاد بدون أن يتناول العشاء؛ فقد كانت تسويته بين الخصوم تقتضي أن لا يقبل دعوة أحدهما دون الآخر.
وكان - يرحمه الله - يرفض قبول الهدايا؛ لكون القاضي يجب أن يبعد نفسه عن أي شبهة.
وطلب منه أحد حكام قطر السابقين توثيق عطاءٍ منه لأحد أبنائه، فسأله: هل أعطيت باقي أبنائك مثله؟ فقال: لا، فرفض الشـيخ توثيق هذا العطاء، وقال: أشهدْ عليه غيري.
ويقول الأستاذ محمود الرفاعي - مدير أوقاف الزرقاء بالأردن، والذي عمل في قطر -: «إنه - مدَّ الله في عمره - رغم كبر سـنِّه فهو دؤوبٌ، لا يملُّ ولا يكلُّ، يجلس للقضاء مبكراً، وربما يسبق جميع الموظفين، ثم ينتقل ما بين حلٍّ لمشاكل المراجعين العضال، وبين القضايا الأخرى، إلى مدِّ يد العون والمساعدة للمعوزين، وجبر خاطر المكروبين، وبين القلم والقرطاس، يكتب بيده، ويملي على غيره، أضف إلى ذلك قوة الحافظة متَّعه الله بحواسه، ومدَّه بالعافية من عنده، فقد ترانا نبحث عن حديثٍ في بطون الكتب، فيكفينا المؤونة، وبهمةٍ شابةٍ تتحرك جوارحه، وما هي إلا دقائق حتى تكون البغية حاضرة.
والأهم مما مضى هو وقوفه على الحق، فإذا أيقن بالدليل والحديث، فإنه يضرب صفحاً عما كان يرد من كلامه، ويثبت ما صحَّ لنا من الرواية».
كان الشـيخ يتحـرى العدل في قضائه بدون النظر لديانةٍ أو مذهبٍ أو عرقٍ، فقد كسب احترام الجميع لنَزاهته وعدالته.
يقول جون قصـاب - وهو أرمنيٌّ سـوريٌّ يعمل في قطر -: كنت شاباً صغيراً أعمل بالنجارة، واتصل بي أحد الأرمن، وأبلغني أن أرمنياً إيرانياً قُبض عليه في قطر وأُدخل السجن، فذهبت لمركز شرطة الدوحة أسأل، فأبلغوني أن الرجل دخل البلاد بتأشـيرة مزوَّرة، فتحدثـت معه، فقال لي إنه حصل على التأشـيرة من إحدى شـركات السياحة، ولا يعلم أنها مزورة، فحاولت مقابلة مدير المركز فمُنعت من ذلك، وقيل لي إن الموضـوع يحتاج لإكمال التحقيق ثم يحال للمحاكمة.
وكانت زوجة الرجـل وابنه الصغير في الفندق، وسألت عن حلٍّ لهذه المشكلة، فقال لي أحد القطريين: اذهب إلى الشيخ ابن محمود، فقد يجد لك حلاً.
فذهبت إلى المحكمة الشرعية وأنا وجِلٌ، ولا أعرف كيف سأتمكن من مقابلة الشيخ، فلما دخلت دلُّوني على قاعةٍ كبيرةٍ، ورأيت فيها الشيخ جالساً ومعـه بعض الكَتَبَة، وهو ينظـر في القضـايا، فانتظرت حتى جـاء دوري، وأجلسوني على كرسيٍّ أمام الشيخ مباشرةً، فشرحت للشيخ مشكلة الرجل، وأن الرجل جاء إلى قطر في طريقه إلى بلدٍ آخر، ولم يكن يعلم بتزوير تأشيرته، وقلت له: أنا مسيحي، ولجأت إليك لأني لم أجد حلاً آخر، فقال لي: إذا كان كلامك صحيحاً فأنا سأنظر في الموضوع.
وطلب - وأنا جالسٌ - مدير مركز الشرطة، واستفسر منه عن القضية، وقال له في نهايتها: إن الرجل في طريقه إلى بلدٍ آخر، فأنتم أبعدوه من البلد، واعتبروا تأشيرته كأن لم تكن، ولا تزعجوا أنفسكم بتحقيقٍ ومحاكمةٍ، فوافق المدير، ولكن ليس من صلاحيته إلغاء القضية.
يقول جون: فكتب لي الشيخ كتاباً، أخذته وأنا فرح لمدير المركز، الذي قابلني فوراً، وأنهى الإجراءات بعد اسـتلام كتاب الشـيخ، وسـمح للرجل بمواصلة سفره مع عائلته في اليوم نفسه.
ويذكر الشيخ فيصل بن قاسم آل ثاني قصةً عن مقاولٍ لبنانيٍّ مسيحيٍّ، حدثت له مشكلة مع واحد من الشيوخ بسبب رفضه دفع الدفعات الأخيرة من حقوق المقاول، فرفع الرجل دعواه للشرع أمام الشيخ ابن محمود، الذي أمر بإعطائه إحضارية لخصمه، فحضر الطرفان أمام الشيخ، فأجلسهما أمامه.
وبعد الاستماع إلى الطرفين قال للمدعى عليه: هل تعترف بهذا المبلغ الذي يدعي به المقاول؟ فقال نعم، ولكنه ربح مني الكثير، وهذا خصمته مقابل ماربحه مني، فقال الشيخ: لقد اتفق معك على مبلغٍ معينٍ، فإذا كان الربح من ضمنه فهو حقه، وليـس لك أن تسلبه منه، فطلب يمين المقاول أن المتبقي حقه، فقال الشيخ: هو قدَّم أوراقه وبيِّنته، واليمين تتوجه إليك بأنك سلَّمته جميع حقه، عندها استعد الرجل لسداد بقية المبلغ، وأحضره في اليوم نفسه للمحكمة، واستلمه الرجل.
وقد تأثر هذا المقاول لهذا الموقف، وقال: أنا مسيحي أجنبي، وينصفني القضاء الشرعي من مواطن صاحب نفوذ، بل أحصل على حقي خلال ثلاثة أيام، أين يوجد هذا؟، ويقول الشيخ فيصل راوي القصة: إن هذا الرجل كان يصوم في رمضان مع المسلمين، ويفطر معهم وهو مسيحي.
استطاع رحمه الله أن يكسب حبَّ الناس، عندما رأوا قوته في الحق، وجهوده لنفع البلاد وأهلها.
يقول الشيخ قاسم بن علي بن قاسم آل ثاني: «عندما جاءنا الشيخ ابن محمود - وكان شاباً - لم نتوقع منه الكثير، ولكن بعد مدةٍ من قيامه بعمله وجدنا أنه غطَّى على من سبقه»
وكسب الشيخ احترام الجميع من حاكمين ومحكومين، يقول الشيخ زهير الشاويش - وكان ممن عملوا في ديوان حاكم قطر الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني رحمه الله -: «كان الشيخ علي في غير الجلسات الرسمية في العصر أو مسـاءً يجلس بدون البشـت، ويأتيه كبار الأسرة الحاكمة ووجهاء البلاد، فيتبسط معهم بالحديث، فإذا أبلغه الخدَّام أن الشيخ ابن محمود وصل، طلب البشت، ولا يستقبله إلا وهو لابسه».
كان قوياً في الحق لايحابي، ذكر في ردِّه على رسالة أحد الوجهاء ممن كانت له علاقة قوية معه، بعد أن حكم ضـده في قضية لصالح امرأة ضعيفة وبناتها الأيتام: «...وإني أُشعرك بأمرٍ يعود عليك بالراحة، وهو أنَّ مدحك لي لا يحملني على الحيف لك، كما أن ذمَّك لا يستدعيني إلى ظلمك، ولو كان الأمر بالتخييـر، وأن الحكـم لا يعقبه حسـاب خبيرٍ ولا عقاب قديـرٍ، لاخترت أن يكون عندك دونهم، ولن يرهقني طغياناً عليك ما نسبتني إليه من اللَّوم والذم، وما نسبتني إليه من الجور والظلم في خصوص هذا الحكم؛ لأنه ما من أحدٍ سلم من أذى الناس، حتى كتاب الله الموصوف بالصدق والعدل لم يسلم من الطعن...».
وجاء عاملٌ هنديٌّ إلى الشيخ يشكو كفيله وهو أحد الوجهاء، ويقول: إن كفيلي لم يعطني راتبي من عدة شهور، وعندما طالبته ضربني بالعصا، وأثرُ ضربه واضحٌ في ظهري، وكشـف ظهره فإذا أثر الضـرب واضحٌ، فغضب الشيخ وأرسل من يطلب هذا الكفيل للحضور.
وعندما حضر أجلسه مع العامل الهندي في مجلس الخصوم، وسأله عن أثر الضرب في ظهره فلم يستطع الإنكار، فأسمعه الشيخ كلاماً شديداً، حتى اسـتعدَّ هذا لتنفيذ ما يحكم به الشـيخ، فحكم عليه بدفع مبلغٍ كتعويضٍ عن الضرب، وجميع رواتبه غير المدفوعة، وسأل العامل إن كان يرضى بذلك، فقبل وشكر.
واشتكى أحد المواطنين أن وكيل أحد حكام قطر السابقين يبني للحاكم عمارةً، وقام بفتح مكيفاتٍ مطلةٍ على عقار المشتكي، فطلب الشيخ الوكيل وسمع حجته، ووقف على الموقع، ثم أصدر حكمه بسد الفتحات لكونها تؤذي الجار، واضطر الوكيل لتنفيـذ الأمـر بعد أن راجع الحاكم فقال له: نفذْ أمر الشيخ.
يقول الكاتب الأمريكي (ناثان براون) في كتابه «القضاء في مصر والخليج، القانون لخدمة من؟» - الذي استقى معلوماته من الأرشيف البريطاني -: «نجح البريطانيـون في إقرار ضـرورة أن يوجد نظام قانونـي وقضـائي في الخليـج لا يجد أساسه في الشريعة فقط، ولكنهم فشلوا في أكثر الأماكن في تشكيل ذلك النظام إلى حدٍّ كبيرٍ، خاصة في قطر، التي أثبتت فيها المحاكم الشرعية أنها أكثر قوةً، وأثَّرت هذه المحاكم بعمق، واسـتمرت في التأثير على مسار التطور القانوني والقضائي..».
ويضيف الكاتب أيضاً «إن قطر أثبتت أنها تقاوم بشدة أيَّ جنوحٍ رسميٍّ عن الفقه الإسلامي، وأثبت ذلك الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رئيس القضاء الشرعي، الذي رأى فيه البريطانيون رجلاً متزمتاً، وعقبةً في طريق الإصلاح القانوني الحقيقي، وإليه يرجع الفضل في تحويل المحاكم الشرعية من نظام غير رسمي إلى هيكلٍ منتظمٍ، وذلك عقب تعيينه في سنة 1938م».
كان يبدأ يومه بصلاة الفجر، ويوقظ أبناءه للصلاة، ويصحبهم معه، وبعد الصلاة يقرأ من القرآن وِرْداً يومياً، ويفطر، ثم يذهب قبل طلوع الشمس بقليل إلى مكتبه في المحكمة، وإذا كان صباح جمعه فإنه يراجع خطبة الجمعة لذلك اليوم.
وقد اشتهر - رحمه الله - باحترامـه لوقت الدوام، فكان أول من يداوم في مكتبه قبل طلوع الشمس، وكان ينتقد القضاة الذين يبدؤون دوامهم بعد ارتفاع الشمس، ويبدأ بدراسة القضايا وتحرير الأحكام والردِّ على المراسلات، وكانت عادته الإمـلاء على أحد الكَتَبة من الذاكـرة، بعد أن يكون قد درس الموضوع.
وكان كبار القوم والشـيوخ يزورون الشـيخ في أول سـاعات الصباح للسلام عليه، وتناول شيءٍ من القهوة، والحديث في شؤون البلاد، ثم يبدأ المتخاصمون في التوافد وعرض قضاياهم، فيستمر لعدة ساعات في نظر القضايا، والفصل فيها، والردِّ على المستفتين، والردِّ على المتصلين بالهاتف، وإنجاز الأوراق والمعاملات الرسمية الخاصة بأعمال الرئاسة، إضافةً لمقابلة ذوي الحاجات، والصدقة على المحتاجين منهم.
وعند ما يؤذن الظهر كان يذهب مع جلسائه للصلاة في المسجد المجاور للمحكمة، ثم يذهب إلى مجلسه حيث يتغدى مع ضيوفه وعياله، ويأوي إلى بيته حتى صلاة العصر، ثم يجلس في مجلسه، فيأتيه كبار القوم ومحبوه والكثير من أهل البلاد، وقد يأتي من يسـتفتيه في مسألة فيناقشها أمام جلسائه، كما يقابل الوفـود التي تأتي من خـارج البلاد، ويأتيه بعض طلبة العلم والجيران والأقارب.
وإذا كانت هناك قضية تحتاج إلى الوقوف عليها فإنه يخرج بعد انتهاء مجلسه مع بعض مرافقيه للوقوف عليها، إضافةً إلى القيام ببعض الواجبات الاجتماعية؛ كعيادة المريض، وتعزية أهل المتوفى، وزيارة كبار السن والعجزة، وغير ذلك.
ثم يذهب الشيخ إلى المسجد المجاور قبل صلاة المغرب بنصف ساعة للتعبد والدعاء، ثم يدخل بيته بعد المغرب ويصلي النافلة ويرتاح قليلاً، ثم يخرج لمجلسـه، حيث يحرص على الاسـتماع إلى قراءةٍ من أحد المراجع والكتب المهمة ما بين المغرب والعشاء، حيث يقرأ أحد أبنائه أو أقاربه قسماً من أحد المراجع العلمية، ككتب التفاسـير والسـنة والفقه والتاريخ، ويقوم الشيخ بشرحٍ لبعض الفقرات لإفادة جلسائه، كما يردُّ على من يستفسر منهم حول ما يقرأ، ثم يدعو جلساءه للعشاء، وإذا كان لديه ضيوف فإنه يذبح لهم ويكرمهم كعادته، ثم يصلي مع جلسائه، ويأوي إلى بيته بعد الصلاة.
وفي رمضان كان يلقي بعد صلاة العصر درساً في مسجد ابن عبد الوهاب في الجسرة، يحضره كبار أهل البلاد وجمهورٌ كبيرٌ من المصلين، وكان درسه يتناول في كل يوم موضوعاً في الفقه أو الحديث أو التفسير لإفادة مستمعيه، ثم بعد ذلك يقوم بتدريس أولاده القرآن حتى ما قبل صلاة المغرب، حيث يذهب إلى منْزله، ويفطر مع جلسائه، ويشاركه في تناوله عددٌ من الضيوف والفقراء والمحتاجين الذين يقصـدونه، وكان - رحمه الله - كثير الصدقة في هذا الشهر الكريم.
وكان يؤم الناس لصلاة التراويح، حيث يصلي بهم إحدى عشرة ركعة مع الوتر، ويقرأ جزءاً كاملاً من القرآن، ثم يجلس بعد التراويح في مجلسه، حيث يقصده المهنئون بدخول الشهر المبارك، كما يقصده زواره الكثيرون في مثل هذا الوقت خلال رمضان.
وفي العشر الأواخر كان يؤم الناس لصلاة القيام، حيث يقرأ ثلاثة أجزاءٍ في اليوم في ثماني ركعات، مع ركوع وقيام وسـجود طويل، وكان يجلس للراحة بعد الأربع ركعات الأولى، حيث تدور القهوة والطيب، ويلقي موعظةً في المصلين تشـتمل على الفوائـد العديدة،وعندما كبرت سـنه اكتفى بجزء واحد.
وتعتبر خطبة الجمعة - التي حرص فضيلته على إلقائها منذ تولِّيه القضاء - درساً أسبوعياً، يتناول مواضيع إسلامية عامة من الأمور التي تهم الناس في حياتهم، وتحوي خلاصةً لآراء فضيلته واجتهاداته في المسائل الشرعية.
وبعد افتتاح إذاعة قطر أصبحت الخطبة مسموعةً في البلدان المجاورة، ويحرص الكثير من الناس على الاستماع إليها وقت صلاة الجمعة وليلة السبت من كل أسبوع، وقد جمعها في كتاب «الحِكَم الجامعة لشتى العلوم النافعة».
وكان لفضيلته مواقف مشهودة على المنبر، حيث جهر فيه بكلمة الحق، وأمر بالمعروف، وحارب البدع والمنكرات، وكان المسؤولون والمواطنون يحسبون لها حساباً، وكانت خطبه وسيلة لتثقيف الناس وتعليمهم أمور دينهم.
وكان رحمه الله لا يبخل على مسـتفتٍ يطلب حلَّ مسـألةٍ من المسائل الصعبة والشائكة، حتى إنه أصبح مرجعاً للكثير من القضاة في بلاد الخليج والسعودية وفارس والهند، فيرسل أحدهم ملخص القضية إلى الشيخ، فيرد عليه بحلها.
يقول الشيخ عبد الرحمن الفارس - قاضي المحكمة الكبرى في الرياض - شاكراً إجابة الشيخ له على استفتاء أرسله: «...استلمت خطاب فضيلتكم المتضـمن للفتوى، وأحطت علماً ومعرفةً بما كان يجول في فكـري، فلقد أجدتم وأفدتم، ولازلتم موفقين لكل ملتمـس بيانٍ من العلـم، زادكم الله علماً ونوراً وبصيرة، ووفَّقكم لقول الحق بدليله؛ فإنكم لا تألون جهداً في إيضاح كلِّ مشكلة وتبيين كلِّ معضلة بدليلها...».
وقد اشتهر فضيلته بحلِّ القضايا الصعبة والمسائل المعقدة، حتى أصبح الناس يقصدونه من البلدان المجاورة، أو يرسلون إليه باستفساراتهم فيردُّ عليهم بما يشفي غليلهم.
ويقول أكثر من واحد من أهل قطر إنهم عندما يتوجهون للشيخ ابن باز بطلب الإفتاء في إحدى المسـائل، فإذا عرف أنهم من أهـل قطـر قال لهم: عندكم الشيخ ابن محمود، ارجعوا له.
وذكر عبد العزيز بن عزمان الذي كان يصلي في مسجد الشيخ ابن باز أمراً مماثلاً، حيث كان الشيخ ابن باز يسأل المستفتي من أي بلد هو؟ فإذا قال من قطر، قال له: عندكم الشيخ ابن محمود وتأتون إلي؟.
كتب الشيخ ما لا يقلُّ عن ثمانين مؤلفاً في مختلف المواضيع، تمَّ جمع أغلبها في كتاب: «مجموعة رسائل وخطب الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود» الذي طُبع عدة مرات، آخرها طبعة وزارة الأوقاف القطَرية في ثمانية مجلدات، وقدم لها مفتي المملكة الشـيخ عبد العزيز بن عبدالله آل الشـيخ، وله بعض الأعمال التي لم تصدر.
وكانت أول هذه الرسائل صدوراً هي رسالة: «إدخال الإصلاح والتعديل على معاهد الدين ومدارس التعليم» ثم تلتها رسالته: «يُسر الإسلام في أحكام حج بيت الله الحرام» التي أفتى فيها برمي الجمار قبل الزوال وفي الليل والتي أثارت ضجة كبيرة في حينها.
يقول رحمه الله في مقدمة كتابـه «الحكم الجامعة»: «إن لكلِّ إنسـان حاجة، ولكل حاجة غاية، وما حاجتي من مؤلفاتي إلا الدعوة إلى دين ربي، ونصيحة أمتي بالحكمة والموعظة الحسنة؛ ابتغاء الثواب من ربي، والدعاء من إخوانـي؛ إذ هـذه أمنيتي وغاية بغيتي ورغبتي، والله عند لسان كل قائل وقلبه».
كما يضـيف رحمه الله «هذا وإنني لم أُخرج رسـالة علمية ذات أهمية إلا وأنا متحقق من حاجة المجتمع إليها، وإلى التنبيه على مدلولها، وكونها من المبتكرات التي لم يُسبق إليها، وكم ترك أولٌ لآخر».
وقد تنوعت رسائله بين التوجيهات والنصائح في الأمور اليومية التي تدور عليها الحياة في المجتمعات، ودعوة التوحيد الذي عليه عماد الإيمان، ومحاربة البدع والآراء المخالفة للشرع، وكان ينهج منهجاً لا يتقيد فيه بآراء المذهب فقط، بل ينظـر إلى قوة الدليـل، ويدعـم رأيـه بحصيلةٍ واسـعةٍ من الآيـات والأحاديث وأقوال الفقهاء.
كما كان لخبرته في القضاء أثرها في بعض رسائله، التي يُسهل فيها على الناس حلَّ بعض المشـاكل في الشـؤون الزوجيـة أو الطلاق أو التأمين على السيارات أو غيره.
وقد يأتيه استفتاءٌ من إحدى الجهات، فيؤلف فيه رسالة رداً على ذلك، كما فعل في رسائله: «جواز الاقتطاف من المسجد أوالمقبرة»، ورسالته حول إباحة السكنى في حجر ثمود، ورسالة «اجتماع أهل الإسلام على عيد واحد كل عام»، والتي ورد الاستفسار عنها من رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة بإيعازٍ من الملك فيصل - رحمه الله - وقد ألَّف في كل موضوعٍ رسالةً مستقلةً.
وقد يؤلف كتاباً لمناقشة مسألةٍ مطروحةٍ، كما حدث في فتنة المهدي في مكة المكرمة، فقد تزامن حدوثها مع عقد مؤتمر السيرة والسنة النبوية في الدوحة، وكان فضيلته قد أعدَّ بحثاً عن السنة المطهرة، وكونها شقيقة القرآن، وقصد أن تكون موضوعاً لخطبته، ولكنه غيَّر ذلك إلى الكلام حول المهدي المنتظر، وناقش مدى صحة الأحاديث الواردة فيه، وانتهى إلى ضعفها، ألقاه على الحضور في المؤتمر فنال استحسانهم، وألَّف بعد ذلك رسالته: «لا مهدي يُنتظر بعد الرسول محمد ج خير البشر».
وعندما رأى كثرة الأضاحي عن الأموات في مناطق نجد وما جاورها، أعدَّ رسالةً سماها «الدلائل العقلية والنقلية في تفضيل الصدقة عن الميت على الضحية»، وأثـارت عليه بعض الردود، فردَّ عليها بكتابه «مباحـث التحقيق مع الصاحب الصديق».
كما كتب فضيلته العديد من الرسائل في التحذير من البدع والانحراف عن واجبات الدين، وكتب حول الأمور الواقعة في حياة المجتمعات الإسلامية، فحذَّر من الخمور، والربا، والتبرج، والاختـلاط والتزوج بالكتابيات وأثره على النشء، والأفلام الخليعة، والتلقيح الصناعي، وتحريم نكاح المتعة، وغيرها.
كما ألَّف في تصحيح عقائد المسـلمين، ككتابه حول بدعة الاحتفال بالمولد، والإيمان بالقضاء والقدر، وكتاب: «عقيدة الإسـلام والمسـلمين»، ورسالة: «الإصلاح والتعديل لما وقع في اسم اليهود والنصارى من التبديل»، ورسالة: «وجوب الإيمان بكل ما أخبر به القرآن من معجزات الأنبياء»، ورسالة: «تحقيق البعث بعد الوفاة»، وتحذيـره من انحراف الشـباب، ورسالته حول واجب المتعلمين والمسؤولين في المحافظة على أمور الدين، كما ناقش في بعض مؤلفاته مسـائل فقهية هامـة؛ كجواز تحويـل المقام، وحكم اللحـوم المستوردة وذبائح أهل الكتاب، وحكم الطلاق السني والبدعي، وقضية تحديد الصداق، والحكم الشـرعي في إثبات رؤيـة الهلال، وكتاب الصيام وفضل شهر رمضان، والجهاد المشروع في الإسلام، وغيرها من المواضيع التي تعالج مشاكل في الحياة اليومية للفرد، وتهدف إلى تصحيح المفاهيم ورفع الحرج عن مجموع الأمة.
يقول الشيخ حسن خالد مفتي لبنان السابق رحمه الله عندما قرأ رسالة: «الطلاق السني والبدعي»: جزى الله ابن محمود خيراً، لقد حلَّ لنا بهذه الفتوى مسـائل عويصة في الطلاق، يعاني منها المجتمع اللبناني والمجتمع الشامي عموماً، وسـوف نقوم بتطبيقها في محاكمنا، ولا نملك جميعاً إلا أن ندعـو له الله بالسـداد والتوفيق وطول العمر، فما أحوج أمتنا إلى مثله فقيهاً متبحراً وبصيراً. (روايةً عن د. يوسف عبيدان القائم بأعمال سفارة قطر في بيروت سابقاً).
ويقول الشيخ محمد الغزالي: «..والشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رجلٌ ثاقـب الفكر، يبحث عن الحق بإخلاصٍ، ويستعين على معرفته بثروةٍ طائلةٍ من الخبرة بكتب الأولين، فإذا اهتدى إلى حكم ينفع الأمة جهر به دون وجلٍ، ودافع عنه بأصالةٍ، وقد قرأت له جملةً من المسائل التي تعرض الفقه الإسلامي عرضاً يناسب العصر، لا استرضاءً للمعاصرين، ولكنها رحابة أفق في فهم الدين».
ويقول الشيخ مهنا بن سلمان المهنا القاضي بالمحكمة الكبرى بالرياض: «وللشـيخ أسلوبٌ متميزٌ في التأليف والكتابة؛ إذ يعنى إلى جانب المضمون بمحسِّنات اللفظ من سـجع وجناس وصـوَر وأخيلة، مع تدبيجه بالجيد من الشعر والآثار العربية، حتى يصل إلى القلوب سلساً رقراقاً، يجد القبول في النفس والانشراح في الصدر».
لقد شكَّل صدور رسالة: «يُسر الإسلام في أحكام حج بيت الله الحرام»، - وفيه التحقيق بجواز رمي الجمار قبل الزوال - علامةً فارقةً في تاريخ جهود الشيخ العلمية واجتهاداته الفقهية، فهو قد فتح المجال لكسر الجمود في الفتاوى الفقهية، وخاصة في الفقه الحنبلي الذي كان سائداً في أغلب أنحاء الجزيرة العربية، وكانت كتب متأخري الحنابلة: «الإقناع، والمنتهى، والإنصـاف» هي أساس الإفتاء؛ نتيجةً لانتشارها والقبول الذي حظيت به.
وعندما نقيـس ردود الفعل على صـدور هذه الفتوى، يتبين لنا مـدى تأثيرها الذي وصل إلى تدخل الملوك والحكام في الأمر، واعتباره من الأهمية بحيث يقوم ملكٌ مثل الملك سعود ملك المملكة العربية السعودية بمراسلة الشـيخ علي بن عبدالله آل ثاني حاكم قطـر؛ طالباً موافقته على إيفاد الشـيخ لمناظرة المشايخ في الفتوى، بل إنه كتب للشيخ ابن محمود بالمضمون نفسه.
وعندما سـافر الشيخ علي في السنة نفسها للحج، واجتمع مع الملك سـعود في منى، كان موضـوع الفتوى من ضـمن الأمور التي تباحـث فيها العاهلان، وطلب الملك سـعود من الشـيخ ابن محمود الذي كان حاجّاً مع الشيخ علي أن يتراجع عن فتواه، وكان ردُّ الشيخ بالاعتذار، الأمر الذي يوضح صعوبة وحجم التغيير الذي حدث.
ونظرة إلى رسالة الشيخ الموجهة إلى علماء الرياض [3]،والتي احتوت دفاعاً رائعاً عن رسالة «يسر الإسلام»، تعطي القارئ فكرةً عن قدرات الشيخ في المجادلة والمنافحة عن آرائه، التي اعتمد فيها على الأدلة من الكتاب والسنة، كما أورد فيها أقوال عدد من العلماء السابقين الذين رأوا الرأي نفسه.
ولقد تحمَّل الشـيخ الكثير من التحامـل عليه ومحاولة الحط من قدره وتسفيه آرائه، ولم يكن ذلك من المشايخ الذين اختلف معهم ويعرفون قدره، ولكن من تلاميذهم الذين يعتقدون أنهم يحسنون صنعاً.
ولكنه كان يقول دائماً: «إن الكثير من الناس - بما فيهم الفقهاء - يسارعون إلى إنكار مالم يألفوه، بل إن بعضهم يسارعون للرفض والإنكار، بدون أن يكلفوا أنفسـهم قراءة جميع الكتاب، أو البحث ودراسته ليعلموا نصيبه من الصحة والصواب..».
ونُقل عنه أنه قال لأحد العلماء الذين اعترضوا على فتواه: «اذهب وارم بدون حرس، ثم أبدِ رأيك».
[3] موجودة ضمن مجموعة رسائل الشيخ.
وقعت هذه المناظرة في الرياض، واجتمع لها كبار مشايخ الرياض ونجد، وتمَّ مناقشة الشيخ في رسالته: «يسر الإسلام» وفتواه حول رمي الجمار، وقد ردَّ الشيخ بما فتح الله عليه، وكان موفقاً في ردوده، التي اعتمد فيها على الأدلة من الكتاب والسنة، ووزع على المشايخ قبل الاجتماع رسالته الموجهة إلى علماء الرياض، التي أورد فيها مستنده وهذه الأدلة بشكل واضح.
يقول الشيخ زهير الشاويش رئيس المكتب الإسلامي في بيروت، - وكان ممن حضـروا المناظرة مع الشـيخ -: «كنت قريباً من الشـيخ ابن محمود، وبجواري الشـيخ (أبو حبيب) الذي كان مؤيداً لرأي الشـيخ، وكان الشـيخ يستشـهد في رأيه بالآيات والأحاديث النبوية وآراء بعض العلمـاء، وكان ردُّ علماء الرياض يعتمد على أقوال متأخري الحنابلة».
ويضيف الشيخ زهير: «ولما طال الجدل في المجلس، قام عدد من المشايخ، وأحاطوا بالشيخ ابن محمود مطالبينه بالرجوع، وتلبية طلب شيخه في كتابة رسالةٍ بتراجعه، والشيخ يعتذر منهم ويقول: رُدُّوا عليَّ.
وبعد إلحاحٍ منهم وإحراجٍ سكت الشيخ، فقام أحدهم - ويدعى الشيخ الصالحي - ورفع صوته وقال: الحمد لله، لقد رجع الشيخ ابن محمود عن قوله إلى كلام العلماء، وسوف يكتب رسالةً برجوعه.
وهنا قام الشيخ محمد بن إبراهيم، وخرج منهياً الجلسة، وخرج وراءه أكثر الحضور،ولكن الشـيخ ابن محمود قام، وقال أمام الحاضرين - ومنهم الشيخ أبو حبيب، وابن باز، وبعض الحضور وأنا أسمع منه قوله -: (أنا لم أقل، ولم أرجع)».
وقد شهد الشيخ إبراهيم بن ضعيان - وكان ممن رافقوا الشيخ - بشهادة مماثلة، أكد فيها أن الشيخ لم ينطق بالرجوع، وإنما عندما أحرجه المشايخ، واحتراماً لشيخه محمد بن إبراهيم سكت عن المجادلة، وقال: «سأنظر في أمري»، ولم يزد على ذلك.
وكان الشيخ أثناء إقامته في الرياض بانتظار المناظرة يلتقي مع عددٍ من كبار العلماء، ويتحاور معهم، وقد وافقه عدد منهم، ولكنهم لم يتكلموا في الاجتماع.
يقول الشيخ في رسالةٍ منه لأحد محبيه بعد أن تكلم عن تلك الجلسة: «..وكان أعيانٌ من البارزين يوافقونني فيما هو مثار النِّزاع، ومعرك الجدل، وفي ذلك المجلـس خلفهم الخـوف والوجـل، وأنا أعذرهـم..» ويضيف رحمه الله حول نتيجة المناظرة: «وأنا أعرف أن أغلب المشـايخ يـرون أني أصبت الهدف في العلم والفهم، وأني لم أتجانف فيما قلت لعذر، وقد ألفت قبل سفري رسالةً وزعتها على المشايخ، وصارت أشد على بعض الناس من الأولى..».
وقد حصل الشيخ على تأييد عددٍ من أمراء العائلة المالكة، وكان أبرزهم سمو الأمير عبدالله بن عبد الرحمن آل سعود (عمّ الملك)، والذي يعتبر في حينه فقيه آل سعود، وكان لديه خلفية علمية جيدة، تجعله قادراً على محاورة المشـايخ ومناقشتهم عن علم وفهم، وقد حفظ له الشيخ موقفه ذاك، فكان يزوره في كل مرة يصل فيها إلى الرياض، وكان الأمير عبدالله يقدِّره ويعزُّه.
كان الشـيخ رحمه الله صـاحب مدرسـة فقهية مستقلة، أشبه ما تكون بمدرسة شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيّم، فلم يكن يقبل التقيُّد بآراء علماء المذهـب دون بحـث ومناقشـة، وإذا رأى أن رأي هـؤلاء لا يحقـق المصلحة، فقد كان يبحث عن الدليل الذي يستند إليه، ويحقق المسألة تحقيقاً وافياً ودقيقاً، وقد يخرج في النهاية برأي مخالف مستنداً إلى الدليل من الكتاب والسنة، وإن أثار عليه ذلك اعتراض المعترضين.
يقول رحمه الله في مقدمة مباحث التحقيق: «فإن من واجـب العالـم المحتسب القيام ببيان ما وصل إليه علمه من معرفة الحق بدليله، مشروحاً بتوضيحه والدعوة إليه، والصبر على الأذى فيه؛ لكون العلم أمانة، والكتمان خيانة، ومن المعلوم أن العلوم تزداد وضوحاً، والشخص يزداد نضوجاً بتوارد أفكار الباحثين، وتعاقب تذاكر الفاحصين؛ لأن العلم ذو شجون، يستدعي بعضه بعضاً، وملاقاة التجارب من الرجال تلقيحٌ لألبابها، وعلى قدر رغبة الإنسـان في العلم، وطموح نظره في التوسـع فيه بطريق البحث والتفتيـش عن الحق في مظانِّه تقوى حجته، وتتوثق صلته بالعلم والدين؛ لكون العلم الصحيح، والدين الخالص الصريح شقيقين يتفقان ولا يفترقان، ورأسهما خشية الله وتقواه: ﴿وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُ﴾ [البقرة: 282].
ويقول في رسالته «الجهاد المشروع في الإسلام»: «إن الناس يستفيدون من المتحررة آراؤهم، والمستقلة أفكارهم في حدود الحق؛ كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وأشـباههما، أكثر مما يستفيدون من المقلدة لشيوخهم وعلماء مذاهبهم؛ إذ المستقل بفكره هو من يستفيد من بحث غيره بصيرةً وفكرةً وزيادة معرفة، ولا يقلدهم في كل قول يقولونه، وإنما يعمل بما ظهر له من الحق، فعدم وجود المستقلين ضارٌّ بالإسلام والمسلمين؛ لأنهم حملة الحجة والبرهان، والمقلد لا حجة له، وإنما غاية علمه وعمله أن ينقل حجة غيره، فإذا طرأت شبهة على الدين كهذه لم يجد جواباً لها منقولاً عمَّن يقلدهم من الفقهاء، فيبقى حائراً محجوجاً مبهوتا، أو يستدل بما لم يحط بعلمه. [من الطويل]
ولم يتناوَلْ دُرَّةَ الحَقِّ غائِصٌ
منَ الناسِ إلا بالرَّوِيَّةِ وَالفِكْرِ
إن طريق الانتفاع بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من المجتهدين هو أن يفرغ الإنسان قلبه مما يعتقده قديماً مما قد يظن في نفسه أنه حق، ثم يقدِّر الاحتمال لعدم صحة ما يعتقده، فينظر من جديد في الأدلة التي يوردها المجتهد، بدون أن يتلقاها بالنفرة والكراهية الشديدة لها؛ فإن الإنسان إذا اشـتدت كراهيته للشـيء لم يكد يسـمعه ولا يبصـره، فيفوت عليه مقصوده وثمرته».
ويقول رحمه الله في رسالته: «مباحث التحقيق مع الصاحب الصديق» موضحاً مايتعرض له العلماء والكتَّاب من مناوئيهم:
«...إنه متى تصـدَّى عالمٌ أو كاتبٌ أو شـاعرٌ لتأليف أي رسالة أو مقالة أو قصيدة، فبالغ في تنقيحها بالتدقيق، وبنى قواعدها على دعائم الحق والتحقيق بالدلائل القطعية والبراهين الجلية من نصوص الكتاب والسنة وعمل الصحابة وسلف الأمة، فحاول جاحدٌ أو جاهلٌ أن يغير محاسنها، ويقلب حقائقها، وينشـر بين الناس بطلانها وعدم الثقة بها، فيلبسـها ثوباً من الزور والبهتان، والتدليس والكتمان، ليعمي عنها العيان، ويوقع عدم الثقة بها عند العوام وضَعَفَة الأفهام.. أفيُلام صاحبها إذا كشـف عنها ظلم الاتهام، وأزال عنها ما غشيها من ظلام الأوهام بطريق الحجة والبيان؛ إذ لا بد للمصدور من أن ينفث، والحجة تُقرع بالحجة، ومن حكم عليه بحق فالحق فلجه: ﴿لِّيَهۡلِكَ مَنۡ هَلَكَ عَنۢ بَيِّنَةٖ وَيَحۡيَىٰ مَنۡ حَيَّ عَنۢ بَيِّنَةٖ﴾ [الأنفال: 42]. مع العلم أن المبني على دعائم الحق والتحقيق لن يزلزله مجرد النفخ بالريق؛ لأن الحق مضمون له البقاء، وأما الزبد فيذهب جفاءً...».
وعندما يتصدى رحمه الله لبحثٍ فإنه يجمع ما له من الحجج وما عليه، ويمحِّصها، ويرجِّح ما يراه حقاً، ويقول: «...وجمعتُ من النصوص الجلية والبراهين القطعية ما يزيح الشك عن الكتاب، ولن أهمل أمراً ما عسى أن يكون حجةً عليَّ في هذا الباب، بل كتبتُ كلَّ ما وجدت من حجج المانع والمقتضي والموجب والسـالب، ورجحت ما يقتضـيه الترجيح بدليل السنة والكتاب، وبينت من الدلائل في مقدمته ما يكون مؤذناً بصحته، ولم أُلقه ساذجاً من دليل الحكم وعلته؛ لأنني أخذت - فيما قلت بالأدلة الشرعية - مأخذ الافتقار إليها، والتعويل عليها، وكونه لا حول ولا قوة إلا بها، غير أن صواب القول وصحته غير كافلة لصيانته عن الرد عليه، أو الطعن فيه والحطِّ من قدره، حتى ولا كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فإنه لم يسلم بكماله من الطعن في أحكامه، والتكذيب بكلامه: (وكذب به قومك قل لست عليكم بوكيل) فكيف بكلام من هو مثلي، وأنا المقرُّ على نفسي بالخطأ والتقصير، وأني لدى الحق أسير..».
ويضيف رحمه الله: «غير أن الناس بطريق الاختبار يتفاوتون في العلوم والأفهام، وفي الغوص إلى استنباط المعاني والأحكام، أعظم من تفاوتهم في العقول والأجسام، فتأخذ العيون والآذان من الكلام على قدر العقول والأذهان، فيتحدث كلُّ إنسان بما فهمه، حسب ما وصل إليه علمه، وعادمُ العلم لا يعطيه، وكلُّ إناءٍ ينضح بما فيه، فمن واجب الكاتب أن يبدي غوامض البحث ومشاكله، ويبين صحيحه وضعيفه مدعماً بدليله وتعليله؛ حتى يكون جلياً للعيان، وليس من شأنه أن يُفهم من لا يريد أن يفهم كما قيل: [من البسيط]
ذعَلَيْكَ بالبَحْثِ أن تُبْدِي غَوامِضَهُ
وما عَلَيْكَ إذا لم تَفْهَمِ البَقَرُ..»
وكان رحمه الله صاحب استقلالية في البحث، ولا يتقيد إلا بالدلائل الواضحة من الكتاب والسنة، ويبين منهجه في ذلك بقوله: «...ونحن لا نعتذر من قول الحق على شيخ الإسلام أو على غيره؛ إذ الحق فوق كلِّ أحد، وشيخ الإسـلام هو حبيبنا، وليس بربـِّنا ولا نبيِّنا، وقد قال ابن عباس: «يوشك أن تنْزل عليكم حجارةٌ من السماء، أقول قال رسول الله، وتقولون قال أبو بكر وعمر»، ومن المعلوم أن أبا بكر وعمر أفضل من كل أحد بعد رسول الله، وقد قال الإمام أحمد: «عجبت لقومٍ عرفوا إسـناد الحديث وصـحته، فيتركونه ويذهبون إلى رأي سـفيان وفلان وفلان، والله يقـول: ﴿فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63] ثم إن شيخ الإسلام رحمه الله قد خالف الأئمة الأربعة فيما يزيد على سبع عشرة مسألةً مشهورةً لدى أهل العلم والمعرفة، ولا يُعدُّ انفراده بها شذوذاً؛ لأن من كان على الحق فهو الأمة الذي يجب أن يقتدى به...».
تعرَّض الشيخ لحملةٍ شديدةٍ من أقرانه، الذين رأوا في آرائه خروجاً على ما استقرَّ عليه الفقه في نجد والجزيرة العربية، والذي انتشرت فيه كتب متأخري الحنابلة، وأصبحت هي أساس الفتوى، بحيث أصبح الخروج عنها خروجاً على الإجماع، ولم يشفع للشيخ كونه يسند آراءه بالأدلة من الكتاب والسنة وآراء الصحابة وبعض العلماء المتقدمين.
وعندما أصدر الشيخ أولى رسائله المثيرة للجدل، وهي رسالة: «يسر الإسلام» كان عمره 44 سنة، وهي سنٌّ صغيرةٌ نسبياً مع وجود عدد من كبار العلماء الأكبر سناً، والذين يتوقعون منه عدم هزِّ الثوابت في الفقه الحنبلي السائد.
وقد تعرضت رسائله وفتاواه لعدد من الردود من كبار وصغار العلماء، فصدرت ردودٌ بعضها مطبوع في كتاب، وبعضها نُشر كردٍّ في إحدى المجلات أو الجرائد، وأكثر الردود صدرت على رسائله الأولى حول رمي الجمار قبل الزوال وفي الليل، وكون الصدقة أفضل من الأضحية عن الميت، ونفي الفرق بين النبي والرسول، وجواز الأكل من ذبائح أهل الكتاب، والجهاد المشروع في الإسلام وكونه للدفاع، وقد ردَّ عليها رحمه الله بردودٍ وافيةٍ، أبرزت قدرته الفذَّة في الدفاع عن آرائه بتمكُّنٍ وثقةٍ، أكسبته احترام مناوئيه، كما زادت أعداد مؤيديه زيادةً كبيرةً، وأصبح له قبولٌ عند الناس وثقةٌ في فتاواه.
وقد مرت كتبه الأخيرة - مع أنها أكثر جرأة - بدون أن تصدر في مواجهتها ردودٌ تُذكر، وذلك كرسالة: «الطلاق»، ورسالة: «لا مهدي يُنتظر».
أثارت رسائل الشيخ واجتهاداته الكثير من النقاش والنقد، حيث جاءت على غير ما ألفه الوسط العلمي في الجزيرة العربية، فصدرت عدة ردود عليها، ولكنه ردَّ عليها بتمكُّنٍ وثقةٍ تامةٍ، وقراءة ردوده رحمه الله تُبرز قدرته المتميزة، وإحاطته بما يجتهد فيه.
ففي ردِّه على من اعترض على رسـالة الأضـحية يقول: «...وكـون الأضحية عن الميت ليس لها أصلٌ عن رسول الله ج ولا عن أحدٍ من أصحابه، ولم تُحفظ عن أحدٍ من التابعين، وأن مذهب الأئمة الثلاثة: أبي حنيفة ومالك والشافعي القولُ بعدم مشروعيتها، وقد ذكرتُ مذاهبهم معزوةً إلى أصحابهم وكتبهم في الرسالة، وذكرت بأنها لم تكن معروفةً عن قدماء فقهاء الحنابلة، فلـم تُـذكـر في كتـب المتقدميـن، لا في الخرقـي، ولا كتـب القاضـي، ولا «المغنـي»، ولا «الكافـي»، ولا «الشـرح الكبيـر»، ولا «المحـرر»، ولا «المقنع»، ولا «المنتقى في الأحكام»، ولا «المذهب الأحمد»، ولا في «الإنصاف»، ولا في «الهداية» للخطابي، ولا «النظم»، ولا في «زاد المعاد»، ولا في «إعلام الموقعين»، ولا في شئٍ من التفاسير، كما أن استحباب الأضحية عن الميت لا يوجد في شئٍ من كتب المذاهب الثلاثة المعتمدة، وإنما الذي أدخلها على الحنابلة هو صاحـب «المنتهى» حيث قال: (وأضحية عن ميت أفضل منها عن حي)، وأخذها عنه صاحب «الإقناع»..».
وهذه تُظهر قدرته العلمية الموسوعية، بحيث يحيط بكل هذه المراجع، ويقول واثقاً أنها لا تتضمن جواز الأضحية عن الميت، مع العلم أنه لا يعتمد إلا على ذاكرته.
ثم يؤكد على منهجه الذي يسير عليه في اجتهاده فيقول: «ولا ينبغي أن نكون من سجناء الألفاظ، بحيث متى حفظ أحدنا قولاً من أقوال فقهائنا القدامى ليـس له نصيب من الدليل والصحة، جعلناه حقاً لا محيص عنه ولا محيد، فنكون من سجناء الألفاظ، الذين عناهم العلامة ابن القيم بقوله: [من الكامل]
والنّاسُ أكثرُهُمْ بِسِجْنِ اللفظِ مَحْـ
ـبُوسونَ خَوْفَ مَعَرَّةِ السَجَّانِ
والكُلُّ إلاّ الفَرْدُ يَقْبَلُ مَذْهَباً
في قالَبٍ ويَرُدُّهُ في ثاني
وكان رحمه الله ينتقد بعض المشايخ في عدم تحرِّيهم للحكم الصائب، فيقول: «وبعض إخواننا يعجز عن استعمال فهمه في إدراك ما عسى أن ينفعه، وإنما يصغي بأذنه إلى ما يقول الناس بدون تروٍّ ولا تفكُّرٍ، فإذا قالوا في الشيء خطأً قال خطأً، وإذا قالوا صواباً قال صواباً...».
ويقول: «ولكن الحق مهما حاول الناس منعه، وتحاملوا على قائله، فإن عادة الله في نصره أنه يشق طريقه بنفسه لنفسه، ثم يعود الناس إلى العمل به، والحكم بموجبه، مهما طال أو قصر زمانه»
وقد تألَّم الشـيخ من موقف هؤلاء الأقـران، يقول في مقدمة «الحكم الجامعة»: «وقد قال لي أحد هؤلاء الأقران الكرام عندما زرته للسلام، وكنت أحمل معي شـيئاً من الرسائل العلمية، فبادرني بقوله: إنني لم أقرأ شيئاً من رسائلك أبداً.
وسبق أن قال لي مثل هذه الكلمة من مدة تزيد على ثلاث سنين، وقد أعادها الآن، فقلت له: عسى أن لا يكون فيها إلحادٌ وزندقةٌ؟ فقال: لا، إلا أنني مشغول عنها. ثم قال: إن فلاناً يشتغل بكتابة ردٍّ عليك.
فقلت له: أهلاً بمن يردُّ الباطل في وجه قائله، وإنني مسـتعد لقبـول الحق منه، وردِّ الباطل عليه، ثم تفرقنا من غير رضىً مني».
كما يقول رحمـه الله: «غير أنني أعرف أهـل زماني، وخاصة إخواني وأقراني، وأنهم على اتباع زلّاتي، وإحصاء سيّئاتي، وستر حسناتي أحرص منهم على الانتفاع بعظاتي، لكنني أسلِّي نفسي بالتأسي بالعلماء الفضلاء قبلي، الذين دب إليهم داء الحسـد من أقرانهم؛ لكون الرجل الفاضل مهما هذَّب نفسـه، وحاول كفَّ ألسنة الناس عن عذله ولومه، فإنه لن يسعه ذلك؛ لأن كل ذي نعمة محسود، كما قيل: [من الرمل]
ليسَ يَخْلُو المَرْءُ مِنْ ضـِدٍّ ولو
حاوَلَ العُزْلَةَ في أَعْلى الجَبَل..»
ويضـيف أيضاً «..ووقع بنا ما قيل إن أزهـد الناس في عالمٍ هُم أهلُه وجيرانه، ومن يعيـش بين ظهرانيهم، كما حكى الله سبحانه عن فرعون لما جاءه نبي الله موسى برسالةٍ من ربـِّه: ﴿أَلَمۡ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدٗا وَلَبِثۡتَ فِينَا مِنۡ عُمُرِكَ سِنِينَ١٨﴾ [الشعراء: 18] فكانت تربيته فيهم، وبداءة نشأته عندهم هو من أسباب عدم قبولهم لدعوته، والاحتقار منهم للحق الذي جاء به، ولن ننسى عداوة قريش لرسول الله ج وتكبُّرهم عن قبول دعوته من أجل نشأته بينهم..».
ويقول الشريف شاكر بن هزاع قائمقام مكة السابق: «كنا في زمن الملك فيصل لا نسمع من المشايخ إلا قال ابن محمود، وردَّ ابن محمود، ليس لهم حديث إلا عن رسائله وردوده».
وكتب الشيخ عبدالله بن خميس الأديب والمؤرخ المعروف في رسالةٍ منه للشيخ مؤيداً له:
«...والواقع أن استنتاجاتكم واجتهاداتكم الإسلامية ومآخذكم الموفقة، لما يتفق وروح الإسلام ومقاصده المرنة السمحة؛ إذ هي تهدف إلى تحكيم الكتاب والسـنة، والرجوع إلى معينهما الصـافي، دون الالتفات إلى التقليد والمحاكاة وتحكُّـم الرجـال، الأمر الذي يجعلنا نطمـع في أن يُكثر الله من أمثالكم؛ أهلِ العقول النيِّرة والأفكار الرحبـة، الذين تنشـرح بهم الصدور، وتطمئن إليهم القلوب، ويجتذبون الناس بما أعطاهم الله من الحكمة والموعظة الحسنة، والنطق الهادف، والبحث عن الحق أينما كان وحيثما كان.
ولا أكتم شيخي الفاضل أنني من المعجبين باجتهاداته الشرعية، وبصراحته في الحق، ولا أزال ولن أزال أكرر إعجابي، وأدعو من صميم قلبي أن يكون قدوةً لرجالٍ من هذا الطراز؛ لاتأخذهم في الله لومة لائم، ولا يركنون إلى التقليد الجامد الأعمى، بل يجاهرون بالحق، ويجأرون به.
وأنا واثق - وإن حفَّ اجتهاداتكم الإسلامية ما حفَّ بها من تنفجات ومخالفات - إلا أن النية الحسنة، وسلامة الطوية، وعمق المأخذ، وسلامة التفكير، وتلمُّس مقاصد الإسلام الكريمة وأهدافه السمحة، كل ذلك سوف يكتب لهذه الاجتهـادات الخلود والبقاء، رغم ما يُثار حولها من غبار، طال الزمن أو قصر: ﴿وَقُلِ ٱعۡمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ﴾ [التوبة: 105].
هذا وأرجو من الله أن يصاحبكم التوفيق في قولكم وعملكم، وأن يبقى قلمكم الصريح وفكركم الناضج أسوةً وقدوةً..».
كان الشيخ يحتفظ بعلاقاتٍ جيدة مع كبار العلماء في المملكة السعودية والخليج، وكان يعتبر الخلاف العلمي يجب أن لا يكون سبباً لخلاف شخصي أو قطيعة؛ لذا فقد بقي محافظاً على علاقته بزملائه المشايخ، حتى الذين اختلفوا معه، وكان يزورهم عندما يكون في الرياض أو الطائف، ويبادلونه الزيارة، كما أن بينه وبينهم مراسـلات كثيرة، خاصـة كبار آل الشـيخ الذين يقدرهـم ويقدرونه.
وعندما أصدر الشيخ محمد بن إبراهيم رسالةً ردّاً على رسالة الشيخ: «يسر الإسلام»، وأحضر أحد محبيه الرسالة إليه طالباً منه أن يتروَّى قبل أن يردَّ عليها، فقال له: «لو أن الذي ردَّ عليَّ غيره كنت عرفت أرد عليه، لكن الشيخ محمد بن إبراهيم أبي وأستاذي» ولم يرد على الرسالة احتراماً لشيخه.
وفي رده على المشتهري حول اللحوم المستوردة يقول عن زميله الشيخ عبدالله بن حميد: «...أما ما أشار إليه من ردِّ العلامة الشيخ ابن حميد عليَّ فأهلاً وسـهلاً؛ فهو حبيبي في الأصل، وزميلي في الطلب، وأحمل له الود المكين وأُعامله بالإجلال والتكريم؛ فهو وإن ردَّ علي أو رددت عليه، فما هو إلا بمثابة حديـث الفكاهة في الآداب تجري بين الأحباب، ويبقـى الود ما بقي العتاب.
غير أنه لا يخفى على العقلاء أنه ليس كل ردٍّ صواباً، فقد رأينا كثيراً من الناس يردون الحق بالباطل، وهم يحسـبون أنهم يحسـنون صنعاً، فلا فخر بمجرد الردِّ، وإنما الفخر بصواب النقد. بحيث يقال: قرطس فأصاب».
وفي كتابه «الرد السديد في تحقيق الأمر المفيد» الذي ألَّفه رداً على الشيخ عبد العزيز بن رشيد رئيس هيئة التمييز السابق بالرياض قال: «..وإنا لنرجو لفضيلة الشيخ عبد العزيز في جهده ونقده جزيل الأجر والثواب، سواء أخطأ في النقد أو أصاب؛ فما ردُّه علي أو الرد عليه إلاّ محض التلقيح للألباب، ويبقى الود ما بقي العتاب؛ إذ ما من أحد من الناس إلاّ وهو رادٌّ ومردود عليه، ولنا الأسوة بالصحابة حيث يردُّ بعضهم على بعض في مسائل الفروع، ولن يجد أحد في نفسـه حرجاً أو افتخـاراً بفلج في ردِّ أخيه عليه؛ لأن قصد الجميع الحق، فهو غايتهم المقصودة وضالتهم المنشودة، وإنا لنرجو في إثارة هذه المباحث بأن لا نعدم من نتائج جميلة، وحكم جليلة يثيرها البحث والنقاش، والله الموفق للصواب، وإليه المرجع والمآب».
وقال عنه مبيناً أساس الاختلاف العلمي معه «..فنحن نعده من الفقهاء الأجلاء، غير أنه من القوم الذين يرون التقيد بالمذهب في الصغيرة والكبيرة، وألا يخرج عنه قيد شعيرة؛ فلأجله ضاق ذرعه بمخالفتي لرأيه».
لقد تميز منهج الشـيخ الفقهي بخصائص ومميزات قد لا نجدها عند علماء آخرين، وهذه الخصائص والمميزات هي في حقيقة الأمر نابعة من ذلك الفهم العميق والنظرة الثاقبة غير المتزمتة لروح الشـريعة الإسـلامية الغراء، ومقاصد ديننا الإسلامي الحنيف التي أكرمه الله تعالى بها.
يقول رحمـه الله: «وإنني عندما أطرق موضوعاً من مواضيع البحوث العلمية التي يحسن التذكير بها، وبمحاسنها ومساوئها، وحكمها وأحكامها، فإنني آخذ للبحث بغيتي، وغاية رغبتي، مما وصل إليه فهمي وعلمي، حتى ولو طال ذيل البحـث، ولن أقتصـر فيه على بُلْغَة العجـلان، ورغبة العاجز الكسلان؛ إذ إن الناس يتفاوتون في قوة الإيراد والتعبير، وفي حسن المنطق وجمال التحبير، والعلم شجون يستدعي بعضه بعضاً، ويأخذ بعضه برقاب بعض، وعَدُّوا من عيوب الكلام وقوع النقص من القادر على التمام، ووقوع الانفصام والانفصال في مواقع الاتصال..».
ويقول الشيخ صالح اللحيدان: «إن هذا النحرير أحد رموز العلم الشرعي بما يتناوله من مسائل شرعية بدليل وتعليل وتمكين، وقد ظهر على مصنفاته سعة العلم، وقوة البيان، وسرعة البديهة، وقد ظهرت أمارات قرع الحجة، بما يتناوله من نقدٍ لكثيرٍ من المسائل المطروحة التي رأى فيها رأيه، فكم ناقش وردَّ، ونقد بروح المدرك المطَّلع، ولا تجده إلا ذلك الرجل الرجَّاع للحق إذا بان له الخطأ... ولعله أحد أبرز البقية الباقية من العلماء السلفيين أهل التوحيد الصحيـح والدعوة إليـه، كيف لا وهو ابن فطرة خيِّرة، وابن أرض معشـبة مخضرة؟».
يقول الشيخ يوسف القرضاوي عن الشيخ ابن محمود: «كان عالماً حجةً، من الناس الذين أتقنوا العلم، وأصدر فتاواه ورسائله في كثير من قضايا العلم والفقه، فهذه الرسائل التي أصدرها تدل على فقه عميق، وعلى بصيرة بدين الله، وعلى جرأة في الحق، لايخاف في الله لومة لائم».
ويضيف عن الشيخ إنه: «فقيه مستقل الرأي، صاحب اجتهاد وصاحب ترجيحات، وليس مجرد عالم يحفظ ما في الكتب فقط، وقد قرأت رسائله ووجدت رأيه رأياً قوياً، وأيَّدته بكل قوة، فقد اعتمد على أدلة شرعية واعتبارات أصولية لا يمكن أن يرفضها إلا مكابر».
ويقول الأستاذ الدكتورعلي شحاته [4]:
«والشيخ ابن محمود محدِّث لبق لا يجارى، وخطيب مصقع لا يبارى، حاضر البديهة، صريح الرأي، قوي الحجة، قاطع الدليل، ساطع البرهان، عالي الهمة، عزيزالنفس، وهو بحقٍّ وحيد عصره، وفريد زمانه، يقول كلمته بوضوح، ويناقش الرأي بالمنطق، ويرد الحجة في هدوء، ويدفع بالتي هي أحسن.
فإذا لم تُجْدِ كل هذه الأساليب اشتدَّ واحتدَّ، ورفع صوته، فكان أشد رنيناً وأحدَّ طنيناً، فيقذف بكلمة الحق لا يهادن فيها ولا يلاين، لا يبالي أين تقع، فلا يرهب قوةً ولا يخشى بطشاً، فيكون لآرائه دوي القنابل، وفرقعة الديناميت، ويواجه بعدها الأخطار في شمم وإباء كالطود الشامخ والجبل الراسخ.
وهو حركة دائبة، يعظ، ويحاضر، ويناظر، يواتيه الكلام ويطاوعه، إذا خطب وتدفق منه الكلام، يأخذ بأزمة القلوب والعقول، كأنك أمام سحبان ابن وائل أو قس بن ساعدة، يوجز فلا يخلُّ، ويطنب فلا يملُّ، إذا لان كان كالماء أو أسلس، وإذا اشتد كان كالصخر الأملس.
وقال كذلك: والشيخ ابن محمود واسع الاطلاع، يحفظ القرآن عن ظهر قلب، ويحفظ آلاف الأحاديث، فلا تستطيع أن تذكر أمامه كتاباً من الكتب إلا وقد قرأه، ولا بيتاً من الشعر إلا وقد سبقك إليه، ولا خبراً من تاريخ العرب والإسـلام إلا وقد وعاه، ولا حديثاً إلا وقد رواه، ولا شيئاً من قواعد اللغة وطرائف الأدب إلا وقد ألمَّ بها واستوعبها.
ولذا فإني أقول بصدقٍ، وأشهد بحقٍّ أن أستاذنا الشيخ ابن محمود أحفظ من رأت عيني من العلماء، وأعرفهم بالفقه، فهو بحرٌ زاخرٌ، وعلمٌ وافرٌ، وهو آيةٌ من آيات ربه الكبرى في ذكاء الفهم وقوة الذاكرة.
وتعتبر كتبه ومؤلفاته العديدة موسوعة إسلامية، وثروة عظيمة، وفتاواه ذخيرة فقهية.
له فتاوى جريئة لم يسبقه أحد من العلماء السابقين أو اللاحقين إليها، ومن هذه الفتاوى: جواز رمي الجمار قبل الزوال، فتصدَّى له العلماء فأفحمهم، وانتصر عليهم؛ لأنه يعلم كيف يجيب إذا تكلم، وكيف يستشهد إذا تحدث، وكيف ينتصر إذا ناظر، وكيف يقنع إذا أفتى.
والشيخ ابن محمود شجاع قوي، ناصح للأمة، ناصح لأولي الأمر من الحكام والأمراء، آمر بالمعروف، وناه عن المنكر، ناصـر للسنة، محارب للبدعـة، له هيبة إلهية، ورهبة ربانيـة، لا يعطي الدنيـة، ولا يقبل المهانة، ولا يفرِّط في الكرامة».
[4] أحد قدامى التربويين الذين عملوا في وزارة التربية والتعليم القطرية منذ السـتينات الميلادية، وكان مستشاراً لوزير التعليم الأسبق الشيخ جاسم بن حمد آل ثاني.
حمل الشيخ لواء التيسير في الفقه، وحارب التشدد، فكانت فتاواه تميل إلى التيسير عن علم ودليل.
وقد كانت فتواه في رمي الجمار هي رحمة منه للناس، الذين تكرر فيهم الموت والإصابات بسبب أدائهم لشعائر حجهم.
يقول رحمه الله حول ما جرى في المناظرة «..وقد قال لي أحد الفقهاء في محضرٍ محشودٍ بكبار العلماء، قد عُقد للمناظرة في قولي بجواز رمي الجمار قبل الزوال في أيام التشريق» .. «فكان من قول هذا العالم: (إن من تتبع الرُّخَصَ تزندق) قاله بمسـمع من جميع العلماء الحاضـرين، حتى كأن التشديد والغلو من سنة الدين.
ويرد رحمه الله على هذه الكلمة فيقول: «وخفي على هذا العالم أن هذه الكلمة كبيرة عند الله، تنادي بإبطال سنة الله التي شـرعها لعباده صـدقةً منه عليهم ورحمةً منه بهم؛ إذ الرخصة هي التسهيل، وهي ما ورد على خلاف أمر مؤكَّدٍ لمعارِضٍ راجحٍ، وضد الرخصة العزيمة، وهي الأمر المؤكد.
ولما نزل قول الله تعالى: ﴿فَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَقۡصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَوٰةِ إِنۡ خِفۡتُمۡ أَن يَفۡتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ﴾ [النساء: 101] قيل للنبي ج: ما بالنا نقصر الصلاة وقد أمنَّا؟ فقال ج: «هي صَدَقَةٌ مِنَ اللهِ تَصَدَّقَ بها عليكم، فاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ». أفيكون من عمل بهذه الرخصة زنديقاً؟».
ونظرة إلى فتاواه في مجموعة رسائله توضح بجلاء ما يسَّر به على الأمة في أمور الفتوى، وهي فتاوى كثيرة ذكرنا بعضها في الفقرات السابقة.
كان الشيخ من المدافعين المجاهدين في سبيل رفع راية الإسلام، ومحاربة البدع والمنكرات، وقد كان مكافحاً بلسانه وقلمه في سبيل الاحتفاظ بعقيدة الأمة طاهرة نقية عن الانحرافات، وكان مجاهداً في سبيل ترسيخ العقيدة، ومحاربة البدع، ويرجع له الفضل في المحافظة على عقيدة أهل قطر وتنقيتها من الكثير من البدع والخرافات المخالفة للشرع، حتى أصبحت قطر من البلاد التي يمتاز أهلها بالتدين والعقيدة الصحيحة.
وكان لا يتردد في نصح أولياء أمور المسلمين بما يراه مخالفاً للشرع أو ضاراً بمجموع الأمة، وكانت له كلمة مسـموعة لدى حكام البلاد، ويكِنُّون له الكثير من الاحتـرام والتقدير، ويستشـيرونه في كثيرٍ من شـؤون البـلاد، ويستعينون به في حلِّ المشاكل الصعبة.
وكان ورعاً ومتعففاً لا يخشى في الله لومة لائم، وقد أكسبه هذا الكثير من الاحترام والتقدير والمحبة الصادقة من الجميع، وكان شيوخ آل ثاني يجلُّونه، ويحبونه ويحترمون رأيه، وقد جعلته هذه المكانة مقصداً لطالبي الحاجات الذين يستعينون به لتوصيل طلباتهم إلى الحاكم، وكان موقعه كقاضٍ للبلاد يجعله على معرفة بأحوال أهلها، فكان يطالب الحكومة إن رأى تقصيراً في تقديم الخدمات، أو رأى محتاجين من أهل البلاد.
وقد كان حريصاً على مشاركة أهل البلاد أفراحهم وأتراحهم، فكان يعود المرضى، ويزور الصديق والعاجز، ويحرص على صلاة الجنائز وتشييعها حتى المقبرة والتعزية فيهم مع إلقاء موعظة قصيرة على أهله.
وكان رحمه لله ورعاً خاصة فيما يتعلق بالمال العام، يقول الشيخ جاسم ابن علي بن جاسم: أرسلني الشيخ حمد بن عبدالله عندما كان ولياً للعهد إلى الشـيخ ابن محمود، وطلب منه أسـماء أولاده حتى يجـري لهم رواتب من الديوان، فرفض الشيخ أن يعطيه أسماءهم، وقال: أولادي أنا أتكفل بهم.
وعندما عُيِّن رحمه الله قاضياً، أمر الملك عبد العزيز بإجراء راتبٍ له، فعفَّ عنه رحمه الله، واكتفى بالراتب الذي أجرته له الحكومة القطرية.
وكان لا يتردد في نصيحة حكام البلاد، وكتب في إحدى نصائحه لأحد حكام قطر السابقين:
«...فإن من لوازم المحبة الدينية التقدم إليكم بالنصيحة الودية، فقد أخذ الله العهد علينا بأن نناصح من ولّاه الله أمرنا؛ لأن الدين النصيحة لله ولرسـوله ولأئمة المسـلمين وعامتهم، وعسى أن لا أقول شيئاً إلا وعلمك يسبقني إلى القول بصحته، والاعتراف بموجبه، غير أن قولي هو من باب تنبيه الغافليـن: ﴿وَذَكِّرۡ فَإِنَّ ٱلذِّكۡرَىٰ تَنفَعُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ٥٥﴾ [الذاريات: 55]، فلا تجـد في نفسك من أجله؛ فإنك عزيز عندي، والحق أعز من كل أحد، وأعوذ بالله أن أموت وأنا غاشٌّ لك، أو كاتمٌ نصيحتي عنك. [من البسيط]
ما ناصَحَتْكَ خَبايا الوُّدِّ من أَحَدٍ
ما لم يَنَلْكَ بِمَكْرُوْهٍ مِنَ العَذْلِ
مـَوَدَّتِي لَكَ تَأْبى أن تُسامِحَنِـي
بأنْ أراكَ على شَيءٍ مِنَ الزَّلَلِ
وكان بعض السلف يقول: «لو أن لي دعوة مستجابة، لصرفتها إلى السلطان؛ لأن صلاحه يترتب عليه صلاح رعيته».
أيها الأمير! إن العدل قوام الدنيا والدين، وصلاح المخلوقين، وهو الآلف المألوف، المؤمِّن من كل مخوف، به تآلفت القلوب، والتأمت الشعوب.
والعدل مأخوذٌ من العدل والاستواء، وحقيقته وضع الأمور في مواضعها، وأخـذ الأموال من حلِّها، ووضعها في محلها، فجديرٌ بمن ملّكه الله بلاده، وحكَّمه على عباده، أن يكون لنفسه مالكاً، ولطريق العدل والقصد سالكاً، وللهوى والشـهوات الخارجـة عن حـدِّ الاعتدال تاركاً، فإذا فعل ذلك ألزم النفوس طاعته، والقلوب محبته، وأشرق بنور عدله زمانه، وكثر على عدوه أنصاره وأعوانه..».
وعندما منعت الحكومة السعودية زواج السعوديين من غير السعوديين إلا بموافقة خاصة، وأدَّى ذلك إلى صعوبات كثيرة خاصة في دول الخليج التي يرتبط مواطنوها بروابط مصاهرة مع المواطنين السعوديين، فكتب الشيخ إلى الملك فهد يطلب منه استثناء مواطني دول مجلس التعاون من القرار، واستجاب الملك فهد، وصدر الأمر السامي في 26/9/ 1404ﻫ، الذي أشارت ديباجته إلى اقتراح الشيخ.
وفي رسـالة منه للشـيخ راشـد بن سعيد آل مكتوم ينصحه فيها بإزالة قبرٍ افتتـن به الناس، وأخـذوا يتبركون به ويزورونـه في جميرة بدبي يقول: «..والحاصل أن هذا القبر الذي افتتن الناس به، والذي أخذوا يزدحمون عليه ويترددون إليه، ليس من الأمر الهيِّن الذي يُتسامح فيه، أو يتساهل مع الناس في اسـتدامة بقائه، بل هو أكبر من كل منكر؛ لأنه من الشرك الذي لايُغفر، فواجب الحاكم إنقاذ الناس عن الغرق فيه، وتعلُّق القلوب به وانصرافها عن دعاء الله بسببه، وذلك يكون بنقله عن محله، وإخفاء مكانه، وعمل الحواجز الرادعة عن إتيانه، كما فعل الصحابة بنظيره وهم القدوة الصالحة، وإني واثق منك إن شاء الله بقبول هذه النصيحة، ووضعها بالمكان الذي يحبه الله لك..» وقد استجاب الشيخ راشد لطلب الشيخ وأزال القبر.
وأمامنا الكثير من النماذج الرائعة للنصائح التي وجهها الشيخ رحمه الله إلى الحكام والعلماء والطلاب، وفئات مختلفة من الناس، وذلك من خلال رسائله ومؤلفاته ومراسلاته.
اشتهر فضيلته بالكرم الزائد، فقد كان كثير البذل في سبيل الخير، وله عوائد وصدقات مستمرة، وكان بيته ومكتبه مقصداً للفقراء والمساكين، فكان لا يردُّهم، ويمنع من يحجبهم عنه، وكان شـديد الرحمة للضعفاء من أيتام وأرامل وفقراء وعابري السبيل، فكان يساعدهم، ويسهِّل لهم أمورهم مستخدماً جاهه وماله.
يقول الشـيخ عثمان الصـالح: «وله في الكرم والوسـاطة والوجاهـة ما يُذكر له بغاية الإعجاب والإكبار، أما الكرم فهو بحرٌ لا ساحل له، لا يأتي ضيـفٌ إلى حاكم دولة قطـر إلا وهو بعد الحاكم لليوم الثاني عنده مدعواً مكرماً، وكان لايسلم عليه قادم إلا ويحظى بقدرمن التكريم».
ويقول الشيخ زهير الشاويش: «وكان الرجل الكريم الباذل للمال بسماحة نفسٍ وسـخاء يدٍ في جميع سبل الخير، وكان الشيخ ميسور الحال مع تعففه ونزاهته وترفعه، ومن الذين يحبون أن تظهر عليهم نعمة ربهم، فتراه ينفق كما ينفق أغنى الناس، ومن أحسن من ينفق ويتكرم سراً، ولا يكاد يخلو بيته من ضيوفه، ولعل أكثرهم من خارج البلاد».
ويقول عبد الرحمن بن سعد الزير، المستشار الإسلامي بسفارة خادم الحرمين بماليزيا متحسراً على فقد الشيخ «فقدناه - رحمه الله - وليس والله كفقد غيره، فقد وهبه الله تعالى صفات ومميزات قلَّ أن اجتمعت في غيره، والله ما رأت عيني قط مثله، فقد كان من أوصل الناس لرحمه، وأبرهم بجاره ومعرفته، وأكرم الناس يداً وإحساناً، فضلاً عما حباه الله من حُسن البشر، ولين الكلام، وإفشاء السلام، وإطعام الطعام.
لقد مـنَّ الله عليَّ بلقاء فضيلته - رحمه الله - أكثر من مرة، حيث كنت أسعى إلى ذلك ما استطعت إليه سبيلاً، فقد كان من العلماء القلائل الذين يفتحون بيوتهم ليلاً ونهاراً لطالب علم أو مسـترشد، وطالـب حق أو طالب قرى وإكرام، فبالإضـافة إلى تخصيص جناح في قصـره الكبير في الدوحـة - أبدله الله به جنات الفردوس - فقد كان يغضب إذا علم أن أحداً زارقطر من بلاد الحرمين ممن يعرفه ومن لا يعرفه ولم يبدأ بزيارته، إذ سـؤاله الأول: متى وصلت؟ ويا سعادته إذا قال الآن، عندها يتهلل وجهه، وتنطلق أساريره، بخلاف ما إذا أجبت: البارحة أو بالامس، فسبحان من أجرى الخير على يديه، ووفقه لطاعة مولاه».
وكان لا يعلم باباً من أبواب الخير إلا ضـرب فيه بنصيب، رحمه الله وغفر له،يقول أكرم خان من بشاور في باكستان: «زرت الشيخ فسألني عن بلدي، ثم شجعني على افتتاح مدرسة دينية فيها، فقلت له: إني رجلٌ عاميٌّ ولسـت عالماً، فقال لي: من يتَّـقِ الله يجعل له مخرجـاً، وقال: وعلى الله فليتوكل المؤمنون،وأعطاني مساعدة مالية كبيرة، فتحت بها مدرسة لتعليم الصغار القرآن وعلوم الدين واللغة العربية،ثم أعطاني شهادة لجمع التبرعات لا أزال أحتفظ بها، وقد كبرت المدرسة وزاد خريجوها على الآلاف، وذلك بفضل الله وبركة الشيخ».
وكان الشيخ قد يلجأ للاقتراض لتغطية التزاماته الكثيرة، وقد جاءه أحد المحتاجين ممن لحقهم ديْنٌ كبيرٌ، فلم يقصر عنه، وأعطاه ما سرَّه فبكى، فقال له الشيخ: لا تبكي، فإن الذي علينا أكثر من الذي عليك (يقصد من الدين) فقال الرجل: ياشيخ! أبكي لأني ما أدري كيف أجازيك، فقال الشيخ: يكفي أن تقول: جزاك الله خيراً.
تميَّز الشيخ بميزة الكرم، وحب مساعدة الناس، وعندما تسلَّم أمانة القضاء فتح مجلسه لكل من يقصده من كبار القوم وصغارهم، كما صادف تسلُّمه القضاء بداية الحرب العالمية الثانية، وانقطاع البضائع ومواد التموين، وارتفاع الأسعار، مما أوصل المنطقة إلى مجاعة وفقر لم تعهدها.
لذا فقد كان مجلس الشيخ من مجالس قطر المفتوحة، والتي عُرف أهلها بحب الخير، ولم يكن مجلسه يخلو من ضيوف يسكنون في بيته، حيث خصص فيه غرفاً مجهزة لهم، ولا يخلو مجلسـه من ولائم للضيوف والزوار، وكان الضيوف الذين يقدمـون من خارج البلاد من حاضـرة وبادية يجـدون عنده المسكن والمأكل، إضافة إلى مساعدته لهم مادياً، أو يشفع لهم عند الحاكم أو كبار الأسرة الحاكمة، وكان من يصل إلى قطر من هؤلاء الضيوف - وخاصة من مناطق نجد المختلفة - يسأل عن مجلس الشيخ، الذي كان جزء منه مضافةً للضيوف وعابري السبيل، يقيمون فيه حتى تنتهي حاجتهم، ويحصلون على (شرهة) أو مساعدة قبل المغادرة، داعين للشيخ بطول العمر.
ولم يكن الشيخ يتأفف من ضغط هذه الواجبات وتكاليفها المالية، بل تجده سـعيداً بضيوفه، يأكل معهم ويجالسهم، ويحاول إنجاز ما جاؤوا من أجله.
كان المجلس مفتوحاً طوال اليوم، يقدم فيه القهوة والشاي والطيب، إضافة إلى الوجبات الثلاث بشكل يومي.
وكان مجلس الشيخ مقصداً لأهل قطر جميعاً في مناسبات الأعياد ودخول رمضان، حيث يقصدونه بعد أمير البلاد وعلى مدى ثلاثة أيام، ويعتبرون أن زيارة الشيخ واجبة في كل عيد للتهنئة والسلام، ويجلس الشيخ ثلاثة أيام من بعد شروق الشمس وبعد صلاة العصر وبعد المغرب بنصف ساعة حتى صلاة العشـاء، وبعد انتهاء إجازة العيد كان يعود لبرنامجه اليومي، حيث يجلـس عصراً وبعد المغرب، أما الصباح فهو في عمله بالمحكمة.
وفي كل جمعة كان الشيخ يولم وليمةً يحضرها من يتصادف وجوده من ضـيوف وزوار، ويحضرها جميع الأبناء والأقارب، وذلك بخلاف الولائم التي يولمها لزواره وضيوفه خلال أيام الأسبوع الأخرى.
ويعتبر مجلس الشـيخ من أقدم المجالس التي بقيت مفتوحة في مدينة الدوحة منذ عام ١٣٥٩ﻫ - ١٩٤٠م وبشكل مستمر، حتى أصبح من المعالم التي يعرفها الناس فيها، وقد زاره جميع حكام قطر من الشيخ عبدالله بن جاسم ومن بعده، وحتى الشيخ حمد بن خليفه آل ثاني حفظه الله، كما زاره الملك سعود بن عبد العزيز، والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، والأمير سلطان بن عبد العزيز، والأمير سعود بن جلوي، والأمير عبدالله الفيصل وغيرهم.
ومنذ وفاة الشيخ استمر أولاده من بعده على النظام نفسه، حيث يجلسون عصراً وبعد المغرب وبعد العشاء، ويكون المجلس مفتوحاً في مناسبات الأعياد صباحـاً ليومين، إضافة لمحافظتهم على غداء الجمعة بشكل أسبوعي، كما أنهم يحرصون على استقبال الضيوف، ولهم مضافة في المجلس، ويولمون لمن شرَّفهم بزيارته.
كان الشيخ رحمه الله حريصاً على تربية أبنائه التربية الصحيحة، مهتماً بحفظهم من الكسل والانحراف، ومع قسوته أحياناً فإنه كان يحفز فيهم روح المثابرة والاجتهاد.
لقد كان شديد الحرص أولاً على صلاتهم وعبادتهم، ثم على تعليمهم ودراستهم، ثم على حمايتهم من أصدقاء السوء.
فقد كان رحمـه الله يتفقدهم في كل صلاة، ويعاقب المتخلف منهم، ويحرص على حضورهم جميع الفروض، بما في ذلك فرض الفجر.
وحيث إنهم من أمهات مختلفات، فقد جمعهم في مكان واحد في البيت الكبير؛ حتى يتمكن من إيقاظهم، وينتظرهم ثم يصحبهم معه للصلاة، وقد غرس فيهم عادة الصلاة منذ صغرهم، فشبُّوا على حبـِّها والحرص عليها.
كما كان حريصاً على متابعة دراستهم في المدارس، ويشجعهم على أن يكونوا مبرِّزين بين نظرائهم، فإذا رسب أحد أبنائه في إحدى المواد شجَّعه على تعويض ذلك وهو يقول: لكلِّ جوادٍ كبوةٌ.
كما كان يفرغ من وقته بعد صلاة العشـاء لتدريسهم «متن الآجرومية» و«قطر الندى» في النحو، كما كان يراجع حفظهم للقرآن و«الأربعين النووية» بين المغرب والعشاء، إضافةً لقراءة أحد أبنائه لبضع صفحات من كتابٍ يختاره الشـيخ في التفسـير أو الحديث أو الفقه أو السيرة أو التاريخ، وتكون درساً أسبوعياً يستفيد منه كل من يجلس معه.
وكان يشجع أبناءه على تعلم العلم الشرعي، فإذا اختار ابنه تخصصاً آخر لم يمنعه، وكان يحثُّ أبناءه على التفوق وعدم إضاعة الوقت فيما لا يفيد، ويردِّد: [من البسيط]
قد هَيَّؤُوكَ لأمْرٍ لو فَطِنْتَ له
فَارْبَأْ بنفسِكَ أن تَرْعى مَعَ الهَمَلِ
وكان رحمه الله حريصاً على عدم اختلاط أبنائه بأصدقاء السوء، ويتفقد رفقتهم، ويسأل عن سلوكهم، ويمنعهم من مرافقة من يشكُّ في سلوكه، كما كان يبتعد في سكنه عن المناطق التي يكثر فيها خليط الناس ممن لا يكونون من أهل الصلاح، فإذا كثر الغرباء في منطقته وزاد عددهم انتقل إلى منطقة أوسع وأبعد عن تأثير الغرباء، ووزع فيها أراضي على أبنائه وأقاربه وأنسبائه بحيث يكون الحي متجانساً، وتكون بيئته مناسبةً لحفظ أخلاق الأبناء.
وكان يحرص على جلوس أبنائه معه في المجلس يومياً، وكان مجلسه رحمه الله لا يخلو من ضيوفٍ وزوَّارٍ من مختلف الفئات، وكان فرصةً ليتعلم الصغار أخلاق وطباع الكبار، وعلى الأبناء الاستماع لما يقول الكبار، والجلوس بأدب، كما أن عليهم الترحيب بالضيوف، وتحيتهم مع توديعهم إذا خرجوا.
كما كان الشيخ يأخذ أبناءه الكبار معه في زياراته المختلفة، وكان يسافر بهم معه منذ أن يبلغوا سـن التاسعة؛ وذلك حتى يتعلموا وتصقلهم التجربة بالرغم من كون السـفر قديماً شـاقاً مع عدم وجود طرق معبدة، وتستغرق الرحلة يوماً كاملاً أو يومين للتنقل بين مدينة وأخرى.
وكان رحمه الله يكثر الدعاء لأبنائه، وقد اسـتجاب الله لدعائه، فكان أولاده بارِّين به، واكتسبوا سمعةً حسنةً بين الناس، أهَّلتهم لتولِّي أرفع المناصب.
امتاز الشيخ بأخلاق عالية، ومنها صلة الرحم، فقد كان في خُطَبه دائماً يؤكد على احتفاء الشرع بصلة الرحم، ويردد الأحاديث الكثيرة التي وردت في السنة تحض على ذلك.
وقد طبق رحمه الله ذلك على نفسـه، فقد كان وَصولاً لرحمه، وكان يتفقد أقاربه القريبين والبعيدين، فإذا وجد أحدهم محتاجاً منحه ما يسدُّ حاجته، وإذا سمع عن أرملةٍ أو يتيمٍ واصلهم بالنفقة حتى يستغنوا، وإذا احتاجوا للسكن ساعدهم لشراء مسكنٍ يؤويهم، ولا يعتبر ذلك فضلاً ومنَّةً.
ولم يُعرف عنه أنه تحدَّث حول عطاياه أو أظهرها، بل إن واحداً ممن أكرمهم وتحدَّث بذلك في مجلس الشيخ جاء إلى أبناء الشيخ في اليوم التالي، وهو يتحدَّث بانفعال ويبكي ويقول: لقد رأيت الشيخ البارحة في المنام وقد غضب مني ونهرني؛ لأنني تحدثت عما أعطاني، وقال لي: هل تعتقد أنني أعطيك حتى تتكلم به أمام الناس؟ إنني لم أفعله إلا لله، ولا أريدك أن تتحدث به.
منذ أن تولى فضيلته القضاء في عهد الشيخ عبدلله بن قاسم الثاني وهو يجدُّ ويجتهد في سبيل أداء المهمة الكبيرة المنوطة به، وقد كانت أجهزة الدولة في ذلك الحين ضعيفةً، ولم تكن هناك بلديات أو دوائر للخدمات، مما زاد العبء على جهاز المحاكم، ومع ذلك فقد نهض الشيخ بمسؤولياته خير قيام، فكان قاضياً ومفتياً، وكان يلقي الدروس، ويتولى مهمة الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان يشرف على المساجد والأوقاف وما يتعلق بها من موظفين وخدمات، وكان يلقي خطبة الجمعة والأعياد، ويشرف على أموال اليتامى والقاصرين، ويتولى تنميتها، ويقسم التركات، ويزور القرى البعيدة لتفقُّد أحوالها، ويكتب للحاكم أو الأجهزة المختصة للمطالبة بخدمةٍ أو إنصاف مستحق أو مساعدة محتاج، ويستقبل الوفود والضيوف، ويساعد المحتاجين من داخل البلاد وخارجها.
وقد سـماه الناس «أبو المساكين»، و«أبو اليتامى» لما يرون له من أيادٍ بيضاء في مساعدتهم.
يقول الشيخ يوسف القرضاوي: «أشهد أن هذا الرجل كان صواماً قواماً، كثير التلاوة لكتاب الله عز وجل، مشغولاً بالعلم، دراسةً وتعليما ً وتأليفاً وقضاءً، وكنت كلما زرته في مجلسه وجدته مشغولاً بقراءة كتاب مهم من كتب التفسير أو الحديث أو الفقه، وهكذا كان يقضي وقته بين العلم والعبادة والإفتاء والقضاء وشؤون المساجد وأموال القصَّر، والأوقاف وحاجات الناس، ولم يكن عنده مجـال للَّهو ولا الهزل، كان عنده من الحق والجـدِّ ما يصـرفه عن كل هزل وباطل».
لقد أسس فضيلته دائرة الأوقاف والتركات عام 1380ﻫ (1960م) والتي كانت تُعنى بإنشاء المساجد وصيانتها، وحفظ الأوقاف، ورعاية أموال اليتامى واستثمارها.
وقد كان له الفضل في وضع نظام حفظ أموال القاصرين، وتتولى المحكمة الشرعية الإنفاق عليهم، واستثمار أموالهم لحين بلوغهم سن الرشد، وكانت أموال الأيتام قبل ذلك تضيع؛ حيث يستولي عليها كبير العائلة،ومع ذلك فقد كان حريصاً على تنميتها، حتى إن بعض التركات لأشخاص فقراء نمت حتى حصل الأيتام بعد أن كبروا على مبالغ وعقارات رفعتهم إلى مستوى الأغنياء.
وقد عُني فضيلته ببناء المساجد في أنحاء البلاد، فأسس الكثير منها، وحرص على رعايتها وصيانتها، وتزويدها بالأئمة والخطباء الأكفاء.
وحرص على المحافظة على الأوقاف الخيرية وتنميتها،ومن مواقفه أنه عندما حاول أحدهم التعرض لأوقاف الشيخ قاسم بن محمد - مؤسس قطر، وصاحب الأوقاف الكثيرة على طلبة العلم في المملكة السعودية - رفض ذلك، وكان مما كتب للشـيخ خليفة بن حمد أمير البلاد في ذلك الحين: «...لو قام الشـيخ قاسـم بن محمد من قبره، وطالـب في هذا الوقف لما وجد إلى إرجاعه سبيلاً، وهذا الوقف خيري متصل الابتداء والانتهاء، فلا ينقطع متى وجد أحدٌ من طلاب العلم الموقوف عليهم.
هذا وإن أكثر ورثة الشيخ قاسم من ذريته وبني بنيه ينكرون هذه المطالبة ويتبرؤون منها...».
اهتم الشيخ رحمه الله بالتعليم، وكانت أولى رسائله حول إصلاح التعليم، وهي: «إدخال التعديل على مناهج الدين ومدارس التعليم» التي طُبعت أكثر من طبعة، كما قام في بداية عمله بالقضاء بتدريس عدد من طلبة العلم الذين التفوا حوله أو وفدوا عليه من خارج البلاد، ولم نستطع أن نعرف إلا عدداً قليلاً من هؤلاء [5].
وقد رأى هناك حاجة لإنشاء معهد ديني لتدريس الشباب الذين تحتاجهم البلاد وبعض البلدان المجاورة، فاقترح على سمو حاكم البلاد في ذلك الحين - الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني - إنشاء معهد ديني في الدوحة لخدمة طلبة العلم، فوافق على ذلك، وكلَّف الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود بالإشراف على المعهد وتولِّي شؤونه.
وتُظهر لنا مراسـلة بين الشـيخ وأسـتاذه الشـيخ محمد بن مانع بعض المعلومات حول هذا الأمر؛ حيث إنها توضح تاريخ إنشاء المعهد في حدود عام 1375ﻫ (1955م)، وقد اختار الشيخ لإدارته الشيخ محمد بن سعيد بن غباش، وهو من أهالي رأس الخيمة الذين درسوا في قطر، وكان زميلاً للشيخ في فترة الدراسة،واستمر المعهد في أداء رسالته حتى تمَّ ضمُّه لوزارة المعارف في فترة لاحقة.
[5] من ضمن طلبة الشيخ: الشيخ عبدالله بن عبد الرحمن الشثري، والشيخ عبدالله المطلق، وحسـن بن رزيحان (السـعودية)، محمد بن علي المحمود، وراشد عبدالله (الإمارات)، الشيخ عبدالله الأنصاري، ويوسـف بن عبد الرحمـن الخليفي، وحسن ابن محمـد الجابر، وابراهيم بن ضـعيان، وعلي بن غانم، وإبراهيم بن عبد الرحمن آل محمود، وجاسم بن ناجم، وعبد القادر الأحمد (قطر)، الشيخ زهير الشاويش، ومحمد الصومالي وآخرين لم نعرفهم، ويضاف لذلك أبناء الشيخ الكبار.
كما تحسَّس حاجـة أهل البلاد الذين لم يكن لهم دخلٌ يكفيهم، فقام بالتوسع في توظيفهم في المساجد، فكان يعين في بعض المساجد عدداً أكبر من حاجتها، وقد يصل إلى عشرة موظفين، وكل ذلك بقصد المساعدة وتوفير دخلٍ للمحتاجين منهم، وكان يصرف راتب المتوفى منهم لعائلته، وكان نظام الدولة قديماً يخالف ذلك.
بل كان أول من وضع أساس الضمان الاجتماعي عندما بدأ في إجراء مقررات للعجزة والأيتام والفقراء والأرامل والمطلقات من أهل البلاد، وكان يدعو إلى قيام الدولة بتوفير وظائف لأهل البلاد لسدِّ حاجتهم.
وقد واجه معارضةً شديدةً في البداية من المستشار الذي كان مسؤولاً عن تنظيم مالية البلاد، ونتيجة للثقة التي يحظى بها الشيخ من حكام البلاد، استطاع أن يحصل في النهاية على صلاحية توظيف المحتاجين من أهل البلاد، إضافةً إلى إجراء مقررات للأرامل والمطلقات والأيتام والفقراء والعجزة، وكل من لا يجد وسيلةً تسدُّ حاجته.
ويذكر أهـل قطـر حتى الآن هذه المكرمة للشـيخ، ويتحدثون بها في مجالسهم، حيث أنقذت الكثير من الأسر القطرية من الفقر في الأوقات الصعبة.
وعندما حاولت الحكومة في عهد متأخر أن تقطع رواتب الكثير منهم بسـبب ازدواج الوظيفة، طالب بإبقاء وظيفة المسجد مع الوظيفة الأخرى، لسبب أن الوظيفتين بالكاد يكفون لمعيشة المواطن ذي العيال، كما أن عمل المسـجد لا يتعارض مع الوظيفة الأخرى من ناحية الوقت، وكتب في ذلك مما أدى إلى استثناء وظائف المساجد من القرار.
وسـعى - رحمه الله - في تخصيص مقابـر في كل منطقة، مع تزويدها بحاجتها من عمال ومجهزين، وعندما اشترى للدولة أراضيَ واسعةً في منطقة مسـيمير، عندما كانت الأراضي رخيصـةً، وخصصها لإنشاء مقبرة جديدة، انتقده البعض على أسـاس أن البلاد لاتحتاج لكل هذه المساحات الكبيرة، وكان ردُّه لهم بأن البلد لن تبقى على هذا الوضع، وفي المسـتقبل ستمتلىء هذه المقبرة، وكان الشيخ بعيد النظر فعلاً.
يعتبر مشروع المياه لقرى الشمال من الأمثلة الواضحة على دور الشيخ في مساعدة المواطنين للحصول على الخدمات التي يحتاجونها، فقد لاحظ المشـقة التي يقع فيها أهل البـلاد في الشـمال للحصـول على الماء، وذلك بتكاليف تشق عليهم، فقام بمطالبة الحكومة أكثر من مرة بتنفيذ مشروع لتزويد أهل الشمال بالمياه العذبة، وبعد مراجعات ومطالبات طويلة استطاع الحصول على موافقـة حاكم البـلاد، وذلك في عـام 1377ﻫ (1957م) وتولى تنفيذ المشـروع بتكاليف أقل بكثير من المتوقع، وقام باختيار مقاول من أهل كل منطقة وكلَّفه بتوريد المياه لجميع أهل منطقته أو قريته من موارد عذبة يعينها في العقد، كما أنشأ خزانات في كل قرية لتخزين كميات كافية من المياه، وقام بانشاء بعض الموارد بما يتبع ذلك من حفر عدد من الآبار.
وكان هذا المشروع على قلة تكاليفه من أنفع المشاريع لأهل قرى الشمال، وتسبب في استقرارهم في قراهم، وتأمين راحتهم، كما أوجد عملاً لأصحاب السيارات.
كان للشيخ دور في النصح والتوجيه لاختيار ما يُطبع من كتب الشـيخ علي بن عبدالله آل ثاني، وكان من مآثر الشيخ علي رحمه الله اهتمامه بطباعة كتب العلوم الشرعية والأدب التي كانت نادرة في ذلك الوقت وغير متوفرة، فكان يطبعها ويوزعها مجاناً، وكان الشيخ لمكانته عنده يشـير عليه بطباعة المراجع الهامة، وتصله الكثير من الاقتراحات من العلماء والمشايخ فينقلها إلى سـمو الشـيخ علي رحمه الله، كما يقوم بإرسـال أعداد كبيرة من الكتب المطبوعة إلى العلماء وطلبة العلم، ووُجد ضمن أرشيفه رحمه الله العديد من المراسلات الخاصة بهذا الموضوع، ويجب أن نذكر وننوه بدور الشيخ محمد ابن مانـع رحمه الله في مراجعة واختيار هذه الكتب، حيث تفـرغ لهذا الأمر في أواخر أيامه.
كان فضيلته قليل السفر، ويعتذر عن حضور المؤتمرات الخارجية أو الاجتماعات الرسـمية، كما كانت له زيارة كل سـنتين أو ثلاث سنوات إلى المملكة العربية السعودية، فكان يسافر إلى مسقط رأسه في حوطة بني تميم في مزرعته العامرة المعروفة هناك، ويأتيه الكثير من الزوار والمحبين وطلبة العلم والأقارب، وكان يُكثر من الصدقات وصلة الأرحام، ويحرص على تلبية دعوة من يدعونه لوليمةٍ أو قهوةٍ مع ما في ذلك من التعب والإرهاق، فقد يصل عدد المواعيد في اليوم الواحـد إلى أكثر من خمـس عشـرة زيارة في مناطق مختلفة، فيلبيها رغبةً منه في إدخال السـرور على من يزورهم، وكان لا يردُّ صاحب حاجةٍ، ويغصُّ مجلسه بكبار القوم وصغارهم.
وكان يمرُّ في سفره على الإحساء، حيث يستقبله أحبابه الكثيرون من وجهاء وعلماء وتجار، ثم يتوجه إلى الدمام ضيفاً على الأمير سعود بن جلوي، وبعده عند الأمير عبد المحسن بن جلوي، وله معهم صحبة، كما كان يزور وجهاء الدمام والخبر، الذين يصرون على دعوته إلى بيوتهم.
كما يزور الرياض ويقيـم فيها بعض الأيام لزيـارة الأقارب والمشـايخ والمحبين وتلبية دعواتهم، وسافر مرتين للتصييف في الطائف، وقد استضافه الملك فيصل في أحد بيوت الضيافة الحكومية، كما يتبادل الزيارة مع العديد من الأمراء والعلماء والوجهاء الذين يجلُّونه ويقدِّرونه، ومجلسه لا يخلو من فائدة وموعظة.
وقد سـافر إلى لندن أكثر من مرة للعلاج، كما سـافر مرتين إلى لبنان للغرض نفسه، وأثناء زيارته الثانية إلى لندن صادف عيد الأضحى، ودعاه إمام جامع المركز الإسلامي الكبير في لندن لإلقاء خطبة العيد، فأعدها على عجل، وكان موضوعها «دعوة النصارى وسائر الأمم إلى دين الإسلام»، وكانت ذات تأثير كبير على الحاضرين للصلاة، الذين التفوا حول الشيخ بعد انتهاء الصلاة للسلام والشكر، ونقلتها إذاعة لندن في حينها.
انتقل الشيخ إلى رحمته تعالى ضحى يوم الخميس الثامن والعشرين من شهر رمضان الكريم عام 1417ﻫ (6/2/1997)، بعد فترةٍ تزيد على السنة من لزوم الفراش، وتمَّ غسله وتجهيزه في بيته، والصلاة عليه بعد عصر ذلك اليوم في جامع الدوحة الكبير، الذي طالما شهد صولاته وجولاته على منبره.
وقد حضـر الصـلاة عليه جمعٌ غفيرٌ من المواطنين، على رأسهم أمير البلاد سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وشيوخ آل ثاني الكرام، والوزراء، والوجهاء، وأبناء البلاد، والمقيمون والمحبون لفضيلته، ثم شُيعت جنازته إلى مقبرة مسيمير في جنوب الدوحة، وصُلي عليه عدة مرات في المسجد المجاور للمقبرة، وأمام القبر لمن لم يتمكن من الصلاة عليه.
وقد حضر دفنه جمعٌ كبيرٌ من أبناء البلاد والمقيمين، غصَّت بهم جنبات المقبرة، مع العلم أن الكثير من الناس لم يصلهم الخبر، حيث كانت الوفاة والدفن في نهار رمضان، وقطعت الإذاعة القطرية إرسالها وأذاعت خبر وفاة الشيخ، ثم كررت إذاعته عدة مرات، وأذاع التلفزيون القطري الخبر في مقدمة نشـراته، كما نشـرت الصحف القطرية الخبـر في صـدر صفحاتها الأولى، وخصصت عدداً من صفحاتها الداخلية للحديث عن سيرته وأعماله، كما نشرت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بياناً نعتْ فيه الفقيد للعالم الإسلامي.
وقد كان لوفاته صدى كبير، فقد بكاه أهل قطر رجالاً ونساءً، وخُصصت الخطبة الثانية في الجمعة التالية بمسـاجد البلاد للحديث عن مناقب الفقيد وأعماله ودوره في خدمة الإسلام والمسلمين، وصُلي عليه صلاة الغائب في عدد من البلاد.
وتوافد المعزون إلى بيته حتى غصَّ المجلس وساحاته بهم لعدة أيام، وازدحمت الشوارع المحيطة والمؤدية إلى بيت الشيخ بالسيارات حتى تعطل المرور فيها أوقات الذروة، وقد تلقى أبناؤه العديد من المعزين الذين قدموا من خارج البلاد، إضافةً للبرقيات والمكالمات الهاتفية من العديد من الحكام والأمراء والعلماء والوجهاء من مختلف البلاد.
رحم الله الشـيخ الجليل رحمةً واسـعةً، وأسكنه فسيح جناته، وجعل ما عمل وخلَّف من جهاد في سبيل إعلاء كلمة الله في ميزان حسناته يوم القيامة.
وقد كرَّمته الحكومة القطرية بأن اختارته شخصية العام 2007، وصدر قرار من وزارة التربية والتعليم بإطلاق اسمه على إحدى مدارس الدوحة، كما أُطلق اسـمه على أحد شوارع مدينة الرياض، ويوجد في الدوحة شارعٌ وحيٌّ باسمه (شارع وفريق ابن محمود) وهو الذي كان يسكن فيه سابقاً.
ولا نقول إلا ما قال رسول الله ج: «للهِ ما أَخَذَ وللهِ ما أَعْطى وكُلٌّ شَئٍ عنده بأَجَلٍ مُسَمَّى».
ولاشكَّ أن وفاة العالم تثلم في الإسلام ثلمةً لا يسدها إلا عالمٌ مثله، و«إنا لله وإنا إليه راجعون».
* * *
كانت كتابات الشيخ وأعماله العلمية تتميز ببلاغة السبك وحسن البديع ويدخل فيها الاستشهاد بأبيات من الشعر يحسن الشيخ بحسه الأدبي اختيارها. وكان الشـيخ يهتم منذ أيام طلبـه العلم بالأدب والبلاغة والشـعر باعتبارها ضرورية لتقويم اللسان وتحسين مستوى الخطابة والكتابة. ونظرة إلى كتاباته ومراسلاته تعطي القارئ فكرة عن تميزه رحمه الله بقلم بليغ وحس أدبي رفيع، وأسلوبه كما قيل من السهل الممتنع.
يقول رحمه الله في مقدمة كتابه (الحكم الجامعة): «وما يوجد فيه (أي الكتاب) من أسـاليب البلاغة والبيان، وانسـجام الألفاظ مما يعد من علـم الجناس، فهو من نتيجة القريحة والسجية السمحة غير المتكلفة. وقدوتي في ذلك كتاب الله، إذ أن فيه من البلاغة والبيان ما يعجز عن وصفه كل إنسان، يقول الله تعالى ﴿وَقُل لَّهُمۡ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ قَوۡلَۢا بَلِيغٗا﴾ [النساء: 63] أي يبلغ من أفهامهم ويعلق بأذهانهم. ويوجد فيه من العظات ما يظن بأنها من المكررات، وهذا لا يوجـد فيه إلا من قبيل النـدور، فإن كل ما يوجـد فيه مما يظن أنـه متفـق في الرسـم والعنـوان؛ لكنـه يفتـرق في العلم والبيان، ولنا الأسـوة بكتـاب ربنا حيث يذكر القصة مبسـوطة في مكان، ومتوسطة ومختصرة في مكان...».
وأسوق هنا نماذج لأعماله التي تبرز فيها ملكته الأدبية وبلاغته الجميلة مقسمة بحسب الموضوع:
١ـ المراسلات: تبرز ملكة الشيخ الأدبية وقدرته البلاغية في الكثير من المراسـلات التي كان يخطهـا أو يمليها، ومن ذلك كتابـه للملك سعود بن عبد العزيز المؤرخ في 1/3/1376ﻫ الموافق 5/10/1956م والذي أرسله كرد على كتاب الملك سعود إليه والذي ذكر فيه نقد المشايخ لرأيه في رمي الجمار قبل الزوال وبالليل فقال: «... فهؤلاء المشايخ الذين عرضت عليهم هم على كل حال أطول مني باعاً، وأوسع اطلاعاً، لأنهم الأساتذة المعلّون والقادة المتبعون، ولكن الخلاف في مسائل الفروع لا يزال يجري بين الصحابة والتابعين وسائر علماء المسلمين، فيرد الصغير فيها على الكبير، ويعارض التلميـذ رأي العالم النحرير، فيفترقان في الفهم ثم يتفقان في الحكم، لأن الغرض واحد والغاية متساوية، والله قد نصب لهم حكماً قسطاً يقطع عنهم النزاع، ويعيد خلافهم إلى مواقع الإجماع، وهو الكتاب والسنة، وقد أحسن من انتهى إلى ما سمع.
فلا تجد عليّ أيها الملك في نفسك، وأنا لم أتخوض فيما قلت بمحض التخرص في الأحكام، ولا التنقص لمشاعر حج بيت الله الحرام، وإنما بنيت أصول ما قلت على النصوص الجلية والبراهين القطعية، قارناً كل قول بدليله، مميزاً بين صحيحه وعليله، وبودي لو أعطاها الملك إصغاء واستكملها سماعاً، ليدرك بذهنه الوقّاد وفهمه النقّاد حقيقة معناها، وجلية مغزاها، وأنها بريئة مما رميت به من التحريش والتشويش، فإن الملك ذو رأي وروية، وشكيمة قوية، لا تقرع له العصا، ولا يقلقله الحصـى، وإن أملي في نصرته لها، من أجل كونها حقاً، أقوى من أمل غيري في الاسـتعانة به على خذلانها بحجة أنها باطل، إذ كلانا بمحض الوزن بالعدل سيّان، ونحن من بني الإنسان، الذي هو محل الخطأ والنسيان، والخطأ كما يقع كثيراً من القائل، فإنه يحتمل من الناقد أيضاً، إذ ليس كل ناقد بصيراً، سوى الله الذي لا نقص في كلامه، وتمتنع حصول العصمة لكتاب غير كتابه...».
وفي الرسـالة التي وجهها إلى علماء الرياض في تحقيق القـول بجواز رمي الجمـار قبل الزوال ووزعها على المشـايخ عندما ذهـب إلى الرياض لمناظرتهم تلبية لطلب الملك سعود ومما قال فيها:
«... لأني وإن كنت أرى في نفسي أني أصبت فيه مفاصل الإنصاف والعدل، ولم أنزع فيه إلى ما ينفاه الشرع أو يأباه العقل، لكنني أعرف أني فرد من بني الإنسان الذي هو محل للخطأ والنسيان، وأنتم من الفقه والإتقان بمكان، تعرفون النصوص ولا تخفى عليكم القصود، وهذا المسؤول عنه بين أيديكم معروض، والقول منكم بما يستحقه مفروض، فعلى كل أخ مخلص ناصح أن يجيل فيه النظر بإمعان وتفكر، وذلك بأن يعيد دراسته، ويعجم عود فراسته، ليتضح له على الجلية معناه، ويقف على حقيقة مغزاه، فإن تبين أني خلطت في الدراية، وأخطأت في الرواية، وجئت قولاً إدّاً، وجرت عن الحق قصداً، وجب عليه أن يسددني من الهفوة، ويسندني من الكبوة، ويكشف لي بكتاب عن وجه ما خفي علي من الصواب، لأن الحق أحق أن يتبع، والعلم جدير بأن يستمع، والقصد واحد والغاية متساوية، وكل على حسبه من العلم بكتاب ربه وسـنة نبيه، والله يعلم - وهو عند لسـان كل قائل وقلبه - أنّي لم أتخوض فيما قلت بمحض التخرص في الأحكام، ولا التقول بلا علم في أمور الحلال والحرام، وإنما بنيت أصول ما قصدت على النصوص الجلية والبراهين القطعية، قارناً كل قول بدليله مميزاً بين صحيحه وعليله، ودعوت فيها الناس إلى ما دعاهم إليه كتاب ربهم وسنة نبيهم من السماحة واليسر، بدل ما وقعوا فيه من الحرج والعسر...».
وكتب في إحدى نصائحه لأحد حكام قطر السابقين:
«... فإن من لوازم المحبة الدينية التقدم إليكم بالنصيحة الودية، فقد أخذ الله العهد علينا بأن نناصح من ولاه الله أمرنا، لأن الدين النصيحة، لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. وعسى أن لا أقول شيئاً إلا وعلمك يسبقني إلى القول بصحته والاعتراف بموجبه، غير أن قولي هو من باب تنبيه الغافلين﴿وَذَكِّرۡ فَإِنَّ ٱلذِّكۡرَىٰ تَنفَعُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ٥٥﴾ [الذاريات: 55]. فلا تجـد في نفسـك من أجله، فإنك عزيز عندي والحق أعز من كل أحد، وأعوذ بالله أن أموت وأنا غاشّ لك، أو كاتم نصيحتي عنك: [من البسيط]
ما ناصحتك خبايا الود من أحد
ما لم ينلك بمكروه من العذل
مـودتي لك تأبى أن تسامحنـي
بأن أراك على شيء من الزلل
وكان بعض السلف يقول: «لو أن لي دعوة مستجابة، لصرفتها إلى السلطان، لأن صلاحه يترتب عليه صلاح رعيته».
أيها الأمير، إن العدل قوام الدنيا والدين، وصلاح المخلوقين، وهو الآلف المألوف، المؤمّن من كل خوف، به تآلفت القلوب والتأمت الشعوب، والعدل مأخوذ من العدل والاسـتواء، وحقيقته وضع الأمور في مواضعها، وأخذ الأموال من حلها، ووضعها في محلها. فجدير بمن ملّكه الله بلاده، وحكّمه على عباده، أن يكون لنفسه مالكاً، ولطريق العدل والقصد سالكاً، وللهوى والشهوات الخارجة عن حد الاعتدال تاركاً، فإذا فعل ذلك ألزم النفوس طاعته، والقلوب محبته، وأشرق بنور عدله زمانه، وكثر على عدوه أنصاره وأعوانه...».
وفي رسالة منه إلى أحد كبار المسؤولين كرد على رسالته إليه: «... وبما أنني أحمل لك في القلب ودّاً مكيناً، وقد وقعت نصيحتي منك بالموقع الذي لم أُرده، فإنني اعتذرإليك مما وقع في نفسك سواء كان صواباً أو خطأ، ولك العتبى حتى ترضى، وما أريد إلا استدامة محبتي في الله إن رأيتني أهلاً لها، بدون أن يشوبها شيء من أمر الدنيا. أما ما أشرت إليه من دفاعك عن عرضي حين حاول شخص أن يتناول مني، فهذا شيء لا نستغربه منكم، وقد ذقت شيئاً من حلاوة عطفكم وجزيل لطفكم في سبيل نصرتي والدفاع عن عرضي في غيبتي، شكر الله إحسانكم وأدام فضلكم وامتنانكم، وإنني لا ألوم أي شخص تكلم فيّ بأمر أنا فاعله فإن الناس شـهداء الله في أرضه. أما من تكلم فيّ بأمر يريد تنقّصي به وأنا بريء منه فالله حسـيبه، وسـيتصدّى له من يحتسب نصرتي في الله كما فعلت أنت، مع مناضلة أعمالي دون عرضي...».
وأوصى أحد محبيه الذي سافر للعلاج في بيروت فكتب له: «... وإني أوصيك بتقوى الله تعالى، والاعتصام بالكتاب والسنة، والتجافي عن مواقع الفتنة، واعلم يا أخي أن رؤية المنكرات تعمل عملها وتقوم مقام ارتكابها في سلب القلوب نور العلم والعرفان، والتمييز والفرقان، لأن المنكرات متى كثر على القلب ورودها وتكرر في العين شهودها، ذهبت عظمتها من القلب شيئاً بعد شئ، إلى أن يراها الإنسان فلا يرى بقلبه أنها منكرات، ولا يمر بفكره أنها معاصـي... والناس يعرفون بالحواس أنه متى كثر الإمساس قلّ الإحساس. وهو وإن كان الشـر المخوف فاشٍ في الناس، لكن حنانيك إن بعض الشر أهون من بعض، وحسبك من شر سماعه... وفيك والحمد لله من الدين ما يزعك إلى الهدى ويردعك عن الردى، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولكن خلاصـة الحب حدا بي إلى بذل محض النصح، لعلمك أن الأخلاق تتقاضى والطباع تتناقل، والمرء على دين جليسـه، وإني اسـتودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك...».
ذكر في ردّه على رسـالة أحد الوجهاء ممن كانت له علاقة قوية معه، بعد أن حكم ضده في قضية لصالح امرأة ضعيفة وبناتها الأيتام «... وإني أشعرك بأمر يعود عليك بالراحة، وهو أن مدحك لي لا يحملني على الحيف لك، كما أن ذمّك لا يستدعيني إلى ظلمك، ولو كان الأمر بالتخيير، وأن الحكم لا يعقبه حساب خبير ولا عقاب قدير، لاخترت أن يكون عندك دونهم، ولن يرهقني طغياناً عليك ما نسبتني إليه من اللّوم والذم، وما نسبتني إليه من الجور والظلم في خصوص هذا الحكم، لأنه ما من أحد سلم من أذى الناس حتى كتاب الله الموصوف بالصدق والعدل لم يسلم من الطعن...».
٢ - الخطب: تظهر بلاغة الشيخ في خطبه العديدة والتي غطت معظم ما يشـغل الناس من شـؤون الدين والحياة، ونظرة إلى مقدمة خطبه تبرز لنا مقدرته في تركيب الجمل على نسـق مسـجوع يجذب آذان السامعين. مثال ذلك هذه المقدمة:
«الحمد لله معز من أطاعه واتّقاه، ومذل من أضاع أمره وعصاه، الذي وفق أهل طاعته للعلم بما يرضـاه، وحقق على أهل معصيته ما قدره عليهم وقضاه، أحمده سبحانه على حلو نعمه ومرّ بلواه، وأشهد أن لا إله إلا الله لاربّ لنا سواه، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله الذي كمل به عقد النبوّة فطوبى لمن والاه...» وفي خطبة غيرها يقول:
«الحمد لله الذي على فوق جميع مخلوقاته وارتفع، واحتجب في هذه الدار عن لواحظ خلقه وامتنع، وفلق صم الأحجار عن أخضر الشجر فطلع، وأعطى ومنع ووصل وقطع، وحكم بالفناء على الخلائق أجمع، أحمده حمد من أناب إليه ورجع، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يجيب المضطر ويسمع. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله إلى الإنس والجن أجمع...».
وفي خطبة أخرى يبدأ بهذه المقدمة:
«الحمد لله الكريم المنان، العزيز ذو السلطان، خلق الإنسان من تراب ثم قال له كن فكان، يعطـي ويمنع ويخفض ويرفع وكل يوم هو في شأن، أحمده سـبحانه على نعمة الإيمان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة من قالها باللسان وانقاد لها بالجنان والأركان. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد ولد عدنان، بعثه الله رحمة لأهل الإيمان، وحجة على أهل الظلم والقطيعة والعدوان، اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ذوي الفضل والعرفان، وأهل الصلة والإحسان، وسلم تسليماً كثيراً...».
وفي مقدمة خطبة أخرى يقول رحمه الله:
«الحمد لله الغني الحميد، المبدي المعيد، ذي العرش المجيد، والفعال لما يريد، أحمده سبحانه حمد عبد مخلص في التوحيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شـريك له، شهادة أرجو بها النجاة من هول الوعيد، والخطب الشديد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الداعي إلى كل قول سديد، وفعل حميد، اللهم صل على عبدك ورسـولك محمد وعلى آله وأصـحابه الذين تمسكوا بسنته واتبعوا شرعه المجيد، وسلم تسليماً كثيراً...».
وفي خطبة أخـرى يبدأ بهذه المقدمة: «الحمـد لله الذي وفـق عبـاده المؤمنين لأداء الأعمال الصالحات، وشـرح صدور أوليائه المتقين للإيمان بما جاء به رسوله من الحكم والآيات، أحمده سبحانه على ما له من الأسماء والصفات، وأشكره على ما أسداه من جزيل الإنعام والبركات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أرجو بها رفيع الدرجات، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب الآيات والمعجزات، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ذوي الهمم العاليات، والأعمال الصالحات، وسلم تسليماً كثيراً...».
وفي خطبة الأضحى وبعد تسع تكبيرات يقول: «الله أكبر كلما احرموا من الميقات، الله أكبر كلما لبّى الملبون وزيد في الحسنات، الله أكبر كلما دخلوا فجاج مكة وتلك الرحبات، الله أكبر كلما طافوا بالبيت العتيق وضجت الأصوات بالدعوات، الله أكبر كلما سعوا بين الصفا والمروة وتلك المشاعر المفضلات، الله أكبر كلما وقفوا خاشعين بعرفات، الله أكبر كلما نظر الجبار إليهم من فوق سبع سماوات، الله أكبر كلما باتوا بمزدلفة وأفاضوا إلى منى ورموا تلك الجمرات، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد...».
٣ - كتبه ومقالاته: كما تظهر قدرة الشيخ البلاغية فيما سطره من رسائل ومؤلفات عديدة. يقول في مقدمة رسالة تحقيق المقال:
«إن المخلص الناصـح والبصـير الناقد يجب عليه أن يتثبت في الرد والنقد، وأن يقر ضرورة الحال والمحل، فإن لكل مقام مقالاً، والعلة تدور مع المعلومات وجوداً وعدماً، وتختلف الفتوى باختلاف الزمان والمكان، فيما لا يتعلق بأصول العقيدة والأركان، وقد جاءت هذه الشـريعة السـمحة لجلب المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها، ومن قواعدها المعتبرة أنه إذا ضاق الأمر اتسع، والمشقة تجلب التيسير، ويجوز ارتكاب أدنى الضررين لدفـع أعلاهمـا، والحـرج منفـي عن الديـن جملـة وتفصـيلاً: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلدِّينِ مِنۡ حَرَجٖ﴾ [الحج: 78]. ﴿يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ﴾ [البقرة: 185]، لأن الدين عدل الله في أرضه، ورحمته في عباده، شرع لإسعاد البشرية في أمورهم الروحية والجسدية والاجتماعية، ولو فكر العلماء بإمعـان ونظر لوجدوا فيه الفرج والمخـرج من كل ما وقعـوا فيه من الشـدة والحرج».
وقال في رسالة (السنة شقيقة القرآن): «...فالسنة تُفسِّرُ القرآن وتفصّل ما أجمله وتأتي بما سكت عنه، يقول الله تعالى: ﴿وَٱلزُّبُرِۗ وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ٤٤﴾ [النحل: 44] . فمن حـاول أن يتصـدى لتفسير القرآن أو تأليف أي كتاب من العلوم الشرعية مع عزمه على عزل السنة النبوية وعدم احتياجه لها، فهذا بلا شك أخرق وأحمق، أشبه من يقتحم لجة البحر وليس بماهر في السباحة، فهذا مما لاشك في غرقه؛ لأن بعض الناس لا يدري ولا يدري أنه لا يدري، فذاك مائق فاتركوه. [من الطويل]
تصدر للتأليف كل مهوس
جهول يسمى بالفقيه المدرس
وحق لأهل العلم أن يتمثلوا
ببيت قديم شاع في كل مجلس
لقد هزلت حتى بدا من هزالها
كُلاها وحتى سامها كلّ مفلس
وقال في رسالة (تحقيق المقال في جواز تحويل المقام) رداً على من قال بتحريم تحويل مقام إبراهيم عن مكانه:
فدعواه أن المحاولة هي طلب الشيء بحيلة وأن هذا هو معناها في اللغة حسب ما ذكره صاحب النهاية، فهذا كله من الكذب على اللغة وعلى صاحب النهاية حيث نسب إليه تفسـير المحاولة على هذا المعنى السيئ دون غيره، حتى كأنه لا معنى لها سـواه، وهذا يعد من خيانة البحث وعدم الوفاء بأدائه كاملاً.
لأنه بكشفه على النهاية وإشرافه على تفسير المحاولة قد عرف سعة القول في معناها، فنبأ ببعضـه وأعرض عن بعض، وقد كان من واجب الأمانة في نقل الرواية أن ينقل ما قاله فيها صاحب النهاية، أو يشير إلى أن هذا من بعض معانيها دون أن يوهم الناس في نقله بأن هذا هو المعنى المراد منها دون غيره، وصاحب النهاية نفسه قد اسـتعمل هذه الكلمة في مادة المحاولة فقال: في تفسير لا حول ولا قوة إلا بالله، أن المراد من هذه الكلمة إظهار الفقر إلى الله بطلب المعونة على ما يحاول من الأمور وهو حقيقة العبودية. اﻫ.
فقد عرفت كيف نطق بها وهو إمام في اللغة ومعدود من علماء البلاغة، وعلى صحة حملها على الحيلة فليست كل حيلة تكون محرمة كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، فالحيلة التي يتوصل بها إلى تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله فهي الحيلة المحرمة، وفيه الحديث: «لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل» [6] لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، أما الحيلة التي يتوصل بها صاحبها إلى أمر حسن من رضى الله وطاعته ونشر ما ينفع الناس من القول الحسن، والمبالغة بتلقينه وتفهيمه لا سيما إذا كان من الأمر الخفي الذي ينكر العامة جواز فعله ولم يتمرنوا على مثله، فإنها من الحيلة المباحة. ولم يزل العرب حتى الشعراء يفتخرون بالحيلة التي توصلهم إلى المكارم وتخلصهم من المكاره، ومنه قول بعضهم: [من الطويل]
إذا المرء لم يحتل وقد جد جده
أضاع وقاسى أمره وهو مدبر
وقال الأقرع القشيري: [من الوافر]
تخادعنا وتوعدنا رويدًا
كدأب الذئب يأدو للغزال
فلا تفعل فإن أخاك جلـد
على العزّاء فيها ذو احتيال
وقال الأعشى: [من الخفيف]
فرع نبع يهتز في غصن المجـ
ـد غزير الندى عظيم المحال
قال في القاموس: الاحتيال والتحـول والتحيـل الحذق وجودة النظر والقـدرة على التصـرف، قال: وحاول محاولـة أي رام. وقال في مختار الصحاح: حاول: أي أراد.
وفي رسـالة (كلمـة الحـق في الاحتفـال بمولد سـيد الخلـق) يقول: «...وهكذا سائر ما يقع بين المتقدمين والمتأخرين من الحوادث المفاجئة التي تعزب فيها الأفهام؛ لأن الحفظ يحضر ويغيب ومن حفظ حجةٌ على من لم يحفظ والناس يتفاوتون في العلوم والأفهام وفي الغوص إلى استنباط المعاني والأحكام أعظم من تفاوتهم في العقول والأجسـام، فتأخـذ العيون والآذان من الكلام على قدر العقول والأذهان فيتحدث كل إنسان بما فهمه على حسب ما وصل إليه علمه وعادم العلم لا يعطيه وكل إناء ينضح بما فيه.
فمن واجب الكاتب أن يبدي غوامض البحث بالتحقيق ويكشف مشاكله ودلائله بصناعة التطبيق مع العلم أن المبني على دعائـم الحـق والتحقيق لن يزلزله مجرد النفخ بالريق؛ لأن الحق مضمون له البقاء وأما الزبد فيذهب جفاء فيكون مع الحق بلا خلق ومع الخلق بلا هوى. [من الوافر]
غموض الحق حين تذب عنه
يقلل ناصر الخصم المحقِّ
تضل عن الدقيق فهوم قوم
فتقـضي للمجل على المدق
٤ - إختياراته الشعرية: يكثر الشيخ من الاستشهاد بأشعار العرب وأمثالهم، وقد جمعت الكثير من استشهاداته وما أعجبه من أشعار وأقوال وقطع أدبية بحيث بلغت الحصيلة كتاباً كبيراً هو هذا الذي بين أيديكم وبما لا يحتاج إلى زيادة توضيح.
أخيراً أرجو أن أكون قد أديت جزءاً من واجبي كتلميذ للشيخ وابن له لإبراز ما يستحقه من تقدير وإظهار جوانب يجهلها كثير من الناس عن علمه الغزير وبلاغته الرفيعة واهتمامه باللغة والأدب. رحمه الله وغفر له وأجزل له المثوبة، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
عبد الرحمن بن عبدالله بن زيد آل محمود
الدوحة في غرة جمادى الثاني 1431
الموافق 14/5/2010
* * *
[6] أخرجه ابن بطة في الإبانة من حديث أبي هريرة.
من تراث الشيخ عبدالله مختارات شعرية كثيرة، اختارها رحمه الله من عيون الشعر العربي قديمه وحديثه.
وهذه الاختيارات تمتد على مسـاحة الوطن العربي، وتشمل عصوره المختلفة بدءاً من العصر الجاهلي، ثم العصر الأموي، ثم العصر العباسي، ثم العصر المملوكي والعثماني، وأخيراً العصر الحديث.
وقد كُلِّفتُ من قبل ابنه الأستاذ الشيخ عبد الرحمن حفظه الله بترتيب هذه الأشعار، وتحقيقها، وتخريجها، وشرح غريبها.
فبدأت بجمع هذه الأشعار مما كتب بخطِّ يده، أو مما ورد فيما طُبع من كتبه أو خُطَّ من مذكراته، ورُحْت أنسخ كل نص من نصوص هذه الاختيارات في بطاقة، فبلغ عدد هذه البطاقات رقماً كبيراً، تجاوز الألف بطاقة، وفي كل واحدة منها بيت أو بيتان أو مُقطَّعة، أو قصيدة كاملة.
وفي كل بطاقة من هذه البطاقات قمت بما يلي:
1- البحث عن قائل هذه الأبيـات إن لم يكن مذكوراً، وبذل الجهد الممكن لإيجاده.
2- ترجمة هذا الشاعر من كتب التراجم والكتب المساعدة لها؛ ككتاب الأعلام للزركلي، ومعاجم الشعراء. مع ملاحظة عدم الإطالة في الترجمة، حتى لا أُثقل الحواشي بما لا طائل تحته. ولم أترجم للشاعر إلا مرة واحدة للسبب ذاته.
3- تخريج هذه الأبيات من كتب الأدب ودواوين الشعراء، مع إهمال ما بينهما وبين الاختيارات من فروق في الروايات، إلا حين أرجح أن هناك خلافاً في رواية فضَّلها الشيخ للهروب من رواية مفضولة.
4- ووجهت اهتمامي لوزن هذه الأشـعار، مع ذكر البحر الذي يدلُّ على ذلك قبلها.
5- ثم قمت بتوزيع الأشـعار حسب أفكارها وموضوعاتها، فنشأ عن ذلك الأقسام التالية:
1- شعر الحكمة.
2- شعر الغزل.
3- شعر الرثاء.
4- شعر الزهد.
5- شعر الفخر.
6- شعر المديح.
7- شعر الهجاء.
8- شعر الوصف.
9- الشعر الديني.
10- الشعر التعليمي.
والمشكلة التي واجهتني في عملي في الاختيارات هي المصادر، فقد اعتمد الشيخ رحمه الله على عدد كبير من المصادر لا يصل إليها كل إنسان، وبخاصة أنه رحمه الله لا يذكر مصدره دائماً، ولا الجزء ولا الصفحة، فإذا عرفت المصدر فالفهارس تحلُّ المشكلة، وأما إذا لم يُعرف المصدر فالعودة إلى الكتب كانت هي الحل الوحيد، ومع ذلك فبقي عدد غير قليل لم أهتدِ إلى قائله ولا إلى مصدره.
وأخيراً: هذا ما وفقني الله إليه، فإن أحسنت فمن هدايته، وإن أسأت فمن عند نفسي. وأستغفر الله العظيم.
* * *
حين سمعت عن اختيارات الشيخ تبادر لي أنها مثل كل الاختيارات التي يجمعها الأدباء؛ ليدلُّوا على اطلاعهم وسعة علمهم، وحين عاينتها وجدت غير ما فكرت؛ فأنا أمام شيخ ذواقة، يختار ما يختار بمشاعره أولاً ثم بعقله ثانياً.
فالاختيارات نمط من الشعر الذي يجمع حكمة الشيوخ إلى ذوق الشعراء.
فشعر الحكمة في اختياراته إن دلَّ على شيء فإنما يدلُّ على حكمته، وأما الشعر التعليمي فهو اختيارات شاب في أول طلبه للعلم، وباقي أقسام الكتاب يدلُّ على ذوق الشيخ الرفيع، حين راح ينهل من عيون الشعر العربي أجمل ما فيه، معتمداً على قلب ينبض ومشاعر حية فياضة بالحب وبالمُثُل العليا؛ واقرؤوا معي إن شئتم قول الشاعر: [من الطويل]
1 - ألا هَلْ على الَّليْلِ الطَّوِيلِ مُعِيْنُ
إذا بَعُدَتْ دَارٌ وشَطَّ قَرِيْنُ
2 - تَطاوَلَ هذا الَّليْلُ حَتّى كأنما
على نَجْمِهِ أَلّا يعودَ يمينُ
أرأيتم أرقَّ من هذا الشـاعر الذي يطلب من يعينه على ليلـه الطويل؛ لأن أحبته في ديار بعيدة، فغدا في ليلين: ليل البعد وليل الظلمة.
ومن منا لم يسافر ويشعر بهذين الليلين؟!
وللبيتين رواية أخرى ذكرها الشيخ في مذكراته وهي: [من الطويل]
1 - ألا هل على الَّليْلِ الطَّوِيلِ مُعِيْنُ
إذا نَزَحَــتْ دارٌ وحَـنَّ حَـــزِيْنُ
2 - أُكَابـِدُ هذا الَّليْلَ حَتّـى كـأنمـــا
على نَجْمِــهِ أَلّا يَعــودَ يميــــنُ
3 - فَوَاللهِ ما فارَقْتُكُـمْ قاليــاً لكــم
وَلكنَّ ما يُقْضَـى فَسَــوْفَ يكونُ
وتختلف هذه الرواية التي وردت في مذكرة الشيخ عن الرواية الأولى في عدد الأبيات، وفي الألفاظ، وفي شيء آخر وهو المشاعر؛ ذلك أن رواية الشيخ تحمل شحنات عاطفية أكثر مما تحمله الرواية الأولى، فعجز البيت الأول (إذا نَزَحَتْ دارٌ وشَطَّ حزينُ) تغيَّرت فيه كلمتان، وهما: نزحت، وحزين، والنزوح يورث الحزن والهم، وهذا ما أراد أن يقوله الشيخ رحمه الله، رغم أنه لم يكن شاعراً، لكنه كان ذا مقدرة عجيبة على تغيير رواية الشعر بما يوافق نفسه ومشاعره وعواطفه، دون أن يُخلَّ بوزن البيت ولا بمعناه.
وليس هذا هو السبب الوحيد في تغيير رواية الشعر، وثمة أسباب أخرى لهذا التغيير:
فمنها الابتعاد عن حظِّ النفس، فقد أعجبته أبيات أبي طاهر السلفي، وهي أربعة أبيات، فنقل الثلاثة الأولى وترك الرابع وهو: [من الكامل]
وإذا اسْـــتَرابَ بقولنــا مُتَحَذْلِقٌ
فَأَكَلُّ فَهْمٍ في البسـيطةِ فَهْــمُهُ
فحذف هذا البيت لما فيه من حظِّ النفس.
ومنها أيضاً تغيير الألفاظ التي تخدش الأسماع كما في قول ابن سينا: [من الكامل]
واحْفَظْ مَنِيَّكَ ما اسْــتَطَعْتَ فإنَّـه
ماءُ الحيـاةِ يُراقُ فـي الأرْحــامِ
فغيرها إلى (اقللْ نكاحك)، فحصل على ما يريد دون أن يخلَّ بالوزن العروضي، وهذه مقـدرة تدلُّ على معرفـة بهذا العلـم وإتقان، فكل الناس يدرسون علم العروض، ولكن القليل منهم من يتقنه هذا الإتقان الذي يمكنه من تغيير كلمة بأخـرى، وإنما يعزى ذلك إلى أصـالته العربية، التي جعلت الشعر شيئاً محبباً إلى نفسه لصيقاً بروحه.
ومثل هذا في اختيارات الشيخ كثير، وأكاد أقول: لا يخلو شاهد من تغيير، مما يُثبت أن الشيخ كان شاعراً بالفطرة، وإن لم يقل شعراً.
وأما اللغة عند الشيخ فهي الفصيحة العالية التي تدلُّ على عروبة الرجل وهاشميته، التي عناها الشاعر بقوله وهو يمدحه: [من الطويل]
إلى الهاشِمِيِّ الفَذِّ في صِدْقِ دِيْنِهِ
وفي خُلُقٍ سامٍ وفي شَرَفٍ عَدِّ
فإنَّ عودةً إلى ما كتب من رسـائل وكتب، وما ألقى من خطب منبرية تملأ أسماعنا بتلك اللغة العربية الأصيلة، وتحيي قلوبنا بإشراق ألفاظها ورنين كلماتها وجرس موسـيقاها... من مثـل قولـه في مجموعـة رسـائله وخطبه 2/ 39:
«فالعمل الصالح هو همة التقي، ولا يضره مع ذلك لو تعلَّقت جميع جوارحه بحب الدنيا؛ لأن الدنيا متاع يتمتع بها المؤمن إلى ما هو خير منها، فهو يحترف فيها بجوارحه وقلبه متعلق بالعمل لآخرته، يعمل في دنياه عملاً لا يضرُّ بآخرته، ويعمل لآخرته عملاً لا يضرُّ بدنياه، فمتى أدى واجب حق الله عليه، من صلاته وزكاته، وتزوَّد من نوافل عباداته، فتح الله له أبواب الرزق، وسهَّل له أسباب الكسب، وسلك في قلبه القناعة والرضا، التي هي غايةٌ في الغنى، فإن الغنى ليـس بكثرة المال، ولكن الغنـى غنـى القلب... إلخ». 6/ 197.
فهذا أنموذج من أسلوب الشيخ، جمع إلى السهولة الوضوح والبيان.
ومما زاد لغته وضوحاً وإشراقاً تلك الصور المتناثرة هنا وهناك، تزخرف الكلام بأروع الزخارف الفنية وأجملها... فمن ذلك قوله: «وهو - أي: المال - ترس المؤمن في آخر الزمان» ففي هذا التشبيه البليغ جعل المال ترساً يحمي المؤمن في آخر الزمان، كما يحمي الترس المقاتل في الحرب... (مجموعة رسـائل الشـيخ عبدالله 3/ 341).
واللغة عنده مطروحة بين يديه، يختار منها ما يختار ويدع منها ما يدع، أما هي فتنقاد له كالجمل الأنف، إذا قاده انقاد وإذا استناخه أناخ. فأضحت الألفاظ طيِّعة يفردها حين يشاء، ويُركِّب منها عبارات لم يُسبق إليها حين يريد. استعرضوا معي إذا شئتم بعض عباراته الجديدة:
- متون الطائرات.
- عين الفقه.
- كبار الأسنان.
- فكان جموعاً منوعاً هلوعاً جزوعاً.
وبعدُ: فهذا ما هداني إليه الله في هذه العجالة، فإن فسح الله في مدتي، وهيأ لي الأسباب فيمكن أن أُفصّل القول في أدب الشيخ ولغته بشـكل أوسـع. والله ولي التوفيق.
د. رياض عبدالحميد مراد
دمشق في 8 صفر الخير 1431
الموافق 23/1/2010م
* * *
1 - قال زهير بن أبي سُلْمى [7] في آخر معلَّقته [8]: [من الطويل]
1 - سَــــئمتُ تكــاليفَ الحياةِ ومن يَعِشْ
ثمانينَ حــَوْلاً - لا أبالـــــَكَ - يـــسأمِ
[9]
2 - رأيتُ المنايا خَبْطَ عَشْواء من تُصِبْ
تُمِتْهُ ومَنْ تُخْطِئ يُعَمَّرْ فَيَهْرمِ
[10]
3 - وأعلمُ علمَ اليوم والأمِس قبلَهُ
ولكنّني عن علمِ ما في غدٍ عَمي
[11]
4 - ومن لا يصانعِ في أمورٍ كثيرةٍ
يُضـَرَّسْ بأنيابٍ ويُوطَأْ بِمَنْسِمِ
[12]
5 - ومن يك ذا فَضْل فيبخل بفَضْلِهِ
على قومه يُسْتَغْنَ عنه ويُذْمَم
[13]
6 - ومن يجعل المعروفَ من دون عرضه يَفِرْهُ
ومن لا يتَّقِ الشَّتْمَ يُشْتَمِ
[14]
7 - ومَنْ يُوفِ لا يُذْمَمْ ومن يُفْضِ قَلْبَه
إلى مطمئنِّ البـِرِّ لا يَتَجَمْجَمِ
[15]
8 - وَمَنْ لا يَذُدْ عن حَوْضـِهِ بسلاحِهِ
يُهدَّمْ ومن لا يَظْلِمِ الناسَ يُظلمِ
[16]
9 - ومَنْ هاب أسبابَ المَنِيَّةِ يَلْقَها
وَلَوْ رامَ أسبابَ السماءِ بسُلَّمِ
[17]
10 - ومَنْ يَعْصِ أطرافَ الزِّجاج فإنّه
يطيعُ العوالي رُكِّبتْ كلَّ لَهْذمِ
[18]
11 - ومَنْ يَغْتَربْ يَحْسَبْ عَدُوّاً صديقَهُ
وَمَنْ لا يُكَرِّمْ نَفْسَهُ لا يُكَرَّمِ
[19]
12 - ومهما تكُنْ عندَ امْرِئٍ من خليقةٍ
وإنْ خالَها تَخْفى على الناسِ تُعْلَمِ
13 - ومَنْ يَجْعَلِ المعروفَ في غيرِ أَهْلِهِ
يكُنْ حَمْدُهُ ذَمّاً عَلَيْه ويَنْدَمِ
14 - وكائِنْ تَرَى مِنْ صامتٍ لك مُعْجِبٍ
زيادتُهُ أو نقصُهُ في التَّكَلُّمِ
[20]
15 - لسانُ الفَتىَ نصفٌ ونصفٌ فؤادهُ
فلم يبقَ إلا صورةُ اللحمِ والدَّمِ
16 - وإنَّ سفاهَ الشَّيْخِ لا حلمَ بعده
وإنَّ الفتى بعد السَّفاهةِ يحلُمِ
[21]
17 - سألنا فأعطيتُمْ وعُدْنا فعدتُمُ
ومَنْ أكثرَ التَّسْآلَ يوماً سَيُحْرَمِ
* * *
[7] زهير بن أبي سُلْمى: حكيم الشعراء الجاهلين. توفي سنة 13ﻫ/ 609م (الأعلام 3/ 87، ومعجم الشعراء الجاهلين 154). [8] هذه الأبيات هي القسم الأخير من معلَّقة زهير، ويُطلق عليه (الومنات) لأنها تبدأ بـ (ومن) انظر: شعر زهير 25 - 30، وشرح ديوان زهير 29 - 32، وجمهرة أشعار العرب (296). [9] سئمتُ ويسأم بمعنى: مللتُ ويملّ ما تجيء به الحياة من المشقة والعناء. ولا أبالك: يلوم الشاعر نفسه (شرح الديوان). [10] يقول: إن المنايا تخبطُ في كلّ ناحية كأنها ناقة عشواء - أي: لا تبصر - فمن أصابته في خبطها ذاك هلك - ومن أخطأته عاش وهرم. وإنما يريد أنها لا تترك الشاب لشبابه، ولا تقصد الكبير لكبره، وإنما تأتي بأجلٍ معلومٍ (شعر زهير). [11] يقول: أعلم ما في يومي لأني أشـاهده، وأعلم ما كان بالأمس لأني عشته، وأما علم ما في غد. فهو من الغيب، وأنا أعمى عنه. [12] يقول: ومن لا يجامل الناس ويدارهم في أكثر الأمـور أصيب بما يكره من قبيح القول وغيره، والمَنْسِم للبعير بمنزلة الظفر للإنسان (شعر زهير). [13] يقول: من كان له فضل مالٍ فبخل به على قومه استغنوا عنه، واعتمدوا على غيره لما رأوه أهلاً للذم ومستوجباً له (شعر زهير). [14] يَفِرْه: يجعله وافراً، أي: من جعل المعروف بين عرضه وبين الناس سلم عرضه من الذم، وأصابه وافراً، لم يُنَلْ من شيء، ومن منع المعروف ولم يَتّقِ الشتم شُتم، وإنما يريد بالشتم: الذم (شرح ديوان زهير وشعر زهير). [15] يقول: مَنْ وفَّى لم يُذَمَّ، ومن يوصله قلبه إلى الطمأنينة لم يتردّد، وأمضى كل أمر في جهته. [16] يقول: من أملأ حوضه ولم يدافع عنه ذُلَّ واستضعف، وأراد بذلك أنه إذا لم يدافع عن قومه انتهكت حرمته وذل. ومن لا يظلم الناس: أي كفّ عنهم ظلموه وركبوه (شرح ديوانه). [17] أي: من خاف من الموت فإن الموت لاقيه ولو قصد السماء بسلم. [18] الزِجـاج: بكسر الزاي أسـفل الرماح، والعوالي: أعلاهــا، واللهذم: الماضي والقاطع. والمعنى: من عصى الأمر الصغير صار إلى الأمر الكبير، وقيل: المعنى: أن العرب كانوا يستقبلون عدوّهم إذا أرادوا الصلح بأزجَّة الرماح، فإن أجابوهم إلى الصلح وإلا قلبوا إليهم الأسنة وقاتلوهم (شعر زهير) فمن عصى زجاج الرمح وهي لا تقتل أطاع عواليه وهي قتالة، أي من لم يطع باللين أطاع بالشدة. [19] أي: من يغترب فعليه أي يداريَ عدوه، ويجعله صديقاً له (شعر زهير). [20] وكائن: أي وكثير. [21] السِّفاه والسفاهة بمعنى واحد، وهو عكس الحِلْم...
2 - وقال الأَفوَهُ الأَوْدي [22] مُعَبّراً عن ضيقه من تصرّف قومه [23]: [من البسيط]
1 - فينا معاشِرُ لم يَبْنوا لقومِهِمُ
وإنْ بنى قومُهُم ما أَفْسدوا عادوا
2 - لا يَرْشُدونَ ولن يُرْعُوا
[24] لمُرْشِدِهِمْ
فالغَيُّ
[25] منهُمُ معاً والجَهْلُ ميعادُ
3 - والبيتُ لا يُبْتَنىَ إلّا لهُ عَمَدٌ
ولا عِمادَ
[26] إذا لم تُرْسَ أوتادُ
4 -فإنْ تَجَمَّعَ أوتادٌ وأعمدةٌ
وساكنٌ بَلَغُوا الأمرَ الذي كادوا
5 - وإن تَجَمَّعَ أقوامٌ ذوو حَسَبٍ
اِصطادَ أمرَهُمُ بالرُّشدِ مصطادُ
6 - لا يَصْلحُ النّاسُ فوضى لا سراةَ
[27] لهم
ولا سراةَ إذا جُهّالُهُمْ سادوا
7 - تُلْفَى الأُمورُ بأهل الرشدِ ما صَلُحَتْ
فإن تَوَلَّوْا فبالأشرارِ تنقادُ
8 - إذا تَولَّى سراةُ القومِ أَمْرَهمُ
نما على ذاك أَمْرُ القومِ فازْدادوا
9 - أمارةُ الغَيّ أن تَلْقَى الجميعَ لدى الـ
إبرامِ للأَمْرِ والأَذْنابُ أكتادُ
[28]
10 - حانَ الرحيلُ إلى قومٍ وإن بَعُدوا
فيهم صلاحٌ لمُرْتادٍ وإرشادُ
[29]
11 - والخيرُ تزدادُ منه ما لقيتَ به
والـشرُّ يكفيك منه قلَّ ما زادُ
* * *
[22] الأَفْوَهُ الأَودي هو صلاءة بن عمرو، يُكنى أبا ربيعة: شاعر يماني جاهلي، لُقّب بالأفوه لأنه كان غليظ الشفتين، ظاهر الأسنان. توفي نحو سنة 50 قبل الهجرة، أي: نحو عام 570م (الأعلام 3/ 2، ومعجم الشعراء الجاهليين 29). [23] القصيدة في ديوان الأفوه الأودي بتحقيق الدكتور محمد التونجي - دار صادر - بيروت 1964م ص64 - 68. [24] لن يرعوا: لن يستمعوا (اللسان: رعا). [25] الغَيّ: الضلال (اللسان: غوي). [26] العُمُد - بضمتين - جمع عمود، والعَمَد - بفتحتين - اسم الجمع، والعماد: ما أقيم به (اللسان والقاموس: عمد) وأرسى الوتد في الأرض: ضربه فيها وثبّته (اللسان). [27] سراة الناس: قادتهم ورؤساؤهم. [28] أمارة الغيّ: علامة الضلال. والأكتاد: جمع كتد، وهو مجتمع الكتفين عند الإنسان. ومعنى البيت: أن من علامة الضلال أن يتحكم في القرار الجميع رؤوساً وأذناباً (هامش الديوان). [29] معنى البيت: ما دام قومـي قد غرقوا في ضلالتهم، وحكَّموا أذنابهم، فَعَلَيَّ الرحيل إلى قوم آخرين وإن بعدوا، يعرفون معنى الرشاد، وفيهم صلاح لمن يطلبهم (هامش الديوان).
3 - وقال أبو الأسود الدُّؤَلي [30]: [من الكامل][31]
1 - حَسَدوا الفَتَى إذْ لم ينالوا سعيَهُ
فالقومُ أعداءٌ لهُ وخصومُ
2 - وترى اللبيبَ مُحَسَّداً لم يجترمْ
[32]
شتمَ الرجالِ وعرضُهُ مشتومُ
3 - وكذاكَ مَنْ عظمت عليه نعمةٌ
حُسَّادُهُ سَيْفٌ عليه صرومُ
[33]
4 - وإذا طلبتَ إلى كريم حاجةً
فلقاؤُهُ يكفيكَ والتَّسليمُ
5 - وإذا رآك مُسَلّماً ذَكَرَ الذي
كلَّمْتَهُ فكأنّه ملزومُ
6 - وإذا طلبتَ إلى لئيمٍ حاجةً
فَأَلِحَّ في رِفْقٍ وأنت مُديمُ
7 - والْزَمْ قُبالةَ بيتِه وفِنائِهِ
بأشدِّ ما لزِمَ الغريمَ غريمُ
* * *
[30] أبو الأسود الدؤلي: اسمه ظالم بن عمرو الدؤلي الكناني، واضع علم النحو، يُعدُّ من التابعين، له شعر جيدّ. توفي سنة 69ﻫ/ 688م. (الأعلام 3/ 340، ومعجم الشعراء المخضرمين 24). [31] الأبيات في ديوان أبي الأسود ضمن قصيدته المشهورة: 404. [32] جرم واجترم وأجرم بمعنى واحد. وقالوا: اجترم الذنب، فعدّوه إلى مفعول به (اللسان جرم). [33] سيف صارم وصروم: بَيِّنُ الصرامة، أي: قاطع (اللسان: صرم).
4 - دخل سابق البربري [34] الشاعر على عمر بن عبد العزيز يوماً. فقال: عِظْني يا سـابق، وأَوْجِزْ. قال: نعم، أبلغ يا أمير المؤمنين إن شاء الله قال: هات، فأنشده [35]: [من الطويل]
1 - إذا أنتَ لم تَرْحَلْ بزادٍ من التُّقَى
ولاقيتَ بعد الموتِ مَنْ قَدْ تَزَوَّدا
2 - ندمْتَ على أن لا تكونَ كمثله
فَتَرْصُد للموت الذي كان أرصدا
[36]
فبكى عمر حتى سقط مغشياً عليه.
* * *
[34] هو أبو سعيد سابق بن عبدالله البربري، من الشعراء الزهّاد، كان مولى لبني أمية، وله كلام وشعر في الحكمة والرقائق. والبربري لقب وليس من البربر، سكن الرقة، وكان يفد على عمر بن عبد العزيز فيستنشده عمر فينشده من شعره ومواعظه. توفي في سنة 100ﻫ (الأعلام 3/ 111، ومعجم الشعراء المخضرمين والأمويين 177). [35] البيتان للأعشـى الكبير في مدح النبي ج في ديوانه 173، وسـترد القصيدة كاملة في قسم المديح من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. [36] أرصد له الأمر: أعده (اللسـان: رصد) والمعنـى: ندمتَ على ما فرطَ منك، ووددت لو أنك تزودت كما تزوّد، وأخذت عُدّتك للذي أعدّ.
وأرسل إليه قصيدة طويلة حسنة، تشمل على حكم ومواعظ: [من البسيط]
1 - باسمِ الذي أُنزلتْ من عنده السُّوَرُ
والحـمــــدُ لله - أمَّــا بـعــدُ - يا عــمــرُ
2 - إنْ كنتَ تعلمُ ما تأتي وما تذرُ
فكُنْ على حَذَرٍ قدْ ينفعُ الحذرُ
3 - واصبرْ على القدر المجلوب وارضَ بِهِ
وإن أتاكَ بما لا تشتهي القَدَرُ
4 - فما صفا لامرئ عيشٌ يُـسَرُّ به
إلّا سَيَتْبَعُ يوماً صفوَهُ كدَرُ
5 - قد يرعوي المرءُ يوماً بعدَ هَفْوَتِه
وتَحْكُمُ الجاهلَ الأيامُ والعبرُ
6 - إنّ التُّقَى خيرُ زادٍ أنتَ حاملُه
والبـِرُّ أفْضَلُ شيءٍ نالَهُ بَشَرُ
7 - مَنْ يطلبِ الجَوْرَ لا يَظْفَرْ بحاجته
وطالبُ الحقِّ قد يُهدى له الظَّفَرُ
8 - وفــي الهـــُدى عِبَــــرٌ تشْفَى القلوبُ بها
كالغَيْثِ يحيا بِهِ مِنْ موتِهِ الشَّجَرُ
9 - وليس ذو العلم بالتقوى كجاهلها
ولا البَصيرُ كأعمى ما لَهُ بَـصَرُ
10 - لا يُشبـِعُ النَّفْسَ شيءٌ حين تُحرزُهُ
ولا يزالُ لها في غيره وَطَرُ
11 - ولا تزال، وإنْ كانت له سعةٌ،
لها إلى الـشيء لم تظفر به نظرُ
12 - والذّكرُ فيه حياةٌ للقلوبِ كما
يُحْيي البلادَ إذا ما ماتتِ المطرُ
13 - والعلم يجلو العَمَى عن قلب صاحبه
كما يجلِّي سوادَ الظلمة القمرُ
14 - لا ينفع الذكرُ قلباً قاسياً أبدًا
وهل يلينُ لقولِ الواعظِ الحجرُ
15 - والموتُ جسرٌ لمن يمشـي على قدمٍ
إلى الأمورِ التي تُخْشَى وتُنتظرُ
16 - فهم يمرّونَ أفواجاً وتجمعهمْ
دارٌ إليها يصيرُ البدوُ والحَضَرُ
17 - حتَّى متى أنا في الدنيا أخو كلفٍ
في الخدّ منّي إلى لذّاتها صَعَرُ
[37]
18 - ولا أرى أثراً للذِّكر في جسدي
والماءُ في الحَجَر القاسي له أَثَرُ
19 - لو كان يُسْهِرُ عيني ذكرُ آخرتي
كما يؤرِّقني للعاجل السَّهَرُ
20 - كم مِنْ جميعٍ أشتَّ
[38] الدهرُ شمْلَهُمُ
وكلُّ شيءٍ جميعٌ سوف ينتثرُ
21 - وربَّ أصْيَدَ سامي الطَّرف مُعتصِبٌ
بالتاج نيرانُه للحرب تستعرُ
[39]
22 - يظلُّ يفترشُ الديباجَ محتجباً
عليه تُبنى قبابُ الملكِ والحَجَرُ
23 - قدْ غادَرَتْهُ المنايا وهْوَ مُسْتَلَبٌ
مُجَدَّلٌ تَرِبُ الخدَّيْن مُنْعَفِرُ
[40]
24 - أَبَعْدَ آدمَ ترجون البقاءَ وهل
تبقى فروعٌ لأصلٍ حين ينعقرُ
25 - لهم بيوتٌ بمُستَنّ السيول وهل
يبقى على الماء بيتٌ أُسُّهُ مَدَرُ
[41]
26 - إلى الفناء وإن طالتْ سلامتُهم
مصيرُ كلِّ بني أُنْثَى وإن كَثُروا
27 - إذا انقَضَتْ زُمَرٌ آجالها نزلتْ
على منازلها من بعدها زُمَرُ
28 - وليس يزجركم ما توعظون به
والبَهْمُ يزجرها الراعي فتنزجر
29 - أصبحتُمُ جَزَراً للموتِ يقبضكُمْ
كما البهائمُ في الدنيا لها جَزَرُ
[42]
30 - لا تبطروا واهجروا الدنيا فإن لها
غِبّاً وخيماً وكفرُ النعمةِ البطرُ
[43]
31 - ثم اقتدُوا بالأُلى كانوا لكم غُرراً
وليس من أُمَّةٍ إلا لها غُررُ
[44]
32 - حتّى تكونوا على منهاجِ أوّلِكم
وتصبروا عن هوى الدنيا كما صبروا
33 - مالي أرى الناسَ والدنيا مولّيَةٌ
وكلُّ حَبْلٍ عليها سوف ينبترُ
[45]
34 - لا يشعرون بما في دينهم نَقَصُوا
جهلاً وإنْ نقصَتْ دنياهمُ شعروا
* * *
[37] الكلف: الولوع بالشيء. وصعّر خده: أماله (اللسان: كلف وصعر). [38] أشتّ الشمل: فرَّقه (اللسان). [39] الأصيد: الذي يرفع رأسه كبراً. وسامي الطرف: عاليه. ومعتصب: من اعتصب بالتاج، والعمامة: شدّ رأسه بهما (اللسان: صيد وسما وعصب). [40] مُسْتَلَبٌ: مسروقة أشياؤه وحاجياته. ومُجَدَّل: يقال للصريع مجدّل لأنه يصرع على الجدالة، وهي الأرض. وتَرب الخدّين: أي سقط على التراب فتلوث خدّاه. ومنعفِر: أي ممرغ في التراب (اللسان: سلب، جدل، ترب، عفر). [41] مستن السيول: الطريق المسلوك للسيول. والأُسّ والأساس بمعنى واحد. والمدَرَ: الطين (اللسان: سنن وأسس، ومدر). [42] الجَزَر: كل شيءٍ مباح للذبح (اللسان: جزر). [43] الغِبُّ: العاقبة. وفي اللسـان: يقال: هذا الأمـر وخيم العاقبة، أي: ثقيل رديء (اللسان: غب، ووخم). [44] يقال: فلان غرّةٌ من غُررِ قومه: أي شـريفٌ من أشـرافهم، ورجل أغـرّ: شريف أيضاً (اللسان: غرر). [45] بَتَرَه يَبْتُرُهُ بَتْراً فانْبَتَر وتبَتَّر: انقطع قبل إتمامه (اللسان: بتر).
5 - وعن علي بن هارون المُنَجّم عن أبيه قال [46]: من مختار شعر صالح ابن عبد القدوس [47] قوله [48]: [من البسيط]
1 - إن الغَنيَّ الذي يرضى بعيشتِهِ
لا مَنْ يظلُّ على ما فاتَ مُكْتئبا
2 - لا تحقرنَّ من الأيّام محتقراً
كلُّ امرئٍ سوف يُجْزى بالذي اكتسبا
3 - قد يحقرُ المرءُ ما يَهْوى ويركبُهُ
حتّى يكونَ إلى توريطِهِ سببا
وعن أحمد بن عبد الرحمن المُعَبـِّر قال [49]: رأيتُ صالح بن عبد القدوس في المنام ضاحكاً مستبشـراً. فقلت: ما فعل بـك ربُّكَ؟ وكيف نجوتَ مما كنتَ تُرمى به؟ قال: إني وردتُ على ربٍّ لا تَخْفَى عليه خافيةٌ، فاستقبلني برحمته، وقال: قد علمتُ براءتَكَ مما كنتَ تُقْذَف بـه.
* * *
[46] الخبر في تاريخ دمشق لابن عساكر 23/ 353 - 354، والأبيات نسبت أيضاً إلى عبدالله بن معاوية في ديوانه - جمع عبد الحميد الراضي - 32. [47] صالح بن عبد القدوس أبو الفضل الأزدي: شاعر حكيم، شعره أمثال وحكم وآداب. اتهم بالزندقة فقُتل ببغداد نحو سنة 160ﻫ/ 777م) (الأعلام 3/ 277، ومعجم الشعراء المخضرمين والأمويين 210، وتاريخ دمشق - دار الفكر - 23/ 345). [48] الأبيات في تاريخ بغداد 9/ 305، وتاريخ دمشق 23/ 353 - 354. [49] هذا الخبر في معجم الشعراء من تاريخ ابن عساكر 4/ 48.
6 - قال المتنبي [50] في مطلع قصيدة يمدح بها كافوراً سنة ستّ وأربعين وثلاث مئة [51] [من الطويل]
1 - وأَتعبُ خلقِ اللهِ مَنْ زادَ هَمُّهُ
وقـصَّر عما تشتَهي النفسُ وَجْدُه
[52]
2 - فلا يَنْحَلِلْ في المجد مالُكَ كُلُّهُ
فينحَلَّ مجدٌ كانَ بالمالِ عَقْدُهُ
[53]
3 - ودَبـِّرْهُ تدبيرَ الذي المجدُ كفُّهُ
إذا حاربَ الأعداءَ والمالُ زَنْدُهُ
[54]
4 - فلا مَجْدَ في الدنيا لمن قَلَّ مالُهُ
ولا مالَ في الدنيا لِمَنْ قَلَّ مَجْدُه
5 - وفي الناس مَنْ يرضى بميسورِ عيشِهِ
ومركوبُهُ رِجْلاهُ والثّوْبُ جِلْدُهُ
6 - ولكنَّ قلباً بين جَنْبَيَّ مالَهُ
مَدىً يَنْتَهي بي في مرادٍ أحُدُّهُ
7 - إذا كنتَ في شَكّ ٍ من السيف فابلُه
فإما تُنَفِّيهِ وإمّا تُعِدُّهُ
[55]
* * *
[50] هو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكوفي أبو الطيب المتنبي: الشاعر الحكيم، وأحد مفاخر الأدب العربي، وله الأمثال السائرة والحكم البليغة. وُلد بالكوفة سـنة 303ﻫ/ 915م. وتوفي سـنة 354ﻫ/ 965م (وفيـات الأعيـان 1/ 125، والأعلام 1/ 110).
[51] الأبيات في شرح ديوان المتنبي للبرقوفي 2/ 122 من قصيدة مطلعها:
أودُّ من الأيامِ ما لا تودُّهُ
وأشكو إليها بيننا وهي جندُه
[52] الهَمُّ: الهِمَّة، والوجد: السعة. يقول: أنا أتعبُ خلق الله لزيادة همتي وقصور طاقتي من الغنى عن مبلغ ما أهم به (شرح الديوان).
[53] المعنى: لا يذهبـن مالك كلـه في طلب المجـد؛ لأن من المجـد ما لا ينعقد إلا بالمال، فإذا ذهب مالك كله انحـلّ ذلك المجـد الذي كان ينعقد بالمال (شـرح الديوان).
[54] يقـول: دَبّـر مالك تدبيـرَ مَنْ إذا خاض الوغـى للطعـان والنِّـزال جعـل المجـد بمثابة السـاعد الـذي يعتمد عليه الكـف في الضـرب. يعني أنـه بالمجـد تقاد الجيوش، وبالمـال ينفَق عليها، فالمجـد والمـال كلاهما متوقـف على الآخـر (شرح الديوان).
[55] فابلُه: فاختبره. ويقال: نفاه ونفّاه - مخففاً ومشـدداً - يقول: إذا جربتَ السيف بانَ لك صلاحه وفسـاده، فإما ألقيتَهُ لأنه كهام - أي: كليل - وإما أعددتَه للحرب لأنه حسام، أي: قاطع. (شرح الديوان).
7 - وقال الحريري [56] في مقاماته [57]: [من الكامل]
1 - اسْمَعْ أُخَيَّ وصيةً من ناصحٍ
ما شابَ مَحْضَ النّصْحِ منه بغشِّهِ
[58]
2 - لا تَعْجلَنْ بقضيّةٍ مبتوتة
في مَدْحِ مَنْ لم تَبْلُه أو خَدْشِهِ
[59]
3 - وقِفِ القَضيّةَ فيه حتى تجتلي
وَصْفَيْهِ في حالَيْ رِضاه وبَطْشِهِ
[60]
4 - ويَبينَ خُلَّبُ بَرْقِهِ من صدقِهِ
للشّائمينَ وَوَبْلُهُ من طَشِّهِ
[61]
5 - فهناك إنْ تَرَ ما يشينُ فوَارِهِ
كرماً وإن تَرَ ما يزينُ فأَفْشِهِ
6 - ومن استحقَّ الإرتقاء فَرَقِّهِ
ومن استحطَّ فحُطَّهُ في حَشِّهِ
[62]
7 - واعلمْ بأنّ التِّبْرَ في عِرق الثَّرَى
خافٍ إلى أن يُستثارَ بنَبْشِهِ
[63]
8 - وفضيلةُ الدِّينار يظهر سِرُّها
من حَكّهِ لا من مَلاحةِ نَقْشِهِ
[64]
9 - ومن الغَباوَة أن تعظِّم جاهلاً
لصقالِ مَلْبَسِهِ ورَوْنَقِ رَقْشِهِ
[65]
10 - أو أن تُهينَ مُهَذَّباً في نفسه
لدروسِ بِزّتِهِ ورَثّةِ فرشِهِ
[66]
11 - ولكَمْ أَخي طِمْرين هِيبَ لفَضلِهِ
ومُفَوَّفِ البُرْدَين عيب لفُحْشِهِ
[67]
12 - وإذا الفتى لم يَغْشَ عاراً لم تكنْ
أسمالُهُ إلا مراقيَ عرشِهِ
[68]
13 - ما إن يضرُّ العَضْبَ لَوْنُ قرابهِ
خَلَقاً ولا البازي حقارةُ عُشِّهِ
[69]
* * *
[56] هو القاسم بن علي بن محمد أبو محمد الحريري البصري: الأديب الكبير، صاحب المقامات، وله شعر حسن. توفي سنة 516ﻫ/ 1122 (الأعلام 5/ 12 ومعجم الشعراء العباسيين 1/ 211). [57] الأبيات في شـرح مقامـات الحريري 218 - 219 في المقامـة الفراتيـة رقم 22، وعدد الأبيات فيها 13. [58] استمع يا أخي نصيحة من لا يخلط النصح الصافي بالغش. [59] لا تعجل في مدح من لم تجربه أو ذمه، لأنها مسألة منتهية. [60] وتوقف في هذه القضية حتى يتّضحَ لك الوجهُ الحقُّ في حالَيْ الرضا والغضب. [61] للشائمين: أي الناظرين. ووبله: مطره الغزير. وطشّه: مطره الخفيف. والمعنى: يظهر لك برقه الذي لا غيث فيه مما فيه غيث أي تعلم حقيقته هل يمدح أو يذم. [62] الحشّ: أصله البستان، وهنا يمعنى الكنيف لأنهم كانوا يقضون فيه حاجتهم. والمعنى أن عليك أن ترفع من يستحق الارتفاع، ومن يستحق الانحطاط فارمه في الحشِّ. [63] واعلم بأنّ الذهب المخبأ في جوف الأرض لا يُستخرج إلا بحفرها. [64] والدينار الجيد تظهر قيمته بحكّه لا بحسن منظره [65] ومن الغباء أن تعظِّم إنساناً جاهلاً لمجرد نظافة ثوبه أو حسن زينته. [66] ومن الغباء أيضاً أن تهين إنساناً مهذباً لتمزُّق ثيابه أو لقدم فرشه. [67] أخي طمرين: صاحب ثوبين. وهيب: خِيف وعَظُمَ. مُفَوَّف البُردين: مخطَّط الثوبين. والمعنى: كثيرٌ ممن يرتدون الملابس البالية يهاب لفضله، بينما صاحب الثياب الجديدة المزركشة يعاب لفحشه وقلة حيائه. [68] لم يَغْشِ عاراً: لم يأت عيباً: أسماله: ثيابه البالية. مراقي عرشه: أي سلالم منزلته. يعني أن المرء إذا كان كاملاً فاضلاً لا تنقصه رثاثة ثيابه بل تكون رافعة له. [69] العضب: السيف. خلقاً: بالياً. البازي: الصقر.
8 - قال الصلاح الصفدي [70]: [من البسيط]
1 - الجَدُّ في الجِدِّ والحرمانُ في الكَسَلِ
فانْصَبْ تُصِبْ عن قريبٍ غايةَ الأملِ
[71]
2 - واصبرْ على كُلّ ما يأتي الزمانُ به
صبرَ الحسامِ بكفّ الدارع البطلِ
[72]
3 - وجانِبْ ِ الحرصَ والأطماعَ تَحْظَ بما
ترجو من العزّ ِ والتأييدِ في عجلِ
4 - ولا تكونَنْ على ما فات ذا حَزَنٍ
ولا تَظَلّ بما أُوتيتَ ذا جَذَلِ
[73]
5 - واستشعرِ العلمَ في كلِّ الأُمور ولا
تُـسْرِعْ ببادرةٍ يوماً إلى رجلِ
6 - وإنْ بُليتَ بشخصٍ لاخَلاق له
فَكُنْ كأنَّك لم تسمعْ ولم يَقُلِ
7 - ولا تُمارِ سفيهاً في محاورةٍ
ولا حليماً لكي تُقْـصىَ عن الزَّللِ
[74]
8 - ولا يغرَّك مَنْ يُبدي بشاشَتَه
إليك خِدْعاً فإنَّ السُّمَّ في العَسَلِ
[75]
9 - وإنْ أردتَ نجاحاً كلَّ آونةٍ
فاكتُمْ أُموركَ عن حافٍ ومُنْتَعِلِ
10 - إنَّ الفتى مَنْ بماضي الحزمِ مُتَّصفٌ
وما تَعَوَّدَ نَقْض القَوْلِ والعَمَلِ
11 - ولا يُقيمُ بأَرْضٍ طابَ مَسكنُها
حَتَّى يَقُدَّ أَديمَ السَّهْل والجَبَلِ
[76]
12 - ولا يضيِّعُ ساعاتِ الزَّمانِ فلن
يَعودَ ما فاتَ من أيامه الأُولِ
13 - ولا يُراقِبُ إلا مَنْ يُراقِبُهُ
ولا يُصاحِبُ إلاكُلَّ ذي نُبلِ
14 - ولا يَعُدُّ عُيوباً للورى أبداً
بل يَعْتَني بالذي فيهِ من الخَللِ
15 - ولا يَظُنُّ بهم سُوءاً ولا حَسَناً
بل التَّجاربُ تَهْديهِ على مَهَلِ
16 - ولا يَصُدُّ عن التَّقْوى بَصيرَتَهُ
لأَنّها للمعالي أَوْضَحُ السُّبُلِ
17 - فَمَنْ تكُنْ حلَّةُ التَّقَوى مَلابسَهُ
لم يَخْشَ في دَهْره يوماً من العَطَلِ
18 - مَنْ لم تَقُدْهُ صروفُ الدهر تجربة
فيما يُحاول فَلْيَسْكُنْ مع الهَمَلِ
[77]
19 - مَنْ سالمتْهُ اللّيالي فَلْيَثِقْ عَجلاً
منها بحربِ عدوّ ٍ جاءَ بالحِيَلِ
20 - مَنْ ضَيَّعَ الحزمَ لم يَظفَرْ بحاجته
ومَنْ رمى بسهامِ العُجْب لم ينلِ
21 - مَنْ جادَ سادَ وأَحيا العالمون له
بديعَ حَمْدٍ بمدحِ الفِعلِ مُتَّصِلِ
* * *
[70] هو خليل بن أيبك بن عبدالله الصفدي صلاح الدين: أديب مؤرخ، كثير التصانيف الممتعة، تعلم بدمشق، وفيها توفي سنة 764ﻫ/ 1363م وله شعر فيه رقة. (الدرر الكامنة 2/ 87، والأعلام 2/ 364 - 365). [71] الجَد بفتح الجيم وضَمِّها: الحظ والبخت، وبالكسر: الاجتهاد. والنصب: التعب (اللسان جدد ونصب). [72] رجل دارع: ذو درع (اللسان درع). [73] الجَذَل: الفرح. [74] تماري: تجادل، وتُقْصَى: أي تُبعد (اللسان). [75] خَدَعَ يَخدَع خِدْعاً - بالكسر - وهو الخداع والغش (اللسان خدع). [76] قَدَّ الأديم: قطع الجلد (اللسان وأساس البلاغة). [77] الهمل: الإبل الضالة، أو بلا راعٍ (اللسان همل).
9 - قال ابن أبي بكر المقرئ [78]: [من البسيط]
1 - زيادة العَقْلِ تحكي النَّقْصَ في العملِ
ومنطقُ المرءِ قد يَهديهِ للزَّللِ
2 - إنَّ اللسانَ صغيرٌ جِرمُه وله
جُرْمٌ كبيرٌ كما قد قيل في المثلِ
[79]
3 - عَقْلُ الفَتَى ليس يُغْني عن مشاورةٍ
كَحِدَّةِ السيفِ لا تُغْني عن البَطلِ
4 - إنّ المشاوِرَ إما صائب غرضاً
أو مخطيءٌ غيرُ منسوبٍ إلى الخَطَلِ
[80]
5 - لا تحقرِ الرأيَ يأتيكَ الحقيرُ به
فالنَّحلُ وهْوَ ذبابٌ طائرُ العسلِ
6 - ولا يَغُرَّنْكَ ودٌّ من أخي أملٍ
حتَّى تجرّبَهُ في غَيْبةِ الأملِ
7 - لا تَجْزَعَنَّ لخطبٍ ما به حِيَلٌ
تُغْني وإلا فلا تَعْجَزْ عن الحِيَلِ
8 - وقدرُ شكرِ الفتى لله نعمتَه
كقدرِ صبرِ الفتى للحادثِ الجَلَلِ
[81]
9 - وإنَّ أخوفَ نهجٍ ما خشيتَ به
ذهابَ حُرِّيّةٍ أو مُرْتَـضى عملِ
10 - لا تَفْرَحَنَّ بسَقْطاتِ الرجالِ ولا
تَهْزَأ بغيركَ واحذرْ صولةَ الدُّوَلِ
[82]
11 - وقيمةُ المرءِ ما قد كان يُحْسِنُهُ
فاطلُبْ لنفسكَ ما تَعْلو به وصِلِ
12 - وكلُّ علمٍ جَناهُ مُمْكِنٌ أبداً
إلا إذا اعتَصَمَ الإنسانُ بالكسلِ
13 - والمال صُنْهُ وَورّثْهُ العدوّ ولا
تحَتجْ حياتَكَ للإخوانِ في الأُكُلِ
14 - فخيرُ مالِ الفتى مالٌ يَصونُ به
عرضاً وينفقُه في أَشرفِ السُّبُلِ
15 - وأفضلُ البـِرِّ ما لا مَنَّ يتبعُه
ولا تَقَدَّمَهُ شيءٌ من المَطَلِ
[83]
* * *
[78] هو إسماعيل بن أبي بكر بن عبدالله المقرئ: تولى التدريس والإمارة في اليمن، وله شـعر. مات بزَبيد سـنة 827ﻫ/ 1433م. وله عدة مؤلفات منها ديوان شعر (الضوء اللامع 2/ 292، والأعلام 1/ 306). [79] الجِرم - بالكسر -: الجسم، والجُرْم - بالضم -: الذنب. والمعنى: أن اللسان حجمه صغير ولكنّ ذنبه كبير كما جاء في المثل (طولُ اللسان يقصّر الأجل، أو المرءُ تحت لسانه) (معجم الأمثال العربية واللسان) . [80] الخَطَل: مصدر، ويقال للأحمق العجل: خَطِلٌ (اللسان). [81] الجلل: الأمر العظيم (اللسان). [82] صولة الدول: سيطرتها وسطوتها (اللسان: صول). [83] المَطلُ: التسـويف والمدافعة في الدَّيْن وعدته (اللسـان) وفي المعجم الوسـيط: المطل: تأجيل موعد الوفاء بالدَّيْن مرَّةً بعد الأخرى.
10 - قال جبران خليل جبران [84]: [من البسيط][85]
1 - الخيرُ في الناس مصنوعٌ إذا جُبروا
والـشرُّ في الناس لا يَفْنى وإن قُبـِروا
2 - وأكثرُ الناس آلاتٌ تُحَرِّكُها
أصابعُ الدَّهْرِ يومًا ثم تنكسِرُ
3 - فلا تقولَنَّ هذا عالمٌ عَلَمٌ
ولا تقولَنَّ ذاك السَّيدُ الوَقرُ
4 - فأفضلُ الناسِ قطعانٌ يَسيرُ بها
صَوتُ الرُّعاةِ ومَنْ لم يَمْشِ يَنْدَثِرُ
* * *
[84] جبران خليل جبران: أحد الكتاب المعاصـرين في المهجر الأمريكي، وأوسعهم خيالاً. تعلّم في لبنان، وهاجر إلى الولايات المتحدة سنة 1895م، وظل فيها إلى أن توفي سنة 1349ﻫ/ 1931م (الأعلام 2/ 100). [85] الأبيات في كتاب المواكب لجبران 15.
11 - وقال الشاعر في القصيدة الزَّيْنَبـِيَّة [86]: [من الكامل]
1 - صَرَمَتْ حِبالَكَ بَعْدَ وَصْلِكَ زَيْنَبُ
والدّهْرُ فيه تَصَرُّمٌ وتقلُّبُ
[87]
2 - وكذاكَ وَصْلُ الغانياتِ فإنَّه
آلٌ ببَلْقَعَةٍ وبَرْقٌ خُلَّبُ
[88]
3 - فَدَعِ الصِّبا فَلَقَدْ عَداكَ زمانُهُ
وَازْهَدْ فعُمْرُكَ مرَّ منه الأَطْيَبُ
4 - ذَهَبَ الشّبابُ فماله من عَوْدةٍ
وأَتَى المشيبُ فأينَ منه المَهْرَبُ
5 - دَعْ عَنْكَ ما قد فات في زَمَنَ الصِّبا
واذكُرْ ذنوبَكَ وابْكِها يا مُذْنِبُ
6 - واذْكُرْ مناقشَةَ الحسابِ فإنَّهُ
لابُدَّ يُحْـصَى ما جَنَيْتَ ويُكْتَبُ
7 - واللَّيــــلُ - فـاعْلَــم - والنَّهـــارُ كـلاهمـــا
أنفاسُنا بهما تُعَدُّ وتُحْسَبُ
8 - لم يَنْسَهُ المَلَكانِ حينَ نسيتَهُ
بل أثبتاه وأنتَ لاهٍ تلعبُ
9 - والرُّوحُ فيكَ وَديعةٌ أُودِعْتَها
سَتَردُّها بالرغمِ منكَ وتُسْلَبُ
10 - وغرورُ دُنْياكَ التي تَسْعى لها
دارٌ حقيقتُها مَتاعٌ يَذْهَبُ
11 - وجَميعُ ما حَصَّلْتَهُ وجَمَعْتَهُ
حقاً يقيناً بعد موتك يُنْهَبُ
12 - تبُّاً لدارٍ لا يدومُ نَعيمُها
ومَشيدُها عَمّا قليلٍ يَخْرَبُ
13 - لا تأمنِ الدهرَ الخؤونَ لأنّه
ما زالَ قِدْماً للرِّجال يُهَذِّبُ
14 - وكذلك الأيامُ في غَصّاتِها
مَضَضٌ يَذِلُّ له الأَعَزُّ الأَنجبُ
15 - ويَفوزُ بالمالِ الحَقيرُ مكانةً
فتراهُ يُرْجَى ما لدَيْهِ ويُرْغَبُ
16 - ويُسَرُّ بالتّرحيبِ عند قدومِهِ
ويقامُ عند سَلامه ويُقَرّب
17 - لا تَحْرَصَنْ فالحِرْصُ ليسَ بزائدٍ
في الرِّزْقِ بل يَشْقَى الحريصُ ويتعبُ
18 - كم عاجزٍ في النّاسِ يأتي رزقُهُ
رَغَداً ويُحْرَمُ كَيِّسٌ ويُخَيَّبُ
19 - فعليكَ تقْوى اللهِ فالزمْها تَفُزْ
إنَّ التَّقِيَّ هو البَهيُّ الأَهْيَبُ
20 - واعملْ بطاعتِهِ تَنَلْ منه الرِّضا
إنَّ المُطيعَ لربّهِ لمُقَرَّبُ
21 - أدِّ الأمانةَ، والخيانةَ فاجتنبْ
واعدِلْ ولا تَظْلِم يَطِبْ لك مَكْسَبُ
22 - وَاحْذَرْ من المَظْلومِ سهماً صائباً
واعلَمْ بأنَّ دعاءَهُ لا يُحْجَبُ
23 - وإذا أصابَكَ في زمانِكَ شدّةٌ
وأصابكَ الخطبُ الكريهُ الأصعبُ
24 - فاضرعْ لربـِّكَ إنَّه أدنى لمن
يدعوهُ من حَبْلِ الوريدِ وأقْربُ
25 - واحْذَرْ مؤاخاةَ الدَّنيءِ لأنَّه
يُعْدي كما يُعْدي الصحيحَ الأَجْربُ
26 - واخْتَرْ صديقَكَ واصطفيه تفاخراً
إنَّ القرينَ إلى المقارنِ يُنْسَبُ
27 - ودعِ الكذوبَ ولا يكُنْ لك صاحباً
إنَّ الكذوبَ لبئس خِلاًّ يُصْحَبُ
28 - وذَرِ الحسود وإن تقادَم عهدُهُ
فالحقدُ باقٍ في الصُّدورِ مُغَيَّبُ
29 - واحْفَظْ لِسانَكَ واحْتَرِزْ من لفظه
فالمَرْءُ يَسْلَمُ باللّسانِ وَيْعطَبُ
30 - وَزِنِ الكلامَ إذا نطقتَ ولا تكُنْ
ثرثارةً في كُلِّ نادٍ تَخْطُبُ
31 - والسِّرَّ فاكتُمْهُ ولا تَنْطِقْ به
فهو الأَسيرُ لَدَيْكَ إذ لا يَنْشَبُ
32 - واحرصْ على حفظِ القلوبِ من الأذى
فرجوعُها بعد التّنافُرِ يَصْعُبُ
33 - إنّ القلوب إذا تنافَرُ ودُّها
شبهُ الزجاجةِ كَسْرُها لا يُشْعَبُ
34 - واحذرْ عَدُوَّكَ إذ تَراهُ باسماً
فاللَّيْثُ يبدو نابُهُ إذ يَغْضَبُ
35 - لا خيرَ في ودِّ امرئٍ مُتَملِّقٍ
حُلوِ اللسانِ وقلبُهُ يَتَلَّهَّبُ
36 - يُعْطيكَ من طَرَفِ اللسانِ حلاوةً
ويروغُ منكَ كما يروغُ الثَّعلبُ
37 - يلقاكَ يحلفُ أنّه بكَ واثقٌ
وإذا توارى عنك فهْو العقربُ
38 - وإذا رأيتَ الرزقَ ضاق ببلدةٍ
وخشيتَ فيها أن يضيقَ المكسبُ
39 - فارحلْ فأرضُ اللهِ واسعةُ الفضا
طُولاً وَعْرضاًً شرقُها والمغرب
[86] القصيدة بلا نسـبة في «حياة الحيوان الكبرى»: 1/ 66، و1/ 125 - 129 من طبعة الأستاذ إبراهيم صالح (مادة أفعى). وتُنسب لصالح بن عبد القدوس كما ذكر الأستاذ إبراهيم صالح في هامش «حياة الحيوان». [87] الصَّـرم: القطعُ البائن للحبل كما في اللسـان، والمقصود هنا هجرتك زينب بعد أن وصلتك. [88] الآل: السراب، والبلقع والبلقعة: الأرض القفر لا شيء فيها. والبرق الخُلَّب: الذي لا غيث فيه، كأنه خادع يومض حتى تطمع بمطره ثم يُخلفك (اللسان).
12 - قال طاهر بن الحسين [89]: [من البسيط][90]
1 - ركوبُكَ الهَوْلَ ما لم تَلْقَ فرصتَهُ
جَهْلٌ رَمَى بك بالإقحام تغريرُ
2 - أَهْوِنْ بدنيا يُصيبُ المخْطئون بها
حَظَّ المصيبين والمغرورُ مغرورُ
3 - فَازْرَعْ صواباً وخُذْ بالحزم حِيْطتَه
فَلَنْ يُذَمَّ لأهلِ الحَزْمِ تَدْبيرُ
4 - فإنْ ظفرتَ مصيباً أو هلكتَ به
فأنتَ عند ذوي الألبابِ مَعْذورُ
5 - وإن ظَفِرتَ على جَهْلٍ ففزتَ به
قالوا: جهولٌ أعانتْه المقاديرُ
[89] هو طاهـر بن الحسـين بن مصـعب الخزاعي، أبو الطيب وأبو طلحة: من كبار وزراء العصر العباسي أدباً وحكمةً وشجاعةً. هاجم بغداد ليوطِّد الحكم للمأمون العباسي. مات مسـموماً سنة 207ﻫ/ 822م (الأعلام 3/ 218، وتاريخ بغداد 9/ 353). [90] الأبيات في (العقد الفريد 4/ 227، ومختصر تاريخ دمشق 4/ 131).
13 - وقال الشاعر [91]: [من البسيط]
1 - الحمدُ للهِ حَمْداً دائماً أبداً
في كُلِّ حالٍ هو المسترزَقُ الوَزَرُ
2 - فليس ما يجمع المُثري بحيلته
وليس بالعجز مَنْ لم يُثْرِ يفْتَقرُ
3 - إنَّ المَقاسِمَ أرزاقٌ مُقَدَّرَةٌ
بين العبادِ فَمحرومٌ وَمُدّخِرُ
4 - فما رُزِقْتَ فإنّ الله جالبُهُ
وما حُرِمْتَ فما يجري به القَدَرُ
5 - ولا تبيتَنَّ ذا هَمٍّ تعالجُهُ
كأنَّه النارُ في الأحشاء تَسْتَعِرُ
6 - فالهمُّ فضلٌ وطولُ العيش منقطعٌ
والرزقُ آتٍ ورَوْحُ الله مُنْتَظَرُ
* * *
[91] الأبيات من أمالي القالي - العصرية - 469.
14 - قال أبو الفتح البستي: [من البسيط]
([92)
أحسنْ إلى الناس تَسْتَعْبدْ قلوبَهُم
فطالما استَعْبَدَ الإنْسانَ إحسانُ
* * *
15 - وقال أبو الطيب المتنبي [93]: [من الطويل]
وللتَّرك للإحسانِ خيرٌ لمحسنٍ
إذا جعل الإحسانَ غير ربيبِ
[92] البيت في ديوانه 187. [93] البيت في شرح ديوان المتنبي 178.
16 - قال البحتري [94]: [من الخفيف]
([95)
نَسَبٌ بيننا تولَّدَ منهُ
أدبٌ، والأديبُ صِنْوُ الأديبِ
[96]
* * *
17 - وقال صالح بن عبد القدوس [97]: [من البسيط]
1 - قَدْ يَنْفَعُ الأَدَبُ الأَطْفالَ في صِغَرٍ
ولَيْسَ يَنْفَعُ عندَ الشَّيبةِ الأَدَبُ
2 - إنَّ الغُصُونَ إِذا قَوَّمْتَها اعْتَدَلت
وَلا يَلينُ إذا قَوَّمْتَهُ الخَشَبُ
* * *
[94] البحتري هو الوليد بن عبادة أبو عبادة وأبو الحسن، وُلد بمنبج، وبها نشأ. توفي سنة (284ﻫ/ 897م) (الأغاني 8/ 167، ومعجم الشعراء العباسيين 66). [95] البيت في ديوان البحتري - محمد ألتونجي - 1/ 130. [96] الصنو: الأخ الشقيق (اللسان: صنو) ورواية الديوان: (نسبٌ سنا يُؤكَّد منه أدب...). [97] ديوان صالح بن عبد القدوس 133.
18 - كان للمغيرة بن حَبْناء [98] أخٌ - يقال له صـخر، ويكنى أبا بشـر - يهاجيه، وله يقول المغيرة [99]: [من الوافر]
1 - أبوكَ أبي وأنتَ أخي ولكن
تفاضَلَتِ الطبائعُ والظُّروفُ
2 - وأُمُّكَ حينَ تُنْسَبُ أُمُّ صِدْقٍ
وَلكنْ لابْنِها طَبْعٌ سَخيفُ
3 - وقومُكَ يعلمون إذا التقينا
مَنِ المَرْجُوّ مِنّا والمَخُوفُ
19 - وقال آخر: [من الطويل]
أبوكَ أَبي والجَدُّ لاشَكَّ واحدٌ
ولكننا عودان آسٌ وخَرْوَعُ
* * *
20 - وقال علي بن أبي طالب س [100]: [من الطويل]
1 - أخوك الذي إن أحرجَتْكَ مُلمَّةٌ
من الدَّهرِ لم يَبْرَحْ لها الدَّهْرَ راحما
2 - ولَيْسَ أَخوكَ بالذي إِن تَشَعَّبَتْ
عَلَيْكَ أُمورٌ ظَلَّ يَلْحاكَ لائما
* * *
21 - وقال معن بن أوس المزني [101]: [من الطويل]
وإنّي أخوكَ الدائمُ العهدِ لَمْ أَحُلْ
إنِ ابْزاكَ خَصْمٌ أو نَبا بكَ منزلُ
[102]
* * *
22 - وقال بعضهم: [من الطويل]
1 - إذا رابَ مني مفصلٌ فقطعتُه
بقيت ومالي في النهوض مفاصل
2 - ولكنْ أُداويه فإنْ صَحَّ سَرَّني
وإنْ هو أعيا كانَ فيه تَحاملُ
3 - فإن قُلْتُ لا إلا بكامل فَضْلِهِ
فأينَ من الإخوان مَنْ هو كاملُ
4 - إذا أنا لم أصفحْ عن الذنب من أخٍ
وقلتُ أُكافيه فأين التفاضُل؟
5 - متى أقطع الإخوان في كلِّ زَلَّةٍ
بقيتُ وحيداً لم أجدْ مَنْ أواصِلُ
* * *
[98] المغيرة بن عمرو بن ربيعة الحنظلي التميمي: شاعر إسلامي يكنى أبا عيسى، منسوبٌ إلى أمه وقيل إلى أبيه. توفي سنة 91ﻫ/ 710م (الأغاني 13/ 84 - 101، والأعلام 8/ 201). [99] الأبيات في الشعر وللشعراء 1/ 406، والتذكرة الحمدونية 5/ 144. [100] ديوان علي س 187، عن شرح نهج البلاغة 18/ 114 في الشعر المنسوب له. [101] هو معن بن أوس المزني، شاعر مجيد فحل من مخضرمي الجاهلية والإسلام، له مدائح في الصحابة. توفي سـنة 64ﻫ/ 863م (الأغاني 8/ 54 - 65، والأعلام 7/ 273). [102] ديوان معن 93، وأبزاك خصم: أي قهرك وغلبك. ونبا به منزله: لم يوافقه ولم يجد فيه قراراً (اللسان: بزا ونبا).
23 - وقال القُطامي التغلبي [103]: [من البسيط][104]
والناسُ مَنْ يلق خيراً قائلون له
ما يشتهي، ولأُمّ المُخْطِئِ الهبلُ
* * *
24 - قال [105] رجلٌ لأخيه من أبويه: والله لأَهْجُوَنَّكَ هجاءً يدخلُ معك قبرك. قال: كيف تهجوني وأبي أبوك وأمي أمك؟ فقال: [من الطويل]
غلامٌ أتاهُ اللؤم من شطر نفسه
ولم يأتِهِ من شطرِ أمٍّ ولا أبِ
فقال: قتلتني، قتلك الله.
* * *
[103] هو عمير بن شييم بن عمرو، أبو سعيد التغلبي الملقب بالقطامي - بضم القاف أو فتحها - شـاعر غزل فحل. من العصـر الأموي. توفي سنة 130ﻫ/ 747 (الشعر والشعراء 2/ 327، والأعلام 5/ 264). [104] الشعر والشعراء 2/ 726 مع بيت آخر بعده. [105] الخبر والبيت في التذكرة الحمدونية 5/ 143 - 144، والمستطرف 2/ 135.
25 - قال الشاعر: [من الطويل]
غُلامٌ أتاه اللُّؤْمُ من شَطْرِ عَمِّهِ
له مِسْمعٌ وافٍ وآخرُ أَجْدَعُ
[106]
[106] المِسْمَع والمَسْمَع: الأُذن. والأجدع: مقطوع الأذن (اللسان: سمع وجدع).
26 - قال الأصمعي [107]:
كنت [108] عند أبي عمرو بن العلاء [109]، فجاءهُ عمرو بن عُبَيْد [110]، فقال: يا أبا عمرو، هل يخلفُ الله الميعاد؟ قال: لا، فذكر آيةَ وعيدٍ، فقال له: أمِنَ العجم أنتَ، إن العرب تَعُدُّ الرجوعَ عن الوعد لؤماً، وعن الإيعاد [111] كرماً، أما سمعتَ قول عامر بن الطُفَّيْل [112]: [من الطويل]
1 - ولا يرهَبُ ابنُ العمّ منِّيَ صولةً
ولا أختبي من صولة المتهدّدِ
2 - وإنيَ إن أوعدتُهُ أو وعدتُهُ
لأخلفُ إيعادي وأنجز موعدي
* * *
[107] الأصمعي: هو عبد الملك بن قُرَيـب بن علي بن أصمع الباهلي، أبو سعيد، راوية العرب وأحد أئمة العلم باللغة والشعر والبلدان، ومولده ووفاته بالبصرة سنة 216ﻫ/ 831 (تاريخ دمشق - طبعة مجمع دمشق - 43/ 185، والأعلام 4/ 307). [108] الخبر في تفسير ابن كثير سورة الحج في قوله تعالى ﴿ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ﴾[الحج: 47] [22/ 47]. [109] أبو عمرو بن العلاء في اسـمه واسم أبيه أكثر من رواية كان من أئمة اللغة والأدب وأحد القراء السبعة مات بالكوفة سنة 154ﻫ/ 771م (غاية النهاية 1/ 188)، والأعلام: 3/ 72). [110] عمرو بن عُبَيْد التيمي بالولاء أبو عثمان البصري شيخ المعتزلة في عصره ومفتيها وأحد الزهاد المشهورين. توفي سنة 144ﻫ/ 761م (تاريخ بغداد 12/ 166 - 188 والأعلام 5/ 252). [111] الإيعاد مصدر أوعد، وهو عكس وعد؛ أحدهما في الخير والثاني في الشر. [112] البيتان في ديوان عامر بن الطفيل - ذيل الديوان 182.
27 - وقال ابن كناسة [113]: [من الطويل]
1 - ولا أدفعُ ابنَ العمِّ يـمشي على شَفَا
ولو بَلَغَتْني من أَذاهُ الجَنادِعُ
[114]
2 - ولكنْ أُواسيهِ وأَنْسى ذنوبَهُ
لترجعَهُ يوماً إليَّ الرَّواجعُ
[115]
3 - وحسبُكَ من جهلٍ وسوءِ صنيعةٍ
معاداةُ ذي القُربى وإنْ قيلَ قاطعُ
[116]
[113] ابن كناسة: هو محمد بن عبدالله الأسدي: شاعر من شعراء الدولة العباسية يُكنى أبا يحيى. توفي سنة 207ﻫ/ 822م (الورقة 81، والأعلام 7/ 92). [114] الجنادع: الأحناش - وأورد ابن منظور في «لسان العرب» البيت الأول من هذه الأبيات، ونسبه لمحمد بن عبدالله الأزدي، وقال بعده: وذات الجنادع: الداهية. [115] الرواجع: الرياح (اللسان). [116] أي: قاطع رحم (اللسان).
28 - وقال ابن حبان: وأنشدني العقبي، أنشدني محمد بن خلف التيمي بالكوفة [117]: [من الطويل]
وكانَ بنُو عَمِّي يقولونَ مَرْحَباً
فلما رَأَوْني مُعْدِماً
[118] ماتَ مرحبُ
* * *
[117] البيت مع آخر قبله في روضة العقلاء 226. [118] معدم: أي فقير.
29 - قال الشاعر: [من الطويل]
1 - لكلِّ امرئٍ شِكْلٌ يقرُّ بعينِه
وقُرَّةُ عينِ الفِسْلِ أن يصحبَ الفِسْلا
[119]
2 - وتعرفُ في جودِ امرئٍ جودَ خالِه
وَينذُلُ إن ترى أخا أمّه نذلا
* * *
[119] الشِّكل: المثل والشبيه. والفسل: النذل والأحمق.
30 - يقول ابن القيّم في صراخ المولود:
إنَّ السببَ الظاهرَ لبكاءِ الطِّفل هو مفارقته للمألوف والعادة، فإنه ينتقل من جسمٍ لطيفٍ حارٍّ إلى هواءٍ باردٍ، ومكانٍ لم يألفه، فيستوحش من مفارقته لوطنه ومألفه: [من الطويل]
1 - ويبكي بها المولودُ حتّى كأنه
بكلِّ الذي يلقاهُ فيها يُهَدّدُ
2 - وإلا فما يُبْكيهِ فيها وإنها
لأَوسعُ مما كانَ فيه وأرغدُ
ويذكر قبض كفه عند خروجه إلى الدنيا وفتحها عند خروجه منها إشارةً إلى أنه خرج إلى الدنيا مجبولاً على الحرص والطمع، وفارقها صفر اليدين: [من الطويل]
1 - وفي قبضِ كفِّ المرءِ عندَ ولادِهِ
دَليلٌ على الحرصِ الذي هو هالكُهْ
2 - وفي فَتْحها عندَ المماتِ إشارةٌ
إلى فرقةِ المالِ الذي هو تاركُهْ
ويقول: إنه حين ينفصل عن أمه [يرفع] يده إلى فيه إشارةً عند أرباب الإشارات إلى أنه ضعيف، يريد تعجيل قِراه، أو إشارة إلى نهاية فقره، وأنه بلغ من الفقر مصَّ الأصابع: [من الطويل]
ويَهْوي إلى فيه يمصّ بنانَه
يطالبُ بالتَّعجيل قبل التَّشاغُلِ
[من الطويل]:
ويُعلمهم أني فقيرٌ وليس لي
من القوتِ شيءٌ غير مصِّ الأَصابعِ
* * *
31 - وقال الشاعر: [من الوافر]
1 - أرى ولدَ الفتى عبئاً عليهِ
لقد سَعِدَ الذي أَمْسى عَقيما
2 - أما شاهدْتَ كُلّ أبي وليدٍ
يَؤمُّ طريقَ حَتْفٍ مستقيما
3 - فإما أن يُربّيَهُ عَدُوّاً
وإمّا أن يُخَلِّفَهُ يتيما
32 - وقال ابن أبي الصلت [120] في معاتبة ابن له عاق [121]: [من الطويل]
1 - غَذوَتُك مولوداً وعُلتُكَ يافِعاً
تُعَلُّ بما أُدني عَليكَ وَتَنهلُ
[122]
2 - إذا ليلةٌ نابَتكَ بالشَّكْوِ لم َ أبـِتْ
لِشَكواكَ إلا ساهِراً أَتَمَلمَلُ
[123]
3 - كَأني أنا المَطروقُ دونَكَ بالذي
طُرْقِتَ بهِ دوني فعَينايَ تَهمُلُ
[124]
4 - تَخافُ الرَدى نَفـسي عَليكَ وَإنَني
لأعلمُ أنَ المَوتَ حَتمٌ مُؤَجَّلُ
[125]
5 - فلمَا بَلغْتَ السِّنَ وَالغايَةَ الَتي
إِليها مَدى ما كُنتُ فيكَ أُؤَمِّلُ
6 - جَعَلتَ جَزائي غِلظَةً وَفَظاظَةً
كأنَكَ أنتَ المُنعِمُ المُتَفَضـِّلُ
7 - فَليتَكَ إذ لم تَرعَ حَقَّ أُبوَتي
فعَلتَ كَما الجارُ المُجاورُ يَفعَلُ
8 - زَعَمْتَ بِأنِّي قد كبرتُ وعِبْتَني
ولم يمض لي في السنِّ ستون كمَّلُ
9 - وَسَمَّيتَني بِاسِمِ المُفَنَّدِ رَأيُهُ
وَفي رَأيكَ التَفنيدُ لَو كُنتَ تَعقِلُ
[126]
10 - تراقبُ مني غِرَّةً أو تنالُها
هُبـِلْتَ وهذا منكَ رأيٌ مَضَلَّلُ
11 - تراه مُعِدّاً للخلاف كأنه
بِرَدّ ٍعلى أهل الصواب موكَّلُ
[127]
12 - ولكنَّ مَنْ لا يلقَ أمراً ينوبُهُ
بعدَّته ينزلْ به وهْو أعزلُ
[128]
* * *
[120] أميَّة بن أبي الصَّلْت الثقفي: شاعر جاهلي حكيم من أهل الطائف. مات على دين النصرانية ولم يُسلمْ سنة 5ﻫ/ 626م (الأغاني - دار الكتب - 4/ 120، والأعلام 1/ 364). [121] الأبيات في ديوان أمية بن أبي الصلت 430 - 433 ثلاثة عشر بيتاً، وهي ستة في الأغاني 4/ 130. [122] غذوتك: من الغذاء، وعلتك من العلل: وهي الشربة الثانية، وتنهل من النهل: وهو أول الشرب. واليافع: الشاب، كما في هامش الديوان. [123] نابت: أصابت - أتململ: أتقلَّب. [124] المطروق: مِن طرقه: إذا أتاه ليلاً. وتهمُل: تفيض بالدمع وتسيل. [125] الردى: الموت. [126] المُفَنَّد: من الفند، وهو: الخَرَف وإنكار العقل. [127] مُعِدّاً: أي مهيئاً نفسه. [128] ينوبه: يصيبه وينزل به.
33 - وقال معن بن أوس في قريب له
[129]: [من الطويل]
1 - وذي رَحِمٍ قَلَّمْتُ أظفارَ ضـِغْنِهِ
بحلميَ عنه وهْو ليس له حِلْمُ
[130]
2 - يحاوِلُ رَغْميِ لا يحاوِلُ غَيْرَهُ
وكالموتِ عندي أن يَحِلَّ به الرَّغْمُ
3 - صبرتُ على ما كانَ بيني وبينَه
وما يَسْتَوي حربُ الأقارب والسّلمُ
4 - لأستلَّ منه الضـِّغن حتى استَلَلْتُه
وقد كان ذا ضغنٍ يضيق به الجِرْمُ
[131]
[129] الأبيات في ديوان معن بن أوس 40، والمختار من شـعر بشـار 200، والتذكـرة الحمدونية 5/ 36. [130] وذي رحـم: أي قريـب. ضغنه: حقده. صَـوَّر حقد قريبه بوحـش له مخالـب فقلمها بحلمه عنه. [131] الجِرْم: الجسم (اللسان).
34 - القرابة الدينية أعظم من القرابة الطبيعيـة، والقرب من القلـوب والأرواح أعظم من القرب بين الأبدان، قال الشاعر: [من الكامل]
1 - ولقد صَحبتُ النّاسَ ثم سبرتُهم
وبلوتُ ما وصلوا من الأسبابِ
2 - فإذا القرابةُ لا تُقرّبُ قاطعاً
وإذا المودةُ أقربُ الأسبابِ
* * *
35 - وقال آخر: [من الطويل]
وكم من قريبٍ قلبُه عنكَ نازحٌ
وكم من بعيدٍ قلبُه فيكَ مُغْرَمُ
* * *
36 - لأبي العلاء المعري [132]: [من البسيط]
1 - يا صاح ما أَلِفَ الإعجابَ من نَفَرٍ
إلا وهم لرؤوسِ القومِ أَعْجابُ
[133]
2 - مالي أرى الملكَ المحبوبَ يَمْنَعُهُ
أن يفعلَ الخيرَ مُنّاعٌ وحُجّابُ
3 - قد يَنْجُبُ الولد النامي ووالدُهُ
فِسْلٌ ويَفْسُلُ والآباء أَنَجابُ
[134]
* * *
[132] هو أحمد بن عبدالله بن سليمان التنوخي المعـري: شـاعر فيلسـوف أعمى. ولد ومات في معرة النعمان 449ﻫ/ 1057م (معجم الأدباء 1/ 206 - 356، والأعلام 1/ 150). [133] الأعجاب: جمع عَجْب، وهو أصل الذنب وعظمه. [134] الفسل: الرّذل النذل. وأنجاب: جمع نجيب، وهو الكريم الحسيب.
37 - لأبي العلاء المعري [135] أيضاً: [من البسيط]
1 - خيرُ النساءِ اللواتي لا يلدنَ لكم
فإن ولدنَ فخير النَّسْلِ ما نَفَعا
2 - وأكثرُ النَّسلِ يَشْقَى الوالدان به
فلَيْتَهُ كانَ عن آبائِهِ دُفعا
3 - أضاع دارَيْكَ من دُنْيا وآخرةٍ
لا الحيَّ أَغْنى ولا في هالكٍ شَفعا
4 - كم سليلٍ رَجاهُ للجمال أبٌ
فكان خِزْياً بأعلى هضبةٍ رُفعا
* * *
[135] الأبيات في اللزوميات 2/ 94.
38 - قال عمرو بن مخلاة [136]: [من الطويل]
فتاةٌ أبوها ذو العِصابة وابنهُ
أخوها فما أكفاؤُها بكثيرِ
* * *
[136] البيت مع آخر بعده في (من اسمه عمرو ومن الشعراء) 194، واسم الشاعر فيه: (عمرو بن مِحْلَى الكلبي من أهل الشام، ويقولون: ابن مخلاة - ومخلاة الحمار. وقيل: اسمه ابن ذي المخلاة. وكان شاعر آل مروان.
39 - قال الشاعر: [من الطويل]
إذا شئتَ أن تُعْـصَى وإن كنتَ قادراً
فَمُرْ بالذي لا يُستطاعُ من الأمْرِ
40 - وقال الآخر: [من الطويل]
فما أحدٌ عن أَلْسُنِ النّاسِ سالماً
حتّى ولا ذاك النبيُّ المهذَّبُ
* * *
41 - وقال صالح بن عبد القدوس [137]: [من الطويل]
وإن عناء أن تفهِّم جاهلاً
فيحسب جهلاً أنه منك أفهمُ
متى يبلغ البنيان يوماً تمامه
إذا كنت تبنيه وغيرك يهدمُ
42 - وقال الآخر: [من الطويل]
ولو ألفُ بانٍ خَلْفَهم هادمٌ كَفَى
فكيف ببانٍ خَلْفَهُ ألفُ هادمِ
* * *
[137] البيت الأخير في الأمثال والحكم للرازي 86، وهو فيه غير منسوب.
43 - قال ابن حِبـان: ولقد أنشـدني المنتصـر بن بلال الأنْصاري [138]: [من الطويل]
1 - أَلَمْ تَعْلَمي أنَّ الغِنَى يَجْعَلُ الفَتَى
سَنِيّاً وأنّ الفقرَ بالمرءِ قد يُزْري
[139]
2 - فما رَفَعَ النفسَ الوضيعةَ كالغنى
ولا وَضَعَ النفسَ الرفيعةَ كالفقرِ
* * *
44 - قال الآخر [140]: [من الطويل]
1 - أظنُّكَ أطغاك
[141] الغنى فنسيتَني
ونفسُكَ والدنيا الدنيّةُ قد تُنْسي
2 - فإن كنتَ تعلو عندَ نفسِك بالغنى
فإني سيُعليني عليكَ غِنى نفسِي
* * *
45 - قال الشاعر [142]: [الطويل]
1 - إذا المرءُ لم يطلبْ معاشاً لنفسه
شكا الفقرَ أو لامَ الصديقَ فأكْثَرا
2 - وصار على الأدْنَين كَلاًّ
[143] وأوشَكَتْ
صِلاتُ ذوي القُربى له أن تَنَكَّرا
* * *
46 - وقال أبو العلاء [144]: [من الكامل]
1 - والفَقْرُ مَوْتٌ غَيْرَ أَنَّ حَليفَه
يُرْجَى له بتَموُّلٍ إنْشارُ
[145]
2 - ونرى مباشرةَ الترابِ مهانةً
وإليهِ تَرْجعُ هذه الأَبْشارُ
[146]
* * *
47 - وقال علي زيني: [من الطويل]
سَلِ الفَضْلَ أهلَ الفَضْلِ قِدْماً ولا تَسَلْ
فتًى ذاق طعَم الفَقْرِ ثم تَمَوَّلا
* * *
48 - وقال آخر: [من مجزوء الكامل]
وأرى الغِنَى يدعو الغَنِـيْ
إلى الملاهي والغناءْ
* * *
[138] البيتان في روضة العقلاء 176، وهما بلا نسـبة في بهجة المجالـس 1/ 209، والمستطرف 2/ 270. [139] السَّنِيُّ: الرفيع الحسب (اللسان). وأزرى به: قصَّر به وحقّره وهوّنه (اللسان). [140] البيتان لأحمد بن إبراهيم بن إسماعيل في الأمالي للقالي - العصرية - 534. [141] أطغاك: جعلك تتجاوز القدر وترتفع وتعلو) - (اللسان). [142] البيتان في ديوان النابغة الجعدي 88، وفي ديوان عروة بن الورد - الخانجي - 32، وقد نُسبا لغيرهما. [143] الأدنين: الأقربين. وكلاًّ: عبئاً. [144] البيتان في اللزوميات 1/ 303. [145] التموّل: وهو الحصول على المال، والإنشار: الإحياء (اللسان). يقول: إن الفقر موت للفقير، ولكن الحصول على المال إحياء له. [146] الأبشار: جمع بَشَرَة، وهي جلد الانسان. يقول: ومع أننا نرى أن ملامسة التراب مهانة، ولكن جميع هذه الجلود عائدة إليه.
49 - قال الحلاج [147]: [من البسيط][148]
1 - ما حيلةُ العَبْدِ والأقْدارُ جاريةٌ
عليه في كُلِّ حالٍ أيُّها الرائي
2 - ألقاهُ في اليمّ مكتوفاً وقال له
إياكَ إياكَ أن تبتلَّ بالماءِ
* * *
[147] الحلاج: هو الحسين بن المنصور أبو مغيث: فيلسوف يُعَدُّ تارةً من كبار المتعبدين والزهاد، وتارةً في زمرة الملحدين. توفي سنة 309ﻫ/ 922م (الأعلام 2/ 285، ووفيات الأعيان 2/ 143). [148] البيتان في وفيات الأعيان 2/ 143، وديوان الحلاج 122.
50 - وقال الشاعر [149]: [من الخفيف]
كل مَنْ يَدَّعي بما ليس فيه
فَضَحَتْهُ شَواهِدُ الامتحانِ
* * *
[149] البيت بلا نسبة في محاضرات الراغب - بتحقيقي - طبع دار صادر 1/ 87.
51 - قال الآخر [150]: [من البسيط]
عليكَ بالبحثِ أنْ تُبْدي غوامضَهُ
وما عليكَ إذا لم تفهم البَقَرُ
[150] صدر البيت له أكثر من رواية، وأشهرها رواية البحتري في يتيمة الدهر 1/ 341، ومعجم الأدباء 6/ 2799. وهي: (علــيَّ نحـت القـوافي من معادنــــها*)
52 - قال أبو العتاهية: [من الطويل][151]
1 - إذا ضَنَّ مَنْ ترجو عليك بنفعِه
فَدَعْهُ فإنّ الرزقَ في الأرضِ واسعُ
2 - ومَنْ كانتِ الدنيا هواهُ وهمَّهُ
سَبَتْهُ المنى واستعبدتْه المطامعُ
3 - لكلِّ امرئ رأيانِ رأيٌ يكفُّه
عن الشيءِ أحياناً ورأيٌ يُنازِعُ
* * *
53 - قال المتنبي [152]: [من الطويل]
إذا الجُودُ لم يُرْزَقْ خَلاصاً من الأذى
فلا الحمُد مكسوباً ولا المالُ باقيا
* * *
54 - قال ابن حبان: ولقد أنشدني علي بن محمد البسامي: [من الطويل]
1 - إذا سُسْتَ قَوْماً فاجْعَلِ الجودَ بينَهم
وبينَكَ تَأْمَنْ كُلَّ ما تَتَخَوَّفُ
2 - فإن كُشِفَتْ عند المُلِمّاتِ عورةٌ
كفاكَ لباسُ الجودِ ما يتكشَّفُ
* * *
55 - قال محمود الورّاق [153]: [من البسيط][154]
1 - لا تحمدنَّ أخا حِرْصٍ على سَعَةٍ
وانظُرْ إليه بعين الماقِتِ القالي
2 - إنّ الحريصَ لمشغولٌ بِثَرْوَتِهِ
عن السُّرور لِما يحوي من المالِ
* * *
56 - قال أبو بكر الشبلي: [من السريع]
1 - قَدْ نادَتِ الدُّنيا على نَفْسِها
لو كانَ في العالمِ مَنْ يَسْمَعُ
2 - كم واثقٍ بالعُمْرِ أفنيْتُهُ
وجامعٍ بدَّدْتُ ما يجمعُ
* * *
57 - وقال أبو العلاء المعري [155]: [من البسيط]
1 - مالُ البخيل: أتى الوُرّاثَ فاقْتَسَموا
ولم يراعوه في ثلْثٍ له قُسما
2 - لا أطعموا منه مسكيناً ولا بَذَلوا
عُرفاً ولا كفّروا في حِنْثه قَسَما
3 - أوصى فلم يقبلوا منهُ وعاهدهم
فقابلوا بخلافٍ كلَّ مارَسَما
* * *
[151] الأبيات آخر قصيدة مؤلفة من 17 بيتاً في ديوانه 217. [152] البيت في شرح ديوان المتنبي 4/ 419، وفي روضة العقلاء 269. [153] محمود بن حسن الوراق: شاعر أكثر شعره في المواعظ والحِكَم توفي سنة 225ﻫ/ 840م (فوات الوفيات 4/ 79، والأعلام 8/ 42). [154] البيتان في ديوان محمود الوراق 173. [155] الأبيات في لزوميات أبي العلاء 2/ 303.
58 - قال ابن لَنْكَك البصري [156]: [من المنسرح]
1 - لا تَخْدَعَنْكَ اللِّحى ولا الصُّوَرُ
تسعةُ أعشارِ من تَرَى بَقَرُ
2 - في شَجَرِ الـسَّرْوِ منهُمُ مَثَلٌ
له رُواءٌ وماله ثَمَرُ
* * *
[156] محمد بن محمد بن جعفر البصري أبو الحسن الصاحب ابن لَنْكَك: شاعر الملح والظرف وشكوى الزمان. توفي نحو (310ﻫ/ 970م) (يتيمة الدهر 2/ 116 - 125، والأعلام 8/ 243).
59 - وقال أبو تمام [157]: [من الكامل]
1 - أرضُ الحراثةِ لو أتاها جَرْوَلٌ(3)
[158] أعني الحُطَيْئَةَ لاقتدى حَرّاثا
2 - تصدا بها الأذهانُ بعد صقالها
وتردّ ذكران العقولِ إناثا
* * *
60 - قال بشار [159]: [من البسيط]
لا تجعلَنّي ككمّونٍ بمَزْرَعةٍ
يَظْما مراراً ويُرْوى بالمواعيدِ
* * *
61 - وقال الآخر: [من الكامل]
زَرَعَ الفَسيلَ مؤمّلاً لبقائه
فَنَما الفَسيلُ وماتَ عنه الغارسُ
[160]
[157] البيتان في ديوان أبي تمام - دار الكتب - 1/ 322. [158] الحطيئة: اسمه جَرْوَل بن أوس بن مالك العبسي أبو مُليكة، شاعر مخضرم هجّاء، ولم يكن يسلم من لسانه أحد، وهجا أمه وأباه ونفسه. توفي نحو سنة 45ﻫ/ 665م (الأغاني - در الكتب - 2/ 157، والأعلام 2/ 110). [159] ديوان بشار 319. [160] الفسيل: جمع فسيلة وهي الصغيرة من النخل أو الغرسة والغارس المقصود به الذي غرس الفسيلة.
62 - قال أبو الفضل عبدالله بن محمد الخِيري [161]: [من الكامل]
1 - نعمَ المعينُ على المروءَةِ للفَتَى
مالٌ يصونُ عن التبذُّلِ نَفْسَهُ
2 - لا شيءَ أنفعُ للفتى من ماله
يقـضي حَوائجَهُ ويجلبُ أُنسَهُ
3 - وإذا رَمَتْهُ يدُ الزّمانِ بسَهْمِهِ
غَدَتِ الدراهمُ دونَ ذلك تُرْسَهُ
* * *
63 - المال هو المحور الذي تـدور عليه الأعمال، وتُناطُ به الآمال، وتُحطّ عنده الرِّحال، وتُوجّه إليه هممُ الرجال، فلا يُسْتَغْنَى عنه في حالٍ من الأحوال: [من البسيط]
لا بدَّ للمرءِ من مالٍ يعيشُ به
وداخلَ القبرِ محتاجٌ إلى الكَفَنِ
64 - بالمال تُقْضَى الحاجات، وتُنال الرغبات، وتُردُّ اللهفات، وتزاد الحسنات، وتُعملُ الخيرات، فهو زينة الحياة، وغاية الغايات: [من البسيط]
1 - شيئان لا تَحْسُنُ الدنيا بغيرهما
المالُ تصلحُ منه الحالُ والولدُ
2 - زينُ الحياةِ هما لو كانَ غيرُهما
كان الكتابُ به من ربـِّنا يردُ
والفقرُ - أعاذنا الله وإياكم منه - هو البلاءُ الأكبر، والموتُ الأحمر، كم صَيَّر العزيزَ ذليلاً، والشريف وضيعاً، وقد ورد فيه: (كاد الفقرُ أن يكون كفراً) وما ضُربَ العباد بسوطٍ أوجعَ من الفقر.
* * *
[161] دمية القصر 2/ 299.
65 - آخر [162]: [من الطويل]
1 - أَرى كُلَّ ذي مالٍ يُجَلُّ لِمالِهِ
ومَنْ لَيْسَ ذا مالٍ يُهانُ ويُحْقَرُ
2 - ويَخْذُلُه الإخْوانُ إنْ قَلَّ مالُهُ
وَلَيْس بمحبوبٍ بَلى هُوَ يُهْجَرُ
[162] البيتان مع ثالث بلا نسبة في المحاسن والمساوئ 274.
66 - قال أحمد شوقي [163]: [من البسيط]
([164)
بالعلمِ والمالِ يبني النّاسُ مُلكَهُمُ
لم يُبْنَ مُلْكٌ على جَهْلٍ وإقلالِ
* * *
[163] هو أحمد شوقي أشهر شعراء العصر الأخير، يلقَّب بأمير الشعراء، ولد ومات في القاهرة سنة (1351ﻫ/ 1932م) (الأعلام 1/ 133). [164] البيت في الشوقيات 1/ 185.
67 - كان زيد بن مسـلمة يغرسُ في أرضـه، فقال له عمـر: أَصَبْتَ، استَغْنِ عنِ الناس يكُنْ أَصْوَنَ لدينك، وأكرم لكَ عليهم، كما قال صاحبكم أُحَيْحَة [165]: [من البسيط][166]
ولن أزالَ على الزوراء أَعْمُرُها
إنَّ الكريمَ على الإخوانِ ذو المالِ
* * *
[165] هو أُحَيْحة بن الجلاح الأوسي أبو عمرو: شاعر جاهلي من دهاة العرب وشجعانهم، تزوّج سلمى بنت عمرو النجارية، فأنجبت له عمراً ومعبداً ثم طلقها، فتزوجها هاشم ابن عبد مناف، فأنجبت له عبد المطلب جد النبي ج. توفي نحو سنة 120 قبل الهجرة 497م. (الأغاني 15/ 37، والأعلام 1/ 263، ومعجم الشعراء الجاهليين 10) والزوراء اسم لزراعته. [166] البيت في الأغاني 15 مع بيتين آخرين، وهو مع آخر قبله في مجموعة المعاني 317.
68 - قال الأضبط بن قُرَيْع السعدي [167]: [من المنسرح][168]
1 - قد يجمعُ المالَ غيرُ آكلِه
ويأكلُ المالَ غيرُ مَنْ جَمَعَهْ
2 - فَاقْبَلْ من الدهرِ ما أتاكَ به
مَنْ قَرَّ عيناً بِعَيْشِه نَفَعَهْ
* * *
[167] الأضبط بن قُريْع بن عوف السعدي التميمي: شاعر جاهلي قديم (الأعلام 1/ 3371، ومعجم الشعراء الجاهليين 1/ 20). [168] البيتان احتجَّ بهما كلُّ من ترجم للأضبط دليلاً على قوة شعره. وانظر الشعر والشعراء لابن قتيبة 1/ 383، فقد ورد البيتان وقبلهما بيتان آخران وبعدهما بيت خامس.
69 - وللمتنبّي: [من الطويل]
([169)
1 - إذا الفَضْلُ لم يَرْفَعْك عن شُكْر ناقِصٍ
على هبةٍ فالفضلُ فيمَنْ له الشُّكرُ
2 - ومَنْ يُنْفِق الساعاتِ في جَمْعِ مالِهِ
مخافةَ فَقْرٍ فالّذي فَعَلَ الفَقْرُ
70 - وقال لقيط بن يعمر [170]: [من البسيط]
1 - لا تذخَروا المالَ للأعداء إنَّهم
إنْ يَظْهَروا يأخذوكم والتلادَ
[171] معا
2 - هيهاتَ لا خيرَ في مالٍ وفي نَعَمٍ
قد احتفظتُمْ بها إنْ أنفُكُمْ جُدعا
* * *
71 - وقال ابن حبان: حدثنا عمرو بن محمد، حدثنا الغلابي، أنشدنا مهدي بن سابق [172]: [من الوافر]
وَرُبّ مُمَلَّكٍ مالاً كَثيراً
ولكنْ حَظُهُ مِنْهُ قَليلُ
* * *
[169] البيتان في شرح ديوان المتنبي للبرقوقي 2/ 254 - 255. [170] هو لقيط بن يعمر بن خارجة الإيادي: شاعرٌ جاهليٌّ فحلٌ من أهل الحيرة. كان يُحسن الفارسية، واتصل بكسرى، فكان من كُتّابه والمطّلعين على أسرار مملكته، وأرسل لقومه قصيدةً يحذِّرهم من غزو كسرى فوقعت بين يدي كسرى، فقطع لسانه وقتله نحو سـنة (250ق.ﻫ/ 380م). له ديوان شـعر (الأغانـي 22/ 355، والأعلام 6/ 109). [171] الأبيات ضـمن قصيدة طويلة مؤلفة من 56 بيتاً في مختـارات ابن الشجري 1 - 6 برواية أخرى. والتلاد: المال القديم. [172] روضة العقلاء 228، وفيه ثلاثة أبيات.
72 - قال تميم بن أُبَيّ بن مُقْبـِل [173]: [من الطويل]
([174)
فَأَخْلِفْ وأَتْلِفْ إنّما المالُ عارةٌ
[175]
وكُلْهُ مَعَ الدَّهْرِ الذي هُوَ آكِلُهُ
[173] هو تميم بن أُبَيّ بن مُقْبـِل من بني عجلان أبو كعب: شاعر جاهلي، أدرك الإسلام، وأسلم، فكان يبكي أهل الجاهلية. عاش نيفاً ومئة سنة، وعُدّ من المخضرمين. وتوفي بعد سنة 37ﻫ/ 657م (الإصابة 1/ 187، والأعلام 2/ 71). [174] البيت مع آخر في شعر عبدالله السلولي في قسم ما ينُسب إليه وإلى غيره ص111، وهو في قصيدة مؤلفة من 55 بيتاً في ديوان ابن مقبل ص243. [175] العارة: الشـيء المسـتعار: أي اسـتفد خلف ما أتلفت، وإتلافـه يكون بالكرم. (هامش الديوان 243).
73 - لا غبطة بكثرة المال، وإنما الغبطة في استعمال المال في ما خُلق له من صالح الأعمال، كما قيل: [من الطويل]
فتى لا يَعُدُّ المالَ ربّاً ولا يُرى
له جفوةٌ إن نال مالاً ولا كِبْرُ
* * *
74 - قال علي الجارم [176]: [من الطويل]
أرى المالَ مِثْلَ الماءِ يَخْبُثُ راكِداً
وُيزْكيه الاستعمالُ والأخذُ والردُّ
* * *
[176] هو علي بن صـالح بن عبد الفتاح الجارم: أديب مصـري من رجال التعليم، له شعر ونظم كثير. تعلم بالقاهرة وبانجلترا. وله ديوان مطبوع في أربعة أجزاء. توفي سنة (1368ﻫ/ 1949) (الأعلام 5/ 106) والبيت في ديوانه 1/ 65.
75 - قال أبو تمام [177]: [من الوافر][178]
ولم يحفظ مُضاعَ المجدِ شَيْءٌ
من الأَشْياءِ كالمال المُضاعِ
* * *
76 - وقال آخر [179]: [من الرمل]
1 - قَدْ بَلَوْنا النّاسَ في أَخْلاقِهم
فَرَأَيْناهُم لِذي المالِ تَبَعْ
2 - وحَبيبُ الناسِ مَنْ أطمَعَهم
إنّما الناسُ جميعاً بالطَّمَعْ
* * *
[177] هو حبيب بن أوس أبو تمام الطائي الشـاعر الأديب، أحـد أمراء البيان في العصر العباسي. ولد في جاسم من قرى حوران بسورية سنة (188ﻫ/ 804م) وتوفي سنة (231ﻫ/ 846م) (معجم الشعراء من تاريخ دمشق 1/ 68 والأعلام 2/ 170). [178] ديوان أبي تمام 2/ 340. [179] البيتان هما 11 و12 من قصيدة وردت في ديوان أبي العتاهية 218.
77 - قال الحريري [180]: [من الكامل]
1 - ومنِ استحقَّ اْلإِرتقاءَ فَرَقِّهِ
ومنِ استحطَّ فَحُطَّهُ في حَشِّهِ
2 - واعلمْ بانَّ التِّبرَ في عِرقِ الثرى
خافٍ إلى أن يُستثارَ بنبشِهِ
3 - وفضيلةُ الدينارِ يظهرُ سرُّها
من حكّهِ لامن مَلاحةِ نَقْشِهِ
78 - وقال أبو العلاء [181]: [من البسيط]
يَعْرى الفَقيرُ وبالدنيار كسوتُهُ
وفي صوانِكَ ما أعدادُهُ خَرَفُ
* * *
79 - وقال أبو العلاءِ [182]: [من الكامل]
1 - لا تفرحَنَّ بما بلغتَ من العُلا
وإذا سبقتَ فعن قليل تُسْبَقُ
2 - وليحذرِ الدعوى اللبيبُ فإنها
للفضل مهلكةٌ وخطبٌ موبقُ
3 - لو قال بدرُ التَّمِّ إني درهمٌ
قالتْ له السُّفَهاءُ أنت مُزَأبَقُ
* * *
80 - قال أبو العيناء [183]: [من الكامل]
1 - من كانَ يملكُ درهمين تَعَلَّمَتْ
شفتاهُ أنواعَ الكلامِ فقالا
[184]
2 - وتقدَّمَ الإخوانَ فاستمعوا له
ورأيتَهُ بينَ الورى مختالا
3 - لولا دراهمُه التي يزهو بها
لوجدتَهُ في الناس أسوأ حالا
4 - إنّ الغنيّ إذا تكلّم بالخطا
قالوا: صدقتَ وما كذبتَ مُحالا
5 - أما الفقيرُ إذا تكلّم صادقاً
قالوا: كذبتَ وأبطلوا ما قالا
6 - إنَّ الدراهم في المواطن كلّها
تكسو الرجالَ مهابةً وجمالاً
7 - فهي اللسان لمن أراد فصاحةً
وهي السلاحُ لمن أراد قتالا
[180] مضى البيتان الأخيران في المقطعة 6 من هذا الجزء، وهي في شـرح مقامات الحريري 219، ورواية الشيخ رحمه الله في الشطر الثاني من البيت الأول على الشكل التالي: (من انحط فحطَّه في عشه) والمثبت عن شرح المقامات. [181] اللزوميات 22/ 107. [182] اللزوميات 2/ 122. [183] هو محمد بن القاسم بن خلاد الهاشمي بالولاء أبو العيناء: أديب فصيح من ظرفاء العالم، ومن أسرع الناس جواباً، اشتهر بنوادره ولطائفه، كان حسن الشعر، توفي في البصرة سنة (283ﻫ/ 896م) (معجم الأدباء 6/ 602، والأعلام 7/ 226). [184] الأبيات في معجم الأدباء لياقوت 3/ 26 برواية أخرى منسـوبة إلى أبي العيناء، وهي في مذكرة الشيخ منسوبة إلى شخص لا يتضح اسمه.
81 - قال ابن المقرب العيوني [185]: [من الطويل]
لعمرُكَ ما مال الفتى غير ما اقْتَنَتْ
ذوو وُدِّه أو وفدُهُ أو أقاربُه
[185] هو علي بن المُقَرَّب العُيوني: ونسبته إلى العيون بالبحرين، وهو من أهل الأحساء شـرقي المملكـة السـعودية، شـاعر مجيـد من بيت إمـارة. توفي سـنة (629ﻫ/ 1232م) (التكملة لوفيات النقلة 3/ 25 3، والأعلام 5/ 175).
82 - قال الآخر: [من البسيط]
كم من غَنيٍّ رَأَيْتُ الفَقْر أدركَهُ
ومِنْ فَقيٍر غَنِيّاً بَعْدَ إقْلالِ
[186]
* * *
83 - وقال الشافعي [187]: [من الكامل]
إنَّ الذي رُزقَ اليسارَ
[188] فَلَمْ يُصِبْ
حَمْداً ولا أجراً لَغَيْرُ مُوَفَّقِ
* * *
84 - وقال أبو العلاء [189]: [من الوافر]
وَجَدْتُ النّاسَ كلَّهُم فَقيرٌ
ويُعدَمُ في الأَنامِ الأَغْنياءُ
85 - قال البحتري [190]: [من الكامل]
فقرٌ كفقر الأنبياء وغربةٌ
وصبابة
[191] ليس البلاءُ بواحدِ
* * *
86 - قال حاتم الطائي [192]: [من الطويل]
لعمرُكَ ما يُغْني الثَّراءُ عن الفَتَى
إذا حَـشْرَجَتْ
[193] يوماً وضاق بها الصدرُ
[194]
87 - قال آخر: [من الطويل]
1 - متى ما يرى الناسُ الفقيرَ، وجارُهُ
غنيٌّ يقولوا عاجزٌ وجليدُ
2 - وليس الغنى والفقرُ من حيلة الفتى
ولكنْ أحاطَ به قسمةٌ وجدودُ
[195]
* * *
[186] الإقلال: الفقر. (اللسان) وانظر المحاسن والمساوئ 279.
[187] البيت في ديوان الشافعي 139.
[188] اليسار. وهو الغنى. (اللسان).
[189] اللزوميات 1/ 42.
[190] البيت في ديوان البحتري - دار صادر - 2/ 75.
[191] الصبابة: الشوق (اللسان).
[192] هو حاتم بن عبدالله الطائي أبو عَدِيّ: فارس، شـاعر، جـواد. جاهلي، يُضرب بكرمه المثل. توفي سنة (46 ق.ﻫ/ 578) أي: في السنة الثامنة بعد مولد النبي ج (الأعلام 2/ 151).
[193] الحشرجة: تردُّد صوت النَّفَس، وهو الغرغرة في الصدر (اللسان).
[194] البيت في شرح ديوان حاتم الطائي 199. وروى ابن عبد البر في بهجة المجالس 2/ 368: «روى وكيع، عن إسـماعيل بن أبي خالـد، عن عبدالله البهمي مولى الزبير، عن عائشة رحمها الله قالت: لما احتُضـِرَ أبو بكر قلت:
لعمــرك ما يُغْنـي الثــراءُ عن الفتى
إذا حَــشْرَجَتْ يومـاً وضـاق بها الصــدر
فقال: يا بنية، لا تقولي هكذا، ولكن قولي: ﴿وجاءت سكرة الحق بالموت ذلك ما كنت منه تحيد﴾ وكذلك كان يقرؤها فيما زعموا. ثم قال: انظروا إلى ثوبيَّ هذين، فاغسلوهما وكفنوني فيهما، فإن الحيّ أحوج إلى الجديد من الميت. وقد روي من وجوه في هذا الخبر أن أبا بكر رحمه الله قال لها: قولي: ﴿وَجَآءَتۡ سَكۡرَةُ ٱلۡمَوۡتِ بِٱلۡحَقِّ﴾ [ق: 19] على ما في مصحف عثمان).
[195] جدود: جمع جَدّ، وهو الحظ والبخت (اللسان) والبيتان في المحاسن والمساوئ 280.
88 - قال أبو الأسود الدؤلي: [من الوافر]
1 - إذا نلتَ الإمارةَ فَاسْمُ فيها
إلى العَلْياءِ بالعَمَلِ الوَثيقِ
2 - ولا تَكُ عِنْدَها حُلْواً فتُحْسى
ولا مُرّاً فَتَنْشَبَ في الحُلوقِ
[196]
3 - فكلُّ إمارةٍ إلا قليلاً
مُغَيِّرةُ الصَّديقِ عن الصديق
89 - قال أبو العلاء المعريّ [197]: [من الوافر]
1 - يَسوسونَ الأُمورَ بغير عقلٍ
فينفُذُ أَمرُهُمْ ويُقالُ ساسَهْ
2 - فأفّ من الحياةِ وأفَّ منّي
ومن زَمنٍ رئاستُه خَساسَهْ
* * *
[196] حساو وتَحسَّى واحْتَسَى: شرب شيئاً بعد شيء. ونَشِبَ الشيء في الشيء - بالكسر - نشوباً: أي عَلِقَ فيه (اللسان) والأبيات في روضة العقلاء 274. [197] البيتان في اللزوميات 2/ 31.
90 - وقال آخر: [من الطويل]
1 - سَلُوا لندناً عن كُلّ مَكْرٍ تَرَوْنَهُ
يَحِيقُ بكم فَهيَ العريقةُ بالمَكْر
2 - ولم تكنِ الأَفْعى سواها فَسَمُّها
تقاطَرَ من أنيابِ أسنانها
[198] الصُّفْرِ
[198] هذه رواية المتن. وفوقها إشارة إلى الهامش، وفيه (ساستها).
91 - وقال الشاعر: [من البسيط]
وكيف تَلْقَى نَجاحاً أُمّةٌ ذَهَبَتْ
حِزْبَيْنِ ضدَّين عند الحادث الجَلَلِ
* * *
92 - وقال آخر [199]: [من الوافر]
1 - إذا نـسيَ الأميرُ قضاءَ حقّ ٍ
فإنّ الذنبَ فيه للوزيرِ
2 - لأنّ على الوزير إذا تَوَلَّى
أمورَ الناسِ تذكيرَ الأَميرِ
* * *
93 - وقال البهاء زهير: [من الطويل]
إذا كان خصمي بالصبابة حاكمي
لِمَنْ أشتكي حالي؟ لِمَنْ أتَوَجَّعُ؟
[199] البيتان في روضة العقلاء 275.
94 - قال صالح بن عبد القدوس [200]: [من السريع]
1 - كم من فتى تُحمدُ أخلاقُهُ
وتسكنُ الأَحْرارُ في ذِمَّتِهْ
2 - قد كثَّر الحاجبُ أعداءه
وأَحْقَدَ النِّاسَ عَلَى نِعْمَتِهْ
* * *
[200] الأبيات في ديوان صالح بن عبد القدوس وعيون الأخبار 1/ 85، والتذكرة الحمدونية 8/ 199، ونهاية الأدب 6/ 91 بلا نسبة.
95 - وقال ابن المبارك [201]: [من البسيط]
1 - إنَّ الولايةَ حبلُ الله فاعْتَصِموا
منه بعُروتِه الوُثقى لمَنْ دانا
2 - لولا الولايةُ لم تأمَنْ لنا سُبُلٌ
وكان أضعَفُنا نهباً لأقوانا
3 - كم يدفعُ اللهُ بالسلطان معضلةً
في ديننا رحمةً منه ودنيانا
96 - وقال ابن المعتز [202]: [مجزوء الكامل]
1 - كم تائهٍ بولايةٍ
وبعزله يعدو البريدْ
2 - سكْرُ الوِلايةِ طَيِّبٌ
وفِطامُها صَفْعٌ شَديدْ
* * *
97 - وقال لبيد: [من الكامل]
1 - لا تجزعنَّ فكلُّ والٍ يُعزَلُ
وكما عُزِلْتَ فَعَنْ قَريبٍ تُقْتَلُ
2 - إنَّ الولايةَ لا تَدومُ لواحدٍ
إن كنتَ تُنْكِرُهُ فأيْنَ الأَوَّلُ
3 - وكذا الزّمانُ بما يسُرُّك تارةً
وبما يَسوؤُكَ تارةَ يَتَنَقّل
* * *
98 - وقال الشاعر: [من الطويل]
ولولا ولاةُ الجُور أصبحتُ والحصا
بكفّيَ أنَّى شئتُ درٌّ وياقوتُ
* * *
99 - وقال الآخر: [من الوافر]
1 - لكلّ ولايةٍ لابُدَّ عَزْلُ
وصرفُ الدَّهْرِ عَقْدٌ ثم حَلُّ
2 - وأحسنُ سيرةٍ تبقى لوالٍ
مَدَى الأيام إحسانٌ وعدلُ
* * *
100 - قال الشاعر: [الطويل]
1 - وفي كل مـصرٍ حاكمٌ فموفَّقٌ
وطاغٍ يحابي في أَخَسّ المطامعِ
2 - يجور فينفي المُلْكَ عن مستحقّه
فتُسْكب أسراب العيون الدوامعِ
[201] ديوان عبدالله بن المبارك 66. [202] ديوان ابن المعتز - دار المعارف 3/ 441.
101 - وقال الشاعر: [من البسيط]
1 - ما القاطعاتُ لأرضِ الجَوّ في طَلَقٍ
قَبْلَ الصّباحِ وما يـسرينَ قِرْطاسا
2 - تلك الأمانيُّ يتركْنَ الفتى ملكاً
دونَ السماءِ ولَمْ تَرْفَعْ له راسا
* * *
102 - قال سالم بن وابصة [203]: [من الطويل]
([204)
1 - أحبُّ الفتى يَنْفي الفواحشَ سمعُهُ
كأنّ به عن كلِّ فاحشةٍ وَقْرا
2 - سليمَ دواعي الصدر لا باسطاً أذى
ولا مانعاً خيراً ولا قائلاً هُجْرا
3 - إذا ما بدتْ من صاحبٍ لك زَلّةٌ
فكُنْ أنتَ محتالاً لزلَّتِه عُذْرا
4 - غنى المرء ما يكفيه سدٌّ لِخلَّةٍ
فإن زاد شيئاً عاد ذاك الغنى فقرا
* * *
[203] هو سالم بن وابصَة بن معبد الأسدي: أميرٌ شاعرٌ من أهل الحديث من التابعين، دمشقي سكن الكوفة، وولي إمرة الرقة لمروان بن محمد نحو ثلاثين عاماً، ومات سنة 125ﻫ/ 743م (تاريخ دمشق، دار الفكر ببيروت 20/ 81 - 87، والأعلام 3/ 116). [204] الأبيات في الصـداقة والصديق ط. ثانية 1996 - دار الفكر - 249 منسوبة لسالم ابن وابصة.
103 - قال الإمام الشافعي [205]: [من مجزوء الكامل]
([206)
1 - ما حَكَّ جلدَك مثلُ ظفركْ
فَــتَـولَّ - أنــت - جميـع أمــــركْ
2 - وإذا قصدتَ لحاجةٍ
فاقصدْ لمعترفٍ بقدركْ
* * *
[205] هو محمد بن إدريس الشافعي أبو عبدالله، صاحب المذهب المعروف. توفي سنة 204ﻫ/ 820م (تاريخ دمشق - المجمع - 60/ 384 - 562، والأعلام 6/ 249). [206] البيتان في ديوان الشافعي - دار البشائر - 148، وتاريخ دمشق 60/ 541.
104 - قال القاضي الفاضل [207]: [من البسيط]
أما سيوفُكَ للمعنى فتفهمُهُ
وما عليكَ إذا لم تفهمِ البَقَرُ
* * *
[207] هو عبد الرحيم بن علي بن السـعيد اللخمي المعروف بالقاضـي الفاضـل: وزير وكاتب. توفي بالقاهرة (سنة 596ﻫ/ 1200م) (الأعلام 4/ 121).
105 - روى الزهريُّ عن أبيهِ:
أنَّ غزالةَ الحروريّةَ لمّا دخلَـتْ الكوفة على الحجاجِ - هي وشـبيب - تَحَصَّن منها، وأغلق عليه قصره، فكتب إليه عمران بن حِطّان [208] - وقد كان الحجاج لجَّ [209] في طلبه - قال [210]: [من الكامل]
1 - أسدٌ عَلَيَّ وفي الحروبِ نَعامةٌ
فتخاءُ تنفرُ من صفيرِ الصافرِ
[211]
2 - هَلا بَرَزْتَ إلى غزالةَ في الوغَى
بل كانَ قلبُكَ في جَناحَيْ طائرِ
[212]
3 - صَدَعَتْ غَزالةُ قَلْبَهُ بفوارسٍ
تَركَتْ مَدابـِرَهُ كأمسِ الدّابرِ
[213]
ثم لحق بالشام فنزل على روح بن زِنْباع.
* * *
[208] عمران بن حطان بن ظبيان السدوسي الشيباني أبو سماك، خطيبٌ شاعرٌ خارجيٌّ. توفي - سنة 84ﻫ/ 703م (الأعلام 5/ 233). [209] لج: ألحّ. [210] الأبيات في الأغاني - دار الكتب 18/ 116، والتذكرة الحمدونية 2/ 450). [211] فتخاء: ليّنَةُ الجناح (اللسان: فتخ) والشاعر يعرّض بالحجاج بأنه أسد على الضعفاء، وفي الحروب ضعيف مثل النعامة التي ضعف جناحها تهرب من أي صوت تسمعه. [212] كناية عن ضعف قلبه. [213] أمس الدابر: الذاهب (اللسان).
106 - ومن الشعر المنسوب إلى علي بن أبي طالب: [من البسيط]
1 - اِقْبَلْ معاذيرَ مَنْ يأتيكَ معتذِراً
إن بَرَّ عندكَ فيما قال أو فَجَرا
2 - فقد أطاعك من أرضاك ظاهرُهُ
وقد أجَلَّكَ من يَعْصيك مستترا
* * *
107 - قال الشاعر: [من الطويل]
1 - إذا أَلِفَ الشَّيْءَ استهانَ به الفتى
فلم يَرَه نُعمى يُعَدُّ ولا بُؤسى
2 - كإنفاقِه مِنْ عُمْرِه ومساغِه
من الرِّيقِ عذباً لا يُحَسُّ ولا يُؤْسى
* * *
108 - قال الآخر [214]: [من البسيط]
1 - إذا تمنيتُ بتُّ الليلَ مغتبطاً
إنَّ المُنىَ رأسُ أَموالِ المَفاليسِ
2 - لولا المنى متُّ من هَمٍّ ومن جَزَعٍ
إذا تذكّرتُ ما في داخل الكيسِ
* * *
[214] البيتان في المحاسن والمساوئ 270.
109 - قال الشاعر [215]: [من الكامل]
إن لم تكونوا مثلهم فتشبَّهوا
إن التشبُّهَ بالكِرامِ فَلاحُ
* * *
[215] البيت في بعض المصادر منسوب إلى أبي العلاء، وليس في اللزوميات ولا سقط الزند.
110 - قال المتنبي [216]: [من الكامل]
صبراً بني إسحاق عنه تكرُّماً
إنَّ العظيمَ على العظيمِ صبورُ
* * *
[216] شرح ديوان المتنبي 2/ 235.
111 - قال الشاعر [217]: [من الطويل]
وما سُمِّي الإنسانُ إلا لنَسْيهِ
وما القلبُ إلا أنّه يَتَقَلَّبُ
[217] أدب الدنيا والدين 104.
112 - قال الأفوه الأودي [218]: [من البسيط]
والبيتُ لا يُبْتَنَى إلا لهُ عَمَدٌ
ولا عِمادَ إذا لَمْ تُرْسَ أَوْتادُ
[219]
* * *
[218] البيت في ديوان الأفوه الأودي 65، وقد تقدَّم البيت في المقطعة رقم 2. [219] تُرْس: من أرسى الوتد في الأرض: ضربه فيها وثبّته (هامش الديوان).
113 - قال أحمد شوقي [220]: [من البسيط]
وإنما الأممُ الأخلاقُ ما بقيتْ
فإنْ هُمُ ذهبَتْ أخلاقُهمْ ذهبوا
* * *
[220] الموسوعة الشوقية لأحمد شوقي 2/ 371.
114 - قال خالد بن زهير [221]: [من الطويل]
فلا تَجْزَعَنْ من سيرةٍ أنتَ سِرْتَها
فأوّلُ راضٍ سيرةً مَنْ يسيرُها
* * *
[221] التذكرة الحمدونية 7/ 212.
115 - قال الراعي النميري [222]: [من البسيط]
الباغِيَ الحربَ يَسْعَى نحوَها تَرِعاً
حتى إذا ذاقَ منها جاحماً بَرَدا
قوله: (ترعاً) أي: مسرعاً في إتمام الأُمور فرحاً.
* * *
[222] البيت في اللسان (ترع وجحم) بلا نسبة. وجاحم الحرب: معظمها، وقيل: شدة القتل في معتركها. وانظر: ديوان الراعي النميري - المعهد الألماني - 304.
116 - قال أبو الخير الكاتب الواسطي [223]: [من الوافر]
جــرى قَلَمُ القَضاءِ بما يكونُ
فَسِيّانَ التحرُّكُ والسُّكونُ
[223] البيت مع آخر في وفيات الأعيان 3/ 283، و6/ 172 منسوبين لأبي الخير الكاتب الواسطي.
117 - قال العطوي: [من الطويل]
يقولون: قبلَ الدارِ جارٌ موافقٌ
وقبل الطريقِ النهجِ أنسُ رفيقِ
* * *
118 - وقال الشاعر: [الطويل]
1 - يلُومونَني إذ بعتُ بالرخْصِ منزلي
وما عَلموا جاراً هناك يُنَغِّصُ
2 - فقلتُ لهم كُفُّوا الملامَةَ إنَّها
بجيرانِها تغلو الديارُ وتَرْخُصُ
* * *
119 - من قول حسّان [224] س في بني عبد المدان، وكانوا يفخرون بطول أجسامهم وقديم شرفهم، حتى قال فيهم حسان [225]: [من البسيط]
لا بأسَ بالقوم من طُولٍ ومن غِلَظٍ
جسمُ البغالِ وأَحْلامُ العَصافيرِ
فقالـوا لـه: يـا أبـا الوليـد! لقـد تركتنـا، ونحن نسـتحي مـن ذكـر أجسامنا.
* * *
[224] هو حسان بن ثابت الأنصاري، أبو الوليد الصحابي شاعر النبي ج وأحد المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسـلام، عاش سـتين سـنة في الجاهلية، ومثلها في الإسـلام. توفي سـنة 54ﻫ/ 674م (الأغانـي - دار الكتـب 4/ 134) والأعـلام (1/ 188). [225] البيت في ديوان حسان 1/ 219.
120 - قال مجنون ليلى [226]: [من الطويل]
([227)
وقد يجمع اللهُ الشَّتيتينِ بَعْدما
يَظُنّانِ كُلَّ الظَّنِّ ألا تلاقِيا
* * *
[226] هو قيس بن الملوّح بن مزاحم العامري: شاعر غزل من المتيَّمين، من أهل نجد. لم يكن مجنوناً وإنما لقب بذلك لهيامه في حب ليلى بنت سـعد. توفي سنة (68ﻫ/ 688م) (الأغاني - دار الكتب 2/ 1، والأعلام 6/ 60). [227] ديوان قيس ص227.
121 - قيل [228]: [من المتقارب]
نَروحُ ونَغْدو لحاجاتنا
وحاجةُ مَنْ عاشَ لا تَنْقَـضي
* * *
[228] البيت منسوباً للصلتان العبدي في التذكرة الحمدونية 1/ 281 وقافيته فيها ياء ساكنة.
122 - قال المتنبي [229]: [من الوافر]
وليسَ يَصحُّ في الأذهان شيءٌ
إذا احتاجَ النَّهار إلى دليلِ
* * *
[229] شرح ديوان المتنبي 3/ 215 برواية (وليس يصحّ في الأفهام شيء*).
123 - قال محمود الوراق [230]: [من الكامل]
1 - تَعْصي الإلهَ وأنتَ تَزْعُم حُبَّهُ
هذا لَعَمْري في القِياس بَديعُ
2 - لو كانَ حُبُّكَ صادِقاً لأَطَعْتَهُ
إنَّ المُحبَّ لمن يُحبُّ مُطيعُ
[230] البيتان ثلاثة في ديوان محمود الوراق 227 فيما نسب إليه وإلى غيره.
124 - قال أبو الأسود الدؤلي [231]: [من البسيط]
1 - لا تَحْمدنَّ امرأً حتَّى تُجَرّبَهُ
ولا تَذُمَّنَّهُ من غير تجريبِ
2 - فحمدُكَ المرء ما لم تَبْلُهُ خطأٌ
وذمُّهُ بعد حمدٍ عَيْنُ تكذيبِ
* * *
[231] البيت الأول في ديوان أبي نواس 606، والبيتان في ديوان أبي الأسود، ولكن روايته هناك (تكذيبُ) بضم الباء، وفيها إقواء صححته رواية الشيخ عبدالله رحمه الله المثبتة أعلاه.
125 - لابن الشَّريد [232]: [من الطويل]
أهمُّ بأمرٍ الحزمِ لو أستطِيعُهُ
وقد حِيلَ بين العيْرِ والنَّزَوانِ
* * *
[232] هو صخر بن عمرو بن الشريد، أخو الخنساء، أصيب بمعركةٍ فمرض حولاً حتّى ملّه أهله، فسـمع امرأةً تقول لامرأته سـلمى: كيف بعلك؟ قالت: لا حيٌّ فيرجى ولا ميتٌ فيُنعى، قد لقينا منه الأمرّين. وسألتْ أمه أم صخر فقالت: لا نزال بخير ما دام فينا، فقال: [من الطويل]
أرى أمّ صخرٍ لا تملُّ عيادتي
وملّتْ سُـلَيْمى مَضْجَـعي ومكاني
فأي امرئ ساوى بأمٍّ حليلةً
فـلا عـاش إلا فـي شَــقاً وهـوانِ
أهم بأمر... البيت (انظر: جمهرة الأمثال 1/ 372، والمستقصى في أمثال العرب 2/ 69) ومعجم الأمثال العربية (حيل - عير - نزا) فالشطر الثاني قديم معروف.
126 - قال الشاعر [233]: [من الرجز]
([234)
تلك العصا من هذه العُصَيَّهْ
هَلْ تلدُ الحيَّةُ إلا حَيَّهْ
* * *
[233] البيت في المقامة البشرية لبديع الزمان الهمذاني انظر المقامات 27. [234] المثل في معجم الأمثال العربية (حية - ولد) ومصادره فيه: المستقصى للزمخشري 2/ 390، ومجمع الأمثال للميداني 2/ 259.
127 - قال أبو الفتح البستي [235]: [من الطويل]
عفا اللهُ عن هذا الزّمانِ فإنَّهُ
زمانُ عقوقٍ لا زمانُ حقوقِ
* * *
[235] ديوان أبي الفتح البستي - مجمع - 138.
128 - قال المتنبي [236]: [من الطويل]
1 - إذا ساءَ فعلُ المرْءِ ساءَتْ ظنونُهُ
وصدَّقَ ما يعتادُهُ من تَوَهُّمِ
2 - وعادى مُحِبـِّيهِ بقولِ عُداتِهِ
فأصبحَ في ليلٍ من الشَّكِّ مُظْلِمِ
* * *
[236] البيت في شرح ديوان المتنبي 4/ 264.
129 - قال الشاعر [237]: [من البسيط]
أقام يُعْمِلُ أياماً رَوِيَّتَهُ
فـفسَّرَ
[238] الماءَ بعد الْجَهْدِ بالماءِ
* * *
[237] البيت في فوات الوفيات 3/ 116 وأعيان العصر 1/ 367 و368 منسوباً لابن الذروي (ت749ﻫ). وأصل ذلك مثل عربي قديم وهو (أشبه الماء بالماء) انظر: معجم الأمثال العربية لمحقق هذا الكتاب، وفيه المصادر القديمة: مجمع الأمثال 1/ 39، وجمهرة الأمثال 1/ 63 و538 و561 و2/ 247 والدرة الفاخرة 1/ 236. [238] في رواية أخرى للشيخ عبدالله رحمه الله (مُشَبـِّهَ الماءِ...).
130 - كان مسلم بن الوليد جالساً بين يدي يزيد بن مزيد، فأتاه كتاب فيه مهم له فقرأه سرّاً ووضعه، ثم أعاد قراءته ووضعه، ثم أراد القيام فقال مسلم بن الوليد [239]: [من البسيط]
1 - العَجْزُ ضرٌّ وما بالحزمِ من ضَرَرٍ
وأحزمُ الحَزْمِ سوءُ الظَّنِّ بالنّاسِ
2 - لا تَـتْركِ الحَزْمَ في أمرٍ تحاذِرُهُ
فإنْ أمِنْتَ فما بالحزمِ مِنْ باسِ
قال: فضـحك يزيد وقال: صـدقتَ لعمري، وخَرَّقَ الكتاب، وأمر بإحراقه.
* * *
[239] هو مسلم بن الوليد الأنصاري بالولاء، أبو الوليد المعروف بصريع الغواني. شاعر غزل توفي سنة 208ﻫ/ 823م، (الأعلام 8/ 121، ومعجم الشعراء العباسيين 516). والبيتان في ديوان صريع الغواني 324 برواية أخرى.
131 - قال صالح بن عبد القدوس [240]: [من البسيط]
يَشْقَى رجالٌ ويَشْقَى آخرون بهم
ويُسْعِدُ اللهُ أقواماً بأقوامِ
* * *
[240] ديوان صالح بن عبد القدوس 145.
132 - قال الخليل بن أحمد الفراهيدي [241]: [من البسيط][242]
وعاجِزُ الرَّأيِ مِضْياعٌ لفُرصَتِهِ
حتَّى إذا فاتَ أَمْرٌ عاتَبَ القَدَرا
* * *
[241] هو الخليل بن أحمد بن عمر الفراهيدي، أبو عبد الرحمن: شاعر مفلَّق قليل الشعر، عالم باللغة وصاحب معجم العين. توفي (175ﻫ/ 791م) (معجم الأدبـاء 4/ 181 - 83، ومعجم الشعراء العباسيين 161). [242] البيت في (شعراء مقلُّون) للدكتور حاتم صالح الضامن: 343.
133 - قال الحطيئة [243]: [من البسيط]
من يفعلِ الخيرَ لا يَعدَم جوازِيَهُ
لا يذهبُ العرفُ بين اللهِ والناسِ
[244]
* * *
[243] البيت في ديوان الحطيئة: 51. [244] جوازيه: جمع جازية أو جاز أو جزاء، والعرف: المعروف (اللسان جزى، وشرح الديوان).
134 - قال الشاعر [245]: [من الطويل]
قضى اللهُ أنَّ البغيَ يَـصْرَعُ أهْلَهُ
وأنَّ على الباغي تدورُ الدَّوائرُ
* * *
[245] البيت في صبح الأعشى 13/ 438، وكشف الخفاء 2/ 321.
135 - قال الشاعر: [من الطويل]
فضولٌ بلا فضلٍ وسنٌّ بلا سَنا
وطولٌ بلا طولٍ وعرضٌ بلا عرضِ
* * *
136 - قال ميخائيل خير الله [من الطويل]
فلا تعجبوا يا مُنْصفينَ لهزْلِها
بذا قَضَتِ الأيّامُ ما بين أهلِها
* * *
137 - قال الأعشى [246]: [من السريع]
ولَسْتَ بالأكثرِ منهم حَصاً
وإنَّما العِزَّةُ للكاثِرِ
[247]
* * *
[246] الأعشى هو ميمون بن قيس بن جندل أبو بصير المعروف بأعشى قيس، ويقال له أعشى بكر بن وائل، والأعشى الكبير: من شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية، وأحد أصحاب المعلقات. توفي سنة 7ﻫ/ 629م (الأغاني - دار الكتب - 9/ 108، والأعلام 8/ 300). [247] البيت في ديوان الأعشى 179 (القصيدة 18). والمعنى: لستَ بالأكثر منه قوماً، وإنما العزة لصاحب الكثرة.
138 - قال ابن طَباطَبا العَلَوي الأصْبهاني [248]: [من الطويل]
فيا لائمي دَعْني أُغالي بِقيمَتي
فَقِيمَةُ كلِّ النّاسِ ما يُحْسِنُونَهُ
[249]
* * *
[248] هو محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن طباطبا الحسني العلوي أبو الحسن: شاعر مفلَّق وعالم بالأدب. مولده ووفاته بأصبهان سنة 322ﻫ/ 932م) (معجم الأدباء 5/ 2310، والأعلام 6/ 199). [249] البيت سادسٌ في مقطعة وردت في تاريخ دمشق - المجمع - 62/ 412 - 413 ومعجم الأدباء 2/ 556، و5/ 2314 وهو فيه ثالث مقطعة من تسعة أبيات.
139 - قال البحتري [250]: [من البسيط]
إذا محاسنيَ اللاتي أُدِلُّ بها
كانَتْ ذنوبي فَقُلْ لي: كيفَ أعتذرُ
* * *
[250] البيت في ديوان البحتري - دار صادر - 2/ 308.
140 - قال الأفوه الأودي [251]: [من البسيط]
1 - تُهْدَى الأُمورُ بأهلِ الرَّأْيِ ما صَلحُوا
فإن تَوَلَّوا فبالأشرار تَنْقادُ
2 - لا يَصْلُحُ الناسُ فوضى لا سَراةَ لَهُمْ
ولا سَراةَ إذا جُهّالُهمْ سادوا
[252]
* * *
[251] البيتان في ديوان الأفوه الأودي 66. [252] سراة القوم: سادتهم. (هامش الديوان).
141 - قال الشاعر [253]: [من الوافر]
سبكناهُ ونحسبُهُ لُجَيْناً
فَأَبْدى الكِيرُ عن خَبَثِ الحَديدِ
[254]
* * *
[253] البيت بلا نسبة في كثير من كتب الأدب. انظر على سبيل المثال: الصداقة والصديق - دار الفكر - 208، والمستطرف 1/ 116 وفي هامش الأول: أن الكير ما يُنفخ فيه النار، وخبث الحديد ما نفاه الكير ولا خير فيه. [254] اللُّجَين: الفضة.
142 - قال البحتري [255] [من البسيط]
المُسْتَجيرُ بعمرٍو عندَ كُربتِهِ
كالمُسْتَجيرِ من الرَّمْضَاءِ بالنّارِ
[256]
وقال الشيخ رحمه الله:
المستغيث بقبرٍ عند كربته
كالمستغيث من الرَّمضاءِ بالنار
* * *
[255] البيت في ديوان البحتري - التونجي - 1/ 603، وفي جمهرة الأمثال 2/ 160. [256] هذا المثل في معجم الأمثـال العربيـة في (رمض - غوث - نور) وقـال المؤلـف: يُضرب مثلاً للرجل يفرّ من الأمر إلى ما هو شرٌّ منه.
143 - قال المتنبي [257] [من الطويل]
:
بذا قَضَتِ الأيّامُ ما بينَ أهْلِها
مصائبُ قَوْمٍ عند قومٍ فَوائِدُ
* * *
[257] شرح ديوان المتنبي 1/ 399.
144 - قال علي بن أبي طالب س [258]: [من الوافر][259]
1 - سليمُ العِرْضِ مِنْ حَذَرِ الجوابِ
ومَنْ دارى الرجالَ فقد أصابا
2 - ومَنْ هابَ الرِّجالَ تَهَيَّبُهوهُ
ومن يُهِنِ الرِّجالَ فَلَنْ يُهابا
* * *
[258] الإمام علي س، توفي سنة 40ﻫ/ 661م (الأعلام 5/ 107). [259] البيتان في ديوان الإمام علي 27.
145 - قال أبو العلاء المعري [260] [من الوافر]
وَجَدْتُ النّاسَ ميتاً مثلَ حيٍّ
بحُسْنِ الذِّكْرِ أو حَيَّاً كَمَيْتِ
* * *
[260] البيت في اللزوميات 1/ 162.
146 - وقال آخر [261]: [من البسيط]
والنّاسُ للناسِ من بَدْوٍ وحاضرةٍ
بَعْضٌ لبعضٍ وإن لم يَشْعروا خَدَمُ
* * *
[261] معجم حكمة العرب ص13.
147 - قال أبو العتاهية [262]: [من البسيط]
ترجو النجاةَ ولم تَسْلُكْ مسالِكَها
إنَّ السَّفينةَ لا تَجْري على اليَبَسِ
* * *
[262] ديوان أبي العتاهية 94، والبيت هو الخامس من قصيدة مطلعها:
أَفنىَ شبابَكَ كرُّ الطَّرف والنَّفَسِ
فالموتُ مقتربٌ والدَّهْر ذو خَلَسِ
148 - قال الشافعي [263]: [من الوافر]
نعيبُ زَمانَنا والعيبُ فينا
وما لزمانِنا عَيْبٌ سِوانا
[264]
* * *
[263] البيت من خمسة أبيات في ديوان الشافعي - دار البشائر - 199.
[264] وبعده في الديوان:
ونهجو ذا الزمانَ بغيرِ ذنبٍ
ولو نَطَقَ الزمانُ إذاً هجانا
149 - قال هادي كاشف الغطاء [265]: [من الرجز]
ما بَرِحوا يَسْتَسْمِنونَ ذا وَرَمْ
جَهلاً ويَنْفُخونَ في غَيْرِ ضَرَمْ
[266]
* * *
[265] هادي بن عباس بن علي ابن كاشف الغطاء: عراقي فاضل توفي سنة 1360ﻫ/ 1941 الأعلام 9/ 37، ومعجم المؤلفين 13/ 126. [266] استسمنه: عَدَّه سميناً، والضَّرم: ما اشتعل من الحطب (اللسان: سمن - ضرم).
150 - قال أبو بكر الخوارزمي [267]: [من المتقارب][268]
إذا تَمَّ شيءٌ بدا نَقْصُهُ
تَوقَّعْ زوالاً إذا قيلَ تَمْ
* * *
[267] هو محمد بن العباس الخوارزمي أبو بكر، من أئمة الكُتّاب وأحد الشعراء العلماء. توفي سنة 383ﻫ/ 993م (معجم الأدباء - دار الغرب - 6/ 2543، والأعلام 7/ 52). [268] البيت من يتيمة الدهر 4/ 226، والمستطرف، دار صادر: 1/ 159.
151 - قال الأحوص [269]: [من البسيط][270]
مُنِعْتُ شيئاً فأكثرْتُ الوُلوعَ به
أَحَبُّ شيءٍ إلى الإنسانِ ما مُنِعا
* * *
[269] الأحوص: هو عبدالله بن محمد الأنصاري، شاعر هجّاء من العصر الأموي، عاصر جريراً والفرزدق، وتوفي سنة 105ﻫ/ 723م (الأغاني 4/ 40 - 58، والأعلام 4/ 257). [270] البيت في ديوان الأحوص - مكتبة الخانجي - 195 - برواية أخرى.
152 - قال علي الغراب الصفاقسي: [من السريع]
1 - لا تَطْلُبِ الإنْصافَ من امرئٍ
لا يُوجبُ الحقَّ على نَفْسِهِ
2 - ولا تُرجِّي الوُدَّ ممَّنْ يرى
أَنَّكَ تحتاج إلى فَلْسِهِ
* * *
153 - قال المتنبي [271]: [من البسيط]
ولم تَزَلْ قِلَّةُ الإنْصافِ قاطِعةً
بينَ الرّجال ولو كانوا ذَوِي رَحِمِ
* * *
[271] شرح ديوان المتنبي للبرقوقي 4/ 293.
154 - وقال أبو العلاء المعري [272] [من الكامل]
ومِنَ البريَّةِ مَنْ يعيبُ بجهلِهِ
أهلَ السَّناءِ وليسَ بالمُتَيَقِّظِ
* * *
[272] اللزوميات لأبي العلاء 2/ 83.
155 - قال المتنبي [273] [من الطويل]
1 - على قَدْرِ أهلِ العزمِ تأتي العزائمُ
وتأتي على قَدْرِ الكِرامِ المكارِمُ
2 - وتَعْظُمُ في عينِ الصغيرِ صغارُها
وتَصْغُرُ في عينِ العظيمِ العظائمُ
* * *
[273] شرح ديوان المتنبي للبرقوقي 4/ 94.
156 - قال المتنبي [274]: [من الطويل]
وما كنتَ مِمَّنْ أدركَ المُلْكَ بالمُنَى
ولكنْ بأيّامٍ أشَبْنَ النَّواصيا
* * *
157 - قال ابن بسام [275]: [من الخفيف][276]
رُبَّ يومٍ بكيتُ فيْهِ فلمّا
صرتُ في غيرِهِ بكيْتُ عَلَيْهِ
* * *
158 - قال النمر بن تولب [277]: [من المتقارب][278]
فيومٌ علينا ويومٌ لنا
يوم نُساءُ ويومٌ نُسَرْ
159 - وقال الطغرائي [279]: [من البسيط]
وحسنُ ظنّكَ بالأيام مَعْجَزَةٌ
فَظُنَّ شراً وكُنْ منها على وَجَلِ
* * *
[274] شـرح ديوان المتنبي 4/ 429، والنواصي - في هامشه - جمع ناصية، وهو شَعْر مقدَّم الرأس. فهو لم يدرك المُلْكَ بالأماني، وإنما بالجهد والسعي والوقائع التي شيَّبت نواصي الأعداء. [275] هو علي بن محمد بن نضر أبو الحسن بن بسام، ويقال له البسامي، شاعر هجّاء من الكتاب. توفي سـنة (302ﻫ/ 914م) (فوات الوفيـات 3/ 92 - 93) (والأعلام 6/ 141). [276] ديوان ابن بسام: 508. [277] النمر بن تَوْلب العُكْلي: شاعر جواد، وفد على النبي ج فأسلم وهو كبير السن. وتوفي نحو سنة (14ﻫ/ 635م) (الاستيعاب 3/ 549، ومعجم الشعراء المخضرميين 501). [278] ديوان النمر بن تولب 347. [279] ديوان الطغرائي 308، وقافيته عند الشيخ (حذر) ولم أجده بهذه القافية.
160 - قال الشاعر: [من الطويل]
حَسْبُكَ لُؤْماً أَنْ تَبيتَ ببطنةٍ
وَحَوْلَكَ أَكْبادٌ تَحِنُّ إلى القِدْرِ
* * *
161 - قال الشاعر [280]: [من الوافر]
1 - إذا ما الحيُّ عاشَ بذكرِ مَيْتٍ
فذاكَ الميتُ حيٌّ وهو مَيْتُ
2 - يقول بَنَى أبي وبَنَتْ جدودي
وهدَّمت البناءَ وما بَنَيْتُ
3 - ومَنْ يكُ بيتُهُ بيتاً رفيعاً
فيهدمه فليس لذاك بَيْتُ
* * *
162 - وقال آخر: [من الرمل]
جَعَلَ البيتَ قباباً لهمُ
ليس منه الدهر يقضون الوَطَرْ
* * *
[280] البيت الأول في محاضرات الراغب - دار صادر - 1/ 704.
163 - قال القطامي [281]: [من البسيط]
قدْ يُدْرِكُ المُتَأنّي بعضَ حاجتِهِ
وقد يكونُ مع المُسْتَعْجِلِ الزَّلَلُ
* * *
[281] ديوان القطامي 25.
164 - قال الرصافي [282] [من الوافر]
أراد الله تيسيراً وأنتمْ
من التَّعْسير عندَكُمُ ضروبُ
* * *
[282] انظر: معروف الرصافي وشعره في قافية (وجوب) في فهارس هذا الكتاب.
165 - قال تأبَّط شرّاً [283]: [من الطويل][284]
قليلُ غِرارِ النومِ أكبرُ هَمّهِ
دَمُ الثَّأْرِ أو يَلْقَى كميًّا مُشَيَّعا
[285]
قولـه: «مشـيعـا» المُشَـيَّعُ: الشُّـجاعُ؛ لأن قلبـه لا يخـذلـه فكأنـه يُشَيِّعه [286].
[283] تأبّط شـراً: هو ثابت بن جابر بن سـفيان. ولُقب بذلك لأنه جـاء أمَّـه وتحـت إبطه سـيف أو أفـاعٍ، مـن الشـعراء الصـعاليك ومـن العدائيـن، بل كـان أعـدى ذي رجليـن) توفي نحو سـنة 540م (معجـم الشـعراء الجاهليين 64، والأغانـي 21/ 127).
[284] البيت في الأغاني 21/ 145، وقافيته (مُقَنّعا) وأما (مشيَّعا) فجاءت قافيةً لبيت آخر هو:
ولكنَّ أربابَ المخاضِ يشقُّهم
إذا افتقدوه أو رأوه مُشَيّعا
[285] غرار النوم: قليله (اللسان غرّ) وفي القاموس: (المُشَيَّع - كمُعَظَّم -: الشجاع).
[286] هذا السطر كتبه الشيخ رحمه الله بخطه بعد البيت.
166 - قال المتنبي [287]: [من الطويل]
وما كُلُّ هاوٍ للجميلِ بفاعلٍ
ولا كُلُّ فَعّالٍ له بمُتَمِّمِ
* * *
167 - وقال أيضاً: [من الطويل]
وكلُّ امرئٍ يولي الجميلَ محبَّبٌ
وكلُّ مكانٍ يُنبتُ العزَّ طَيِّبُ
* * *
[287] شرح ديوان المتنبي 1/ 266 و308.
168 - قال أبو العلاء المعري [288]: [من الطويل]
1 - فإنْ رُمْتَ جُوداً فَلْيَجِيءْ منكَ مُطلقاً
وأَكْرِمْهُ عَنْ تَقْييدِهِ بالمَواعدِ
2 - فَأَهْنَأُ غَيْمٍ جادَ في الأَرْضِ نائِلاً
غمامٌ سَقاها في صَموتِ الرَّواعِدِ
169 - وقال الآخر [289]: [من الطويل]
وقد تُخْرِجُ الحاجاتُ يا أمَّ عامرٍ
كرائِمَ من رَبٍّ بهنَّ ضَنينُ
* * *
170 - وقال أبو العلاء المعري [290]: [من الطويل]
1 - إذا كنتَ في نخلٍ جَناهُ مُـيَسَّرٌ
لكَفِّكَ فاهتِفْ بالضَّعِيفِ إلى النَّخْلِ
2 - فإن لم يَعُدْ فابعَثْ له سَهْمَ طارقٍ
لِتُؤْجَرَ أو تُدعى البَرِيءَ من البُخْلِ
* * *
[288] اللزوميات 1/ 245. [289] بهجة المجالس 1/ 330 بلا نسبة، وجاء مضمناً في مقطعة لعلي بن أحمد بن علي بن سَلَّك الغالي الأديب في وفيات الأعيان 3/ 316. [290] اللزوميات 2/ 223.
171 - قال أبو العلاء المعري [291]: [من الوافر]
وحبُّ العَيْش أَعْبَدَ كُلَّ حُرٍّ
وعَلَّمَ ساغِباً أَكْلَ المُرارِ
[292]
* * *
[291] اللزوميات 1/ 380. [292] أعْبَدَ: جعله عبداً - وساغِباً: جائعاً - والمُرار: شجر مُرّ (اللسان).
172 - لعلي بن الجهم [293] لما حبسه المتوكل [294] [من الكامل]
1 - قالَتْ حُبستَ فقلتُ ليسَ بضائِري
حَـبْسي وأيُّ مُهَنَّدٍ لا يُغْمَدُ
2 - أَوَ ما رأيتِ الليثَ يَألفُ غِيْلَهُ
كِبراً وأوباشُ السِّباعِ تردَّدُ
3 - والبَدْرُ يدركُهُ الـسّرارُ فتنجلي
أيّامُهُ وكأنَّهُ مُتَجَدِّدُ
[295]
4 - والنّارُ في أحجارها مَخْبوءَةٌ
لا تَصْطَلي إنْ لم تُثِرْها الأَزْنُدُ
5 - غِيَرُ الليالي بادئاتٌ عُوَّدٌ
والمالُ عاريةٌ يُفادُ ويَنْفَدُ
6 - ولكلَّ حالٍ مُعْقِبٌ ولَرُبَّما
أَجْلى لك المكروه عَمّا يُحمدُ
7 - لا يُؤْيِسَنَّكَ مِنْ تَفَرُّجِ كُرْبَةٍ
خَطْبٌ رماكَ بِهِ الزَّمانُ الأَنْكدُ
8 - كم مِنْ عَليلٍ قد تَخَطَّاهُ الرَّدى
فَنَجا وماتَ طَبيبُهُ والعُوَّدُ
9 - صَبْراً فإنَّ الصَّبْرَ يُعْقِبُ راحةً
ويَدُ الخليفةِ لا تُطاولُها يَدُ
10 - والحَبْسُ ما لم تَغْشَهُ لدنيَّةٍ
شَنْعاءَ نِعْمَ المنزل المَتَوَرَّدُ
11 - بيتٌ يُجَدِّدُ للكريمِ كرامةً
ويُزارُ فيه ولا يزورُ ويُحْفَدُ
12 - لو لم يكن في السجنِ إلا أنَّهُ
لا يَسْتَذِلُّكَ بالحجابِ الأَعْبُدُ
* * *
173 - فعارضه عاصـم بن محمد الكاتب لما حُبـس فقال ردّاً عليـه: [من الكامل]
1 - قالَتْ حُبـِسْتَ فقلتُ خَطْبٌ أَنكَدُ
أنحى عَلَيَّ بِهِ الزمانُ المُرصِدُ
[296]
2 - لَوْ كنتُ حُرّاً كان سَيْرِي مُطلقاً
ما كنتُ أوخَذُ عنوة وأُقَيَّدُ
3 - أو كنتُ كالسيف المُهَنَّدِ لم أكُنْ
وَقْتَ الشَّدائدِ والكريهة أُغمَدُ
4 - أو كنْتُ كاللَّيْثِ الهصورِ لما رعَتْ
فيَّ الذّئاب وجذوتي تَتَوقَّدُ
5 - ما الحبسُ إلا بيتُ كلِّ مهانةٍ
ومَذَلَّةٍ ومكارهٍ ما تَنْفَدُ
6 - إن زارني فِيْهِ العدوُّ فشامتٌ
يُبْدِي التوجُّعَ تارةً ويُفَنِّد
7 - أو زارني فيه الصديقُ فموجَعٌ
يذري الدموعَ بزَفرةٍ تتردّدُ
8 - يكفيك أنّ الحبسَ بيتٌ لا ترى
أحداً عليه من الخلائقِ يَحْسُدُ
9 - عِشْنا بخير بَرِيْقِهِ فكبا بنا
ريبُ الزمانِ وصرفُه المتردّدُ
10 - قصَرْت خُطايَ وما كَبُرْتُ وإنما
قَصُرَتْ لأَني في الحديد مصفَّدُ
* * *
[293] هو علي بن الجَهمْ بن بدر أبو الحسن، شاعر رقيق الشعر من أهل بغداد، عاصر أبا تمام، وخُصّ بالمتوكل العباسي. قُتل سـنة 249ﻫ/ 862 (الأغانـي 10/ 203 - 234، والأعلام 5/ 77). [294] ديوان علي بن الجهم - دار صادر - 88 - 89، والقصيدتان في المحاسن والمساوئ 540 - 543 بشكل أطول. [295] السِّرار: آخر الشهر (اللسان). [296] المُرْصِـدُ: من أَرْصَـدهُ إذا قعد له على طريقه يرصـده، وتكون بالشـرّ كما تكون بالخير (اللسان: رصد).
174 - قال تأبَّط شرّاً: [من الطويل]
1 - إذا المرءُ لم يحتلْ وقد جَدَّ جَدُّهُ
أضاعَ وقاسى أمرَهُ وهو مُدْبـِرُ
2 - ولكنْ أخو الحَزْمِ الذي ليس نازلاً
به الأمرُ إلا وهْوَ للقصدِ مُبْصِرُ
* * *
175 - قال الشاعر: [من الرجز]
الحزمُ أبو العَزْمِ أبو الظَّفَراتِ
والتَّركُ أبو الفَرْكِ أبو الحَسَراتِ
* * *
176 - وقال القطامي [297] [من البسيط]
وقَدْ يَفوتُ رجالاً بَعْضُ ما طَلبوا
من التَّأَنِّي فكانَ الحزمُ لو عَجِلُوا
* * *
[297] البيت منسوباً للقطامي في الأمثال والحكم 78 وبهجة المجالس 1/ 321، وديوان القطامي 136.
177 - قال أبو العلاء المعري [298]: [من الطويل]
1 - وقد يَخمُلُ الإنسانُ في عُنْفُوانِهِ
ويَنْبُهُ منَ بْعدِ النُّهى فَيَسودُ
2 - فلا تَحْسُدَنْ يوماً على فَضْلِ نعمةٍ
فَحَسْبُكَ عاراً أَنْ يُقال حَسُودُ
* * *
178 - قال الكميتُ: [من البسيط]
إنْ يَحْسُدوني فإنّي لا أَلومُهُمُ
قبَلْي مِنَ الناسِ أهلُ الفضلِ قد حُسِدوا
* * *
179 - قال الشاعر: [من السريع]
لا زِلْتُ محسوداً على نعمةٍ
فإنما الكاملُ مَنْ يُحْسَدُ
* * *
180 - وقال الآخر: [من البسيط]
1 - دعِ الحسودَ وما يلقاهُ من كَمَدِهْ
كفاك منه لهيبُ النارِ في كبدِهْ
2 - إنْ لُمْتَ ذا حَسَدٍ نَفَّسْتَ كُرْبَتَهُ
وإن سَكَتَّ فَقَدْ عَذَّبْتَهُ بـِيَدِهْ
* * *
[298] البيتان في اللزوميات 1/ 210.
181 - قال المتنبي [299]: [من الطويل]
وما الحسنُ في وَجْهِ الفتى شرفاً لَهُ
إذا لم يكنْ في فِعْلِهِ والخلائقِ
* * *
[299] شرح ديوان المتنبي 3/ 62.
182 - قال أبو العلاء المعري [من البسيط]
1 - مَنْ كانَ في الَّدهْرِ ذا جَدٍّ أفادَ به
ما شاءَ حتَّى اشتراءَ البَدْرِ بالبـِدَرِ
[300]
2 - وقِسْ بما كان أمراً لم تكن تَرَهُ
فالرِّجْلُ تَعْرفُ بعضَ الموتِ بالخَدَرِ
3 - لكلِّ وَقْتٍ شُؤونٌ تستَعدُّ له
والهمُّ في الوِرْدِ غيرُ الهَمِّ في الصَّدَرِ
[301]
* * *
[300] بِدَر: جمع بدرة، وهي كيس فيه مال، والأبيات في اللزوميات 1/ 361. [301] الصَّدَر: الانصراف، والوِرْد عكس لها وهو: الإقبال.
183 - قال ابن الرّومي [302]: [من الوافر]
1 - غُموضُ الحقِّ حينَ تَذُبُّ عنهُ
يُقَلِّلُ ناصرَ الخصْمِ المُحِقِّ
2 - تَضـِلُّ عن الدقيقِ فُهومُ قَوْمٍ
فتقـضي للمجلِّ على المُدقِّ
* * *
184 - قال الشاعر: [من الكامل]
فالحقُّ شَمْسٌ والعيونُ نواظِرٌ
لكنَّها تَخْفَى على العُميانِ
* * *
185 - أنشد عمر بن الخطاب س قولَ زهير [303]: [من الوافر]
فإنَّ الحقَّ مَقْطَعُهُ ثلاثٌ
يمينٌ أو نِفارٌ أو جلاءُ
فجعل يعجب بمعرفته بمقاطع الحقوق وتفاصيلها، وإنما أراد: مقطع الحقوق: يمين أو حكومة أو بيِّنة.
* * *
186 - وقال الشاعر قيس بن الخطيم [304]: [من الطويل][305]
مَتى ما تَقُدْ بالباطِلِ الحَقَّ يأبَهُ
وإنْ قُدْتَ بالحَقّ الرَّواسيَ تَنْقَدِ
* * *
187 - قال ابن حزم [306]: [من الطويل][307]
1 - أبـِنْ ليَ قولَ الحقِّ في وجه سامعٍ
وَدَعْهُ فَنورُ الحقِّ يَسْري ويُشْرِقُ
2 - سيؤنسُهُ رشداً فَيَنْسى نفارَه
كما نَـسيَ القَيْدَ الموثَّقَ مُطْلَقُ
* * *
[302] ديوان ابن الرومي 2/ 485 - 486. [303] البيت في شعر زهير بن أبي سلمى بشرح الأعلم الشنتمري. وقال الشارح: (وقوله: (فإن الحق مقطعه ثلاث) يريد: ثلاث خصال، ينفذ بكل واحدة منها؛ فمنها: نِفار، أي: تنافر إلى رجل حاكم يتبين حُجج الخصوم ويحكم بينهم، ومنها: يمين، ومنها: (جلاء) وهو أن ينكشـف الأمـر وينجلي فيعلم، فيقضى به لصـاحبه دون خصـام ولا يمين). [304] هو قيـس بن الخطيم بن عدي الأوسـي أبو يزيد: شاعر الأوس وأحد أبطالها في الجاهلية، له شـعر كثير في وصـف مواقفه. أدرك الإسلامَ ولم يسلم. توفي نحو سنة 2ق.ﻫ/ 620م) (الأعلام 6/ 55، والأغاني 2/ 154). [305] ديوان قيس ين الخطيم - دار صادر - 130. [306] ابن حزم: هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري أبو محمد، عالم الأندلس في عصره، توفي سـنة 456ﻫ/ 1064م (معجم الأدباء 1650، ووفيات الأعيان 3/ 325، والأعلام 5/ 59). [307] البيتان في معجم الأدباء 1659.
188 - قال الفضيل [308]: العلماء كثيرٌ والحكماء قليلٌ، فالحكيم هو العالم المسـتنبط لدقائق العلم، المنتفع بعلمـه وبالعمـل به. قال أبو العتاهيـة [309]: [من الوافر]
1 - وكيفَ تُحبُّ أنْ تُدْعى حكيماً
وأنتَ لكلّ ما تهوى رَكوبُ
2 - وتضحكُ دائباً ظهراً لبطنٍ
وتذكر ما علمتَ فلا تتوبُ
* * *
189 - قال أحمد بن فارس اللغوي [310]: [من المتقارب][311]
1 - إذا كُنْتَ في حاجةٍ مُرْسِلاً
وَأَنتَ بها كَلِفٌ مُغْرَمُ
2 - فأرسِلْ حَكيماً ولا تُوصِهِ
وذاكَ الحَكيمُ هو الدِّرْهَمُ
* * *
[308] هو الفضيل بن عياض بن مسعود التميمي اليربوعي أبو علي، شيخ الحرم المكي، من أكابر العُباد الصالحين، توفي سنة (187ﻫ/ 803م) (طبقات المناوي الكبرى 1/2/ 395، والأعلام 5/ 360).
[309] ديوان أبي العتاهية - صنعة الدكتور شكري فيصل - 22 من قصيدة مطلعها:
ألا لِلّهِ أنتَ مَتَى تَـتُوب
وقَدْ صَبَغَتْ ذَوائبَكَ الخُطوبُ
[310] هو أحمد بن فارس بن زكريا الرازي القزويني أبو الحسن، من أئمة اللغة والأدب، صاحـب معجـم مقاييـس اللغة. توفـي سـنة 395ﻫ/ 1004م (وفيـات الأعيـان 2/ 118 - 20، والأعلام 1/ 184).
[311] البيتان في وفيات الأعيان 1/ 119.
190 - قال المتنبي [312]: [من الطويل]
إذا قيل: رفقاً. قال: للحِلْمِ مَوْضعٌ
وحِلمُ الفَتَى في غَيْر موضعه جَهْلُ
* * *
191 - قال الشريف الرضي [313]: [من الطويل]
1 - إذا
[314] اللهُ لمْ يَعْذرْكَ
[315] فيما تَرومُهُ
فما النّاسُ إلا عاذِلٌ أو مُؤَنِّبُ
2 - وللحِلْمِ أَوْقاتٌ وللجَهْلِ مثلُها
ولكنَّ أوقاتي إلى الحِلْمِ أَقْرَبُ
* * *
192 - وقال الشاعر: [من الوافر]
أمورٌ يَضْحَكُ السُّفَهاءُ منها
وَيَبْكي من عَوَاقِبها الحليمُ
[316]
* * *
193 - وقال الآخر: [من البسيط]
إنَّ من الحِلْمَ ذُلاً أَنْتَ عارفُهُ
والعَفْوُ عن قُدْرَةٍ فَضْلٌ من الكَرَمِ
* * *
194 - وقال أبو تمام الطائي: [من الكامل]
1 - مَنْ لي بإنسانٍ إذا أغضبتُهُ
وجهلتُ كان الحِلْمُ ردَّ جوابـِهِ
2 - وتراهُ يصغي للحديثِ بِسَمْعِه
وبقلبه ولعلَّهُ أحرى به
[317]
* * *
[312] البيت في شرح ديوان المتنبي 3/ 305. [313] الشـريف الرضـي: هو محمد بن الحسين بن موسى أبو الحسن العلوي الحسيني الموسوي، أشعر الطالبيين، مولده ووفاته في بغداد (سنة 406ﻫ/ 1015م) (تاريخ بغداد 2/ 246، والأعلام 6/ 392 - 330). [314] ديوان الشريف الرضي: 1/ 107 - 108. [315] في هامش الديوان: (لم يعذرك: لم ينصرك). [316] البيت في بعض المصادر لأحمد نسيم وقافيته ثَمَّ (الخبير). [317] البيتان ثلاثة في المستطرف - إبراهيم صالح - 1/ 377 منسوبة لأبي تمام، وفي هامشه قال المحقق: (ليست في ديوانه) قلت: وأنا أيضاً لم أجد هذين البيتين في طبعتين من طبعات الديوان؛ دار المعارف في مصر، ودار الكتاب العربي ببيروت.
195 - قال أبو بكر الشبلي [318]: [من الطويل][319]
1 - تَشَاغَلْتُمُ عَنّا بِصُحْبَةِ غَيْرِنا
وأَظْهَرْتُمُ الهِجْرانَ ما هكذا كُنَّا
2 - لياليَ كُنّا نَسْتَقي من وِصالكُمْ
فقلبي إلى تلك اللَّيالي لَقَدْ حَنَّا
* * *
[318] هو دُلَف بن جَحْدَر الشّبلي - نسبة إلى قرية شبلة فيما وراء النهر - ناسك معروف، كان والياً ثم ترك الولاية وعكف على العبادة فاشتهر بالصلاح، وله شعر جيد. توفي سنة 334ﻫ/ 946م (حلية الأولياء 10/ 366، وطبقات المناوي 2/ 83 - 93، والأعلام 3/ 30). [319] البيت الأول في المدهش لابن الجوزي 1/ 348.
196 - قال كعب بن زهير [320]: [من الطويل]
1 - فلمّا قضينا من مِنىً كُلَّ حاجةٍ
ومَسَّحَ ركنَ البيتِ مَنْ هو ماسحُ
2 - نزعنا بأطراف الأحاديث بيننا
ومالَتْ بأَعناقِ المَطِىّ ِ الأباطِحُ
* * *
[320] كعب بن زهير بن أبي سلمى المزني أبو المضر: شاعرٌ من الطبقة العالية من أهل نجد، له ديوان شـعر، وله صحبة. توفي سـنة 26ﻫ/ 645م (الأعلام 5/ 81). والبيتان في شرح ديوان كعب 177، وفيه أنها تنسب أيضاً لعقبة بن كعب بن زهير.
197 - قال عمرو بن كلثوم [321]: [من الوافر][322]
فأَعْرَضَتِ اليَمامةُ واشْمَخَرَّتْ
كأسيافٍ بأَيْدي مُصْلِتينا
[323]
* * *
[321] عمرو بن كلثوم: من بني تغلب، أبو الأسود، شاعر جاهلي من الطبقة الأولى من شعراء المعلَّقات، قتل عمرو بن هند الملك، وافتخر عليه في شعره. توفي نحو سنة (40 ق.ﻫ/ 584م) (الأغاني دار الكتب 11/ 52، والأعلام 5/ 256). [322] البيت من معلَّقته الشهيرة، انظر: ديوانه 56. [323] أعرضت: ظهرت. اشمخّرت: ارتفعت. مصلتينا: من أصلتُّ السيف، إذا سللته. يقول: فظهرت قرى اليمامة وارتفعت في أعيننا كأسياف مسلولة. (هامش الديوان).
198 - قال عمرو بن أحمر الباهلي [324]: [من الطويل][325]
خُذا وجهَ هَرْشَى أوقَفَاها فإنَّهُ
كِلا جانِبَيْ هَرْشَى لَهُنَّ طريقُ
[326]
[324] عمرو بن أحمر الباهلي: شاعر مخضرم، أسلم وغزا مغازي الروم، ونزل بالشام مع جيش خالد س. توفى سنة 65ﻫ/ 682م (الأغاني - دار الكتب 8/ 234، ومن اسمه عمرو 129، والأعلام 5/ 237). [325] البيت في شعر عمرو بن أحمرالباهلي 123. [326] هرشى: موضع، قال ياقوت: هو ثنية أو هضبة على ملتقى طريق الشام وطريق المدينة إلى مكة قريبة من الجُحفَة، يُرى منها البحرُ، ولها طريقان، فكل من سلك واحداً منهما أَفْضَى به إلى موضع واحد، ولذلك قال الشاعر: خذا وجه هرشى... (معجم البلدان: هرشـى)، برواية: (خذا أنف هرشـى...) عند ياقوت، وهي كناية عن الأمام، وقفاها كناية عن الخلف.
199 - وقال ابن الرُّومي: [من الطويل][327]
1 - وحَبَّبَ أَوْطانَ الرجالِ إليهمُ
مآربُ قضّاها الشَّبابُ هُنالِكا
2 - إذا ذَكروا أوطانَهمْ ذَكَّرَتْهُمُ
عُهودَ الصِّبا فيها فَحَنُّوا لِذلكا
* * *
[327] البيتان في ديوان ابن الرومي 3/ 14.
200 - روى الأخباريون [328] أن عبدالله بن طاهـر خـرج من بغداد إلى خراسان، فسار وعوف بن مُحَلِّم بين سُمّارِهِ، فلما وصل إلى الريّ سحراً سمع صوت الأطيار، فقال: لله درُّ أبي كَبـِيرٍ الهُذَليّ [329] حيث يقول: [من الطويل]
ألا يا حَمامَ الأَيْكِ إلْفُكَ حاضـِرٌ
وغصنُك ميّادٌ ففيمَ تَنُوحُ
[330]
- ثمّ التفتَ إلى عوف بن محلِّم [331] الشـاعر، فقال: أجِـزْ، فقال عوف أبياتاً على وزن هذا البيت وقافيته، وهي: [من الطويل]
1 - أَفي كُلِّ عامٍ غربةٌ ونُزوح
أما للنَوى من وَنْيَةٍ فَتُريحُ
[332]
2 - لقد طَلَحَ البَيْنُ المُشِتُّ رَكائبي
فَهَلْ أَرَيَنَّ البَيْنَ وهو طَليحُ
[333]
3 - وأرَّقَني بالرّيّ نوحُ حَمامَةٍ
فَنُحتُ وذو الشَّجْوِ الحزينِ ينوحُ
4 - على أنَّها ناحَتْ ولم تَذْرِ دَمْعَةً
ونُحْتُ وأسرابُ الدموع سُفُوحُ
[334]
5 - وناحَتْ وفرخاها بحيث تراهما
ومن دونِ أفراخي مَهامِهُ فِيحُ
[335]
6 - عَسَى جودُ عبدالله أن يَعْكِسَ النَّوى
فتُضحي عصا التَّسْيارِ وهي طَريحُ
[336]
7 - فإنَّ الغِنى يُدني الفتى من صديقه
وعُدْمُ الغنى بالمقترين نُزوحُ
[337]
فاستعبر [338] عبدالله ورقّ له لما سمع من تَشوُّقه إلى أهله وبلده، فقال: يا ابن مُحَلّم، ما أحسنَ ما تلطَّفْتَ لحاجتك، واستأذنتَ في الرجوع إلى أهلك وولدك، وإني والله بك لضَـنين، وبقربك لشَـحيح، ولكن والله لا جـاوزتَ مكانك هذا حتى ترجعَ إلى أهلك وولدك، وأمر له بثلاثين ألف درهم نفقة، وردَّه إلى موضعه ذلك.
[328] الخبر بروايات مختلفة في أكثر كتـب الأدب: من مثل طبقـات ابن المعتز 186، وتاريخ دمشق - طبعة مجمع دمشق - 34/ 216، وفوات الوفيات 3/ 162، ومعجم الأدباء لياقوت - دار الغرب 5/ 2138، والنجوم الزاهرة 2/ 159. [329] أبو كبير الهُذَلي: هو عامر بن الحُلَيْس الهُذَلي، شاعر فحل من شعراء الحماسة، أدرك الإسلام وله خبرٌ مع النبي ج. (الشعر والشعراء 2/ 670، والأعلام 4/ 17). [330] الغصن الميّاد: المائل (لسان العرب). [331] عوف بن مُحَلِّم الخزاعي بالولاء أبو المنهال: أحد العلماء الأدباء الرواة القدماء الشعراء من العصر العباسي. توفي سنة (220ﻫ/ 835م) (فوات الوفيات 3/ 163 والأعلام 5/ 78). [332] الونية: التواني، وهي من الونى، وهو: التعب والفتور (اللسان). ويقصد هنا استراحة واحدة. [333] طلح البين ركائبي، أي: أتعبها. والمشت: المُفرّق. [334] ذرت العين الدمع: صبته. ودمع سفوح: مهرق ومسفوح ومرسل (اللسان). [335] المهامه: جمع مَهْمَه، وهو المفازة البعيدة. وفيح: واسعة. [336] عصا التسيار: كناية عن الترحل والسفر. طريح: مطروح (اللسان). [337] المقترين: ضيقي العيش. ونزوح: بُعد (القاموس). [338] استعبر: جرت عبرته - أي: دمعته - من عيونه، وحَزِن (القاموس).
201 - قال الشريف الرضي [339]: [من البسيط]
1 - تَضُوعُ
[340] أرْواحُ نَجْدٍ مِنْ ثيابـِهِمُ
عِنْدَ النُّزولِ لقُرْبِ العَهْد بالدّارِ
2 - يا راكبانِ قِفالي واقْضـِيا وَطَري
[341]
وحدِّثانيَ
[342] عن نجدٍ بأخبارِ
* * *
[339] ديوان الشريف الرضي 1/ 517. [340] تضوع أرواح نجد: أي تنتشر رائحته (اللسان). [341] وطري: حاجتي (اللسان). [342] في الديوان: (وخبّراني)، وآثرت رواية الشيخ التي كتبها بخطه في المذكرة 128.
202 - قال ابن مُقْبـِل [343] يصف جزيرة أُوال [344] المُسَمّاة بالبحرين الآن: [من الكامل]
عمدَ الحُداة بها لعارِضِ قَرْيةٍ
فَكَأَنَّها سُفُنٌ بِسِيفِ أُوالِ
[345]
* * *
203 - قال جَرير [346]: [من الوافر][347]
وشَبَّهْتُ الخُروجَ غَداةَ تَوّ
سَفين الهِنْدِ رَوَّحَ مِن أُوالِ
* * *
[343] البيت في ديوان تميم بن أُبي بن مقبل 256، ومعجم البلدان (أوال). [344] أوال: في معجم البلدان بالضم، ويروى بالفتح. [345] الحُداة: جمع الحادي، وهو الذي يسوق الإبل ويغنِّي لها، عارض: جانب، أو ما يستقبلك من الأمر، والسيف: ساحل البحر (اللسان). [346] هو جَرير بن عطية بن الخَطَفَى الكلبي اليربوعي: من تميم، أشعر أهل عصره، ولد ومات باليمامة سنة 110ﻫ/ 728م، وكان هجّاءً مُرّاً من العصر الأموي (الأغاني، بداية الجزء الثامن، والأعلام 2/ 111). [347] لم أجد هذا البيت في ديوان جرير بطبعتيه: طبعة دار صادر، وطبعة دار المعارف.
204 - قال أبو بكر: حدثنا عبد الرحمن بن عمير قال:
بينما أنا سائرٌ بناحية بلاد بني عامر إذ مررت بحلة، وإذا رجلٌ ينشدُ في ظلّ خيمةٍ - قلت: وهو يحيى بن طالب [348] الحنفي - [349]: [من الطويل]
1 - أحقّاً عبادَ اللهِ أنْ لستُ ناظراً
إلى قَرْقرى
[350] يوماً وأعلامِها الغُبْرِ
2 - كَأَنَّ فؤادي كُلَّما مَرَّ راكبٌ
جَناحُ عُقابٍ رامَ نَهْضاً إلى وَكْرِ
3 - إذا ارتَحَلَتْ نَحْوَ اليَمامةِ رِفْقَةٌ
دعاكَ الهَوَى واهْتَاجَ قَلْبُكَ للذّكرِ
4 - فيا راكب الوَجْناء
[351] أُبْتَ مُسَلَّماً
ولا زلتَ من رَيْبِ الحوادثِ في سَتْرِ
5 - إذا ما أتيتَ العِرْضَ فاهتف بِجَوِّهِ
سُقيتَ على شَحْطِ النَّوى سَبَلَ القَطْر
[352]
6 - فإنَّكَ مِنْ وادٍ إليَّ مُرَجَّبٌ
وإن كنتَ لا تَزْدَادُ إلّا على عَقْري
[353]
* * *
[348] هو يحيى بن طالب الحنفي: شاعر من أهل اليمامة ثم من بني حنيفة، وهو من شـعراء الدولة العباسية، مُقِلٌّ، وكان فصيحاً شاعراً غَزِلاً فارساً. وركبه دَيْنٌ في بلده، فهـرب إلى الري، وخـرج مع بعثٍ إليها فمات بها سـنة 180ﻫ/ 796م (الأغاني 125/ 136، ومعجم الشعراء العباسيين 140). [349] القصيدة أحد عشر بيتاً في معجم البلدان (قرقرى) ومنها اثنان في الأغاني 25/ 160. [350] قرقرى: أرض باليمامة فيها قرى وزروع ونخل كثير (معجم البلدان). [351] الوَجْناء من النوق: ذات الوجنة الضخمة، ويقال: الوجناء الضخمة أو الغليظة الصلبة (اللسان: وجن). [352] العِرْض - بكسر أوله، وسكون ثانيه، وآخره ضاد معجمة: وادي اليمامة (معجم البلدان: عرض) والشحط: البعد. والسَّبَل: هَطْلُ المطر، والقطر هو المطر. فهو يدعو له أن يسقى بالمطر الكثير. [353] المُرَجَّبِ: المعظَّم. وعقري: جرحي (اللسان: رحب وعقر).
205 - قال ابن الدُّمَيْنَة [354]: [من الطويل][355]
ألا يا صَبَا نَجْدٍ متى هِجْتِ من نَجْدِ
لَقَدْ زادَني مَسْراكَ وجداً على وَجْد
* * *
[354] هو عبدالله بن عبيدالله بن أحمد أبو السَّـريّ، والدُّمَيْنَةُ أمه: شـاعر بدوي من أرقِّ الناس في العصـر الأموي، توفي نحو سـنة 130ﻫ/ 747م (الأغاني 15/ 144، والأعلام 4/ 237). [355] البيت في ديوان ابن الدمينة 85.
206 - وقال أبو تمام [356]: [من الطويل]
وأنجدتُمُ من بعد إتْهامِ داركم
فيا دمعُ أنجدني على ساكني نَجْدِ
207 - وقال الشاعر: [من الوافر]
1 - أَقُولُ لِصاحِبَيَّ بِأَرْضِ نَجْدٍ
وَجَدَّ مَسيرُنا وَدَنا الطّروقُ
2 - أَرَى قَلْبي سَيَنْقَطِعُ اشتياقاً
وَأَحْزاناً وما انْقَطَعَ الطَّريقُ
* * *
[356] شرح ديوان أبي تمام 2/ 110 وإتهام داركم: أي من بعد ما كانت داركم في تهامة).
208 - قال أبو العلاء [357]: [من الطويل]
1 - أَرىَ كَفْرَ طابٍ أَعْجَزَ الماءُ حَفْرَها
وبالِس أغناها الفراتُ عن الحَفْرِ
[358]
2 - كذلك مَجْرى الرِّزْقِ وادٍ بلا نَدًى
ووادٍ به فَيْضٌ وآخَرُ ذو جَفْرِ
* * *
[357] البيتان في اللزوميات 1/ 355. [358] كفر طاب وبالِـس بلدتان قرب حلب؛ الأولى جنوبها وبينها وبين المعرة ولا يتم الحصول على الماء فيها إلا بالحفر العميق والثانية شرقيها بينها وبين الرقة على ضفة الفرات: (معجم البلدان) وذو جفر في البيت التالي: أي بها بئر مطويّ. (القاموس المحيط).
209 - قال ابن الدمينة [359]: [من الطويل]
بِلادٌ بِها نيطَتْ عَلَيَّ تَمائِمي
وَأَوَّلُ أَرْضٍ مَسَّ جِلْدي تُرابُها
* * *
[359] البيت مع آخر قبله في: المحب والمحبوب 2/ 135 منسوباً لابن الدمينة، ولم أجده في ديوانه.
210 - وقال أبو العلاء المعرّي [360]: [من الكامل]
1 - مَثَلُ الفَتى عِند التَّغَرُّبِ والنوى
مَثَلُ الشَّرارةِ إنْ تُفارِقْ نارَها
2 - إذا صادَفَتْ أَرْضاً أَرَتْكَ خُمودَها
أو وافَقَتْ أُكُلاً
[361] أَرَتْكَ منارَها
* * *
[360] البيتان في اللزوميات 1/ 347. [361] في هامش اللزوميات: (الأُكُل بالضم: ما يشتعل بسرعة).
211 - قال ديكُ الجنّ [362]: [من الطويل][363]
1 - ألا هَلْ على اللَّيْلِ الطَّويلِ مُعينُ
إذا نَزَحَتْ دارٌ وحَنَّ حَزينُ
2 - أُكابـِدُ هذا اللَّيْلَ حَتَّى كأنَّما
على نَجْمه ألا يعودَ يَمينُ
3 - فَوَ اللهِ ما فارَقْتُكُمْ قالياً لكم
ولكنَّ ما يُقْـضَى فسوف يكونُ
* * *
[362] هو عبد السلام بن رغبان بن عبد السلام أبو محمد المعروف بديك الجن، من أهل حمص، شاعر مطبوع له شعر حسـن، توفي - سـنة 235ﻫ/ 850 (تاريخ دمشـق - مجمع - 42/ 235، والأغاني 12/ 51، والأعلام 4/ 128). [363] الأبيات في ديوان ديك الجن - وزارة الثقافة السـورية - 190، وديوان أبي نـواس 308، ومعجم الشعراء من تاريخ دمشق 5/ 118.
212 - وقال يزيد بن المُهَلَّب يوماً لجلسائه: أراكم تُعَنّفوني في الإقدام. فقالوا: إي والله، إنّكَ لترمي نفسك في المهالك!! فقال: إليكم عني، فوالله لم آتِ الموتَ من حُبّـهِ ولكني آتيه من بغضـه. ثم تَمَثلَّ بَقولِ الحصـين [364]: [من الطويل][365]
تأخّرْتُ أستبقي الحياةَ فلم أجد
لنفـسي حياةً مثل أنْ أَتَقَدَّما
* * *
213 - وقال النابغة الجعدي [366]: [مجزوء الكامل] [367]
1 - المَرْءُ يأمَلُ في الحيا
ةِ وطُولُ عَيْشٍ قَدْ يَضُرُّهْ
2 - تَفْنَى بَشاشَتُهُ ويَبْـــقَى
بَعْدَ حُلْوِ العَيْشِ مُرُّهْ
3 - وتَسُوؤُهُ الأيّامُ حَتْـ
ـتى ما يرى شيئاً يَسُرُّهْ
4 - كم شامتٍ بي إنْ هلكْـ
ـتُ وقائِلٍ للهِ دَرُّهْ
* * *
214 - وقال الشاعر: [من الطويل]
حَياتي لو امْتَدَّتْ لزادَتْ سعادتي
فيا ليتَ أيامي أُطيلَتْ ومُدَّتي
* * *
215 - قال أحمد شوقي [368]: [من الكامل]
قم عِنْدَ رَأْيكَ في الحياةِ مجاهداً
إنَّ الحياةَ عقيدةٌ وجهادُ
* * *
[364] هو الحُصَيْن بن حُمام بن ربيعة المـري الذبياني أبو يزيد: شـاعر فارس جاهلي، في شـعره حكمة. مات قبل الإسلام نحو سنة 10ق.ﻫ/ 612م (الشعر والشعراء 648 والأعلام 2/ 288). [365] البيت والخبر في محاضرات الراغب الأصفهاني - دار صادر - 3/ 260 - 261، والبيت دون الخبر في التذكرة الحمدونية 2/ 400، وبعده ستة أبيات من القصيدة ذاتها. وفي الهامش قائمة بمصادر أخرى. [366] هو قيس بن عبدالله الجعدي العامري أبو ليلى: شاعر مفلق صحابي من المعمَّرين. توفي نحو سنة 50ﻫ/ 670م، وثمة خلاف في اسمه واسم أبيه (الأغاني - دار الكتب 5/ 2، والأعلام 6/ 58). [367] الأبيات في ديوان النابغة الجعدي - دار صادر - 92 - 93. [368] البيت في الموسوعة الشوقية 3/ 228، والمحفوظ: (قف عند رأيك).
216 - دخل كُثَيِّرٌ [369] على عبد الملك بن مروان، فقال له: أنت كُثَيِّر عَزَّة. قال: نعم. فقـال: أن تَسْـمَعَ بالمُعَيْديِّ خيرٌ من أن تـراه [370]. فقال: يا أميـر المؤمنين، كلٌّ عِنْدَ مَحَلِّهِ رحب الفناء، شامخ البناء، عالي السناء، وأنشد [371]: [من الوافر]
1 - ترى الرَّجُلَ النَّحيفَ فَتَزْدَريهِ
وفي أَثْوابهِ أَسَدٌ هصورُ
[372]
2 - ويُعْجِبُكَ الطَّرير إذا تَراهُ
فيُخْلِف ظَنَّكَ الرَّجُلُ الطّرير
[373]
3 - بُغاث الطَّيْرِ أَطْوَلُها رقاباً
ولَمْ تَطُلِ البُزاةُ ولا الصُّقُورُ
[374]
4 - خَشاشُ الطّيْرِ أكْثَرُها فراخاً
وأُمُّ الصَّقْرِ مِقْلاتٌ نزورُ
[375]
5 - ضعافُ الأُسدِ أكثَرُها زَئيراً
وأَصْرَمُها اللَّواتي لا تزيرُ
[376]
6 - وقد عَظُمَ البعيرُ بغير لُبٍّ
فَلَمْ يَسْتَغْنِ بالعِظَمِ البَعيرُ
7 - يُنَوَّخُ ثمّ يُـضْرَب بالهراوى
فلا عُرْفٌ لديهِ ولا نكيرُ
[377]
8 - يُعوِّده الصَّبيُّ بكلّ أرضٍ
ويَنْحَرُهُ على التُربِ الصغيرُ
9 - فما عِظَمُ الرجال لهم بزينٍ
ولكنْ زينُهم كَرَمٌ وخِيْرُ
[378]
فقال عبد الملك: لله دره، ما أفصحَ لسـانَه، وأضبطَ جنانَـه، وأطولَ عنانَه، والله إني لأظنّه كما وصف نفسه.
* * *
217 - وقال البحتري [379]: [من الطويل]
1 - ولا عجبٌ للأُسدِ إن ظفرتْ بها
كلابُ الأعادي من فصيحٍ وأعجمِ
2 - فحربةُ وحـشيٍّ سقتْ حمزةَ الردى
وحتفُ عليٍّ في حسامِ ابنِ ملجمِ
* * *
218 - وقال أبو تمام [380]: [من البسيط]
تسعون شهراً كآساد الـشرى نضجتْ
جلودُهُمْ قبلَ نضجِ التينِ والعنبِ
* * *
[369] هو كُثَيِّر بن عبد الرحمن بن الأسود الخزاعي، أبو صخر: شاعر متيَّمٌ مشهور يُلقَّب بكثير عزَّة، وفد على عبد الملك بن مروان وتوفي سنة (105ﻫ/ 723م) (الأغاني - دار الكتب - 9/ 3، والأعلام 6/ 72). [370] المثل في معجم الأمثال العربية للمحقق (سـمع، معد، خير، رأى) ومصـادره القديمة: مجمـع الأمثال 1/ 129، وجمهـرة الأمثال 1/ 266، والمسـتقصى 1/ 370، وفصل المقال 135. [371] الأبيات متنازعة النسبة: فهي في ديوان كثير عزة 529، وديوان العباس بن مرداس 171، وفي ديوان ربيعة الرقي 71، ورجَّح البكري في سمط اللآلي 1/ 190 أن تكون لمعوّد الحكماء، والرواية التي ذكرها الشيخ رحمه الله من أمالي أبي علي القالي 1/ 46 - 47. [372] الأسد الهصور: أي الأسد الشديد الذي يفترس ويكسر (اللسان: هصر). [373] الطرير: ذو الرُّواء والمنظر. (اللسان: طرر). [374] بغاث الطير: الضعيف الذي يُصاد ولا يصـيد. والبزاة: جمع البازي، وهي التي تصيد من الصقور (اللسان بغث، بزي). [375] الخَشـاش - بالفتح - أشـرار الطير. والمقلات: التي لا يعيش لها ولد. والنَّزور: القليلة الولد. (اللسان: خشش وقلت ونزر). [376] لا تزير: أي لا تزأر. [377] الهَراوى: جمع هراوة، وهي: العصا. [378] الخِيْر - بالكسر -: الشرف (اللسان). [379] نُسب البيتان للبحتري، ولأبي الفتح البستي، ولم أجدهما فيما تيسّر لي من طبعات ديوانيهما. [380] سترد القصيدة كاملة إن شاء الله في باب: شعر المديح، وانظر: ديوان أبي تمام - دار الكتب - 1/ 69.
219 - قال مروان بن أبي حفصة [381]: [من الطويل]
1 - زَوامِلُ للأخبارِ لا علمَ عندهُمْ
بمتقنها إلا كعلم الأَباعِرِ
[382]
2 - لَعَمْرُكَ ما يَدْري البَعيرُ إذا غَدا
بأوساقِهِ أو راحَ ما في الغرائرِ
[383]
* * *
[381] البيتان في شعر مروان بن أبي حفصة 58. [382] الأباعر: جمع بعير. والزوامل: جمع الزامل، من الدواب، الذي يظلع في سيره من نشاطه. [383] أوساقه: جمع وَسْقٍ، وهو الحمل. والغرائر: جمع الغِرارة التي للتِّبن.
220 - قال سابق البربري: [من البسيط]
ولَيْس يَزْجُرُكُم ما تُوعَظُونَ به
والبَهْم يزجرها الراعي فتنزجرُ
* * *
[384] البَهْمُ: جمع البَهْمَة، وهي الصغير من أولاد الغنم والضأن والمعز والبقر منَ الوحش وغيرها، الذكر والأنثى سواء.
221 - قال الراعي النميري [385]: [من الطويل][386]
نَعوسٌ إذا دَرّتْ جَرُوزٌ إذا غَدَتْ
بُوَيْزِلُ عامٍ أو سَديسٌ كبازلِ
[387]
* * *
[385] هو لقب عُبَيْد بن حُصَيْن: أحد شعراء العصر الأموي مع جرير والفرزدق والأخطل، توفي سنة 96 أو 97 كما في مقدمة ديوانه. [386] البيت في ديوان الراعي النميري - المعهد الألماني - 208. [387] قال ابن منظور في اللسان: (قال الراعي يصف ناقةً بالسماحة بالدَّرِّ، وأنها إذا دَرَّت نَعَست: نعوسٌ إذا درَّتْ... البيت. والجروز: الشديدة الأكل، وذلك أكثر للبنها. وبويزل عام: أي بزلت حديثاً. والبازل من الإبـل: الذي له تسـع سنين، وقوله (أو سـديس كبازلِ) السديس: دون البازل بسنة، يقول: هي سديس، وفي المنظرة كالبازل).
222 - قال الشاعر [388]: [الطويل]
وقد تَسْلبُ الأيّامُ حالاتِ أَهْلها
وتَعْدو على أُسدِ الرجالِ الثعالبُ
* * *
[388] البيت في المستطرف - دار صادر - 1/ 122 بلا نسبة.
223 - قال شرف الدين بن الوحيد [389]: [من الكامل][390]
1 - جهدُ المغفَّلِ في الزَّمانِ مضيَّعٌ
وإنْ ارْتَـضَى أُستاذَهُ وزمانَهُ
2 - كالثَّوْرِ في الدُّولابِ يسعى وهْو لا
يدري الطريقَ فلا يزال مكانَهُ
* * *
[389] هو محمد بن شريف بن يوسف الكاتب شرف الدين بن الوحيد، صاحب الخط الفائق والنظم والنثر. توفي سنة 711ﻫ (فوات الوفيات 3/ 390). [390] البيتان في فوات الوفيات 3/ 390 - 391.
224 - قال الشاعر: [من البسيط]
وما على العَنْبَـرِ الفَوَّاح من حَرَجٍ
إن فات من شهر الزِّبال والْجُعَلِ
[391]
* * *
[391] الزِّبال هو الزِّبْل معروف وهو السمادُ الحيواني للنبات. (اللسان: زبل) والجُعَل: حشرة أكبر من الخنفساء شديدة السواد، ومن شأنها جمع النجاسة وادّخارها، ومن عجيب أمره أنه يموت من ريح الورد ومن ريح الطيب، فإذا أُعيد إلى الرَّوث - أي الزبل - عاش (اللسان وحيوان الحيوان الكبرى للدميري: جعل).
225 - قال الشاعر: [مخلّع البسيط] [392]
1 - قال حمارُ الحكيمِ توما
لو أَنْصَفوني لَكُنْتُ أَرْكَبْ
2 - لأنني جاهِلٌ بَسيطٌ
وصاحِبي جاهلٌ مُرَكَّبْ
[393]
* * *
[392] المثل السائر لابن الأثير، في الإرصاد 2/ 338. [393] يريد بالجهل المركَّب: أنه جاهل ولا يعلم أنه جاهل.
226 - وقد أجاد الأمير سيف الدين علي بن فليح الظاهري في التحذير من احتقار العدو بقوله [394]: [من البسيط]
1 - لا تَحْقِرَنَّ عَدُوّاً لانَ جانِبُهُ
وإنْ تَراهُ ضَعيفَ البَطْشِ والجَلَدِ
2 - وللذُّبابةِ في الجرحِ الممَدِّ يَدٌ
تنالُ ما قـصرت عنه يدُ الأَسَدِ
* * *
[394] الخبر في حياة الحيوان - دار الشعب - 622.
227 - قال الأقرع القشِيري [395]: [من الوافر]
1 - تُخادِعنا وتُوعِدُنا رُوَيْداً
كَدَأْبِ الذِّئْبِ يَأْدو للغَزالِ
[396]
2 - فلا تفعلْ فإنَّ أخاكَ جلدٌ
على العزباء فيها ذو احتيالِ
* * *
[395] الأقرع القُشَيْري: هو أعشى بني عُقَيْل، واسمه معاذ، وقيل: اسمه أشيم بن معاذ، من شعراء العصر الأموي أيام هشام بن عبد الملك (معجم الشعراء المخضرمين والأمويين 44 ومعجم المرزبائي - دار صادر 343). [396] أدا السبعُ للغزال يأدو أدواً: ختله ليأكله.
228 - وقيل [397]: لما قدم نصر بن منيع بين يدي الخليفة وكان قد أَمَرَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ، قال: يا أمير المؤمنين، اسمَعْ مِنِّي كلماتٍ أقولُها. قال: قُلْ، فأنشأ يقول: [من الكامل]
1 - زَعَموا بأنَّ الصَّقْرَ صادَفَ مَرَّةً
عُصْفورَ بَرٍّ ساقَهُ المَقْدورُ
2 - فَتَكَلَّمَ العُصْفُورُ تَحتَ جَناحِهِ
والصَّقْرُ مُنْقَضٌّ عليه يَطيرُ
3 - ما كُنْتُ ياهذا لمثلكَ لقمةً
ولئن شُويتُ فإنني لحقيرُ
4 - فَتَهاوَنَ الصَّقْرُ المُدِلُّ بِصَيْدِهِ
كرماً وأَفْلَتَ ذلك العُصْفورُ
قال: فعفا عنه، وخلَّى سبيله.
* * *
[397] الخبر والأبيات في وفيات الأعيان 2/ 519 - 520 منسوبة إلى خالد بن حيلويه، وهي في المستطرف 1/ 587 منسوبة إلى نصر بن منيع.
229 - قال أبو المقدام، واسمُه جَسّاسُ بنُ قُطَيْبٍ [398]: [من الرجز]
يا لَيْتَ لي نَعْلَيْنِ من جِلْدِ الضَّبُعْ
وشُرُكاً من اسْتِها لا تَنْقَطِعْ
[399]
كُلَّ الحِذاءِ يَحْتَذي الحافي الوَقِعْ
[400]
* * *
[398] الأشـطر في جمهرة الأمثال لأبي هلال العسـكري 2/ 164، والمقدمة عن لسان العرب. والشطرة الأخيرة مثل عربي قديـم، أوردتـه في كتابي معجم الأمثال العربية (كلل، حذو، صغو، وقع) وفيه مصادر أخرى كثيرة. وقال الأزهري: معناه أن الحاجة تحمل صاحبها على التعلق بكل شيء قدر عليه. [399] الشُّرُك: جمع شِراك: وهو سير النعل. [400] الوَقَع: الحفاء، والوَقِع: الحافي (اللسان).
230 - قال الشاعر [401]: [من الرجز]
والطَّيْرُ قد يَسوقُهُ للموتِ
إصغاؤُهُ إلى حَنينِ الصَّوْتِ
* * *
[401] المستطرف 2/ 586، والعقد الفريد 6/ 5 بلا نسبة.
231 - وقال الآخر: [من الكامل]
أَرَأَيْتَ عُصْفوراً يحارب باشقاً
إلا لخِفَّتِهِ وقِلَّةِ عَقْلِهِ
* * *
232 - قال عبد الغني النابلسي [402]: [من الكامل][403]
1 - وَأَمَرُّ ما لاقَيْتُ من أَلَم النَّوى
قُربُ الحبيبِ وما إليهِ وُصولُ
2 - كَالعِيسِ في البيداء يقتلها الظَما
والماء فوقَ ظهورها مَحْمولُ
* * *
[402] هو عبد الغني بن إسماعيل النابلسي، شاعر عالم بالدين والأدب، مكثر من التصنيف، متصوف. توفي بدمشق سنة 1143ﻫ/ 1731م (سـلك الدرر 3/ 35، والأعلام 4/ 158). وله كتاب (الحقيقة والمجاز في رحلة بلاد الشام ومصر والحجاز) حققته وطبعته بعون الله في دار المعرفة في دمشق سنة 1419ﻫ/ 1998م. [403] ديوان عبد الغني النابلسي 1/ 168، والبيت الثاني تضمين، وهو لأبي العلاء المعري ورد في سقط الزند 142.
233 - قال عَلْقَمة الفَحْل [404]: [من البسيط][405]
1 - ومُطْعَمُ الغُنْمِ يومَ الغُنْم مُطْعَمُهُ
أنّى تَوَجَّهَ والمَحْرومُ مَحْرُومُ
[406]
2 - ومَنْ تَعَرَّضَ للغِرْبانِ يزجُرُها
على سَلامَتِهِ لابُدَّ مَشْؤُومُ
[407]
3 - وكل حصنٍ وإن طالتْ سلامتُهُ
على دعائمِهِ لابُدَّ مَهْدومُ
[408]
* * *
[404] هو علقمة بن عَبَدة - بفتح العين والباء - من بني تميم، شاعر جاهلي من الطبقة الأولى، كان معاصراً لامرئ القيس، وله معه مساجلات. توفي نحو سنة 20 ق.ﻫ/ 603م (الأعلام 5/ 48، ومعجم الشعراء الجاهليين - دار صادر - 229). [405] الأبيات في شرح ديوان علقمة الفحل للأعلم الشنتمري، دار الكتاب العربي 44. [406] الغنم: الرزق. يقول: من كُتب له الغنم فلا بد أنه حاصل عليه أينما توجّه، ومن كُتب عليه الحرمان فهو لابد أنه محروم من الغنم ولن يناله. [407] يزجرها: يُطَيِّرها. يقول: من طارد الغربان وزجرها خوفاً فأمن شؤمها، فلابد أن يقع فيما يحذر ولو سلم. [408] دعائمه: أركانه التي يقوم عليها، يقول: مهما طالت سلامة الحصن فلابد أنه سينهدم يوماً.
234 - قال ابن الرُّومي [409]: [من البسيط]
ومَنْ رعى غَنَماً في أَرْضِ مَسْبَعَةٍ
[410]
وَنامَ عَنْها تَوّلَّى رَعْيَها الأَسَدُ
* * *
[409] ديوان ابن الرومي - دار الكتب العلمية - 2/ 498. [410] أرض مَسْبَعةٍ: ذات سباع (اللسان).
235 - قال الشاعر [411]: [من البسيط]
1 - لا تستطيلوا على ضَعْفي بقُوَّتكم
إن البعوضةَ قد تعدو على الفِيلِ
2 - وجانِبُوا المَزْحَ إنَّ الجدّ يَتْبَعُهُ
ورُبَّ مُوجِعَةٍ في إثْرِ تَقْبيلِ
* * *
[411] من الشعر المتنازع فيه، فقد رُوي هذان البيتان لأبي مسلم الخراساني (ت137ﻫ) ولابن رشيق القيرواني (463ﻫ) وأظنهما لشاعر آخر؛ أما أبو مسلم فقد استشهد بهما في رسالته إلى مروان، وكذلك ابن رشيق أوردهما في مجال نقدي بحت.
236 - قال الشاعر ملغزاً في القُراد: [من الوافر]
وما ذَكَرٌ فإنْ يَسْمَنْ فأُنْثَى
شديد الأَزْم ليسَ له ضروسُ
[412]
* * *
[412] القراد: حشرة تعض الإبل، والأزم: العضّ الشديد (وانظر اللسان: حلم). وبعد البيت في مذكرة الشيخ رحمه الله ما يلي: (فإنه عن القراد، وهو ما كان صغيراً سمي قراداً، فإذا كبر سُمي حلمة).
237 - قال العباس بن الأحنف [413]: [من الطويل]
1 - بكيتُ إلى سِرْبِ القَطا حينَ مَرَّ بي
فَقُلْتُ ومِثْلي بالبـِكاءِ جَديرُ
2 - أَسِرْبَ القَطا هَلْ مِنْ مُعيرٍ جَناحَهُ
لَعَلِّي إلى مَنْ قَدْ هَويتُ أَطِيرُ
* * *
[413] ديوان العباس بن الأحنف - دار صادر - 168.
238 - سمعت أعرابياً ينشد [414]: [من الوافر]
1 - كلابُ الناسِ إنْ فَكَّرْتَ فيهم
أضرُّ عليكَ من كلبِ الكلابِ
2 - لأنَّ الكلبَ لا يُؤْذي صديقاً
وإنَّ صديقَ هذا في عذابِ
3 - ويأتي حين يأتي في ثيابٍ
وقد حُزِمَتْ على رجلٍ مصابِ
4 - فأَخْزى اللهُ أثواباً عليهِ
وأَخْزى اللهُ ما تحت الثيابِ
* * *
239 - وقال أبو العلاء المعري: [من الطويل]
1 - وقد غلبَ الأحياءَ في كلِّ وُجْهةٍ
هواهُمْ وإن كانوا غطارفةً غُلبا
[415]
2 - كلابٌ تغاوت أو تعاوَتْ لجيفةٍ
وأَحْسَبُني أصبحت ألأمَها كلبا
3 - أبينا سوى غِشّ الصدور وإنما
ينالُ ثوابَ اللهِ أَسْلَمُنا قَلْبا
* * *
240 - كان رجلٌ من أهل الشام يحضر طعام الحجاج، فكتب إلى امرأته يُعلمها بذلك، فكتبت إليه [416]: [من الطويل]
1 - أَتُهْدي ليَ القرطاسَ والخبزُ حاجتي
وأنتَ على باب الأمير بطينُ
2 - إذا غبتَ لم تذكر صديقاً وإن تُقم
فأنتَ على ما في يديك ضَنينُ
3 - فأنت ككلب السُّوءِ جوّعَ أهله
فيهزل أهل البيتِ وهو سَمينُ
* * *
241 - قال ابن زيدون [417]: [من الكامل]
1 - فِرقٌ عَوَتْ فَزَأَرْتَ زأرَةَ زاجرٍ
راعَ الكُليبَ بها السَّبَنْتَى الضَّيْغَمُ
[418]
2 - يا ليتَ شعري هل يعود سفيهُهُم
أم قد حماهُ النَّبْحَ ذاك المِكْعمُ
[419]
3 - وشفوفُ حظٍّ ليس يفتأُ يجتلى
غضّ الشباب وكلُّ حظٍّ يهرم
[414] الأمالي للقالي - العصرية - 375. [415] اللزوميات 1/ 81. [416] الأمالي للقالي 391، والحماسة المغربية 2/ 1395. [417] ديوان ابن زيدون 285. [418] السَّبَنْتى: الجريء المُقْدِم، الضيغَم: الأسد. [419] المِكْعَمُ: اسم آلة، من كَعَم البعير: إذا شُدّ فاهُ لئلا يعضّ (اللسان).
242 - قال أبو العلاء المعري [420]: [من الوافر]
وكَيْفَ يَصْولُ في الأيّامِ لَيْثٌ
إذا وهَتِ المخالبُ والنُّيوبُ
* * *
243 - لأبي مسلم الخراساني في جوابه لمروان: [من الطويل]
محا السَّيْفُ أسْطارَ البَلاغَةِ وانْتَحى
عليكَ ليوثُ الغاب من كُلِّ جانِبِ
* * *
244 - وقال آخر: [من الكامل]
ليثٌ إذا سمع الليوثُ زئيرَهُ
بَصْبَصْنَ ثم رَمَيْنَ بالأبعارِ
[421]
* * *
[420] اللزوميات 1/ 75. [421] بصبصن: حرَّك ذنبه خوفاً (اللسان).
245 - قال مِهْيار الدَّيْلَمي [422]: [من الطويل]
رُوَيْداً بأخْفافِ المَطِيِّ فإنَّما
تُداسُ جِباهٌ في الثَّرى وخُدودُ
* * *
[422] هو مهيار بن مرزَوَيْه أبو الحسن أو أبو الحسين الديلمي: شاعر كبير، فارسي الأصل، جمع بين فصاحة العرب ومعاني العجم. مات سنة 428ﻫ/ 1037م (تاريخ بغداد 13/ 276، والأعلام 8/ 264).
246 - وقد قيل [423]: [من الطويل]
ومهما تكُنْ عند امرئ من خليقةٍ
وإن خالها تَخْفَى على النّاس تُعْلَمِ
* * *
[423] البيت متدافع النسبة، والمشهور أنه لزهير، ولكن نُسب إلى غيره. انظر: شرح ديوان زهير، للدكتور قباوة هامش: ص29.
247 - قال عبد الجليل الطباطبائي [424]: [من الوافر]
1 - خليلٌ لا يُغيّره صباحٌ
يـضيء به وصال أو جفاءُ
2 - وليس يحول ما كرَّت غداة
عن الخُلُقِ الجميلِ ولا مساءُ
* * *
[424] صدر الأول وعجز الثاني لأمية بن أبي الصلت في ديوانه 334، والباقي للطباطبائي.
248 - قال ابن حبان [425]: ما أُشبـِّه صحبةَ الأشرار إلا بما أنشدني منصور ابن الكُريزي: [من الطويل]
1 - فلو كانَ منه الخيرُ إذ كان شَرُّهُ
عتيداً ضربتُ الخَيْرَ يوماً مع الشَّرِّ
[426]
2 - ولو كانَ لا خيراً
[427] ولا شرَّ عِنْدَهُ
رضيتُ لَعَمْري بالكَفافِ مع الأَجْرِ
3 - ولكنَّهُ شرٌّ ولا خَيْرَ عِنْدَهُ
ولَيْسَ على شَرّ ٍ إذا طالَ من صَبْرِ
249 - روى ابن حبان [428] عن ابن شهاب قال:
اجتمع مروان بن الحكم وابن الزبير يوماً، فقال ابن الزبير: [من الطويل]
1 - وللخَيْرِ أَهْلٌ يُعْرَفونَ بِهَدْيِهِمْ
إذا اجتمعت عند الخطوب المجامِعُ
2 - وللشَّرِّ أهلٌ يُعْرفونَ بشكْلِهِمْ
تُشيرُ إليهم بالأَكُفِّ الأَصابعُ
* * *
250 - قال أبو فراس [429]: [من الهزج]
1 - عرفتُ الأشرَّ لا للشَّـرْ
ـرِ لكن لِتَوَقّيهِ
2 - ومَنْ لا يعرفِ الـشرَّ
مِنَ النّاسِ يَقَعْ فِيه
[430]
251 - وقال أبو العلاء المعّري [431] [من الطويل]
عَلَيْكَ بِفِعْلِ الخَيْرِ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ
مِنَ الفَضْلِ إلا حُسْنُهُ في المسامِعِ
* * *
[425] روضة العقلاء 101 - 102.
[426] في هامش روضة العقلاء: (العتيد: الملازم، يقول: لو كان عنده شيء من الخير لذهب خيره بشره فكان كفافاً).
[427] رواية الشيخ في المذكرة 184: ولو كان لاخير. والمثبت عن روضة العقلاء.
[428] روضة العقلاء 97 - 98، وللخبر فيها بقية.
[429] ديوان أبي فراس الحمداني - د. ألتونجي - 322.
[430] رواية الديوان:
ومن لم يعرفِ الشرَّ
من الخيرِ يقعْ فيهِ
[431] اللزوميات لأبي العلاء 2/ 97.
252 - قال أبو العتاهية [432]: [من السريع]
أَصْبَحْتُ في دارِ بَليّاتِ
أَدْفَعُ آفاتٍ بآفاتِ
* * *
253 - قال أبو نواس [433]: [من الطويل]
إذا امتَحَنَ الدنيا لَبيبٌ تكشَّفَتْ
له عَن عَدُوّ ٍ في ثِيابِ صَديقِ
254 - قال المتنبي [434]: [من الطويل]
ومَنْ صَحِبَ الدُّنْيا طَويلاً تَقَلَّبَتْ
على عَيْنِهِ حتَّى يرى صِدْقَها كَذِبا
* * *
255 - قال الشاعر: [من الطويل]
1 - دَعِ الذَّمَّ للدُّنْيا فكمْ مِنْ مُوَفَّقِ
يقُولُ وَقَدْ لاقى النَّعيمَ بِجَنَّةِ
2 - حياتي لو امتدّتْ لزادَتْ سعادتي
فيا ليتَ أيّامي أُطيلَتْ ومُدَّتي
* * *
[432] البيت في ديوان أبي العتاهية، د. شكري فيصل رحمه الله - في تكملة الديوان ص511 ق50، ورواية الشيخ: (نحن في دار... *) وآثرت رواية الديوان للوزن. [433] ديوان أبي نواس 621. [434] شرح ديوان المتنبي للبرقوقي 1/ 182.
256 - وقال الآخر [435] [من الطويل]
1 - إذا كانَ جدُّ المَرْءِ في الـشَّيْء مُقْبـِلاً
تَأَتَّتْ له الأَشْياءُ منْ كُلِّ جانِبِ
2 - وإنْ أَدْبَرَتْ دُنْياهُ عَنْهُ تَوَعَّرَتْ
عليه وأَعْيَتْهُ وُجوهُ المطالبِ
[436]
3 - وإن قَلَّ مالُ المَرْءِ أقْصاهُ أهلُهُ
وأعرضَ عنه كلُّ إلفٍ وصاحبِ
4 - وكَذَّبَهُ الأقوامُ في كُلِّ مَنْطِقٍ
وإن كانَ فيه صادقاً غيرَ كاذِبِ
* * *
[435] البيتان الأول والثاني في محاضرات الراغب - دار صادر - 2/ 169. [436] أي: عجز عن تأمين مطالبه الرئيسية.
257 - قال الشاعر [437]: [من الطويل]
1 - هُوَ الدَّهْرُ آسٍ تارَةً ثُمَّ جارِحُ
سَوانحهُ مبثوثة والبوارِحُ
[438]
2 - فَبَيْنا الفتى في ظِلِّ نَعْماءَ غَضَّةٍ
تباكِرُهُ أفياؤُهُ وتراوِحُ
3 - إلى أنْ رَمَتْهُ الحادثاتُ بنكبةٍ
تضيقُ به منها الرِّحابُ الفسائحُ
4 - فأصبحَ نِضْواً لا ينوءُ كَأَنَّما
بأعظمه مما عراه القوادِحُ
[439]
* * *
258 - قال أبو العلاء المعرّي [440] [من الطويل]
1 - سَرَى الموتُ في الظلْماءِ والقوم في الكرى
وقامَ على ساقٍ ونحن قُعودُ
2 - يُنَجِّزُ هذا الدَّهْرُ ما كان موعداً
وتُمطَلُ منه بالرجاء وعودُ
* * *
259 - قال هدبة بن الخشرم [441]: [من الطويل]
1 - وَلَسْتُ بِمِفْراحٍ إذا الدهرُ سَرَّني
ولا جازِعٍ من صَرْفِهِ المُتَقَلِّبِ
2 - ولا أَتَمنَّى الـشَّرَّ والـشَّرُّ تاركي
ولكنْ مَتَى أُحْمَلْ على الـشَّرِّ أَرْكبِ
* * *
260 - قال إسحاق الموصلي [442]: [من الطويل]
1 - ولَمّا رَأَيْتُ الدَّهْرَ أَنْحَتْ صُروفُهُ
عَلَيَّ وأَوْدَتْ بالذَّخائِرِ والعَقدِ
[443]
2 - حَذَفْتُ فُضولَ العَيْش حَتَّىٍ رَدَدْتُها
إلى القُوتِ خَوْفاً أَنْ أجيء إلى أَحَدِ
3 - وقُلْتُ لنـفسي أَبْـشِري وتَوَكَّلي
على قاسِمِ الأرزاقِ والواحِدِ الصَّمَدِ
4 - فإن لا تكنْ عندي دراهمُ جمَّةٌ
فعندي بحمدِ اللهِ ما شِئْتُ من جَلَدِ
* * *
261 - وقال الشاعر: [من البسيط]
يَفْنَى البرايا ويأتي الوَقْتُ مختلفاً
ليخرجَ الدَّهْر تأريخاً من الرِّمَمِ
[444]
* * *
262 - قال أبو العلاء المعرّي [445]: [من الكامل]
1 - والمرءُ يَغْشاهُ الأَذَى من حيثُ لا
يَخْشاهُ فاعجَبْ مِنْ صُروفِ الأَدْهُرِ
2 - لا تغبطنَّ على الهِباتِ فإنها
زهرٌ يزولُ مع الزمانِ الأزهرِ
* * *
[437] الأبيات في الأمالي للقالي - العصرية - 1/ 143 - 144، وقبلها خبر رجل يدعى مصاد بن مذعور مع الجواري الأربع. [438] يقول: إن الدهر قد بث حولنا اليُمْن والشؤم، فتارةً نراه طبيباً وأخرى جارحاً. [439] نضواً: مهزولاً، لا ينوء: لا ينهض، والقوادح: جمع قادح، وهو العفن، والدود والسواد التي تظهر في الأسنان. أي: فأصبح مهزولاً لا يقوى على النهوض، كأنما أصيبت عظامه بما تصاب به الأسنان من تسوّس وتعفن. [440] اللزوميات 1/ 212. [441] البيتان مع ثالث في الشعر والشعراء 2/ 694 منسوبين لهدبة بن خشرم. والبيت الأول وحده في ديوان أبي العتاهية - د. شكري فيصل، - 497، وفي هامشه أنه لهدبة لا لأبي العتاهية. [442] هو إسحاق بن إبراهيم الموصلي أبو محمد: تفرَّد في صنعة الغناء مع علمه باللغة والأدب والشـعر. توفي سـنة 235ﻫ/ 850م (الأغاني - دار الكتب - 5/ 268 - 435، والأعلام 1/ 283). [443] العَقَد: وهي القِرى والمال من عقارٍ وغيره (أساس البلاغة). [444] الرِّمم: جمع رِمَّة بالكسر، وهي: العظام البالية. [445] اللزوميات 1/ 384.
263 - قال أبو أحمد بن أبي بكر الكاتب [446] [من الطويل]
1 - إذا لم يكن للمرءِ في دولةِ امرئٍ
نصيبٌ ولا حظٌّ تمنَّى زوالهَا
2 - وما ذاك من بغضٍ لها غيرَ أنه
يُرجِّي سواها فَهْوَ يهوى انتقالهَا
* * *
[446] يتيمة الدهر 4/ 67.
264 - قال الشاعر: [من الطويل]
إذا قُضـِيَ الدَّيْنُ بالدَّيْن لم يكن
قضاءً ولكنْ كانَ غُرْماً على غُرْمِ
* * *
265 - قال المتنبي [447]: [من البسيط]
إذا تَرَحَّلْتَ عن قَوْمٍ وقَدْ قَدَروا
ألا تُفارِقَهم فالرّاحِلونَ هُمُ
[448]
* * *
[447] شرح ديوان المتنبي 4/ 88. [448] في شرح البرقوقي: قال العكبري: وهذا من قول الحكيم: مَنْ لم يُردْكَ لنفسه فهو النّائي عنك، وإن تباعدت أنت عنه.
266 - قال الأحوص الأنصاري [449]: [من الطويل]
1 - وكم من مُليمٍ لم يُصَبْ بملامةٍ
ومُتَّبَعٍ بالذنبِ ليسَ له ذنبُ
2 - وكم من محبٍّ صدَّ من غير بغضةٍ
وإن لم يكن في ودِّ خِلَّتِهِ عَتْبُ
* * *
267 - وقال الشاعر: [من الكامل]
فإنَّ اعترافَ المَرْءِ يمحو اقترافَهُ
كما أنَّ إنكارَ الذنوبِ ذنوبُ
[449] ديوان الأحوص 264.
268 - كما قيل: [من الوافر]
إذا ما رأس أهل البيت وَلَّى
بدا لهمُ من النّاس الجَفاءُ
* * *
269 - قال أمية بن أبي الصلت [450]: [من الطويل]
1 - وسمَّيْتني باسمِ المُفَنَّدِ رَأْيُهُ
وفي رَأْيكَ التفنيدُ لو كنتَ تَعْقِلُ
[451]
2 - تراهُ مُعِدّاً للخِلافِ كَأَنَّهُ
بِرَدٍّ على أهلِ الصَّوابِ مُوَكَّلُ
* * *
[450] ديوان أمية بن أبي الصلت 432 - 433. [451] الفَنَد: الخَرَف، وإنكار العقل من مرض أو هرم، - مُعِدّاً: أي معِدّاً نفسه (هامش الديوان).
270 - قال أبو العلاء المعري [452] [من البسيط]
1 - تَكَسَّبَ النّاسُ بالأَجْسام فامْتَهَنوا
أَرْواحَهُمْ بالرَّزايا في الصِّناعاتِ
2 - وحاوَلُوا الرِّزْقَ بالأَفْواهِ فاجْتَهَدوا
في جَذْبِ نَفْعٍ بنَظمٍ أو سجاعاتِ
* * *
271 - وقال أبو العلاء [453]: [من البسيط]
تروم رزقاً بأن سَمَّوك مُتَّكِلاً
وأَدْيَنُ الناسِ مَنْ يَسْعى ويحترفُ
* * *
[452] اللزوميات 1/ 153. [453] اللزوميات 2/ 106.
272 - قال الشاعر [454]: [من الطويل]
1 - لَعَمرُكَ ما يَدْري الفَتَى أيُّ أَمْرهِ
وإنْ كان محروصاً على الرُّشْدِ أرشدُ
2 - أفي عاجلاتِ الأمر أم آجلاتِهِ
أم اليومُ أدنى للسعادةِ أم غدُ
273 - وقال أبو الطيب المتنبي [455]: [من الطويل]
وفي النّاسِ مَنْ يَرْضَى بِمَيْسورِ عَيْشِهِ
وَمْركوبُهُ رِجْلاهُ والثَّوْبُ جِلْدُهُ
* * *
[454] الأمالي لأبي علي القالي - العصرية - 527 - 528. [455] شرح ديوان المتنبي 2/ 123.
274 - قال صالح بن عبد القدوس [456]: [من الكامل]
إنَّ التّرفُّقَ للمُقيمِ مُوافِقٌ
وإذا يُسافِرُ فالتَّرفُّقُ أوفَقُ
* * *
[456] ديوان صالح بن عبد القدوس.
275 - قال أبو الحسن التهامي [457]: [من الكامل]
ثَوْبُ الرِّياءِ يَشِفُّ عَمّا تَحْتَهُ
فإذا الْتَحَفْتَ به فإنَّكَ عاري
[457] ديوان أبي الحسن التهامي 54.
276 - قال أبو الطيب المتنبي [458]: [من الطويل]
وَمَا أَنا مِمَّنْ يَدَّعي الشَّوْق قَلْبُهُ
ويَحْتَجُّ في تَرْكِ الزيارَةِ بالشُّغْلِ
* * *
[458] شرح ديوان المتنبي 4/ 11.
277 - قال الحريري [459] في مقاماته: [من الكامل]
وَهُناكَ إنْ تَرَ ما يَشينُ فَوَارِهِ
كرماً وإنْ تَرَ ما يَزينُ فَأَفْشِهِ
* * *
[459] البيت تقدَّم في الفصل الأول من هذا الكتاب (الحكم المنوعة) رقم 7، وهو البيت الرابع فيها، والقصيدة والبيت فيها في خريدة القصر - قسم العراق - 4/ 2/ 664.
278 - قال الباخرزي [460]: [من الكامل] [461]
ما أَنْتَ بالسَّبَبِ الضَّعيفِ وإنما
نجحُ الأمورِ بِقُوَّةِ الأَسْبابِ
* * *
[460] هو علي بن الحسن بن علي بن أبي الطيب الباخرزي أبو الحسن، أديب من الشعراء الكتّاب، صاحب كتاب دُمية القصر، توفي سنة 467ﻫ/ 1075م (وفيات الأعيان. وسير أعلام النبلاء، والأعلام 5/ 81). [461] البيت مع آخر منسوبين للعمراوي، أو للزبير بن بكار في (المحمدون) - مجمع - 4، وفي معجم الشعراء للمرزباني - كرنكو - 446 وعبد الستار فراج 402، ودار صادر 466.
279 - قال ابن الرومي [462]: [من الطويل]
1 - وهَبْني كَتَمْتُ الـسِّرَّ أو قلتُ غَيْرَه
أَتَخْفَى على أهلِ العقولِ السَّرائرُ
2 - أبى ذاك أن الـسِّرَّ في الوجهِ ناطقٌ
وأنَّ ضميرَ القلبِ في العينِ ظاهرُ
* * *
[462] البيتان في ديوان ابن الرومي - دار الكتب العلمية - 2/ 249.
280 - قال الشاعر: [من الوافر]
إذا غَلَبَ الشَّقاءُ على سفيهٍ
تنطَّعَ في مخالفةِ الفقيهِ
281 - لعليٍّ س، أو للشافعي رحمه الله [463] [من الوافر]
1 - إذا فاهَ السَّفيهُ بسبِّ عِرْضي
كرهتُ بأن أكونَ لهُ مجيبا
2 - يزيدُ سفاهةً فأزيدُ حلماً
كَعودٍ زادَهُ الإحراقُ طيبا
* * *
282 - قال أبو العلاء المعرّي [464] [من الطويل]
1 - ضحكنا وكانَ الضـِّحكُ مِنّا سَفاهَةً
وحُقَّ لسُكّانِ البَسيطَةِ أن يبكوا
2 - تُحَطِّمُنا الأَيّامُ حَتَّى كأنَّنَا
زُجاجٌ ولكنْ لا يُعادُ لهُ سَبْكُ
[465]
283 - قال معاوية بن أبي سفيان [466]: [من الطويل]
وإنَّ سَفاهَ الشَّيْخِ لا حِلْمَ بَعْدَهُ
وإنَّ الفَتَى بعد السَّفَاهةِ يحلمُ
* * *
[463] البيتان مختلفا النسبة بين: الشـافعي رحمه الله، فهما في ديوانه 36 برواية (يخاطبني السَّفيهُ بكلِّ قبحٍ * فأكـرهُ...) وبين: علي بن أبي طالب س في الشـعر المنـسوب لسيد الأهل 20، وفي ديوانه لنعيم زرزور 28، ورواية البيت الأول فيها (يخاطبني السَّفيهُ بكلِّ قبحٍ * فأكرهُ...) والمثبت هنا من رواية الشيخ رحمه الله. [464] اللزوميات 2/ 151 بروايـة (يُحطِّمنـا ريبُ الزمـانِ كأنَّنا) وما أثبتـه رواية الشـيخ رحمه الله. [465] البيت واحد من ثلاثة أبيات في ديوان ديك الجـن - مظهر الحجي - 224 - وطبعـه دار الثقافة 194 وطبعة ملوحي 111 وفي كل الطبعات ضمن الشعر المنسوب إليه. [466] البيت متنازع النسـبة بين عدد من الشعراء؛ أقدمهم زهير بن أبي سُلْمى، فقد ورد البيت في معلقته عن الزوزني، ومنهم معاوية بن أبي سفيان س في ديوانه 118، وغيرهما. انظر: شعر زهير بن أبي سلمى لقباوة ص29 الهامش.
284 - قال ديك الجن الحمصي [467]: [من الكامل]
سُكْرانِ: سُكْرُ هَوًى، وسُكْرُ مدامةٍ
فَمَتى إفاقَةُ مَنْ بهِ سُكْرانِ
* * *
[467] البيت واحد من ثلاثة أبيات في ديوان ديك الجن - مظهر الحجي - 224 - وطبعه دار الثقافة 194، وطبعة ملوحي 111، وفي كل الطبعات ضمن الشعر المنسوب إليه.
285 - قال الشاعر: [من الطويل]
سَلامٌ وتَفْسيرُ السَّلامِ سَلامةٌ
تَحِيَّةُ مشتاقٍ وتُحْفَةُ زائِرِ
* * *
286 - وبَعْدُ، فَهَلْ خَلَقَ الله شَيْئاً أَوْقَعَ بالقُلوبِ، وأَشَدَّ اخْتِلاساً للعُقولِ من الصَّوْتِ الحَسَنِ، لاسِـيَّما إذا كانَ من وَجْهٍ حَسَـنٍ، كما قالَ الشّاعِرُ [468]: [مجزوء الرجز]
1 - رُبَّ سَماعٍ حَسَنِ
سَمِعْتُهُ مِنْ حَسَنِ
2 - مُقَرِّبٍ مِنْ فَرَحٍ
مُبَعِّدٍ مِنْ حَزَنِ
* * *
[468] البيتان مع ثالث في العقد الفريد 6/ 8 بلا نسبة.
287 - قال أبو العلاء المعري [469]: [من البسيط]
1 - اِرجِعْ إلى السِّنِّ فانْظُرْ ما تقادُمُها
فاحْكُم عَلَيْهِ ولا تحكُمْ على الشَّعرِ
2 - فكم ثلاثين حولاً شَيَّبَتْ وَمَضَتْ
سُتُّونَ والشَّيْبُ فيها غَيْرُ مُسْتَعرِ
3 - وَلَيْسَ ذلك إلا صِبْغَة جُعِلَتْ
طبعاً وإنْ قيلَ شابَ الرأسُ للذُّعرِ
* * *
[469] الأبيات في اللزوميّات 1/ 367.
288 - قال عبد الحميد الرافعي: [من البسيط]
1 - ومَنْ نأى جادَ مِنْ بُعْدٍ بعاطفِةٍ
تُنْـسي المُعَنَّى مِنَ الأيامِ ما قاسى
2 - وربَّ بيتٍ نديِّ الروحِ ذي عِظَةٍ
سَلَّى الحزينَ ومكلومَ الحشا آسى
3 - ورُبَّ قولٍ تخالُ النُّورَ يسطعُ مِنْ
خِلالِه كانَ للألبابِ مقياسا
* * *
289 - قال الشاعر: [من الطويل]
فَـسِرْ مُـسرعاً فالسَّيْلُ خَلْفَك مـسرعٌ
فهيهاتَ لي منه مَفَرٌّ ومَفْزَعُ
* * *
290 - قال أحمد بن أبي فنن [470]: [من البسيط]
قالَتْ: عهدتُكَ مجنوناً، فقلت لها:
إنَّ الشَّبابَ جنونٌ برؤُهُ الكبرُ
* * *
291 - قال أبو العتاهية [471]: [من الرجز]
إنَّ الشبابَ والفراغَ والجدَهْ
مَفْسَدَةٌ للمَرْءِ أيُّ مَفْسَدَهْ
* * *
292 - قال المتنبي [472]: [من الخفيف]
آلَةُ العَيْشِ صِحَّةٌ وشَبابٌ
فإذا وَلَّيَا عَنِ المَرْءِ وَلَّى
* * *
293 - قال المتنبي أيضاً [473] [من البسيط]
وَقَدْ أَراني الشَّبابُ الرُّوحَ في بَدَني
وَقَدْ أراني المَشيبُ الروحَ في بَدَلي
[474]
* * *
294 - وقال أبو العلاء المعري [475]: [من الطويل]
1 - إذا خَطَبَ الزَّهْراءَ كَهْلٌ وناشِئٌ
فإنَّ الصّبا فيه شفيعٌ مُشَفَّعُ
2 - ولا يُزْهِدَنْها عُدْمُهُ إنّ مُدَّهُ
لأبْرَكُ من صاعِ الكبيرِ وأَنْفَعُ
* * *
295 - أنشد بعضهم في الشيب [476]: [من الخفيف]
1 - يا بياضَ المَشيبِ سَوَّدْتَ وَجْهي
عِنْدَ بـِيِضِ الوجوهِ سُودِ القُرونِ
2 - فلعمري لأُخْفِيَنَّكَ جَهدي
عَنْ عِياني وعن عِيان العُيونِ
3 - فسوادٌ فيه بَياضٌ لِوَجْهي
واسودادٌ لِوَجْهكَ الملعونِ
[477]
* * *
296 - قال أبو العلاء المعري [478]: [من الطويل]
1 - إذا ما أسنَّ الشَّيْخُ أقْصاهُ أَهْلُهُ
وَجارَ عَلَيْه النَّجْلُ والعَبْدُ والعرسُ
2 - وأكثرَ قولاً والصَّوابُ لمثلِهِ
على فَضْلِهِ ألا يُحَسَّ له جَرْسُ
* * *
[470] هو أحمد بن صـالح بن أبي فَنَن أبو عبدالله شـاعر مطبوع توفي سنة 278ﻫ/ 992م (فوات الوفيات 1/ 70، ومعجم الشعراء العباسيين 372). [471] البيت في ديوان أبي العتاهية - د. شكري فيصل - 448. [472] شرح ديوان المتنبي للبرقوقي 3/ 250. [473] شرح ديوان المتنبي للبرقوقي 3/ 202. [474] يقول: (إنه كان حيّاً حين كان شاباً، فلما شاب صار كأنه قد مات وانتقلت روحه إلى غيره: والمعنى أنه تغيّر بعد المشيب حتى صار غير ما كان أولاً). [475] اللزوميات 2/ 84. [476] الأبيات في ديوان ابن الرومي 3/ 411. [477] رواية الديوان: (بخضاب فيه ابيضاض لوجهي*) والمثبت بخط الشيخ رحمه الله. [478] اللزوميات 2/ 13.
297 - وقال أبو العلاء أيضاً [479]: [من الكامل]
1 - أَعْدَى عَدُوّ ٍ لابنِ آدمَ خِلْتُهُ
ولدٌ يكونُ خروجُهُ من ظَهْرِهِ
2 - أتُسِرُّ شَيْبَكَ عن جَليسِكَ ضَلَّةً
والشَّيْبُ لَيْس بعاجزٍ عن جَهْرِهِ
* * *
[479] اللزوميات 1/ 387.
298 - قال أبو العلاء المعري [480]: [من الطويل]
1 - وَجَدْتُكَ أَعْطَيْتَ الشّجاعَةَ حَقّها
غَدَاة لَقيتَ المَوْت غَيْرَ هيوبِ
2 - إذا قُرِن الظَّنُّ المصيبُ من الفتى
بتجربةٍ جاءا بِعِلْمِ غُيوبِ
299 - وقال المتنبي [481]: [من الوافر]
1 - يرى الجبناءُ أنَّ العجزَ عقلٌ
وتلكَ خَديعةُ الطَّبْعِ اللَّئيمِ
2 - وكلُّ شَجاعةٍ في المَرْء تُغْني
ولا مِثْلَ الشَّجاعةِ في الحَكيمِ
3 - وكم من عائبٍ قَوْلاً صَحيحاً
وآفَتُه من الفَهْم السَّقيمِ
* * *
[480] البيتان في اللزوميات 1/ 107. [481] شرح ديوان المتنبي 4/ 246.
300 - قال أبو تمام: [من الطويل]
شَكَوْتُ وما الشَّكْوى لِنَفْـسِيَ عادةٌ
ولكنْ تَفيضُ النفْسُ عند امتلائِها
[482]
* * *
301 - وقال بشار بن برد [483]: [من الطويل] [484]
ولابُدَّ مِنْ شكوى إلى ذي مُروءَةٍ
يُواسيكَ أو يُسْليكَ أو يَتَوَجَّعُ
* * *
302 - وقال الشاعر: [من الخفيف]
أَيَنَ لي مُسْعِدٌ فَأَشْكو إليه
إنما يُسْعِدُ الحَزينَ الحَزينُ
* * *
[482] البيت في ديوان أبي تمام 4/ 442، وانظر: التذكرة الحمدونية 5/ 39. [483] هو بَشّار بن بُرْد العُقَيْلي بالولاء، أبو معاذ، أشعر المولّدين على الإطلاق، وكان ضريراً، أدرك الدولتين الأمويـة والعباسـية. توفي سـنة 167ﻫ/ 784م (الأغانـي - دار الكتب - 3/ 135، والأعلام 2/ 24). [484] ديوان بشار: 553.
303 - قال محمد بن حازم الباهلي [485]: [من الطويل] [486]
1 - ولستُ بميّالٍ إلى جانبِ الغِنى
إذا كانتِ العَلْياءُ مِنْ جانبِ الفَقْرِ
2 - وإنِّي لصَبّارٌ على ما ينوبني
وحسبُكَ أنَّ اللهَ أَثْنَى على الصَّبْرِ
* * *
304 - وقال أبو العتاهية [487]: [من الكامل]
1 - اِصْبـِرْ لِكُلِّ مُصيبةٍ وتَجَلَّدِ
واعْلَمْ بأنَّ المَرْءَ غَيْرُ مُخَلَّدِ
2 - أَوَ ما تَرَى أَنَّ المَصائِبَ جَمَّةٌ
وَتَرى المَنِيَّةَ لِلْعِبادِ بِمَرْصَدِ
* * *
305 - وقال جعفر الحلّي [488]: [من الطويل]
فكُنْ يا أبا المَهْديّ في الخَطْبِ صابراً
فَما انقادَتِ الآمالُ إلا لصابرِ
* * *
[485] هو محمد بن حازم بن عمرو الباهلي بالولاء أبو جعفر: شاعر مطبوع، كثير الهجاء، لم يمدح من الخلفاء العباسيين إلا المأمون. نشأ بالبصرة، وسكن بغداد إلى أن مات بها سنة (265ﻫ/ 830م) (تاريخ بغداد 2/ 295، والأعلام 6/ 304). [486] أخلَّ بهما ديوان الباهلي. [487] ديوان أبي العتاهية - شكري فيصل - 110. [488] هو جعفر بن أحمد بن محمد بن حسن بن عيسى الحِلّي كمال الدين: شاعر من أهل الحِلّة، له ديوان شـعر جُمع بعد وفاته، (توفي سـنة 1315ﻫ/ 1897م) (الأعلام 2/ 115).
306 - قال أبو الحسن التِّهامي: [من الكامل] [489]
للهِ دَرُّ الحادثاتِ فإنَّها
صدأُ العُقولِ وصَيْقَلُ الأحرارِ
* * *
307 - وقال أمين الجندي [490]: [من الطويل]
[491]
أنادي فَلا أَلْقَى مُجيباً سِوى الصَّدى
فأحسبُ أَنَّ الحيَّ ليس بآهلِ
* * *
[489] ديوان أبي الحسن التهامي: 63، برواية (لله درُّ النائباتِ فإنها صدأ اللئامِ...). [490] هو أمين بن محمد بن عبد الوهاب الجندي المعري ثم الدمشقي، مفتي الحنفية بدمشق، له ديوان فيه نظم ومواليا. توفي سنة 1295ﻫ/ 1878م (روض البشر 44، والأعلام 1/ 261). [491] من شعر أمين الجندي 314.
308 - قال [492] عدي بن زيدٍ العبادي [493]: [من الطويل] [494]
إذا أَنْتَ لم تَنْفَعْ بوُدِّكَ أَهْلَهُ
ولم تَنكِ
[495] بالبُؤْسى عَدُوَّكَ فابْعدِ
* * *
309 - وقال امرؤ القيس [496]: [من الطويل] [497]
1 - إذا قلتُ هذا صاحبٌ قَدْ رَضـِيتُهُ
وقَرّتْ به العَيْنانِ بُدِّلْتُ آخَرا
2 - كذلك جَدّي ما أُصاحِبُ صاحِباً
مِنَ النّاسِ إلا خانَني وتَغَيَّرا
* * *
310 - قال المغيرة بن حبناء [498]: [الطويل]
1 - وخُذْ مِنْ أَخيكَ العَفْوَ واغْفِرْ ذُنوبَهُ
ولا تَكُ في كُلِّ الأُمورِ تُعاتِبُهْ
2 - فإنَّكَ لن تَلْقَى أخاكَ مُهَذَّباً
وأيُّ امرئٍ يَنْجو مِنَ العَيْبِ صاحِبُهْ
* * *
311 - قال الكُمَيْت بن زيد الأسدي: [من الطويل]
إذا كُنْتَ في قَوْمٍ عدىً لَسْتَ منهم
فَكُلْ ما عُلِفْتَه من خَبيثٍ وطَيِّبِ
* * *
312 - وقال النابغة الشيباني [499]: [من الطويل]
1 - تودُّ عدوي ثم تزعمُ أنني
صديقُكَ إنَّ الرأيَ منك لعازبُ
2 - وليس أخي من وَدَّني بلسانه
ولكنْ أخي من وَدَّني وَهْوَ غائبُ
* * *
313 - حَدَّثَ الربيعُ بن سليمان المرادي قال: أنشدنا الشافعُّي رحمه الله [500]: [من الوافر]
1 - صَديقٌ لَيْسَ يَنْفَعُ يَوْمَ بَأْسِ
قَريبٌ من عَدُوّ ٍفي القياسِ
2 - وما يُبْغَى الصَّديقُ بكُلِّ عَـصْرٍ
ولا الإخوانُ إلا للتَّأسّي
3 - تَنكَّرِتِ البلادُ عَلَيَّ حَتَّى
كأنَّ أُنَاسَها لَيْسُوا بِناسي
[492] البيت متنازع بين طرفة بن العبد وعدي بن زيد العبادي، ولم يذكره شُرّاح المعلقات في معلَّقة طرفة. [493] هو عدي بن زيد بن حماد بن زيد العبادي التميمي: شاعر من دهاة الجاهليين كان فصيحاً يحسن العربية والفارسية. توفي نحو سنة 35ق.ﻫ/ 590م) (الأغاني - دار الكتب 2/ 97، والأعلام 5/ 9 - 10). [494] ديوان عدي بن زيد: 105، وديوان طرفة: 150، وجمهرة أشعار العرب 1/ 453. [495] تنكِ: من نكى ينكي العدو: أصاب منه، والبؤسى: الشدة (هامش الجمهرة 1/ 453). [496] هو امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي، أشهر شعراء العرب على الإطلاق، كان أبوه ملك أسد غطفان، شاعر جاهلي مات سنة 80 ق.ﻫ/ 545 (الأغاني - دار الكتب - 9/ 77، والأعلام 1/ 353). [497] شرح ديوان امرئ القيس - بيروت - 69. [498] ديوان ابن حبناء: ص99. [499] ديوان النابغة الشيباني - طبعة وزارة الثقافة السورية - 273 (ملحق الديوان). [500] ديوان الشافعي - دار القلم - 80، ودار البشائر 103، وطبقات الشافعية 1/ 301، وتنبيه المغترّين ص99.
314 - قال صالح بن عبد القدوس [501]: [من الطويل]
1 - إذا كانَ ودُّ المَرْءِ لَيْسَ بِزائِدٍ
على مرحباً، أوكَيْفَ أنت وحالُكا؟
2 - ولم يَكُ إلا ضاحكاً
[502] أو محدِّثاً
فَأُفٍّ لوُدّ ٍلَيْسَ إلّا كَذلِكا
3 - لسانُكَ مَعْسولٌ ونَفْسُكَ بَشَّةٌ
وعند الثُّريّا من صَديقكَ مالُكا
4 - وأَنْتَ إذا هَمَّتْ يمينُكَ مَرَّةً
لِتَفْعَلَ خيراً قاتَلَتْها شمالُكا
* * *
315 - وقال محمد بن حازم الباهلي في المعنى السابق [503]: [من الطويل]
1 - وإنَّ مِنَ الإخْوانِ إخْوانَ كثرةٍ
وإخْوانَ حيَّاكَ الإلهُ ومرحبا
2 - وإخْوانَ كيف الحالُ والأهلُ جملةً
وذلك لا يَسْوى نَقيراً مُتَرَّبا
[504]
3 - جَوادٌ إذا استغنيتَ عنه بمالِهِ
يقولُ إليَّ القَرْضُ والقرضَ فَاطْلُبا
4 - وإن أَنْتَ حاوَلْتَ الذي خَلْفَ ظَهْرِهِ
وَجَدْتَ الثُّريا منه في البعدِ أَقْربا
* * *
[501] الأبيات في روضـة العقلاء 92 منسـوبةً لصـالح بن عبد القدوس، و105 منسـوبةً لأعرابي، وانظر ديوانه. [502] في الروضة (ولم يك إلا كاشراً) واختار الشيخ رحمه الله اللفظ الأسهل والأوضح. [503] الأبيات في روضة العقلاء 105، وانظر ديوان الباهلي 31. [504] النقير: النكتة في ظهر النواة. والمترب: الملوث بالتراب.
316 - قال بشار بن برد [505]: [من الطويل]
1 - إذا كنتَ في كُلِّ الأمورِ
[506] معاتباً
صديقَكَ لم تَلْقَ الذي لا تعاتِبُهُ
2 - فَعِشْ واحِداً أوصِلْ أخَاكَ فإنه
مُقارِفُ ذَنْبٍ مَرَّةٍ ومجانبُهْ
3 - إذا أنت لم تـشربْ مراراً على القذى
ظمئتَ وأيُّ النّاسِ تصفو مشاربُهْ
[507]
4 - ومَنْ ذا الذي تُرْضى سجاياه كُلُّها
كَفَى المَرْءَ نُبْلاً أَنْ تُعَدَّ مَعائِبُهْ
[508]
* * *
[505] ديوان بشار بن برد 141 - 142 ما عدا الأخير. [506] رواية الديوان: (إذا كنْتَ في كُلِّ الذنوبِ معاتباً*). والمعنى: إذا رُحْتَ تعاتب كلَّ صديقٍ مذنبٍ فإنك لن تجد صديقاً خالياً من العيوب لاتعاتبه. [507] القـذى: غبار يصـيب العين فيؤذيهـا (الديـوان) مشـاربه: جمـع مشـرب، وهـو ما يُشرب. [508] سجاياه: أخلاقه وعاداته.
317 - قال أبو فراس الحمداني [509]: [من الكامل]
1 - لا أرتـضي وُدًّا إذا هُوَ لم يَدُم
عند الجفاءِ وقلَّةِ الإنصافِ
2 - إنَّ الغَنِيَّ هو الغنيُّ بنفسه
ولوَانَّهُ عاري المناكبِ حافي
3 - ما كلُّ ما فوق البسيطة كافياً
فإذا قنعتَ فكلُّ شيءٍ كافِي
* * *
[509] ديوان أبي فراس - ألتونجي - 196.
318 - قال المتنبي [510]: [من الوافر]
وَهَبْني قُلْتُ هذا الصُّبْحُ ليلٌ
أَيَعْمَى العالَمُونَ عَنِ الضـِّياءِ
* * *
[510] شرح ديوان المتنبي للبرقوقي 1/ 138.
319 - وقال المتنبي أيضا [511]: [من الطويل]
ومِنْ نَكَدِ الدُّنْيا على الحُرِّ أَنْ يَرَى
عَدُوّاً لَهُ ما مِنْ صداقته بُدُّ
* * *
[511] شرح ديوان المتنبي 2/ 93.
320 - وقال أيضاً [512]: [من الكامل]
1 - لا يَخْدَعَنَّكَ مِنْ عَدُوّ ٍ دَمْعُهُ
وَارْحَمْ شَبابَكَ من عَدُوٍّ تَرْحَمُ
[513]
2 - لا يسلمُ الشَّرَفُ الرفيعُ من الأذى
حَتَّى يُراقَ على جَوانِبـِهِ الدَّمُ
[514]
3 - الظُّلْمُ من شِيَمِ النُّفُوسِ فإنْ تَجِد
ذا عِفَّةٍ فَلِعِلّةٍ لا يَظْلِمُ
[515]
4 - ومِنَ البَليَّةِ عَذْلُ مَنْ لا يَرْعَوي
عَنْ غَيِّهِ وخِطابُ مَنْ لا يَفْهَمُ
[516]
5 - ومِنَ العَداوَةِ ما ينالُكَ نَفْعه
ومِنَ الصَّداقَةِ ما يَضُرُّ ويُؤْلِمُ
[517]
6 - ذو العَقْلِ يَشْقَى في النعيم بِعَقْله
وأخو الجَهالَةِ في الشَّقاوَةِ يَنْعَمُ
[518]
* * *
[512] شرح ديوان المتنبي 4/ 251 - 254. [513] يقول: (لا تنخدع ببكاء عدو يستعطفك، ولا ترحمه وارحم نفسك منه؛ فإنك إن رحمته وأبقيت عليه ثم ظفر بك لم يرحمك ولم يُبقِ عليك) (البرقوقي). [514] يقول: (لا يسلم الشريف شرفُه من أذى الحسّاد والمعادين حتى يَقتل حساده وأعداءه، فإذا أراق - أي: سـفك - دماءهم سـلم شـرفه؛ لأنـه يصير مهيباً فلا يُتعرض له) البرقوقي. [515] يقول: (إن الناس جُبلوا على الظلم، فإذا رأيت عفيفاً لا يظلم، فإنما تركه الظلم لعلَّةٍ: كالخوف والعجز ونحوهما) البرقوقي. [516] العذل: اللوم، ويرعوي: يكفّ ويُقلع، والغيّ: نقيض الرشد. [517] قال ابن جني: يعني أن عداوة الساقط تدلُّ على مباينة طبعه فتنفع - يريد: لا تضر - وصداقته تدلُّ على مناسبته فتضرّ. قلت: يريد أن عداوته لا تضر وصداقته لا تنفع بل تضر. [518] يقول: إن العاقل يشقى وإن كان في نعمة لتفكيره في عاقبة الأمور، وعلمه بتحول الأحوال، والجاهل ينعم وهو في الشقاوة لغفلته وقلة تفكيره في العواقب.
321 - قال عبدالله بن المبارك
[519]: [من الرمل]
[520]
1 - وإذا صاحبتَ فاصحبْ ماجداً
ذا حياءٍ وعَفافٍ وكَرَمْ
2 - قولُهُ للشَّيْء: لا، إنْ قُلْتَ: لا،
وإذا قُلْتَ: نَعَمْ: قالَ: نَعَمْ
* * *
322 - قال أبو العلاء المعري [521]: [من الطويل]
إذا كان إكرامي صَديقيَ واجباً
فإكرامُ نَفْـسي لا مَحالَةَ أوْجَبُ
* * *
[519] هو عبدالله بن المبارك بن واضح الحنظلي بالولاء التميمي المروزي، أبو عبد الرحمن الحافظ: شـيخ زاهـد مجاهـد تاجـر، صاحب التصانيف والرحلات. توفي سنة 181ﻫ/ 979 (تاريخ دمشق - المجمع 38/ 301 - 389). [520] البيتان في ديوان عبدالله بن المبارك: 89، فيما نسب إليه وإلى غيره. وانظر: تاريخ دمشق 38/ 335، فقد ذكر أنه تمثّل بهما، وكذلك ذكر النووي في تهذيب الأسماء واللغات 1/ 285. [521] اللزوميات 1/ 65.
323 - وقال أبو العلاء أيضاً [522]: [من الطويل]
عَصًا في يَدِ الأَعْمَى يَرومُ بها الهُدى
أبَرُّ له من كُلِّ خِدْنٍ وَصاحِبِ
[523]
[522] البيتان في اللزوميات 1/ 101. [523] الخِدن والخدين: الصديق، وفي المحكم: الصاحب المحدث (اللسان).
324 - وقال أيضاً [524]: [من البسيط]
1 - طال التَّبَسُّطُ منّا في حَوائجنا
وإنَّما نَحْنُ فَوْقَ الأَرْضِ أضيافُ
[525]
2 - يريدُ خِلٌّ خليلاً كي يوافِقه
في الطَّبْعِ هَيْهاتَ إنَّ النّاسَ أَخْيافُ
[526]
3 - لولا التخالفُ لم تركض لِغارَتها
خَيْلٌ ولم تُفْنَ أرماحٌ وأَسْيافُ
* * *
325 - وقال أبو العلاء [527] أيضاً: [من الطويل]
1 - فُؤادُكَ خَفّاقٌ وبَرْقُكَ خافِقُ
وأَعْياك في الدُّنْيا خَليلٌ مُوافقُ
2 - تخيَّرْ فإمّا وحدةٌ مثلُ ميتةٍ
وإما جليسٌ في الحياة منافقُ
3 - أَرَدْتَ رَفيقاً كي ينالَكَ رِفْقُهُ
فَدَعْهُ إذا لَمْ تَأْتِ منه المَرافِقُ
* * *
326 - قال الشاعر [528]: [من الطويل]
1 - إذا كنتَ ترضيه ويرضيك صاحبٌ
جهاراً فكن في الغيب أَحْفَظَ للعهدِ
2 - وألغِ أحاديثَ الوشاةِ فقلَّما
يحاولُ واشٍ غيرَ هجرانِ ذي ودِ
* * *
[524] اللزوميات 2/ 107. [525] التبسّط: الانطلاق والسعي (اللسان). [526] أخياف: أي مختلفون (القاموس). [527] اللزوميات: 2/ 125. [528] شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك: 2/ 163.
327 - قال الحريري [529]: [من السريع]
1 - جَزَيْتُ مَنْ أعلقَ بي وُدَّهُ
جَزاءَ مَنْ يَبْني على أُسِّهِ
[530]
2 - وكِلْتُ للخلّ كما كالَ لي
على وفاء الكيل أو بَخْسِهِ
[531]
3 - ولم أُخَسِّرْهُ وشَرُّ الورى
مَنْ يومُهُ أَخْسَرُ من أَمْسِهِ
[532]
4 - وكُلُّ مَنْ يَطْلبُ عندي جَنَىً
فمالَهُ إلا جَنَى غَرْسِهِ
[533]
5 - لا أَبْتَغي الغَبْنَ ولا أَنْثَني
بصَفْقَهِ المَغْبُونِ في حِسِّهِ
[534]
6 - ولستُ بالمُوجبِ حقاً لمنْ
لا يُوجب الحقَّ على نَفْسِهِ
7 - ورُبَّ مَذّاق الهوى خالني
أصْدقهُ الوُدَّ على لَبْسِهِ
[535]
8 - وما درى مِنْ جَهله أَنَّني
أقـضي غريمي الدّينَ من جنسِهِ
9 - فاهْجُر مَنِ استَغْباك هَجْرَ القِلَى
وَهْبهُ كالملحودِ في رَمْسِهِ
[536]
10 - ولا تُرَجِّ الوُدَّ مِمَّنْ يرى
أَنَّكَ محتاجٌ إلى فَلْسِهِ
* * *
[529] شرح مقامات الحريري: 36 - 37. [530] أسه: أساسه وأصله (هامش المقامات). [531] بَخْسه: أي نقصه. [532] لم أُخَسِّرْه: أي لم أُنَقِّصْهُ. [533] جنًى: أي ثمراً. [534] الغبْن: النقص، ولا أنثني: أي لا أنصرف، والمغبون: الخسران. [535] المَذّاق: الخلاط غير المخلص في المودة. [536] استغباك: استجهلك، والقلى: البغض، والملحود في رمسه: المدفون في قبره. هامش المقامات.
328 - قال الشاعر [537]: [من الطويل]
لعمرُكَ ما مالُ الفَتَى بذخيرةٍ
ولكنَّ إخوانَ الثّقاتِ الذخائرُ
* * *
329 - وقال الآخر [538]: [من الطويل]
صديقُكَ لا يُثْني عَلَيْكَ بطائلٍ
فماذا ترى فيك العَدُوُّ يقولُ
* * *
[537] البيت بلا نسبة في (الصداقة والصديق) 298، وهو مما أنشده ابن الأعرابي في العقد الفريد 2/ 289. [538] البيت مما أنشده الأصمعي في (الصداقة والصديق) 51.
330 - وقال الشاعر [من الوافر]
1 - إذا عادى صديقُكَ مَنْ تُعادي
فقد صافاكَ ما حانَ الحِمامُ
2 - وإن صافى صديقُكَ مَنْ تُعادي
فقد عاداكَ وانقطعَ الكلامُ
* * *
331 - رُويَ عن ابن عباس، وقاله الإمام أحمد: قال الشاعر: [من الوافر]
1 - إذا كتب الخليلُ إلى خَليلٍ
فحقٌّ واجبٌ ردُّ الجوابِ
2 - إذا الإخوان فاتَهمُ التَّلاقي
فما صلةٌ بأحسنَ من كتابِ
* * *
332 - وقال الآخر [539]: [من البسيط]
1 - خِلٌّ إذا جئتَه يوماً لتسألَهُ
أعطاكَ ما ملكتْ كفاه واعتذرا
2 - يُخفي صنائعَه واللهُ يظهرها
إنَّ الجميلَ إذا أخفيتَه ظهرا
* * *
[539] البيتان بلا نسبة في (المحاسن والمساوئ) 210.
333 - قال محمود الوراق [540]: [من الطويل]
1 - رأيتُ صَلاحَ المرءِ يُصْلحُ أَهْلَه
ويُعْديهُمُ داءُ الفَسَادِ إذا فَسَدْ
2 - يُشَرَّفُ في الدُّنْيا بفَضْلِ صلاحِهِ
ويُحْفَظُ بعد المَوْتِ في الأَهْلِ والوَلَدْ
* * *
[540] البيتان في ديوان الورّاق 97.
334 - قال أبو الفتح البُسْتي [541]: [من الطويل]
1 - تَكَلَّمْ وَسَدِّدْ ما اسْتَطَعْتَ فإنَّما
كلامُكَ حيٌّ والسُّكوتُ جَمادُ
2 - وإنْ لمْ تَجِدْ قولاً سَديداً تقولُهُ
فَصَمْتُكَ من غيرِ السَّدادِ سَدادُ
* * *
[541] ديوان أبي الفتح البستي 72.
335 - قال حسان بن ثابت س [542]: [من الكامل]
إنَّ الصَّنيعةَ لا تكون صنيعةً
حَتّى يُصابَ بها طريقُ المصنَعِ
* * *
336 - قال عبدالله بن همام السلولي [543]: [من الطويل]
1 - وما النّاسُ في شُكْرِ الصنائعِ بينهم
وفي كُفْرها إلا كبعضِ المَزارِعِ
2 - فَمَزْرَعَةٌ طابَتْ فَأُضْعِفَ نَبْتُها
وَمزْرَعَةٌ أكْدَتْ على كُلِّ زارعِ
[544]
* * *
[542] البيت مع آخر في ديوان حسان ين ثابت الأنصاري: 493، عن أدب الدنيا والدين للماوردي: 189، والبيت الثاني هو:
فإذا صَنَعْتَ صنيعةً فاعملْ بها
لله أو لذوي القَرابةِ أودَعِ
[543] الأبيات ستة في ديوان عبدالله همام 76 - 77.
[544] أضعف نبتها: زاد في العطاء - قلت: أي تضاعف نبتها -. وأكدت: ساء نبتها (هامش الديوان).
337 - قال الشاعر [من الرجز]
إثبات ضـِدَّيْن معاً في حالِ
أَقْبَحُ ما يأتي من المُحالِ
338 - قال أبو العلاء المعرّي [545]: [من الطويل]
1 - إذا المَرْءُ لَمْ يَغْلِبْ من الغَيْظِ سَوْرَةً
فَلَيْس وإن فَضَّ الصّفَا بشَديدِ
[546]
2 - ومن جَمَعَ الـضَّرّاتِ يَطْلُبُ لَذَّةً
فَقَدْ باتَ في الإضْرارِ غَيْرَ سَديدِ
* * *
339 - وقال أبو العلاء أيضاً [547] [من الطويل]
1 - إذا كُنْتَ ذا ثِنْتَيْنِ فَاغْدُ محارباً
عَدُوَّيْنِ وَاحْذَرْ من ثلاثِ ضَرائِرِ
2 - وإن هُنَّ أَبْدَيْنَ المودَّةَ والرضا
فَكَمْ من حُقُودٍ غُيّبَتْ في السَّرائر
[548]
3 - قِرانُكَ ما بينَ النّساء أذيَّةٌ
لَهُنَّ فلا تحملْ أذاةَ الحرائرِ
4 - وإن كُنْتَ غِرّاً بالزَّمانِ وأَهْلِهِ
فَتَكْفيكَ إحدى الآنساتِ الغرائِرِ
* * *
[545] البيتان ثلاثة في اللزوميات 1/ 247. [546] فضَّه: قطَّعه وكسَّره، والصفا: جمع الصفاة، وهي: الحجر العريض الأملس. [547] الأبيات خمسة في اللزوميات: 1/ 358. [548] الحُقُودُ: جمع الحِقْد.
340 - قال الشاعر: [من الطويل]
ألا قاتَلَ اللهُ الـضَّرورةَ إنَّها
تُبيحُ إلى المُضْطَرِّ أَدْنى الـضَّرائِر
* * *
341 - قال أبو العلاء المعري [549]: [من البسيط]
1 - لا تَسْألِ الضَّيْفَ إنْ أطْعَمْتَهُ ظُهراً
باللَّيْلِ هَلْ لَكَ في بعضِ القِرى أَرَبُ
2 - فإنَّ ذلكَ من قَوْلٍ يُلقَّنه
لا أَشْتَهي الزَّادَ وهُوَ الساغِبُ الحَربُ
[550]
3 - قَدِّمْ لَهُ ما تَأَتَّى ولا تؤامره
فيه وَلَوْ أَنَّهُ الطَّرْثوثُ والصَّرَبُ
[551]
* * *
[549] الأبيات في اللزوميات: 1/ 68. [550] الساغب: الجائع. [551] الطَّرْثوث: ضرب من النبت الرملي، والصَّرَبُ: اللبن الحامض (هامش الديوان).
342 - قال الشاعر [552]: [من الوافر]
إذا كانَ الطِّباعُ طِباعَ سوءٍ
فلا أدبٌ يفيدُ ولا أديبُ
* * *
[552] البيت مع بيتين آخرين في ثمار القلوب: 581، وعيون الأخبار: 2/ 5، والتذكرة الحمدونية: 2/ 248 بلا نسبة.
343 - وقال أبو العلاء المعري [553] [من الكامل]
1 - مَهْرُ الفَتاةِ إذا غَلا صونٌ لها
من أن يَبُتَّ عَشيرُها تطليقَها
2 - هَوِيَ الفِراقَ وخافَ من إغرامه
فأدامَ في أسبابه تعليقَها
3 - ولربما وَرِثتهُ أو سبقَتْ بها
أقدارُ ميتتها فكان طليقَها
* * *
344 - وقال المتنبي [554] أيضاً: [من المتقارب]
إذا ما عَلاَ المَرْءُ رامَ العُلا
ويَقْنَعُ بالدُّونِ مَنْ كانَ دُونا
* * *
[553] الأبيات في اللزوميات 1/ 140. [554] لم أجده من شرح ديوان المتنبي للبرقوقي.
345 - وقال الشاعر: [من الطويل]
وَلَمّا وَنَتْ في السَّيْرِ ثَـنّـيْتُ دَعْوتي
فكانت لها سوطٌ إلى ضحوةِ الغدِ
346 - وقال الشاعر: [من الطويل]
لأَسْتَسْهِلَّنَّ الصَّعْبَ أو أُدْرِكَ المُنَى
فَما انقادتِ الآمالُ إلاّ لصابِرِ
* * *
347 - قال زهير [555]: [من البسيط]
لو كنتُ أعجبُ من شيءٍ لأَعْجَبَني
سَعْيُ الفَتَى وهْوَ مَخْبوء له القَدَرُ
* * *
348 - قال الشاعر: [من الطويل]
على المرء أن يسعى ويبذل جهدَهُ
وليسَ عليهِ أن تتمَّ المقاصِدُ
[555] لم أجده في ديوان زهير صنعة ثعلب، ولا صنعة الأعلم الشنتمري.
349 - قال المتنبي [556]: [من البسيط]
لعلَّ عَتْبَكَ مَحْمودٌ عَواقِبُهُ
وَرُبَّما صَحَّتِ الأَبْدانُ بالعِلَلِ
* * *
350 - قال أبو العلاء المعري [557]: [من الوافر]
تمادَوْا في العِتابِ ولم يَتُوبوا
ولو سمعوا صَليلَ السَّيْفِ تابوا
* * *
[556] شرح ديوان المتنبي: 3/ 210. [557] اللزوميات: 1/ 72.
351 - قال أبو فراس: [من الطويل] [558]
وأعظمُ أعداءِ الرجالِ ثقاتُها
وأهونُ مَنْ عادَيْتَهُ مَنْ تُحاربُ
[558] ديوان أبي فراس - التونجي - 38.
352 - قال محمود الورّاق [559]: [من الطويل]
إذا كان وَجْهُ العُذْرِ لَيْسَ بـِبَيِّنٍ
فإنَّ اطِّراحَ العُذْرِ خَيْرٌ مِنَ العُذْرِ
* * *
[559] ديوان محمود الوراق: 122، وقبله ثلاثة أبيات.
353 - قال النمر بن تولب: [من الوافر]
لها ما تَشْتَهي عَسلٌ مُصَفَّى
إذا شاءَتْ وحُوّارى بسْمنِ
* * *
354 - قال دعبل [560]: [من المنسرح]
اسقِهِمُ السُّمَّ إنْ ظَفِرْتَ بهمْ
وامزُجْ لهم من لسانِكَ العَسَلا
[560] شعر دعبل: 170، نقلاً عن العقد الفريد: 2/ 338.
355 - قال الشاعر: [من الطويل]
وفي غابر الأَيّامِ ما يَعِظُ الفَتَى
ولا خَيْرَ فيمن لا تعظْهُ التجاربُ
* * *
356 - قال المتنبي [561]: [من الطويل]
وما قَتَلَ الأَحْرارَ كالعَفْوِ عَنْهمُ
وَمَنْ لَكَ بالحُرِّ الذي يَحْفَظُ اليَدَا
* * *
[561] شرح ديوان المتنبي: 3/ 113/ 11.
357 - قال الشاعر [562]: [من الكامل]
وتَعاقدا العَقْدَ الوَثيقَ وأَشْهدَا
من كُلِّ قومٍ مسلمين عدولا
[562] البيت بلا نسبة في المصباح المنير (عدل).
358 - وقال علي بن أبي طالب س [563]: [الطويل]
1 - يزينُ الفَتَى في النّاسِ صِحَّةُ عَقْلِهِ
وإنْ كانَ مَحْظُورًا عليه مكاسِبُه
2 - يَشينُ الفَتَى في النّاسِ قِلَّةُ عَقْلِهِ
وإنْ كَرُمَتْ أَعْراقُهُ ومَناسِبُهْ
* * *
359 - قال الشافعي [564]: [من مجزوء الرمل]
1 - كُلَّما أَدَّ بني الدَّهْـ
ـُر أراني نَقْصَ عَقْلي
2 - وإذا ما ازْدَدْتُ علماً
زادَني عِلْماً بِجَهْلي
* * *
360 - وقد كان الشـعبيُّ مولعـاً بهـذا البيت لمسـكين الدرامـي [565]: [من الرمل] [566]
لَيْسَتِ الأَحلامُ في حالِ الرِّضا
إنَّما الأَحْلامُ في حالِ الغَضَبْ
* * *
361 - قال المُخَبَّل السّعدي [567]: [من الطويل]
1 - وقد يَسبقُ الجَهْلُ النُّهَى ثم إنَّها
تُريعُ لأصحاب العقول حلومُ
2 - وقد تزدري النَّفسُ الفتى وَهْوَ عاقل
ويوقن بعد القوم وَهْوَ حَزيمُ
* * *
362 - قال المتنبي [568]: [من الكامل]
1 - ذُو العَقْلِ يَشْقَى في النَّعيمِ بِعَقْلهِ
وأَخُو الجَهالَةِ في الشَّقاوَةِ يَنْعَمُ
363 - قال أبو العلاء المعري [569]: [من الطويل]
إذا ما أَشارَ العَقْلُ بالرُّشْدِ جَرَّهُمْ
إلى الغَيِّ طَبْعٌ أَخْذُهُ أَخْذُ ساحِبِ
* * *
364 - وقال أبو العلاء أيضاً [570]: [من الطويل]
1 - نَهانيَ عَقْلي عن أُمورٍ كَثيرةٍ
وَطَبعي إلَيْها بالغَريزَةِ جاذِبي
2 - ومِمَّا أَدامَ الرُّزْءَ تَكْذيبُ صادِقٍ
على خِبْرةٍ مِنَّا وتَصديقُ كاذِبِ
* * *
365 - وقال أيضاً [571]: [من الكامل]
1 - يَتَحارَبُ الطَّبْعُ الّذي مُزِجَتْ به
مُهَجُ الأَنام وَعَقْلُهْم فَيَفلُّهُ
2 - والعَقْلُ في مَعْنَى العِقالِ وَلَفْظِهِ
فالخَيْرُ يعقلُ والسِّفاه يحلُّهُ
* * *
366 - وقال عمر الأنسي [572]: [من الوافر]
وكلُّ لذاذةٍ سَتُمَلُّ إلا
محادثَةُ الرجالِ ذوي العقولِ
مُحادَثَةُ الرِّجالِ ذَوي العُقولِ
وَقَدُ صارُوا أَقَلَّ مِنَ القَليلِ
* * *
367 - وقال الشاعر: [من الطويل]
وقبحاً لهاتيك العقول فإنها
عقال على أصحابها وعقابُ
* * *
[563] البيتان في ديوان علي س: 25. [564] ديوان الشافعي: 101. [565] هو ربيعة بن عامر بن أُنيف - بالتصغير - الدارمي التميمي: شاعر عراقي شجاع من أشراف تميم. توفي سنة (89ﻫ/ 708م) (الأعلام 3/ 41). [566] ديوان مسكين الدارمي ص22. [567] المخبّل هو ربيعة بن مالك بن ربيعة بن عوف السعدي أبو يزيد من تميم: شاعر فحل من مخضرمي الجاهلية والإسـلام. له شعر كثير جيد (الأغاني13/ 9 18، والأعلام 3/ 42). [568] البيت في شرح البرقوقي لديوان المتنبي: 4/ 251. [569] البيت في اللزوميات: 1/ 101. [570] البيتان في اللزوميات: 1/ 101. [571] البيتان مطلع قصيدة تبلغ 27 بيتاً في اللزوميات: 193. [572] هو عمر بن محمد ديب بن عرابى الأُنْسي: أديب متفقه، في شعره رقة وصنعة، مولده ووفاته ببيروت سنة 1293ﻫ/ 1876م (الأعلام 5/ 226).
368 - قال المتنبي [573]: [من البسيط]
فَقْرُ الجَهولِ بِلا عَقْلٍ إلى أَدَبٍ
فَقْرُ الحِمارِ بلا رَأْسٍ إلى رَسَنِ
* * *
[573] شرح ديوان المتنبي: 4/ 342.
369 - وقال أبو العلاء المعري [574]: [من الوافر]
1 - رَضيتُ مُلاوَةً فَوَعيتُ عِلْمًا
وأَحْفَظَني الزَّمانُ فَقَلَّ حِفْظِي
2 - إذا ما قُلْتُ نَثْراً أو نَظِيمًا
تَتَبَّعَ سارقو الأَلفْاظِ لَفْظي
[574] اللزوميات لأبي العلاء: 2/ 82، وفي هامشها: (الملاوة: مدَّة من الدهر، وأحفظني: أثار حفيظتي وأغضبني).
370 - وقال المتنبي [575]: [من الطويل]
أَعَزُّ مَكانٍ في الدُّنى سَرْجُ سابـِحٍ
وَخَيْرُ جَليسٍ في الزَّمانِ كِتابُ
* * *
[575] شرح ديوان المتنبي: 1/ 319.
371 - وقال حمدون بن الحاج السلمي [576]: [من الكامل]
1 - لا تَطْلُبَنَّ بآلةٍ لَكَ رُتْبَةً
قَلَمُ البَليغِ بغَيْر جدٍّ مِغْزَلُ
2 - سَكَنَ السِّماكان السماءَ كِلاهُما
هذا لَهُ رُمْحٌ وهَذا أَعْزَلُ
* * *
[576] هو حمدون بن عبد الرحمن بن حمدون السُّلمي أبو الفيض المعروف بابن الحاج: أديب فقيه مالكي من أهل فاس (توفى سنة 1232ﻫ/ 1817م) (الأعلام 2/ 306).
372 - قال يحيى بن خالد البرمكي [577]:
الخطُّ صورةٌ روحُها البَيانُ، ويَدُها السُّرعةُ، وقدماها التَّسْوية، وجوارحها معرفة الفصول. وقال في مثله، رحمه الله تعالى: [من الوافر]
1 - تَقولُ وَقَدْ كَتَبْتُ دَقيقَ خطٍّ
فَدَيتُك مِمَّ تَجْتَنِبُ الجَليلا
2 - فقُلتُ لها: نَحَلْتُ فَصَار خَطِّي
دَقيقًا مِثْلَ صاحبـِهِ نَحيلا
* * *
373 - وقيل: [من الطويل]
1 - تَعلَّمْ قوامَ الخطِّ يا ذا التأدُّبِ
وما الخطّ إلا زينةُ المتأدِّبِ
2 - فَإنْ كُنْتَ ذا مالٍ فخطُّكَ زِينَةٌ
ولم تَكُ ذا مالٍ فأَفْضَلُ مَكْسَبِ
[577] هو أبو الفضل الوزير الجواد سيد بني برمك ومؤدب الرشيد العباسي، شعره قليل وله ديوان رسائل، توفي سنة (190ﻫ/ 805م) (معجم الشعراء العباسيين: 584، ومعجم الأدباء: 6/ 2809. والخبر والبيتان في المحاسن والمساوئ: 14).
374 - قال طرفة بن العبد [578]: [من البسيط]
1 - ولا أُغيرُ عَلَى الأَشْعارِ أسْرُقُها
عَنْها غَنيتُ وشَرُّ النّاسِ مَنْ سَرَقا
2 - وإنَّ أحسنَ بيتٍ أنتَ قائلُهُ
بيتٌ يُقالُ إذا أنشدتَه صَدَقا
* * *
375 - وقال حسان بن ثابت [579]: [من البسيط]
تَغَنَّ بالشّعر إذ ما كنتَ قائلَه
إنّ الغناءَ لهذا الشِّعْرِ مضمارُ
* * *
376 - وقال حسان أيضاً [580]: [من البسيط]
1 - وإنَّما الشّعرُ لُبُّ المرءِ يعرضُهُ
على المجالِسِ إن كَيْسًا وإن حُمُقا
2 - وإنَّ أَشْعَرَ بِيتٍ أنتَ قائِلُهُ
بَيْتٌ يُقالُ إذا أَنْشَدْتَهُ: صَدَقا
* * *
377 - وقال دعبل الخزاعي [581]: [من الطويل]
يموتُ رديءُ الشعرِ من قبلِ أهلِه
وجيِّدُهُ يَبْقَى وإن ماتَ قائلُهُ
* * *
378 - وقال أبو العلاء المعري [582]: [من الطويل]
ومن لم يَنَلْ في القولِ رتبةَ شاعرٍ
تَقَنَّعَ في نَظْمٍ بُرتْبَةِ راجِزِ
* * *
[578] ديوان طرفة بن العبد: 180، ويُنسبان لحسان س أيضاً، وسيردان بعد قليل، كما يُنسبان لزهير وليسا في ديوانه بطبعتيه؛ الأولى: بشرح ثعلب، والثانية: بشرح الأعلم الشنتمري. [579] ديوان حسان - دار صادر - 420 مع آخر. [580] ديوان حسان: 430. [581] شعر دعبل بن علي الخزاعي - طبعة المجمع - 188. [582] البيت آخر مقطعة من أربعة أبيات في اللزوميات 2/ 7.
379 - وقال عبد الحميد الرافعي [583]: [من البسيط]
1 - وَمَنْ نَأَى جادَ عَنْ بُعْدٍ بعاطِفَةٍ
تُنْـسِي المُعَنَّى مِنَ الأَيّامِ ما قاسَى
2 - فَرُبَّ نَظْمٍ تَفوقُ الرّاحَ رِقّتُهُ
به سَكِرْنا وعِفْنا الكاسَ والطَّاسا
3 - ورُبَّ بَيْتٍ نَدِيّ الرُّوحٍ ذي عِظَةٍ
سَلَّى الحزينَ وَمَكْلومَ الحَشَا آسى
4 - وَرُبَّ قَوْلٍ تَخالُ النُّور يَسْطَعُ من
خِلالِهِ كانَ لِلأَلْبابِ مِقْياسا
5 - فَلا تَمُدَّ لِغَيْرِ المُسْتَطاعِ يَدًا
فَضارِبُ الصَّلدِ يُوهي الزّنْدَ والفَاسا
* * *
380 - وقال أبو تمام [584]: [من الطويل]
وَلَولا خِلالٌ سَنَّها الشِّعْرُ ما دَرَى
بُغاةُ النَّدى مِنْ أَيْنَ تُؤْتى المكارِمُ
* * *
[583] هو عبد الحميد بن عبد الغني بن أحمد الرافعي: شاعر غزيرالمادة، نُعت ببلبل سورية، من أهل طرابلس الشام. وفيها توفي سنة 1350ﻫ/ 1930م الأعلام 4/ 58. [584] ديوان أبي تمام بشرح التبريزي 3/ 183.
381 - قال الأعرج المعني [من الوافر]
وكُنّا نَسْتَطِبُّ إذا مرضنا
فصار سَقامُنا بيدِ الطبيبِ
* * *
382 - قال هلال بن علاء: [من الوافر]
1 - أحِنُّ إلى عِتابك غيرَ أني
أُجِلُّكَ عَنْ عِتابٍ في كتابِ
2 - وكنتُ إذا التقينا قَبْلَ موتٍ
شفيتُ غليل صدري من عتابي
3 - وإن سبَقَتْ بنا أيدي المنايا
فكم من عاتبٍ تحت الترابِ
* * *
383 - قال ابن الرومي [585]: [من الوافر]
فإنَّ الدَّاءَ أَكْثَر ما تَراهُ
يكونُ مِن الطَّعامِ أَوِ الشَّرابِ
* * *
384 - وقال المتنبي [586]: [من الطويل]
وَقَدْ فارَقَ النّاسُ الأَحِبَّةَ قَبْلَنا
وأَعْيا دَواءُ المَوْتِ كُلَّ طَبيبِ
* * *
385 - وقال المتنبي أيضاً [587]: [من الوافر]
قَدِ اسْتَشْفَيْتُ من داءٍ بِداءِ
وَأَقْتَلُ ما أعَلَّكَ ما شَفاكا
386 - وقال أيضاً [588]: [من الوافر]
ومَنْ يَكُ ذا فمٍ مُرٍّ مريضٍ
يجدْ مُرّاً به الماءَ الزُّلالا
* * *
[585] ديوان ابن الرومي 1/ 149. [586] شرح ديوان المتنبي للبرقوقي: 1/ 175. [587] شرح ديوان المتنبي: 3/ 129. [588] المصدر السابق: 3/ 344.
387 - وقال أبو العلاء المعرّي [589]: [من الخفيف]
1 - عَجَبي لِلطَّبيبٍ يُلْحِدُ في الخا
لِقِ من بَعْدِ دَرْسه التَّشْريحا
2 - ولقد عُلِّمَ المُنَجِّمُ ما يو
جِبُ للدِّينِ أن يكونَ صريحا
3 - من نجومٍ نارية ونجومٍ
ناسبَتْ تربةً وماءً وريحا
* * *
[589] اللزوميات: 1/ 197.
388 - وقال أبو العلاء أيضاً [590]: [من الكامل]
1 - قال المُنَجِّمُ والطبيبُ كلاهُما:
لا تُبعثُ الأَمْواتُ. قُلْتُ: إليكُما
2 - إن صَحَّ قولُكما فلستُ بخاسرٍ
أو صحَّ قولي فالخسارُ عليكما
* * *
[590] البيتان مطلـع اللزوميـة رقـم 76، وبعدهمـا خمسـة أبيـات. انظـر: اللزوميـات 1/ 306 - 307.
389 - وقال أبو العلاء أيضاً [591]: [من البسيط]
زيادةُ الجسمِ عَنَّتْ جسمَ حامِلِهِ
إلى التُّرابِ وزادَتْ حافِراً تَعبا
* * *
[591] اللزوميات: 1/ 85.
390 - وقال البوصيري [592]: [من البسيط] [593]
قد تُنكرُ العينُ ضوءَ الشمسِ مِنْ رَمَدٍ
ويُنْكر الفمُ طعمَ الماءِ من سَقَمِ
* * *
391 - قال الشاعر: [من الطويل]
وقلْ للعيونِ الرُّمدِ: للشمسِ أعينٌ
سواك يراها في مغيبٍ ومَشْهَدِ
* * *
392 - وقال ابن المعتز [594]: [من السريع] [595]
ما أَقْصَرَ اللَّيْلَ على الرَّاقِدِ
وَأَهْوَنَ السّقْمَ على العائِدِ
* * *
[592] هو محمد بن سـعيد بن حماد البوصيري المصري شرف الدين أبو عبدالله: شاعر حسن الديباجة، مليح المعاني، من بوصير بمصر. أشهر شعره: البردة. توفي سنة 696/ 1296 (الأعلام 7/ 11، والوافي 3/ 105). [593] البيت رقم (104) من أبيات البردة للبوصيري. [594] هو عبدالله بن محمد المعتز بالله بن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد العباسي أبو العباس: الشاعر المبدع (توفي سنة 296ﻫ/ 909م) (الأعلام 4/ 261، والأغاني - دار الكتب - 10/ 374). [595] ديوان ابن المعتز - دار صادر - 165.
393 - وقال الآخر: [من الوافر]
1 - وخُذْ مُرّاً تُصادِفُ منه نفعاً
ولا تَعْدِلْ إلى حُلْوٍ يَضُرُّ
2 - فإن المُرَّ حينَ يَسرُّ حُلْوٌ
وإنّ الحُلْوَ حينَ يَضُرُّ مُرُّ
* * *
394 - أنشـد القشـيري في الـردّ على كتـاب «الشـفاء» لابـن سـينا: [من المتقارب]
1 - قَطَعْنا الأُخُوَّةَ مِنْ مَـعْشَرٍ
بِهِمْ مرضٌ مِنْ كتابِ الشِّفا
2 - وكمْ قلتُ: يا قوم أنتم على
شفا جُرُفٍ من كتاب الشِّفا
3 - فلمّا استهانوا بتنبيهنا
رَجَعْنا إلى الله حتَّى كفى
4 - فماتوا على دِيْنِ أنْطاطَليسٍ
وَمتْنا عَلَى مِلَّةِ المُصْطَفى
395 - وقال البحتري [596]: [من الوافر]
إذا ما الجُرح رمَّ على فسادٍ
تَبَيَّنَ فيه تفريطُ الطبيبِ
* * *
[596] البيت هو السابع عشر من قصيدة طويلة وردت في ديوان البحتري - التونجي - 1/ 167.
396 - وقال الشافعي [597]: [من الطويل]
1 - تَعَلَّمْ فَلَيْسَ المَرْءُ يُولَدُ عالماً
ولَيْسَ أَخو عِلْمٍ كَمَنْ هُوَ جاهِلُ
2 - وإِنَّ كبيرَ القَومِ لا عِلْمَ عِنْدَهُ
صَغيرٌ إذا التَفَّتْ عَلَيْهِ المَحافِلُ
* * *
397 - وقال الشاعر: [من الطويل]
1 - تعلَّمْ فإنَّ العلمَ خيرٌ إلى الفتى
من الحلّةِ الخضراءِ عِنْدَ التكلُّمِ
2 - فلا خيرَ فيمن عاشَ ليسَ بعالمٍ
ولو نالَ أسبابَ السماءِ بِسُلَّمِ
* * *
398 - وقال الآخر: [من البسيط]
وأزهَدُ النّاسِ في علمٍ وصاحبه
أَدْنى الأحِبَّةِ منْ أَهْلٍ وأَصْحابِ
* * *
399 - قال ابن السيّد البَطْلَيُوسي [598]: [من الطويل] [599]
1 - أخو العلم حيٌّ خالدٌ بعد موتِهِ
وأوصالُهُ تحتَ الترابِ رَميمُ
2 - وَذو الجَهْلِ مَيْتٌ وَهُوَ ماشٍ عَلَى الثَّرى
يُعَدُّ مِنَ الأَحْياءِ وَهْوَ عديمُ
* * *
400 - وقال الشاعر: [من البسيط]
1 - يا طالبَ العلمِ صارِمْ كلَّ بَطّالِ
وكلّ غَادٍ إلى الأهواءِ ميالِ
2 - واعملْ بعلمِكَ سِرّاً أو علانيةً
ينفعْك علمُك في حالٍ مِنَ الحالِ
3 - خذْ ما أتاك بِهِ ما جاء مِنْ أثرٍ
شبْهاً بِشبْهٍ وأمثالاً بأمثالِ
4 - ولا تَميلَنَّ يا هذا إلى بدعٍ
تُضـِلُّ أَصحابَها بالقِيْلِ والقالِ
* * *
401 - وقال أبو العلاء المعري [600]: [من البسيط]
العلمُ كالقُفْلِ إن أَلْفَيْتَهُ عَسِراً
فَخَلِّهِ ثم عاوِدْهُ ليَنْفَتِحا
* * *
402 - وقال الشاعر: [من البسيط]
العلمُ يرفعُ بيتاً لا عِمادَ له
والجَهْلُ يهدمُ بيتَ العزِّ والشَّرَفِ
403 - قال الشاعر: [من البسيط]
1 - عِلْمُ العَليم وعَقْلُ العاقِلِ اخْتَلَفا
مَنْ ذا الذي منهما قد أَحْرَزَ الشَّرفا
2 - فالعلمُ قال: أنا أحرزتُ غايَتَهُ
والعقلُ قال أنا الرَّحمنُ بي عُرِفا
3 - فأَفصحَ العلمُ إفصاحاً وقال له:
بأيّنا اللهُ في فرقانه اتَّصَفا
4 - فبان للعقلِ أنَّ العلمَ سيّدُهُ
فقبَّلَ العقلُ رأسَ العلمِ وانْصَرَفا
* * *
404 - قال القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني [601]: [من الطويل] [602]
1 - ولَمْ أَقْضِ حَقَّ العلمِ إنْ كان كُلَّما
بدا طَمَعٌ صَيَّرتُهُ لي سُلَّما
2 - أأغرسُه عِزّاً وأجنيهِ ذِلَّةً
إذن فاتّباعُ الجهلِ قد كان أحزما
3 - ولو أنَّ أهلَ العلم صانوه صانهم
ولو عظَّموهُ في النُّفوسِ لعظَّما
* * *
405 - قال أبو عبدالله الشافعي [603]: [من الوافر]
إذا ما ماتَ ذو علمٍ وتقوى
فقد ثُلِمَتْ مِنَ الإسلامِ ثلمَهْ
* * *
406 - قال علي بن هارون المنجمّ [604]: [من الطويل] [605]
1 - إذا ما غَدَتْ طلَّابةُ العِلْم مالها
مِنَ العِلْمِ إلاّ ما يُخَلَّدُ في الكُتْبِ
2 - غَدَوْتُ بِتَشْميرٍ وَجِدٍّ عَلَيْهِمُ
وَمِحْبَرتي سَمْعي وَدَفْتَرها قَلْبي
* * *
407 - قال ابن خفاجة الأندلسي [606]: [من الكامل]
1 - دَرَسوا العلومَ ليملكوا بجدالهم
فيها صدورَ مراتبٍ ومجالسِ
2 - وتزهَّدوا حتى أصابوا فرصةً
في أخذِ مالِ مساجدٍ وكنائسِ
* * *
408 - قال الحكم بن قنبر [607]: [من البسيط]
1 - العلمُ زَيْنٌ وتـشريفٌ لصاحبه
فاطلبْ هُديتَ فنونَ العلمِ والأدبا
2 - لا خَيْرَ فيمن له أصلٌ بلا أدبٍ
حتَّى يكونَ على ما نابَهُ حَدِبا
3 - كم من حسيب أخي عَيٍّ وطمطمةٍ
فَدْمٍ
[608] لدى القومِ معروف إذا نُسبا
4 - في بيتِ مكرمةٍ آباؤه نُجُبٌ
كانوا الرؤوسَ فأضحى بعدَهم ذَنَبا
5 - وخاملٍ مقرفِ الآباء ذي أدبٍ
نالَ المعالي بِهِ والمالَ والحسبا
6 - أمسى عزيزاً عظيمَ الشأنِ مشتهرًا
في خَدِّه صَعَرٌ قد ظَلَّ مُحتجبا
7 - وصاحبُ العلمِ معروفٌ به أبداً
نِعْمَ الخليطُ إذا ما صاحبٌ صَحِبا
* * *
409 - وقال ابن قيم الجوزية [609]: [من الكامل]
وَتَفاوُتُ العُلماءِ في أَفْهامِهِمْ
في العِلْم فَوْق تَفاوُتِ الأبْدانِ
* * *
[597] ديوان الشافعي: 154، وديوان عبدالله بن المبارك فيما نسب له ولغيره: 86. [598] هو عبدالله بن محمد بن السيد البَطْلَيُوسي أبو محمد: كان عالماً بالآداب واللغات، وله نظم حسن. توفي ببلنسية في الأندلس سنة 521ﻫ (الأعلام: 4/ 268، ووفيات الأعيان: 3/ 96). [599] البيتان في وفيات الأعيان: 3/ 96 - 97. [600] البيت مع آخر في اللزوميات: 1/ 195. [601] هو علي بن عبد العزيز بن الحسن الجرجاني أبو الحسن: قاضٍ من العلماء بالأدب، كثير الرحلات، له شعر حسن. توفي بنيسابور سنة (392ﻫ/ 1002م) (الأعلام: 5/ 114، ومعجم الأدباء: 4/ 1796). [602] الأبيات عشرة في معجم الأدباء. [603] أخلّ به ديوان الشافعي المطبوع. [604] علي بن هارون بن علي بن يحيى أبو الحسن من آل المنجمّ: راوية للشعر من ندماء الخلفاء. توفي في بغداد 352ﻫ/ 963م. (الأعلام: 5/ 183، ووفيات الأعيان: 3/ 375). [605] البيتان في المحاسن والمساوئ 17. [606] إبراهيم بن أبي الفتح بن عبدالله بن خفاحة الهوَاري الأندلسي: شاعر غزل من الكتّاب البلغاء. توفي سنة (533/ 1138م) (الأعلام: 1/ 51). [607] هو الحكم بن معمر بن قنبر الخضـري: شـاعر معاصر لأن ميادة. توفي نحو سنة 150ﻫ/ 767م) (الأعلام: 2/ 296، معجم الشعراء من ابن عساكر: 2/ 374). [608] الفَدْم: العيّي والأحمق. [609] البيت من قصيدة ابن القيم النونية، وهو في شرح هذه القصيدة: 2/ 382.
410 - قال البوصيري [610]: [من الخفيف]
وإذا البيّناتُ لم تُغْنِ شيئاً
فَالتِماسُ الهُدى بهنَّ عناءُ
* * *
411 - وقال أبو العلاء المعري [611]: [من الطويل]
وَلَمْ يَتَناوَل دُرَّةَ الحَقِّ غائِصٌ
من النّاسِ إلاّ بالرَّويّةِ والفِكْرِ
* * *
[610] ديوان البوصيري 440. [611] اللزوميات 1/ 353.
412 - وقال حمدون بن الحاج السلمي: [من البسيط]
وليس كُلُّ خلافٍ جاء معتبراً
إلا خلافٌ له حظٌّ من النَّظَرِ
* * *
413 - قال محيي الدين بن عربي [612]: [من الوافر] [613]
فَنُورُ الحَقِّ لَيْسَ به خَفاءٌ
على الأفلاك مِنْ سعدِ السُّعودِ
[612] هو محمد بن علي بن محمد بن العربي أبو بكر الحاتمـى الطائي الأندلسي، المعروف بمحيي الدين بن عربي، الملقَّب بالشيخ الأكبر: فيلسوف متصوف. توفي سنة 638ﻫ/ 1240م (الأعلام 7/ 170). [613] لم أجده في ترجمان الأشواق، ولا في ديوانه.
414 - قال الشاعر [614]: [من الكامل]
زُحَلٌ شَرى مرِّيخَهُ من شَمْسِهِ
فتزاهَرَتْ لعطارد الأَقْمارُ
* * *
415 - يقول الطغرائي [615]: [من البسيط]
وإنْ عَلانيَ مَنْ دوني فلا عَجَبٌ
لي أُسوةٌ بانحطاط الشمس عن زُحَلِ
* * *
[614] انظر: الضوء اللامع: 8/ 32، وبعد البيت في مذكرة الشـيخ رحمه الله: (فَزُحَل نجمٌ في السماء السابعة، والمشتري نجمٌ في السماء السادسة، والمرّيخ نجمٌ في السماء الخامسة، والشمس في الرابعة، والزهرة في الثالثة، وعطارد في الثانية، والقمر في الأولى). [615] ديوان الطغرائي: 307.
416 - وقال الآخر: [من المنسرح]
يا ليلةً تَكادُ تقاصرها
أَنْ يَعتَريها الـعَشيُّ بالسَّحَرِ
417 - وقال الراجز [616]: [من الرجز]
نحنُ صَبَحْنا عامراً في دارِها
عشيَّةَ الهلالِ أو سرارِها
* * *
[616] البيت في لسان العرب: (صبح)، والشطر الثاني برواية أخرى.
418 - وقال أبو العلاء المعري [617]: [من البسيط]
والنجمُ تستصغرُ الأبصارُ رؤيتَهُ
الذَّنْبُ للطَّرْفِ لا للنَّجم في الصِّغَرِ
* * *
419 - قال تاج الدين السيد [618]: [من البسيط]
اللَّيْلُ إِنْ واصَلَتْ كاللَّيْلِ إنْ هَجَرَتْ
أَشْكو منَ الطُّولِ ما أَشْكو مِنَ القِصَرِ
* * *
[617] البيت في سقط الزند لأبي العلاء: 60 في قصيدة طويلة. [618] التذكرة الفخرية: 216، ونسبة البيت منه.
420 - قال الشريف فخر الدولة القاضي [619]: [من الكامل] [620]
1 - عِلْمُ النُّجومِ عَلَى العُقولِ وَبَالُ
وطِلابُ شيءٍ لا يُنالُ ضَلالُ
2 - ماذا طِلابُكَ علمَ شيءٍ أُغلقتْ
من دونه الأفلاكُ ليسَ يُنالُ
3 - هَيْهاتَ ما أحدٌ بغامض قدْره
يدري كم الأرزاق والآجالُ
4 - إلا الذي فوق السماء مكانُه
فَلِوَجْهِهِ الإكرامُ والإجْلالُ
[619] هو حمزة بن الحسن بن العباس بن الحسن بن أبي الحسن أبو يعلى القاضي المعروف بفخر الدولة، توفي سنة أربع وثلاثين وأربع مئة (تاريخ دمشق: 15/ 197). [620] الأبيات في تاريخ دمشق: 15/ 198.
421 - قال أبو العلاء المعري [621]: [من الطويل]
1 - لَقَدْ جاءَنا هذا الشِّتاءُ وتَحتَه
فَقيرٌ مُعَرّى أَو أَميْر مُدَوَّجُ
[622]
2 - وُقَدْ يُرزَقُ المجدودُ أَقْواتَ أُمَّةٍ
ويُحرمُ قوتاً واحدٌ وهو أَحْوَجُ
* * *
422 - وقال أبو العلاء أيضاً [623]: [من الطويل]
شَتَوْنا وصِفْنا وارْتَبَعْنا فلم يَدُمْ
شتاءٌ وزالَ القَيْظُ عَنّا وناجِرُ
* * *
[621] البيتان في لزوميات أبي العلاء: 1/ 170. [622] اللزوميات 1/ 170. والمُدَوَّجُ مَنْ يَلبسُ الدُّوَّاجَ وهو ضَرْبٌ مِن الثياب. وفي المعجم الوسيط: معطف غليظ. وانظر اللُسان: (دوج). [623] اللزوميات 1/ 283 وفي هامشه (ناجر: شهر شديد الحر في الصيف).
423 - وقال الآخر: [من الطويل]
ولا تَحْقِرنْ فيها عَدُوّاً وإنْ يَكُنْ
حَقيراً فَظِلُّ الأَرْضِ قَدْ تِكْسِفُ القَمَرا
* * *
424 - قال أبو تمام الطائي [624]: [من الطويل]
1 - وطُولُ مقامِ المرَءْ في الحيِّ مُخْلِقٌ
لديباجَتَيْهِ فاغتربْ تتجدَّدِ
2 - فإني رأيت الشمسَ زيَدتْ مَحَبَّةً
إلى الناسِ أنْ لَيْسَتْ عليهم بسَرمَدِ
[624] شرح ديوان أبي تمام: 2/ 23.
425 - وقال الشاعر: [من الطويل]
تعلّم لغاتِ القوم تُكْفَى أذاهُمُ
وتَحْظَى بما قَدْ زانَهُمْ من فَضائِلِ
* * *
426 - وقال صفي الدين الحِلِّي [625]: [من الطويل]
1 - بِقَدْرِ لُغات المَرْءٍ يكثُرُ نَفْعُهُ
فَتِلْكَ له عند الشَّدائد أَعْوانُ
2 - تهافَتْ على حِفْظِ اللُّغاتِ مجاهداً
فكُلُّ لسانٍ في الحقيقةِ إنسانُ
* * *
[625] ديوان صفي الدين الحلي: 453.
427 - وقال أحمد شوقي [626]: [من الكامل]
وإذا المعلِّمُ لم يكن عدلاً سرى
روحُ العدالة في الشباب ضئيلا
* * *
[626] البيت أحـد أبيـات قصيدة أحمد شـوقي في العلـم والتعليم وواجـب المعلـم في الشوقيات: 1/ 183 ومطلعها:
قُمْ للمعَلِّمِ وَفِّهِ التَّبجيلا
كادَ المُعَلِّمُ أنْ يكونَ رسولا
428 - قال أحمد بن علي بن الحسين المؤدب [627]: [من الطويل]
1 - تَصَدَّرَ للتدريسِ كُلُّ مُهَوَّسٍ
جهولٍ يُسَمَّى بالفقيه المُدَرِّسِ
2 - فَحُقَّ لأهل العلمِ أن يتمثَّلوا
ببيتٍ قديمٍ شاعَ في كُلِّ مَجْلِسِ
3 - لقد هَزُلَتْ حتى بدا مِنْ هُزالها
كُلاها وحتَّى سامَها كُلُّ مُفْلِسِ
* * *
[627] الكشكول.
429 - قال الحافظ أبو طاهر [628]: [من الكامل] [629]
1 - يا قاصداً عِلْمَ الحديثِ لدينه
إِذْ ضَلَّ عَنْ طُرُقِ الهِدايَة وَهْمُهُ
2 - إنَّ العلومَ كما علمتَ كثيرةٌ
وأَجَلُّها فِقْهُ الحديثِ وعِلْمُهُ
3 - من كان طالبَهُ وفيه تَيَقُّظٌ
فَأَتَمُّ سَهْمٍ في المعالي سَهْمُهُ
4 - لولا الحديثُ وأهلُهُ لم يَسْتَتِمْ
دينُ النبيِّ وشذّ عنا حُكْمُهُ
* * *
[628] هو أحمد بن محمد بن أحمد أبو طاهر الأصبهاني السِّلَفي الحافظ زميل ابن عساكر في طلب العلم، ولم يسـمع منه، واستوطن الإسكندرية. توفى سنة 576 (تاريخ دمشق: 179، ومعجم شيوخ ابن عساكر: 1/ 92). [629] الأبيات في تاريخ دمشق: 7/ 181 - 182.
430 - قالت الشاعرة [630]: [من الطويل]
يُسائِلُني عَنْ عِلَّتي وَهْوَ عِلَّتي
عَجيبٌ من الأنباء جاءَ به الخبرُ
* * *
[630] البيت في مصارع العشاق في عدة أبيات.
431 - قال الطُّغْرائي: [من البسيط] [631]
فالعُودُ ينبيكَ عن مكنونِ باطنه
دخانُه حينَ تُلقيهِ على النّارِ
* * *
[631] ديوان الطغرائي: 164.
432 - قال الشاعر: [من الطويل]
إذا ما غَدَوْنا قالَ وُلدانُ أَهْلِنا
تَعالَوْا إلى أَنْ يأْتِنا العِيدُ نخْطب
* * *
433 - قال الشاعر: [من الطويل]
إذا لم تكنْ لِلْمرءِ عَيْنٌ صحيحةٌ
فلا غَروَ أن يرتابَ والصُّبْحُ مُسْفِرُ
* * *
434 - وقال الشريف الرضي [632]: [من الكامل]
نظروا بعَيْنِ عداوةٍ لوْ أنَّها
عينُ الرِّضا لاسْتَحْسَنوا ما اسْتَقْبَحوا
* * *
435 - وقال سبط ابن التعاويذي [633]: [من البسيط] [634]
والعَيْنُ تَعْلَمُ من عَيْنَيْ مُحَدِّثِها
إِنْ كانَ مِنْ حِزْبها أَو مِن أَعاديها
* * *
436 - وقال عبدالله بن معاوية [635]: [من الطويل]
1 - ولست براءٍ عَيْبَ ذي الوُدِّ كُلِّهِ
ولا بعضَ ما فيه إذا كنْتُ راضيا
2 - فَعَيْنُ الرِّضا عَنْ كلِّ عَيْبٍ كَليلَةٌ
كَما أَنَّ عَيْنَ السُّخْط تُبْدي المساويا
* * *
[632] ديوان الشريف الرضي: 1/ 260. [633] هو محمد بن عبيدالله بن عبدالله أبو الفتح المعروف بسبط ابن التعاويذي، شاعر العراق في عصره، من أهل بغداد، توفي سنه 583ﻫ/ 1187م) (الأعلام 7/ 141، ووفيات الأعيان 4/ 466. [634] ديوان سبط ابن التعاويذي - دار صادر - 490 فيما نُسب له، وهو منسوبٌ في أدب الدنيا والدين إلى علي بن أبي طالب س، وهو في قصيدة أوردها عبد العزيز سيد الأهل في الشعر المنسوب إلى علي س: 154. [635] شعر عبدالله بن معاوية: 90، من قصيدة مؤلفه من 9 أبيات.
437 - قال القائل [636]: [من الطويل]
إذا لم يُغَبّرْ حائطٌ في وقوعِه
فليس له بعدَ الوُقوع غُبارُ
* * *
[636] الجواب الكافي: 1/ 34.
438 - قال المرقش الأصغر [637]: [من الطويل]
فمن يَلْقَ خيراً يَحْمدِ الناسُ أَمْرَه
ومن يَغْو لا يعدَمْ على الغَيِّ لائما
* * *
[637] ديوان المرقشين - دار صادر - 100.
439 - قال المتنبي [638]: [من البسيط]
ذِكْرُ الفَتَى عُمْرُهُ الثّاني وحاجَتُهُ
ما قاتَهُ وفُضولُ العيشِ أشْغالُ
* * *
440 - وقال آخر: [من البسيط]
ليس الفَتَى بفَتَى لا يُستعاشُ به
ولا تكونُ له في الأرضِ آثارُ
* * *
[638] البيت في شـرح ديوان المتنبي: 3/ 407، وفي هامشـه يقول: إذا ذُكر الإنسان بعد موته كان ذلك حياةً ثانيةً له، وما يحتاج إليه في دنياه قدر القوت، وما فضل غير القوت فهو شغل له لا حفل به ولا غناء فيه.
441 - قال أبو العتاهيةِ [639]: [من الكامل]
واصْبـِرْ على غِيَرِ الزمانِ فإنما
فرجُ الشدائدِ مِثْلُ حَلِّ عِقالِ
[639] البيت آخر قصيدة وردت في ديوان أبي العتاهية: 284، ويُنسب البيت أيضاً لبشار في ديوانه - دار الكتب العلمية بيروت - 582.
442 - قال الشاعر: [من الطويل]
1 - إذا ما أتَيْتَ الأَمْرَ من غَيْرِ بابه
تَصَعَّبَ حَتّى لا تَرى فيه مُرْتَقَى
2 - وإنَّ الذي يَصْطادُهُ الفَخُّ إن عَتَا
على الفَخِّ كانَ الفَخُّ أَعْتَى وأَضْيَقَا
* * *
443 - وقال الآخر [من الطويل]
إذا لم يكن مرُّ السِّنين مترجماً
عن الفَضْلِ في الإنسان سَمَّيْتُهُ طِفْلا
* * *
444 - وقال المتنبي [640]: [من الوافر]
وكمْ مِنْ عائبٍ قولاً صحيحاً
وآفتُهُ مِنَ الفهمِ السقيمِ
* * *
[640] شرح ديوان المتنبي: 4/ 246 - والآفة: العاهة. والهاء في (آفته) تعود إلى القول.
445 - كان بنو حَنيفة قد اتّخذوا في الجاهليـة إلهاً من حَيْـس [641]، فعبدوه دهـراً طـويلاً، ثمْ أصـابهم مجاعـةٌ، فأكلـوه، فقال فيهم رجـلٌ من تميـم: [من مجزوء الكامل]
1 - أَكَلَتْ حنيفة ربَّها
زمنَ التَّقَحُمِ
[642] والمجاعَهْ
2 - لم يحذروا من ربّهم
سوءَ العواقبِ والتياعَهْ
[643]
* * *
446 - قال أبو حاتم بن حبان [644]: وأنشدني الأبرش: [من الطويل]
وما ابتُلِيَتْ يوماً بشَرٍّ قَبيلِةٌ
أَضَرَّ عليها من سَفيهٍ يَسوسُها
* * *
[641] الحيس: أكلة يُخلط فيها الأقط بالتمر والسـمن (اللسـان). والمقصود هنا: أنهم صنعوا الصنم من التمر.
[642] التّقَحُّم: التقدّم والوقوع في أهوية وشدة بغير روية ولا تثبُّت (اللسان: قحم).
[643] يقال: لاعني الهم التياعاً والحَزَن (اللسان: ولع).
[644] روضة العقلاء: 272 مع بيت قبله. والبيتان يدلان على دور الرئيس في القبيلة، فيقول:
شرُّ ما تبتلَى به قبيلةٌ
أن يكون رئيسها سفيها
447 - وقال الشاعر [645]: [من البسيط]
1 - للهِ دَرُّ ثقيفٍ أيّ مَنْزِلَةٍ
حَلُّوا بها بينَ سَهْلِ الأرضِ والجَبَلِ
2 - قومٌ تحيّر طيب العيش رائدهم
فأصبحوا يُلحفون الأرضَ بالحُلَلِ
3 - ليسوا كمن كانت التَّرحال همتُهُ
أَخْبـِثْ بعيشٍ على حِلٍّ ومُرْتَحلِ
* * *
448 - قال البحتري [646]: [من الطويل]
إذا احتربَتْ يوماً ففاضَتْ دماؤها
تذكّرتِ القُرْبى ففاضت دموعُها
* * *
[645] قبلها في الأمالي للقالي - ط. العصرية -: 1/ 51: (أنشدنا الأخفش: قال أحمد ابن يحيى ومحمد بن الحسن). [646] ديوان البحتري - دار صادر - 1/ 11، حيث يتكلم عن أخواله ربيعة في معاركهم الجاهلية وثأر بعضهم من بعض مع أنهم إخوة يجمعهم نسب واحدٌ ودمٌ واحدٌ، فيقول: إذا تحاربوا يوماً فسالت دماؤهم تذكروا أواصر القربى بينهم فجرت دموعهم.
449 - قال النجاشي الحارثي [647]: [من الطويل]
1 - وكنت كذي رِجْلَيْنِ رِجْلٍ سَوِيّةٍ
ورِجْلٍ بها رَيْبٌ من الحَدْثانِ
2 - فأمَّا التي شُلَّتْ فأزدُ شَنوءةٍ
وأما التي صَحَّتْ فأزدُ عُمانِ
* * *
[647] هو قيـس بن عمرو بن مالك الحارثي: شاعر هجاء مخضرم، اشتهر في الجاهلية والإسلام، ونسبُ أمِّه من الحبشة. توفي نحو سنة 40ﻫ/ 660م (الأعلام: 58، والشعر والشعراء: 1/ 329).
450 - وقال عُبَيْد بن أيوبِ العنبري [648]: [من الطويل]
1 - إذا ما أراد اللهُ ذُلَّ قَبيلةٍ
رَماها بتشتيت الهوى والتَّخاذُلِ
2 - وأوَّلُ عَجزِ القَوْمِ عَمّا ينوبُهم
تدافُعُهُم عَنْه وطولُ التَّواكلِ
* * *
[648] عُبَيْد بن أيوب العنبري أبو المطـراب أو أبوالمطراد: من شـعراء العصر الأموي، كان لصاً حاذقاً، أباح السلطان دمه، فهرب وعاش مع الوحوش (والأعلام: 4/ 340، والشعر والشعراء: 2/ 784).
451 - وقال أحمد بن علي بن مشرف: [من الطويل]
ولا تنسَ جمعَ الخالديِّ فإنهم
قبائلُ شَتَّى من عقيلِ بنِ عامرِ
* * *
452 - قال الشاعر: [من الكامل]
لا وافق الحكمُ المحلَّ ولا هُوَ اسْـ
ـتَوْفَى الشُّروطَ فكان ذا بُطْلانِ
* * *
453 - وقال الآخر: [من الطويل]
إذا كان هذا نصُّ قاضٍ وحكمُهُ
فَمَنْ ذا الذي منه الهدى يَتَعَلَّمُ
* * *
454 - وقال الشاعر: [من البسيط]
1 - تجري الأُمورِعلى وَفْقِ القضاء وفي
طيِّ الحوادث محبوبٌ ومكروهُ
2 - فَرُبَّما سَرَّني مابتُّ أحذَرُهُ
وربَّما ساءني مابتُّ أرجوهُ
* * *
455 - وقال أبو العلاء المعري [649] [من الوافر]
وربّ شهادة وردت بزورٍ
أقام لنصّها القاضي عدولَهْ
* * *
456 - وقال أبو العلاء أيضاً [650]: [من البسيط]
1 - الحقُّ ثِقْلٌ وقاضي الأرض ممتحَنٌ
يضحي ونصفُ خُصُومِ المِصْرِ يَشْكونَهْ
2 - زَكُّوهُ دَهْراً فلمّا صارَ قاضـِيَهُمْ
واسْتَعْملَ الحقَّ عادوا لا يُزَكُّونَهْ
3 - يصومُ ناسٌ عن الزادِ المُباحِ لهم
ويَغْتَذونَ بلحْمٍ لا يُذَكُّونَهْ
[651]
* * *
457 - وقال الراجز:
لو أنصف الناسُ استراحَ القاضي
وباتَ كُلٌّ عن أخيه راضي
458 - وقال الآخر
[652]: [من الكامل]
ما للرّجالِ مَعَ القَضاءِ شَفاعَةٌ
ذَهَبَ القَضاءُ بحيلةِ الأَقْوامِ
* * *
459 - قال ابن عين الدولة [653]: [من المتقارب]
1 - وَلِيْتُ القَضاءَ وَلِيْتُ القضا
ألم يكُ شيئاً تولَّيْتُهُ
2 - فأوقعني في القضاء القضا
وما كنتُ قدْمًا تمنيتُهُ
* * *
[649] البيت ثاني أبيات اللزومية 57 من لزوميات أبي العلاء: 2/ 212. [650] الأبيات هي اللزومية 43 من لزوميات أبي العلاء: 2/ 363. [651] لا يذكونه: أراد به النميمة والتعرض لأعراض الآخرين (هامش اللزوميات). [652] البيت في سـير أعـلام النبلاء: 6/ 64 منسـوباً إلى أبي إسحاق رسول أبي مسلم الخراساني. [653] هو القاضي شـرف الدين محمد بن عبدالله بن الحسن بن علي بن أبي القاسم بن حفص أبو المكارم ابن القاضي الرشـيد الصفراوي الإسكندري المصري الشافعي المعروف بابن عين الدولة، تولّى قاضي القضاة بالديار المصرية وبعض الشامية، توفي سنة 639 (الوافي بالوفيات).
460 - قال أبو العلاء المعري [654]: [من البسيط]
1 - القَلْبُ كالماءِ والأهواءُ طافِيةٌ
عليه مثل حَبابِ الماءِ في الماءِ
2 - والقولُ كالخَلْق مِنْ سَيْءٍ ومن حَسَنٍ
والنّاس كالدهر من نورٍ وظلماءِ
* * *
461 - وقال ابن الرومي [655]: [من البسيط]
1 - في زُخْرفِ القَوْلِ تزيينٌ لباطِلِهِ
والحقُّ قَدْ يَعْتَريهِ سُوءُ تَعبْيرِ
[656]
2 - تقولُ هذا مُجاجُ النَّحلِ تَمْدَحُه
وإن تشأ قلتَ: ذا قيءُ الزنابيرِ
[657]
3 - مدحاً وذماً، وما جاوزتَ وصفَهما
حُسْنُ البَيانِ يُري الظلماءَ كالنورِ
* * *
462 - وقال أبو العلاء المعّري [658]: [من الوافر]
وما كانَتْ كِلامُ السيفِ يوماً
لِتَبْلغَ مثلَ ما بَلَغَ الكَلامُ
[659]
* * *
463 - وقال المتنبي [660]: [من البسيط]
كَلامُ أكثرِ مَنْ تَلْقَى ومَنْظَرُهُ
مما يشقُّ على الآذانِ والحَدَقِ
* * *
[654] البيتان مطلع اللزومية 26 من لزوميات أبي العلاء: 1/ 52. وحباب الماء: فقاقيعه التي تطفو على سطحه - كما شرحها الشيخ رحمه الله -. [655] الأبيات في ديوان ابن الرومي: 2/ 169. [656] زخرف القول: كاذبه. [657] مُجاج النحل: العسل. (هامش الديوان). [658] البيت ثاني اللزومية 34 من لزوميات أبي العلاء: 2/ 285. [659] كِلام السيف: الجروح (هامش اللزوميات). قلت: ومفردها كَلْمٌ، وهو الجرح، وجمعها: كُلُومٌ وكِلام. (اللسان). [660] شرح ديوان المتنبي: 3/ 100.
464 - قال ابن القَيِّم: [من الكامل]
1 - والناسُ أكثرهم بسجن اللفظِ محـ
ـبوسون خوفَ مَعَرَّةِ السَّجَّانِ
2 - والكُلُّ إلا الفرْدُ يَقْبَلُ مَذْهبًا
في قالَبٍ ويَرُدُّه في ثانِ
* * *
465 - قال أبو العلاء المعري [661]: [من المتقارب]
1 - من الناس مَنْ لفظُهُ لؤلؤٌ
يبادِرُهُ اللّقطُ إذ يُلْفَظُ
2 - وبعضُهمُ قولُهُ كالحصا
يُقالُ فَيُلْغَى ولا يُحْفَظُ
* * *
[661] البيتان هما اللزومية الثانية من فصل الظاء: 2/ 81.
466 - قال الشاعر [662]: [من البسيط]
لا يكذبُ المرءُ إلا مِنْ مهانتهِ
أو فِعْلِهِ السوءَ أو مِنْ قلّةِ الأدبِ
* * *
467 - وقال آخر: [من الرجز]
1 - الصدقُ في أقوالنا أقوى لنا
والكِذْبُ في أفعالنا أَفْعَى لنا
2 - وهم يقولون همُ أشياخنا
فمالهم قد يَفْعَلوا أشيا خَنا
[663]
* * *
468 - وقال الشاعر: [من البسيط]
إني ذكرتُ لَكُمْ أمري بلا كذبٍ
فما أقولُ لكم جهلاً ولا مَيْلا
* * *
[662] البيت مع آخر في المستطرف: 2/ 151، ومع بيتين في محاضرات الأدباء: 1/ 74. [663] أشيا خنا: أشياء فيها فحش من كلام أو غيره. (اللسان: خنا).
469 - قال الشنفرى [664]: [من الطويل] [665]
1 - وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى
وفيها لمن رام العُلا مُتَحَوَّلُ
2 - لعمرك ما في الأرض ضيقٌ على امرئٍ
سرى راغبًا أو راهبًا وهْوَ يعقلُ
* * *
470 - وقال الشاعر: [من البسيط]
إنَّ الكرام إذا ما استُعْطِفوا عَطَفوا
والحرّ يَعْفو لمن بالذَّنْبِ يَعْتَرِفُ
* * *
[664] الشنفرى: هو عمرو بن مالك الأزدي من قحطان: شاعر جاهلي يماني من فحول الطبقة الثانية، وكان من فُتّاك العرب وعدّائيهم. توفي نحو سنة 70 ق.ﻫ/ 525م (الأغاني 5/ 258). [665] البيتان الثالث والرابع من لامية العرب (ديوان الشنفرى - دار صادر - 55).
471 - قال طرفة بن العبد [666]: [من الطويل]
وإنَّ لِسانَ المَرْءِ ما لم تَكُنْ لَهُ
حَصاة عَلَى عَوْراتِهِ لَدَليلُ
* * *
472 - قال الأعور الشَّنِّي [667]: [من الطويل]
1 - وكائن ترى من صامتٍ لكَ معجبٍ
زيادتُه أو نقصُه في التَّكَلُّمِ
2 - لِسانُ الفَتَى نِصْفٌ ونِصْفٌ فُؤَادُهُ
فَلَمْ يَبْقَ إلا صَورَةُ الَلَّحْمِ والدَّمِ
* * *
[666] ديوان طرفة بن العبد: 85، وقيل لغيره كما في الموشى: 17. [667] البيتان ثلاثة في الموشى للوشاء: 16، والأعور الشني: شاعر من العصر الأموي (معجـم الشـعراء من تاريـخ دمشـق 1/ 415، ومعجـم الشـعراء المخضـرمين والأمويين 39).
473 - قال أبو الطيب المتنبي [668]: [من البسيط]
1 - إذا رَأَيْتَ نُيوبَ اللَّيثِ بارِزَةً
فَلاَ تَظُنَّنَّ أَنَّ اللَّيْثَ يَبْتَسمُ
2 - وما انْتِفاعُ أَخي الدٌّنْيا بناظِرِهِ
إذا اسْتَوَتْ عندَهُ الأَنْوارُ والظُّلَمُ
[669]
3 - يا مَنْ يَعِزُّ عَلَيْنا أَنْ نُفارِقَهُمْ
وِجْدانُنا كُلَّ شيءٍ بَعْدَكُمْ عَدَمُ
[670]
4 - وبيننا لو رَعَيْتُمْ ذاك مَعْرِفَةٌ
إنَّ المعَارِفَ في أَهْلِ النُّهَى ذِمَمُ
[671]
5 - كم تَطْلُبونَ لَنا عَيباً فَيُعْجزكُمْ
وَيكْرَهُ اللهُ ما تأتونَ والكرمُ
[672]
6 - إذا ترحَّلْتَ عن قَوْمٍ وقد قَدَرُوا
أن لا تُفارقَهُمْ فالرّاحلونَ هُمُ
[673]
* * *
[668] شرح ديوان المتنبي للبرقوقي 4/ 85، 83، 87، 89. [669] يقول: إذا لم يميز الإنسـان البصير بين النور والظلمة فأي نفع له في بصره (شرح الديوان: 4/ 83). [670] يا من يصعب علينا فراقهم لإكرامهم لنا؛ فإن كل ما وجدناه بعدهم عدم. [671] النهى: العقول، والذمم: العهود، أي: إنْ لم يجمعنا الحب فقد جمعتنا المعرفة، والعاقل من يرعى المعرفة ويقدِّر حقَّها. [672] أي: كم تحاولـون أن تجدوا لنا عيباً فلا تفلحـون، وما تفعلونـه يكرهه الله كما يكرهه الكرم. [673] إذا رحلت عن قوم وهم قادرون على إرضـائك حتى لا تضطر إلى مفارقتهـم فهم المختارون لفراقك. (شرح البرقوقي لديوان المتنبي).
474 - قال أبو العلاء المعري [674]: [من الكامل]
يَعْرَى اللئيمُ من الثناءِ ويكتسي
حُلَلَ النواسِجِ فَهْوَ كاسٍ عارِ
* * *
[674] اللزوميات: 1/ 401.
475 - قال أبو العيناء: [من المتقارب]
1 - إذا أعجبتْكَ خصالُ امرئ
فَكُنْهُ يكن منك ما يعجبُكْ
2 - فليس على المجدِ والمكرماتِ
حجابٌ إذا جئتة يحجبُكْ
* * *
476 - وقال معن بن أوس: [من الوافر]
1 - ورثنا المجدَ عن آباءِ صدقٍ
أسأنا في جوارِهِمُ الصَّنيعا
2 - إذا المجد الرفيع توارثتْهُ
بناةُ السّوء أوشكَ أن يضيعا
* * *
477 - وقال المتنبي [675]: [من البسيط]
1 - لا خَيْلَ عِنْدكَ تُهْديها ولا مالُ
فَلْيُسْعِدِ النُّطْقُ إنْ لم تُسْعِدُ الحالُ
2 - وإن تكُنْ محكماتُ الشُّكلِ تمنعني
ظُهورَ جَرْيٍ فِلي فِيهِنَّ تَصْهالُ
[676]
3 - لا يُدْرِكُ المَجْدَ إلا سَيّدٌ فَطِنٌ
لما يَشُقُّ على السَّاداتِ فَعّالُ
4 - لا وارِثٌ جَهِلَتْ يُمْناهُ ما وَهَبَتْ
ولا كسوبٌ بغير السَّيْفِ سَآّلُ
[677]
* * *
478 - قال أبو الصوفي [678]: [من البسيط]
لا يُدْرِكُ المَجْدَ مَنْ لانَتْ مآكِلُهُ
لا تَحْسَبِ المَجْدَ تَمْراً أَنْتَ آكِله
لــن تَبْلُغَ المَجْـدَ حَتَّى تَلْعَقَ الصَّبـــِرا
* * *
479 - وقال الشاعر: [من البسيط]
1 - ما المجد لَهْوٌ وتَخْريفٌ وشنشنةٌ
[679]
المجدُ عدلٌ وإصلاحٌ وعمرانُ
2 - المَجْدُ دِينْ وتوحيدٌ على سنن
مـضى عليه الأُلى بالفتح قد بانوا
* * *
[675] شرح ديوان المتنبي: 3/ 394 - 397. [676] الشُّكل بالضم: جمع شِكال، وهو الحبلُ تُشَدُّ به قوائم الدابة (هامش الديوان، واللسان (شكل). [677] وارث: صفة أخرى لسـيد، وسَـآَّل: طلّاب، أي: لا يطلب حاجته إلا بالسـيف لما فيه من المشقة والمخاطرة بالروح (هامش الديوان). [678] الشطر الثاني والثالث مطلع مقطعة من خمسة أبيات. [679] الشِّنْشِنَة: الطبيعة والسجيّة والخليقة، وهي في المثل العربي القديم (شنشنة أعرفها من أخزم (اللسان ومعجم الأمثال العربية (شنن).
480 - وقال محمد بن محمد بن المبارك الجزائري [680]: [من الطويل] [681]
وما اللَّيْلُ إلاّ للمُجِدِّ مَطيَّةٌ
ومَيدانُ سَبْقٍ فاسْتَبـِقْ تَبْلُغِ المُنَى
* * *
481 - وقال البحتري [682]: [من الطويل]
ولم أَرَ أَمثالَ الرِّجالِ تَفَاوَتَتْ
إلى المجد حَتَّى عُدَّ ألفٌ بواحد
* * *
482 - قال عليٌّ [683] س: [من البسيط]
1 - خاطِرْ بنَفْسِكَ لا تقعدْ بمَعْجَزةٍ
[684]
فليس حُرٌّ على عَجْزٍ بمعذورِ
2 - إن لم تَنَلْ في مقامٍ ما تطالبُهُ
فأبْدِ عذراً بإدلاجٍ
[685] وتهجيرِ
3 - لن يبلغَ المرءُ بالإحجامِ همَّته
حتى يباشِرَها منه بتغريرِ
[686]
4 - حتى يواصِلَ في أنحاء مطلبها
سَهْلاً بحَزْنٍ وإنْجادٍ بِتَغْويرِ
[687]
* * *
483 - وقال حوط بن رئاب الأسدي [688]: [من البسيط]
1 - دَبَبْت للمجد والسَّاعونَ قد بَلَغوا
جهدَ النُّفوسِ وألقَوْا دونَه الأُزرا
[689]
2 - وكابدوا المجدَ حَتَّى مَلَّ أكثرهم
وَعانَقَ المجد مَنْ أوْفى ومَنْ صَبَرا
3 - لا تَحْسَبِ المَجْدَ تَمْراً أَنْتَ آكِلُهُ
لَنْ تَبْلُغَ المجدَ حَتَّى تَلْعَقَ الصَّبـِرا
* * *
[680] هو محمد بن محمد بن المبارك المغربي الجزائري الحسني الدمشقي: وهو أديب لغوي صوفي، وُلد ببيروت، وتعلّم بدمشق، وتوفي سنة 1330، ودُفن في المزة بظاهر دمشق. نبغ في اللغة والأدب، وهو أحد رجال التعليم في مدرسة الريحانية بدمشق، ومؤسسها (حلية البشر 1354). [681] البيت في حلية البشر: 1355 منسوباً لابن مبارك. [682] ديوان البحتري - دار صادر - 1/ 65. [683] البيتان 1 + 2 في ديوان علي س - زرزور - 93. [684] المَعْجِزَة والمَعْجَزَة: العجز (اللسان: عجز). [685] الإدلاج: سير الليل (اللسـان دلج). والتهجيز: السـير في الهاجـرة، وهي النهار (اللسان: هجز). [686] غَرَّر به تغريراً: عرَّضه للهلاك (المعجم الوسيط: غرّ). [687] الحَزْن عكس السهل، غوّر تغويرًا: أتى الغوره وأنجد: أتى النجد. [688] انظر: الإصابة: 1/ 383، وفيها البيت الأول من هذه المقطعة. [689] الأُزر: جمع إزار، وألقوا دونه الأزرا: أي تعبوا.
484 - قال فرنسيس مَرّاش [690]: [من الرمل]
1 - إنما المرأةُ للمرءِ نصيبُ
وشريكٌ ورفيقٌ وحبيبُ
2 - لا يطيب العيشُ إلا معها
كُلُّ عيشٍ دون إلفٍ لا يطيبُ
* * *
485 - وقال أبو العلاء المعرّي [691] [من مخلعّ البسيط]
1 - وَمِنْ صِفاتِ النّساءِ قِدْماً
أَنْ لَسْنَ في الوُدِّ مُنْصفاتِ
2 - وما يَبينُ الوَفاءُ إلا
في زَمَنِ الفَقْدِ والوَفاةِ
* * *
[690] فرنسيس بن فتح الله بن نصر مَرّاش: أديب من الكتّاب على ضعف في لغته. له نظم كثير، مولده ووفاته في حلب سنة 1290ﻫ/ 1873م (الأعلام 5/ 344). [691] اللزوميات: 154.
486 - وقال أبو بكر الشبلي: [من الكامل]
أما الخيامُ فإنَّها كخِيامِهِمْ
وأرى نساءَ الحيِّ غيرَ نسائِها
* * *
487 - وقال أبو العلاء المعري [692]: [من الطويل]
فكَمْ بكَرَتْ تَسْقي الأَمَرَّ حَليلَها
مِنَ الغارِ إذْ تَسْقي الخَليل رضابَها
* * *
488 - وقال أبو العلاء أيضاً [693]: [من البسيط]
1 - أعوذُ بالله من وَرْهاءَ قائلة
للزوج إني إلى الحمام أحتاجُ
2 - وهمُّها في أمورٍ لو يُتابعها
كِسـْرى عَلَيْها لَشِينَ المُلْكُ والتَّاجُ
* * *
[692] اللزوميات: 1/ 83 ورواية. [693] اللزوميات 1/ 173، والورهاء: الخرقاء في كل عمل. (اللسان: وره).
489 - وقال الشاعر: [من الكامل]
1 - إنّ الرجال الناظرين إلى النسا
مثل السباع تطوفُ باللحمان
2 - إن لم تصُنْ تلك اللحومَ أسودُها
أُكِلَتْ بلا عِوَضٍ ولا أثمانِ
* * *
490 - قال ابن غلبون الصوري: [من البسيط]
1 - كلُّ الحوادث مبداها من النظرِ
ومعظمُ النار من مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ
2 - والمرءُ ما دام ذا عَيْنٍ يُقَلِّبُها
في أَعْينِ العِينِ موقوفٌ على خَطَرِ
3 - كَمْ نظرةٍ فَعَلَتْ في قَلْب صاحِبها
فِعْلَ السِّهام بِلا قَوْسٍ ولا وَتَرِ
4 - يسرُّ ناظرَه ما ضَرَّ خاطِرَهُ
لا مَرْحباً بسرورٍ عادَ بالضَّرَرِ
* * *
491 - ولأبي العلاء أيضاً [694]: [من الوافر]
1 - إذا بَلَغَ الوَليدُ لَدَيْكَ عَشْراً
فلا يَدْخُلْ عَلَى الحُرَمِ الوَليدُ
2 - فَإِنْ خالَفْتَني وأَضَعْتَ نُصْحي
فأَنْتَ وإنْ رُزِقتَ حِجَاً بَليدُ
[695]
3 - ألا إِنّ النِّساءَ حِبالُ غَيٍّ
بِهِنَّ يُضَيَّعُ الشَّرَفُ التَّليدُ
[696]
* * *
[694] اللزوميات: 1/ 226. [695] الحجا - مقصور -: العقل والفطنة. (اللسان: حجا). [696] التليد: القديم (اللسان: تلد).
492 - قال عبدالله بن عتمة [697]: [من الوافر]
لك المِرْباعُ منها والصفايا
وحكمك والنشيطة والفضولُ
[698]
* * *
[697] البيت في اللسـان: (ربع - صفا - نشـط - فضل) لعبدالله بن عتمة يخاطب بسـطام ابن قيس. [698] في اللسان: (المِرْباغ: ربع الغنيمة يكون لرئيس القوم في الجاهلية دون أصحابه، وله أيضاً الصفايا: جمع صَفِيٍّ، وهو ما يصطفيه لنفسه؛ مثل السيف والفرس والجارية قبل القسمة مع الربع الذي له. وللرئيس أيضاً النشيطة مع الربع والصفيّ، وهو ما أصاب الرئيس في الطريق قبل أن يصير إلى القوم. وللرئيس أيضاً الفضول مع الربع والصفي والنشيطة، وهو ما فَضُل من القسمة مما لا تصحّ قسمته على عدد الغزاة؛ كالبعير والفرس ونحوهما (اللسانك نشط).
493 - قال عبد الرحمن بن حسان الأنصاري [699]: [من الطويل]
إذا المَرْءُ أَعْيَتْهُ
[700] المُروءَةُ ناشِئاً
فَمَطْلبُها كَهْلاً عَلَيه شَديدُ
[699] هو عبد الرحمن بن حسان بن ثابت الأنصاري الخزرجي، شاعر ابن شاعر، كان مقيماً في المدينة المنورة، وفيها توفي سنة 104ﻫ/ 722م وفي سنة وفاته خلاف (الأعلام 4/ 274). [700] أعيته: أعجزته (اللسان: عيي).
494 - قال الشاعر [701]: [من الطويل]
1 - وقُلْ للعيونِ العُمْيِ للشَّمْسِ أَعْيُنٌ
سِواك تَراها في مَغيبٍ ومَطْلَعِ
2 - وسَامِحْ نُفُوساً أَطْفَأَ الله نورَها
بأَهْوائِها لا تَسْتفيِقُ ولا تَعي
* * *
[701] الصواعق المرسلة: 3/ 1200.
495 - وقال الشاعر: [من الطويل]
1 - وَشَاوِرْ إِذا شاوَرْتَ كُلَّ مُهَذّبِ
لَبيبٍ أَخي حَزْمٍ لترشدَ في الأَمْرِ
2 - ولا تَكُ مِمَّنْ يَسْتَبدُّ برأْيهِ
فتعجز أو لا تستريح من الفِكْرِ
3 - أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ قال لعبده
وشاوِرْهُمُ في الأمرِ حتمًا بلا نُكْرِ
496 - قال الشاعر: [من الكامل]
تَأْتي المَصائِبُ حينَ تأتي جَمَّةٌ
وأرى السّرورَ يَجيءُ في الفَلَتاتِ
[702]
* * *
497 - وقال آخر: [من الطويل]
1 - وليسَ أَخي عِنْدَ الرَّخاءِ بصاحبٍ
إذا لم يكُنْ عِنْدَ الأُمورِ الشَّدائدِ
2 - إذا كانَ في وَجْهي فأهلاً ومرحباً
ويرمي ورائي بالسِّهامِ القواصِدِ
* * *
498 - وقال الشاعر: [من الطويل]
وما يَسْبَحُ الإنسان في لجِّ غَمْرةٍ
[703]
من العزّ إلا بعدَ خَوْضِ الشَّدائدِ
[702] جَمَّة: كثيرة (اللسان جمم) والفلتات: جمع فلتة وهي الفجأة (اللسان فلت). [703] لُجَّةُ البحر: عُرْضه، والغمرة: كثرة الماء، ويقصد: كثرة المال والغنى. (اللسان: غمر ولج).
499 - قال المتنبي [704]: [من البسيط]
وبَيْننَا لَوْ رَعَيْتُم ذاكَ مَعْرِفةٌ
إنَّ المعارفَ في أهلِ النُّهى ذِممُ
* * *
[704] البيت في شرح ديوان المتنبي: 4/ 87.
500 - وقال الشافعيّ [705]: [من الوافر]
1 - بِقَدْرِ الكَدِّ تُكْتَسَبُ المعالي
وَمَنْ طلبَ العُلا سَهرَ اللَّيالي
2 - تَرومُ العِزَّ ثُمَّ تَنامُ ليلاً
يغوصُ البَحْرَ مَنْ طَلَبَ اللآلي
* * *
501 - وقال الشاعر: [من البسيط]
كذا المعالي إذا ما رُمْتَ تُدْركُها
فَاعْبُرْ إليها على جِـسْرٍ من التَّعَبِ
* * *
502 - وقال الخُبُزْ أَرُزّي [706]: [من المتقارب]
فَقُلْ لمُرَجّي معالي الأُمورِ
بغير اجتهادٍ رَجَوْتَ المحالا
* * *
[705] في ديوان الشافعي: 156، البيتان مع ثالث بينهما وهو قوله:
ومن رام العلا من غير كد
أضاع العمر في طلب المحال
[706] شعر الخبز أرزي في المظان 135.
503 - وقال الشاعر: [من البسيط]
فربّ معربةٍ ليست بمنجبةٍ
وربما أنجبت للفحل عجماءُ
* * *
504 - وقال الشاعر: [من الطويل]
1 - إذا لم أصب أموالكم ونوالكم
ولم آمل المعروف منكم ولا البَرى
[707]
2 - وكنتم عبيداً للذي أنا عبدُهُ
فمن أجل ماذا أتعب البدن الحرا
* * *
505 - قال أبو العيناء [708]: [من الطويل]
ولم أَرَ كالمَعْروفِ أَمّا مَذاقُهُ
فَحُلْوٌ وأما وَجْهُهُ فَجَميلُ
* * *
506 - وقال عامر العدواني: [من الطويل]
شَكَرْتُ لهم آلاءَهُمُ وبلاءَهُمْ
وما ضاع معروفٌ يكافِئُهُ شُكْرُ
* * *
507 - وقال أبو تمام [709]: [من الطويل]
ولم أر كالمعروف تدعى حقوقُه
مغارمَ في الأقوام وَهْيَ مغانِمُ
* * *
[707] البرى: التراب، والحرا في البيت التالي مفهومة، حرّفها الشيخ قاصداًعلى طريقة أجدادنا في كتبهم رحمه ورحمهم الله تعالى. [708] ديوان أبي العيناء - دار صادر - 45. [709] ديوان أبي تمام - دار الكتب - 3/ 179.
508 - قال أبو الأسود الدؤلي [710]: [من الوافر]
1 - وما طلبُ المعيشةِ بالتمنّي
ولكنْ أَلْقِ دَلْوَكَ في الدِّلاءِ
2 - تَجِئْكَ بملْئِها طَوْراً وطَوْراً
تَجِئْكَ بِحَمْأَةٍ وقَليلِ ماءِ
[711]
* * *
509 - وقال المتنبي [712]: [من الطويل]
تَغُرُّ حَلاواتُ النفوسِ قلوبَها
فَتَخْتارُ بَعْضَ العَيْشِ وَهْوَ حِمامُ
[713]
* * *
[710] ديوان أبي الأسود 160، وديوان علي بن أبي طالب 11. [711] الحَمْأَةُ: الطين الأسود المنتن (اللسان: حمأ). [712] شرح ديوان المتنبي 4/ 111. [713] الحِمام: الموت (هامش الديوان).
510 - وقال الشاعر [714]: [من البسيط]
فكم مَشَى بكَ مَكْروهٌ رَكَضْتَ به
من غير عِلْمٍ إلى ما تَشْتَهي خَبَبا
[715]
* * *
[714] مفتاح دار السعادة 2/ 141. [715] الخَبَب: السرعة - (اللسان).
511 - قال علي بن الجهمِ [716]: [من المتقارب]
ومازِلْتُ أَسْمَعُ أَنَّ المُلُو
كَ تَبْني عَلَى قَدْرِ أَخْطارِها
[716] ديوان على الجهم - دار صادر - 146، وهو مطلع قصيدة من 24 بيتاً.
512 - وقال المتنبي [717]: [من الطويل]
إذا لم تكن نَفْسُ النَّسيبِ كأهله
فماذا الذي تُغني كِرامُ المناصبِ
* * *
[717] شرح ديوان المتنبي 1/ 283.
513 - قال مسكين الدارمي [718]: [من الرمل]
رُبَّ مهزولٍ سمينٌ عِرْضُهُ
وسَمينُ الجِسْمِ مَهزولُ النَّسَبْ
* * *
[718] ديوان مسكين الدارمي 23 برواية (... سمين بيته * وسمين البيت...).
514 - قال سابق البربري [719]: [من الطويل]
فللموتِ تَغْذو الوالداتُ سِخالها
كما لِخَرابِ الدّارِ تُبْنَى المَساكِنُ
* * *
515 - وقال الشاعر [720]: [من الطويل]
1 - إذا المرءُ لم يَنْفَعْكَ حيّاً فَنَفْعُهُ
أَقَلُّ إذا ضُمَّتْ عليه الصَّفائحُ
2 - لأيَّة حالٍ يمنعُ المرءُ مالَهُ
لغير غدٍ والموتُ غادٍ ورائحُ؟
* * *
516 - وقال علي بن أبي طالب [721]: [من الطويل]
1 - وفي الجَهْلِ قَبْلَ الموتِ مَوْتٌ لأهله
وأجسامُهم قبلَ القبورِ قبورُ
2 - وأرواحهم في وحشةٍ من جسومهم
وليس له حتّى النُّشورِ نشورُ
* * *
517 - قال علوان الحموي [722]: [من مجزوء للكامل]
موتُ النُّفوسِ حياتُها
مَنْ رامَ أن يحيا يموتْ
* * *
518 - قال المتنبي: [من الوافر]
إذا اعتادَ الفَتَى خَوْضَ المَنايا
فَأَهْوَنُ ما يَمُرُّ بهِ الوُصولُ
[723]
* * *
519 - وقال المتنبي أيضاً: [من الطويل]
وما الموتُ إلا سارقٌ دَقَّ شخْصُهُ
يَصولُ بلا كَفٍّ ويَسْعَى بلا رِجْلِ
[724]
* * *
520 - وقال المتنبي [725]: [من الطويل]
إذا ما تَأَمّلْتَ الزَّمانَ وَصَرْفَه
تَيَقَّنْتَ أَنَّ المَوْتَ ضَرْبٌ من القَتْلِ
* * *
521 - وقال لبيد بن ربيعة العامري [726]: [من الطويل]
1 - ألا تَسْأَلانِ المَرْءَ ما ذا يُحاوِلُ
أَنَحْبٌ فَيُـقْضَى أَمْ ضَلالٌ وباطِلُ
[727]
2 - حَبائِلُهُ مَبْثوثَةٌ في سَبيلِهِ
ويَفْنَى إذا ما أَخْطَأَتْهُ الحَبائلُ
[728]
* * *
522 - وقال الشاعر: [من البسيط]
لا يَبْرحُ المَرْءُ يَسْتَقْري مَضاجِعَهُ
حتّى يبيت بأَقْصاهُنَّ مُضَّجَعا
[729]
523 - وقال المتنبي [730]: [من الوافر]
1 - لَعَمْرُكَ ما الرَّزِيَّةُ فَقْدُ مالٍ
ولا شاةٌ تموتُ ولا بَعيرُ
2 - ولكنَّ الرَّزِيَّةَ هُلْكُ ميتٍ
يموتُ بموتِهِ بِشْرٌ كثيرُ
* * *
[719] ديوان سابق بن عبدالله البربري. [720] في الآداب الشرعية 3/ 314 أن البيتين لأبي العتاهية، ولم أجدهما في ديوانه. [721] ديوان علي بن أبي طالـب 92 برواية (وإنَّ امـرأً لم يَحْيَ بالعلم ميتٌ) في صـدر البيت الثاني. [722] خلاصة الأثر 3/ 355. [723] شرح ديوان المتنبي 3/ 138. [724] شرح ديوان المتنبي 3/ 175. [725] شرح ديوان المتنبي 3/ 177. [726] هو لبيد بن ربيعة بن مالك أبو عقيل العامري أحد الفرسان الأشراف في الجاهلية أدرك الإسلام ووفد عل النبي ج ويعد من الصحابة ومن المؤلفة قلوبهم. وترك الشعر فلم يقل في الإسلام بيتاً واحداً وهو أحد أصحاب المعلقات. توفي سنة 41ﻫ/ 661م (الأعلام 6/ 104، ومعجم الشعراء المخضرمين والأمويين 404) والبيتان في شرح ديوان لبيد بن ربيعة العامري 254. [727] النحب هنا: النذر، والمعنى: اسألوا هذا الحريص على الدنيا عن هذا الذي هو فيه؛ أهو نذر نذره على نفسه فرأى أنه لابد من فعله، أم هو ضلال وباطل. [728] المعنى حبائل الموت منصوبة على طرق هذا الإنسان، وإذا لم يأته الموت في شبابه فني؛ أي: هرم. (هامش الديوان). [729] يستقري مضاجعه، أي: يتتبعها (أساس البلاغة: قري). [730] ديوان المتنبي 1/ 27، وليسـا في شرح ديوانه للبرقوقي. وينسبان في أمالي القالي - العصرية - 260 لامرأةٍ من الأعراب.
524 - قال أبو نصر السراج الطوسي [731]: [من البسيط] [732]
1 - ما ناصَحَتْكَ خَبايا الوُدِّ من أحدٍ
ما لَمْ يَنَلْكَ بمكرُوهٍ من العَذَلِ
2 - مَوَّدَّتي لَكَ تَأْبَى أَنْ تُسامِحَني
بأَنْ أَراكَ على شَيْءٍ من الزَّللِ
* * *
[731] هو عبدالله بن علي بن محمد أبو نصر السّراج الصوفي الطوسي. كان من كبار مشايخ طوس وزهادهم، مات بنيسابور في شهر رجب سنة 378ﻫ وهو ساجد. (النجوم الزاهرة 4/ 153). [732] البيتان في النجوم الزاهرة 4/ 153.
525 - وقال الشاعر: [من الخفيف]
كيف أصبحتَ؟ كيف أمسيت؟ مما
يُنْبتُ الودَّ في قلوبِ الرجالِ
* * *
526 - قال أحمد بن إبراهيم [733]: [من الطويل]
سَأَتْرُكُ ما بَيْنِي وبَيْنَكَ واقِفاً
فإنْ عُدْتَ عُدْنا والوِدادُ مُقيمُ
* * *
[733] البيتان في التذكره الحمدونية 5/ 52 برواية (*... والإخاء سليم) بهذه النسبة.
527 - وقال الشاعر: [من البسيط]
1 - ما أَكْثَرَ النّاسَ لا بل ما أَقَلَّهُمُ
اللهُ يَعْلَمُ أنّي لم أَقَلْ فَنَدا
[734]
2 - إني لأَفْتَحُ عيني حينَ أَفْتَحُها
على كثيرٍ ولكن لا أرى أحدا
* * *
[734] الفند: الكذب (المعجم الوسيط).
528 - وقال المتنبي [735]: [من البسيط]
أَفاضـِلُ النّاسِ أَغْراضٌ لِذا الزَّمَنِ
يَخْلو مِنَ الهَمِّ أَخْلاهُمْ مِنَ الفِطَنِ
* * *
[735] شرح ديوان المتنبي 4/ 340 مطلع قصيدة يمدح بها قاضياً بأنطاكية.
529 - وقال أبو العلاء المعري [736]: [من البسيط]
1 - والناسُ بالنّاسِ من حـضرٍ وباديةٍ
بعضٌ لبعضٍ وإنْ لم يَشْعروا خَدَمُ
2 - وكُلّ عُضْوٍ لأمرٍ ما يمارسُهُ
لا مـشيَ للكفّ بل تمـشي به القَدَمُ
* * *
530 - وقال الشاعر: [من الطويل]
1 - وَكَمْ بَدويّ في الفَلاَ خَلْفَ نُوقِهِ
يَبولُ على الأَعْقابِ أَشْعَثَ حافِيا
2 - تَلافاهُ في وادي الضَّلالةِ هادياً
فَأَصْبَحَ نَجْماً في الهدايةِ عالِيا
* * *
531 - قال أبو القاسم الأزرق الشاعر [737]: [من الكامل]
والناس أعينُهم إلى سَلْبِ الفتى
لا يسألونَ عن الحجا والأَوْلقِ
[738]
* * *
[736] اللزوميات 2/ 283. [737] محاضرات اليوسي. [738] الأَوْلَقُ: الجنون (اللسان: ولق).
532 - قال أبو العلاء المعرّي [739]: [من الكامل]
1 - النّاسُ بالأَقْدارِ نالوا كلَّ ما
رُزِقوا ولم يعطوا على الأقْدارِ
2 - والـسِّرُّ يُظْهِرُهُ الفُؤاد ودونَه
سِتْرانِ من صَدْرٍ له وصِدارِ
3 - والنَّخْلُ يُجْنَى حين يُرْطِبُ زَهْوُهُ
والبَدْرُ يُكْسَفُ لَيْلةَ الإِبْدار
[740]
* * *
[739] اللزوميات 1/ 401. [740] الزَّهو: البسـر الملوَّن، يقال: إذا ظهرتِ الحُمرة والصُفرة في النخل فقد ظهر فيهِ الزَّهْوُ، والإبدار حين يصبح بدرًا (اللسان).
533 - قال الشاعر: [من البسيط]
فَضيلةُ النُّطقِ في الإنسانِ تمزجُها
نقيصةُ الْكَذِبِ الْمعدودِ في النِّقَمِ
* * *
534 - وقال أبو العلاء المعري [741]: [من الطويل]
وقد تنطقُ الأشياءُ وهْي صوامتٌ
وما كلُّ نُطْقِ المخبرينَ كلامُ
* * *
[741] سقط الزند لأبي العلاء 109.
535 - قال بعضهم: [من الطويل]
إذا أَنْتَ لم تعرفْ لنفسِكَ حَقَّها
هواناً بها كانت على الناس أهونا
* * *
536 - وقال آخر: [من الطويل]
هِيَ النَّفْس إِن تُهْمَلْ تُلازِمُ خُرْبَةً
وإِنْ تَنْبَعِثْ نَحْوَ الفَضائِلِ تنجحِ
[742]
* * *
537 - وقال الشاعر: [من الطويل]
وما النَّفْسُ إلا حَيْثُ يَجْعَلُها الفَتَى
فكُنْ طالباً للنَّفْس أَعْلَى المَراتبِ
* * *
538 - وقال بعضهم: [من الطويل]
سأُتْعبُ نَفْـسي أو أُصادفَ راحة
فإنَّ هوانَ النَّفْسِ في كرمِ النَّفْسِ
* * *
539 - وقال المتنبي [743]: [من الطويل]
وكلٌّ يرى طرْقَ الشجاعةِ والنّدى
ولكنَّ طبعَ النَّفْسِ للنَّفْسِ غالبُ
* * *
540 - ومن كلام البوصيري [744]: [من البسيط]
1 - والنفسُ كالطفل إن تُهملْه شبّ على
حبِّ الرَّضاع وإن تفطمْهُ ينفطمِ
2 - كم حسَّنَتْ لَذَّةً للمرءِ قاتِلَةً
من حيثُ لم يَدْرِ أنّ السُّمَّ في الدَّسَمِ
* * *
541 - وقال الشاعر: [من الرجز]
نَفْسُكَ إنْ أَشْغَلْتَها بالحقِّ
وإلا أَشْغلَتكَ بالباطلِ
* * *
542 - وقال الآخر: [من السريع]
لا ترجعُ الأَنْفُسُ عن غيِّها
إن لم يكنْ منها لها زاجرُ
* * *
543 - قال معن بن أوس المزني [745]: [من الطويل]
إذا انْصـَرفَتْ نَفْـسي عن الـشَّيْءِ لم تكَدْ
عليه بوَجْهٍ آخِرَ الدَّهْرِ تُقْبـِلُ
* * *
544 - وقال سابق بن عبدالله البربري: [من البسيط]
1 - لا يُشْبع النَّفْسَ شَيْءٌ حينَ تُحْرِزُهُ
ولا يزالُ لها في غَيْرهِ وَطَرُ
2 - ولا تَزالُ وإنْ كانَتْ لها سعةٌ
لها إلى الـشيء لم تَظْفَرْ به نَظَرُ
* * *
545 - قال علي بن أبي طالب س [746]: [من البسيط]
والنَّفْسُ تَعْلَمُ أَنِّي لا أُصَدِّقُها
ولستُ أَرْشُدُ إلا حينَ أعصيها
* * *
546 - وقال الشاعر: [من الطويل]
وسامحْ نفوسًا أطفأَ اللهُ نورها
بأهوائها لا تستفيقُ ولا تعي
* * *
547 - وقال أبو ذؤيب الهذلي [747]: [من الكامل]
والنَّفْسُ راغبةٌ إذا رغَّبْتَها
وإذا تُرَدُّ إلى قليلٍ تَقْنَعُ
* * *
[742] (تلازمُ) يجب أن تكون ساكنة لأنها جواب الشرط (إن)، لكنها تحركت بسبب الوزن العروضي. [743] شرح ديوان المتنبي 1/ 399. [744] هذان البيتان هما الثامن عشر والحادي والعشرون من بردة البوصيري المشهورة. [745] ديوان معن 94. [746] ديوان علي س 207. [747] ديوان الهذليين 1/ 3.
548 - وقال الشاعر أيضاً: [من الطويل]
أَهُمُّ بتركِ النَّقْدِ ثُمّ يَرُدُّني
إلى القولِ إرجافُ الجهولِ المُفَنَّدِ
[748]
* * *
[748] المُفَنَّد: الضعيف الرأي.
549 - وقال أبو الطبيب المتنبي [749]: [من الكامل]
والهَمُّ يْختَرِمُ الجَسيمَ نحافةً
ويُشيب ناصيةَ الصَّبيِّ ويُهرِمُ
[750]
* * *
[749] يتيمة الدهر 1/ 58. [750] يخترمه الهم، أي: يموت وتأخذه المنية (اللسان: خرم).
550 - وقال المتنبي أيضاً [751]: [من الطويل]
مَنْ يَهُنْ يَسْهُلُ الهوانُ عليه
ما لجرحٍ بميِّتٍ إيلامُ
* * *
[751] شرح ديوان المتنبي 4/ 217.
551 - قال عروة بن حزام [752]: [من الطويل]
هوى ناقتي خلفي وقدّاميَ الهوى
وإني وإياها لمختلفان
* * *
552 - قال المتنبي [753]: [من الخفيف]
إنَّما تنْجحُ المقالةُ في المر
ءِ إذا صادَفَتْ هوًى في الفُؤادِ
* * *
553 - وقال المتنبي أيضاً [754]: [من الطويل]
وقد يَتَزيّا بالهوى غَيْرُ أَهْلِهِ
وَيَصْطَحِبُ الإنْسانَ مَنْ لا يُلائِمُهْ
* * *
[752] ديوان عروة بن حزام 1/ 12. [753] شرح ديوان المتنبي 2/ 131. [754] شرح ديوان المتنبي 4/ 45.
554 - وقال المتنبي [755]: [الطويل]
وَحيدٌ مِنَ الخلاّنِ في كُلِّ بَلْدَةٍ
إذا عَظُمَ المَطْلُوبُ قَلَّ المُساعِدُ
* * *
[755] شرح ديوان المتنبي 3/ 393.
555 - وقال أبو العلاء المعري [756]: [من البسيط]
لا تَعْرِفُ الوَزْنَ كَفّي بل غَدَتْ أُذُني
وَزّانةً ولِبَعْضِ القَوْلِ مِيزانُ
* * *
[756] اللزوميات 2/ 352.
556 - قال الطغرائي في لاميته المعروفة [757]: [من البسيط]
غاضَ الوَفاءُ وفاضَ الغدرُ وانْفَرَجَتْ
مسافةُ الخُلْفِ بينَ القَوْلِ والعَمَلِ
[757] ديوان الطغرائي 308.
557 - وقال علي س [758]: [من الكامل]
ولَرُبَّما ابْتَسَم الوَقُورُ من الأَذَى
وَفُؤادُهُ مِنْ حَرِّهِ يَتَأَوَّهُ
* * *
[758] ديوان علي س 209 آخر مقطعة تضم أربعة أبيات.
558 - وقال الشاعر: [من البسيط]
إذا أَيِسْتُ وكادَ اليَأْسُ يَقْطَعُني
جَاءَ الرَّجا مُـسْرِعًا من جانِبِ اليَاسِ
* * *
559 - وقال يزيد بن الطَثَريّة [759]: [من الطويل]
1 - فَدَيْتُك أعدائي كثيرٌ وشِقَّتي
بعيدٌ وأشياعي لديك قليلُ
2 - وكنتُ إذا ما جِئْتُ جِئْتُ بعلَّةٍ
فأفنيتُ عِلاّتي فكيف أقولُ
3 - وما كلُّ يومٍ لي بأرضك حاجةٌ
ولا كلُّ يومٍ لي إليك رسولُ
* * *
[759] ديوان يزيد بن الطثرية 98.
560 - قصيدة للشاعر الأديب أبي الفتح البُسْتي [760] [من البسيط]
1 - زيادةُ المَرْءِ في دُنياه نُقصانُ
ورِبْحُه غيرَ مَحْضِ الخير خُسْرانُ
2 - وكلُّ وِجدانِ حَظٍّ لاثَباتَ له
فإِنَّ معناه في التحقيق فِقْدانُ
[761]
3 - يا عامراً لخرابِ الدَّارِ مجتهداً،
بالله هل لخرابِ العُمْرِ عُمرانُ؟
[762]
4 - ويا حريصاً على الأموالِ تجْمَعُها
أُنْسِيتَ أنَّ سُرورَ المالِ أحزانُ؟
[763]
5 - زَعِ الفُؤَادَ
[764] عن الدُّنيا وزِينتِها
فصَفْوُها كَدَرٌ والوَصْلُ هِجْرانُ
6 - وأَرْعِ سَمْعَك
[765] أمثالاً أُفَصِّلُها
كما يُفَصَّلُ ياقُوتٌ ومَرْجانُ
7 - أحْسِنْ إلى الناسِ تَسْتَعْبـِدْ قُلوبَهُمُ
فطالما استَعبَدَ الإنسانَ إحسانُ
8 - يا خادِمَ الجسم كم تَشْقَى بخِدمَتِه
أتَطلُبُ الرِّبحَ فيما فيه خُسْرانُ؟
9 - أَقبـِلْ على النفسِ واستَكْمِل فضائِلَها
فأنتَ بالنفس لا بالجسم إنسانُ
10 - وإن أساء مُـسِيءٌ فليكُنْ لك في
عُرُوضِ زَلَّتِه
[766] صَفْحٌ وغُفرانُ
11 - وكُنْ على الدهر مِعْواناً لذى أَمَلٍ
يَرجُو نَدَاك فإِنَّ الحُرَّ مِعْوانُ
[767]
12 - واشْدُدْ يديك بحَبْلِ اللهِ مُعتصِماً
فإنه الرُّكنُ
[768] إن خانَتْك أركانُ
13 - من يَتَّقِ اللهَ يُحْمَدْ في عواقبـِهِ
ويَكْفِهِ شَرَّ من عَزُّوا ومن هَانُوا
14 - من استعانَ بغير اللهِ في طَلَبٍ
فإِنَّ ناصِرَه
[769] عَجْزٌ وخِذْلانُ
15 - من كان للخير منَّاعاً فليس له
على الحقيقةِ إِخوانٌ وأخْدَانُ
[770]
16 - من جادَ بالمالِ مالَ النَّاسُ قاطِبةً
إليه والمالُ للإنسانِ فَـتَّانُ
17 - من سالَمَ الناسَ يَسلَمْ من غوائِلِهم
وعاش وهْوَ قَرِيرُ العينِ جَذْلانُ
[771]
18 - من كان للعقلِ سُلطانٌ عليه غَدَا
وما على نفسِهِ للحِرْصِ سُلْطانُ
19 - من مَدَّ طَرْفاً
[772] لِفَرْطِ الجهلِ نحوَ هَوَىً
أَغـضَى على الحقِّ يوماً وهْوَ خَزْيانُ
20 - من عاشَرَ الناسَ لاقىَ منهمُ نَصَباً
[773]
لأنَّ سُوْسَهُمُ بَغْيٌ وعُدْوانُ
21 - ومن يفتِّشْ عن الإخوان يَقْلِهمُ
فجُلُّ إخوان هذا العصر خوّانُ
22 - من استشار صروف الدهر
[774] قام له
على حقيقةِ طَبْعِ الدهرِ بُرْهانُ
23 - من يَزْرَعِ الـشَّرَّ يَحْصُدْ في عواقِبـِه
نَدَامةً، ولِحَصْدِ الزَّرْع إِبَّانُ
[775]
24 - من استَنام إلى الأشرارِ
[776] نامَ وفي
قَمِيصِهِ منهُمُ صِلٌّ وثُعْبَانُ
25 - كُنْ رَيِّقَ البـِشْرِ
[777] إنَّ الحُرَّ هِمَّتُه
صَحِيفةٌ وعليها البـِشْرُ عُنْوانُ
26 - ورافقِ الرِّفْقَ في كلِّ الأمورِ فلمْ
يَندَمْ رفيقٌ ولم يَذْمُمْهُ إنسانُ
27 - ولا يغرّنْكَ حَظُّ جَرَّهُ خَرَقٌ
[778]
فالخُرْقُ هَدْمٌ ورِفْقُ المرءِ بُنْيَانُ
28 - أحْسِنْ إذا كان إمكانٌ ومَقْدِرَةٌ
فلن يَدُومَ على الإحسان إِمكانُ
29 - فالروض يزدان بالأنوارِ
[779] فاغِمةً
والحُرُّ بالعَدْلِ والإِحسانِ يَزْدَانُ
30 - صُنْ حُرَّ وجهك لا تهتِك غِلالَتَهُ
فكلُّ حُرٍّ لحُرِّ الوَجْهِ
[780] صَوَّانُ
31 - فإن لقيْتَ عدوّاً فالْقَهُ أبداً
والوَجْهُ بالِبشْرِ والإشراقِ غَضَّانُ
[781]
32 - دع التكاسُلَ في الخيراتِ تَطْلُبُها
فليس يَسعَدُ بالخيراتِ كسلانُ
33 - لا ظِلَّ
[782] للمرءِ يَعْرى من تُقَىً ونُهَىً
وإنْ أظلَّتْه أوراقٌ وأفْنَانُ
34 - والناسُ أعوانُ من والتْهُ دَولَتُهُ
[783]
وهُمْ عليهِ إذا عادَتْهُ أعوانُ
35 - (سَحْبانُ)
[784] من غيرِ مالٍ (باقِلٌ) حَـصِرٌ
و(باقِلٌ) في ثَراءِ المالِ (سَحْبانُ)
36 - لا تُودِعِ الـسِّرَّ وشَّاءً يَبُوحُ بهِ
فما رَعَى غَنَماً في الدَّوّ
[785] سِرْحانُ
37 - لا تحسَبِ الناسَ طَبْعاً واحِداً فلَهُمْ
غَرَائزٌ لستَ تُحْصِيهِنَّ ألوانُ
38 - ما كلُّ ماءٍ كصَدَّاءٍ
[786] لِوارِدِهِ
نَعَمْ، ولا كلُّ نبْتٍ فهْوَ سَعْدانُ
39 - لا تَخْدِشَنَّ
[787] بمَطْلٍ وَجْهَ عارِفةٍ
فالبـِرُّ يَخْدِشُه مَطْلٌ ولَيَّانُ
40 - لا تَسْتَشِرْ غيرَ نَدْبٍ
[788] حازمٍ يقِظٍ
قد استَوَى فيه إِسرارٌ وإعلانُ
41 - فللتَّدابير فُرْسَانٌ إذا رَكَضُوا
فيها أبُّروا
[789]، كما للحَرْبِ فُرْسانُ
42 - وللأُمور مَواقيتٌ مُقَدَّرةٌ
وَكلُّ أمرٍ له حَدٌّ ومِيزانُ
43 - فلا تَكُنْ عَجِلاً بالأمر تَطْلُبُه
فليس يُحمَدُ قبلَ النُّضْج بُحْرَانُ
[790]
44 - كَفَى من العيش ما قد سَدَّ مِن عَوَزٍ
[791]
ففيه للحُرِّ إن حقَّقتَ غُنْيَانُ
45 - وذو القناعةِ راضٍ من معيشتِهِ
وصاحبُ الحِرْصِ إن أثْرَى فغَضْبانُ!
46 - حَسْبُ الفتى عَقْلُه خِلاًّ يُعاشِرُه
[792]
إذا تحاماه إخوانٌ وخُلاَّنُ
47 - هما رَضـِيعَا لِبانٍ
[793]: حِكمةٌ وتُقَىً،
وساكِنَا وَطَنٍ: مالٌ وطُغْيانُ
48 - إذا نَبَا
[794] بكريم مَوْطِنٌ فلَهُ
وراءَهُ في بسيطِ الأرض أوطانُ
49 - يا ظالمِاً فَرِحاً بالعِزّ ساعَدَهُ
إن كنتَ في سِنَةٍ
[795] فالدَّهْرُ يَقْظانُ
50 - ما استَمْرأَ
[796] الظُّلْمَ لو أنصفْتَ آكِلُهُ
وهل يَلَذُّ مَذاقَ المَرْءِ خُطْبَانُ
51 - يا أيها العالِمُ المَرْضـِيُّ سِيرَتُهُ
أبـشِرْ فأنتَ بغيرِ الماءِ رَيَّانُ
[797]
52 - ويا أخا الجهلِ لوأَصبحتَ في لُجَجٍ
[798]
فأنت ما بينها لا شَكَّ ظَمْآنُ
53 - لا تَحْسَبَنَّ سُرُوراً دائماً أبداً
مَنْ سَرَّه زَمَنٌ ساءَتْهُ أزمانُ
54 - إذا جَفَاك خليلٌ كنتَ تألَفُه
فاطلُبْ سِواهُ فكلُّ الناسِ إخوانُ
55 - وإنْ نَبَتْ بك أوطانٌ نَشأتَ بها
فارْحَلْ فكلُّ بلادِ اللهِ أوطانُ
56 - يا رافِلاً
[799] في الشَّبابِ الرَّحْبِ مُنْتَشِياً
مِن كأسِهِ، هل أصاب الرُّشْدَ نَشوانُ؟
57 - لا تَغْتَرِرْ بشَبابٍ رائقٍ
[800] نَضـِرٍ
فكم تَقدَّمَ قبلَ الشِّيبِ شُبَّانُ
58 - ويا أخا الشَّيْبِ لوناصَحتَ نفسَكَ لم
يكن لِمثلِكَ في اللَّذَّاتِ إمعانُ
59 - هَبِ الشَّبـِيبة
[801] تُبْدِي عُذْرَ صاحِبـِها
ما عُذْرُ أَشْيَبَ يَستهويه شيطانُ؟!
60 - كلُّ الذُّنوبِ فإِنَّ اللهَ يَغفِرُها
إنْ شَيَّعَ المَرْءَ
[802] إخلاصٌ وإيمانُ
61 - وكلُّ كَـسْرٍ فإِنَّ الدِّينَ يَجْبُرُهُ
وما لِكَـسْرِ قَنَاةِ
[803] الدِّين جُبرانُ
62 - خُذْهَا سَوَائرَ أمثالٍ مُهَذَّبةً
فيها لمن يَبتَغِي التِّبيانَ تِبيانُ
63 - ما ضَرَّ حَسَّانَها
[804] والطَّبْعُ صائِغُها
أنْ لم يَصُغْها قَرِيعُ الشِّعْرِ حَسَّانُ
* * *
[760] هذا النّصّ عن رسـالة «قصـيدة عنوان الحكـم» التي شـرحها الشـيخ عبد الفتـاح أبو غـدة رحمه الله، وقد أفـدت من هوامشـه في شـرح بعض الألفـاظ والمعانـي بتصرف. [761] وكل ما يجده الإنسـان في دنياه من حظوظ زائـل، ومعناه فقدانٌ لا وجدانٌ إن لم يرافقه ثوابٌ إلى الدار الآخرة. [762] يا من إذا خربت دارك عمرتها مجتهداً، أما إذا خرب عمرك فهل تستطيع أن تعمره كما عمرت دارك. [763] وأنت يا من تحرص على جمع المال: هل نسيت أن سرور المال يعقبه أحزان إذا ضاع أو فُقد أو خُزن أو صرف أو منع. [764] زع الفؤاد، أي: كُفَّ قلبك عن حب الدنيا. [765] أرْعِ سمعَك: أصغ سمعك إليّ. [766] عروض زَلَّته: أي زلّته العارضة. [767] معواناً: كثير العون، ونداك: كرمك. [768] الركن: الملاذ والمرجع. [769] فإنَّ ناصره: أي إنَّ مآله إلى العجز والخذلان. [770] الأخدان: جمع خِدْن وهو الصديق. [771] من غوائلهم: من شرورهم ومساءاتهم. قرير العين أي مسرور. جذلان: فَرحان. [772] الطرف هنا: العين. خزيان: ذليل. والمعنى من أطلق بصره نحو الهوى والشهوات المحرَّمة تثاقل عن نصر الحق، وباء بالذلّة والخزي. [773] النصب هنا: يراد به المتاعب والشرور والعداوات. والسوس: الطبيعة. [774] صروف الدهر: حوادثه ونوائبه وتقلباته. [775] إبّان: وقت محدد. [776] استنام إلى الأشرار: سكن إليهم وصاحبهم، الصِّلُّ: الحيَّة. [777] رَيّق البشر: جميل البشر دائمه، والبشر: طلاقة الوجه وبشاشته. والصحيفة يعني بها الوجه. [778] الخَرْق والخُرق: كلاهما بمعنى العنف والغلظة، ويأتيان بمعنى الحمق والبلاهة. [779] الأنوار: جمع نَوْر، وهو الزهر، فاغمة: متفتحة. [780] حرُّ وجهٍ: محاسـنه وكرامته. والغِلالة: ثـوب رقيق كالقميص يُلبس على الجسد تحت الثياب، ولا تهتك غلالته: أي لا تفضحه. [781] غضان: مشرق طلق. [782] الظلّ هنا: العزّ والمنعة. ويعرى من تقى ونهى: يفقد التقوى والعقل، أفنان: غصون. [783] والته دولته: أي أقبلت عليه الدنيا وابتسمت له الأيام. [784] سحبان: يُضرب به المثل في الفصاحة، وباقل: يُضرب به المثل في العيّ. [785] الدوّ: المفازة والصحراء. والسِّرحان: الذئب. ووشّاء: كثير الوشاية. [786] صَدَّاء: اسم عين ماء عذب. يضرب به المثل في العذوبة. والسعدان: اسم عشب برّي. يضرب به المثل في فائدته للإبل التي ترعاه. [787] الخدش: الجرح. والعارفة: المعروف والإحسان، والمطل: التسويف والتأخير. واللَّيّان: التأخير والمماطلة، أي: لا تُسِئْ إلى معروفك بالتسويف والمماطلة، فخير البر عاجله. [788] النَّدْبُ: المنجد. [789] أبرّوا: غلبوا وفازوا. [790] البُحْران: لفظ يوناني الأصل، وهو عند الأطباء: التغيّر الذي يحدث للمريض. [791] العوز: الحاجة والفقر. والغُنْيان: الاستغناء. [792] خلاً: صديقاً ناصحاً، والخلان: الأصحاب. [793] رضيعا لبان: أي يرضعان من ثدي واحد فهما أخـوان. والمعنى: أن الحكمـة والتقى أخوان لا ينفكان، والمال والطغيان متلازمان لا يفترقان. [794] نبا بالمرء الموطن: ضاق عليه ولم يوافقه ولم يسر به. [795] سِنَة: غفلة خفيفة. [796] استمرأ الظلم: استطابه. والخُطْبان: الحنظل. [797] ريّان: مرتوٍ. [798] لجج: جمع لجة، وهو: معظم الماء. [799] رافل: مختال متبختر. منتشياً من كأسه: نشوان أي: سكران. والمعنى: أيها الشاب المختال المعجب بشـبابه وقوتـه الفتية: لا تغتر بعنفوان شـبابك وتأجج قوتك؛ فالشباب عرض زائل، والانتشاء به حاجب للعقل عن الهداية والرشاد، وهل أدرك الرشد سكران؟. [800] رائق: معجب جميل. نضر: حسن ناعم. والمعنى: لا تغترّ أيها الشاب المتدفّق حَيَويّةً ونضارةً ونشاطاً بسنّ الشباب، تحسبُ أنك تعيش طويلاً، فكم من شاب اختطفته المنية قبل الشيوخ الكبار المسنين. [801] الشبيبة: حداثة السن. تبدي عذر صاحبها: تُظهر عذره؛ لأن الشباب مطية الجهل ويقال مظنة الجهل. [802] شَيّع المرء: صاحَبَهُ. [803] القناه: الرمح، والمراد بكسر قناة الدين: ذهاب الدين وفقده. [804] حَسّانُها: قائلها وناظمها، قريع الشعر: يعني به سيّد الشعر الصحابي الجليل حسان ابن ثابت س. والمعنى أن هذه القصيدة التي انسابت بها قريحة شاعر مطبوع، لا يُقلل من روعتها وجمالها أنّ قائلها شاعر محدث، وليس الصحابي الجليل سيد الشعر حسان س.
561 - وصية عمر بن الوردي المتوفى سنة 749ﻫ لولده: [من الرمل]
1 - اعْتَزِلْ ذِكْرَ الأَغاني والغَزَلْ
وقُلِ الفَصْلَ وجانِبْ مَنْ هَزَلْ
2 - وَدَعِ الذّكْرَ لأَيّامِ الصِّبا
فَلأَيّامِ الصِّبا نَجْمٌ أَفَلْ
3 - واتْرُكِ الغادَةَ لا تَحْفَلْ بها
تُمْسِ في عِزٍّ رَفيعٍ وتُجَلْ
4 - وافْتَكِرْ في مُنْتَهَى حُسْنِ الذي
أَنْتَ تَهْواهُ تَجِدْ أمراً جَلَلْ
5 - واهْجُرِ الخَمْرَةَ إنْ كُنْتَ فَتىً
كَيْفَ يَسْعَى في جُنونٍ مَنْ عَقَلْ؟
6 - واتَّقِ اللهَ فَتَقْوَى اللهِ ما
جاوَرَتْ قَلبَ امرئٍ إلا وَصَلْ
7 - لَيْسَ مَنْ يَقْطَعُ طُرْقاً بَطَلاً
إنَّما مَنْ يَتَّقي الله البَطَلْ
8 - كُتِبَ المَوْتُ عَلَى الخَلْقِ فَكَمْ
فَلَّ مِنْ جَيْشٍ وأَفْنَى مِنْ دُوَلْ
9 - أيْنَ نمرودٌ وكَنْعانٌ وَمَنْ
مَلَكَ الأَرْضَ وَوَلَّى وعَزَلْ؟
10 - أَيْنَ مَنْ سادوا وشادوا وبَنَوْا
هَلَكَ الكُلُّ ولَمْ تُغْنِ القُلَلْ؟
11 - أَيْنَ أرَبْابُ الحِجا أَهْلُ النُّهَى
أَيْنَ أَهْلُ العِلْمِ والقَوْمُ الأُوَلْ؟
12 - سَيُعيدُ اللهُ كُلاًّ مِنْهُمُ
وسَيَجْزي فاعِلاً ما قَدْ فَعَلْ
13 - اُطْلُبِ العِلْمَ ولا تَكْسَلْ فَما
أَبُعَدَ الخَيْرَ عَلَى أَهْلِ الكَسَلْ
14 - واحْتَفِلْ لِلفِقْه فِي الدِّينِ ولا
تَشْتَغِلْ عَنْهُ بمالٍ وخَوَلْ
[805]
15 - واهْجُرِ النَّوْمَ وحَصِّلْهُ فَمَنْ
يَعْرِفِ المَطْلوب يَحْقِرْ ما بَذَلْ
16 - لا تَقُلْ قَدْ ذَهَبَتْ أربابُهُ
كُلُّ مَنْ سار على الدَّرْبِ وَصَلْ
17 - في ازديادِ العلمِ إرْغامُ العِدا
وجَمَالُ العِلْم إصلاحُ العَمَلْ
18 - جُبـِلَ المَنْطِقُ بالنَّحْوِ فَمَنْ
يُحْرَمِ الإعرابَ بالنُّطْقِ اختَبَلْ
[806]
19 - انْظُمِ الشِّعْرَ ولازِمْ مَذْهَبي
فِي اطّراحِ الرِّفْدِ لا تبغِ النِّحَلْ
[807]
20 - فَهْوَ عُنْوانٌ على الفَضْلِ وَمَا
أَحْسَنَ الشِّعْرَ إذا لم يُبْتَذَلْ
[808]
21 - أنا لا أَخْتارُ تَقْبيلَ يَدٍ
قَطْعُها أَجْمَلُ مِنْ تلك القُبَلْ
22 - مُلكُ كِسْرى عَنْهُ تُغْني كِسْرَةٌ
وعَنِ البَحْر اجْتزاءٌ بالوَشَلْ
[809]
23 - اِطْرَحِ الدُّنْيا فَمِنْ عاداتِها
تُخْفِضُ العالي وتُعْلي مَنَ سَفَلْ
24 - عيشةُ الرّاغِبِ في تَحْصيلها
عيشةُ الجاهِلِ فيها أَوْ أَقَلْ
25 - كَمْ جَهولٍ باتَ فيها مُكْثراً
وَعَليم باتَ منها في عِلَلْ
26 - كم شجاعٍ لم يَنَل فْيها المُنَى
وجَبانٍ نَالَ غاياتِ الأَمَلْ
27 - فاتْرُكِ الحِيلةَ فيها واتَّكِلْ
إنَّما الحيلةُ في تَرْك الحِيَلْ
28 - لا تَقُلْ أَصْلي وفَصْلي أبداً
إنَّما أَصْلُ الفَتَى ما قَد حَصَلْ
29 - قَدْ يَسودُ المَرْءُ مِنْ دون أبٍ
وبحُسْنِ السَّبْكِ قد ينفي الدَّغَلْ
[810]
30 - إنَّما الوَرْدُ مِنَ الشَّوْكِ وما
يَنْبُتُ النَرْجِسُ إلا مِنْ بَصَلْ
31 - قِيمَةُ الإِنْسانِ ما يُحْسِنُه
أَكْثَرَ الإنسانُ منهُ أَمْ أَقَلْ
32 - بَيْنَ تَبْذيرٍ وبُخْلٍ رُتبَةٌ
وكِلا هذَيْن إنْ زادَ قَتَلْ
33 - ليسَ يَخْلو المَرْءُ مِنْ ضـِدٍّ وَلَوْ
حاوَلَ العُزْلَةَ في رَأْسِ الجَبَلْ
34 - دارِ جارَ السُّوءِ بالصَّبْرِ وإنْ
لَمْ تَجِدْ صَبْراً فما أَحْلَى النّقلْ
35 - جَانِبِ السُّلْطانَ واحْذَرْ بَطْشَهُ
لا تُعانِدْ مَنْ إذا قالَ فَعَلْ
36 - إنّ نِصْفَ النّاسِ أعداءٌ لِمَنْ
وَلِيَ الأَحْكامَ هذا إن عَدَلْ
37 - قَصِّر الآمالَ في الدُّنْيا تَفُزْ
فَدَليلُ العَقْلِ تَقْصيرُ الأَمَلُ
38 - غِبْ، وزُرْ غِبّاً تَزِدْ حُبّاً فَمَنْ
أَكْثَرَ التَّردادَ أَقْصاهُ المَلَلْ
39 - لا يَـضُرّ الفَضْلَ إِقْلالٌ كَمَا
لا يَضُرُّ الشَّمْسَ أطباقُ الطَّفَل
[811]
40 - خُذْ بنَصْل السَّيْف واتْركْ غُمْدَهْ
واعْتَبـِرْ فَضْلَ الفَتَى دونَ الحلل
41 - حُبُّكَ الأَوطْانَ عَجْزٌ ظاهِرٌ
فاغْتَرِبْ تَلْقَ عَنِ الأَهْلِ بَدَلْ
42 - فَبـِمُكْث الِماءِ يَبْقَى آسِناً
وسُرَى البَدْرِ به البَدْرُ اكتَمَلْ
* * *
[805] عطية الله من النعم والعبيد والإماء وغيرهم من الأتباع والحشم. [806] اختبل: جَنّ. [807] اطّراح الرفد: طرح وترك العطاء. [808] يبتذل: يمتهن. [809] اجتزاء الوشل: الاكتفاء بالماء القليل. [810] الدغل: العيب يفسد الأمر. [811] الطَّفَل: الظلمة.
562 - وقال طَرَفَة بن العبد [812]: [من الطويل]
1 - ألا أيُّها الغادي تَحَمَّلْ وَصِيَّتي
إلى خالدٍ منّي وإن كان نائِيا
2 - وَصِيَّةُ مَنْ يُهدي السَّلامَ لقومِهِ
ويُؤْذِنُ أهلَ الوُدّ أن لا تَلاقِيا
3 - فأُوصيكَ إنْ حالَ الحَوادِثُ بَيْنَنَا
ومِنْ خَيْر ما أَوصَيْتُ مَنْ لَيْسَ ناسِيا
4 - فأَحْسِنْ فإِنَّ المَرْءَ لابُدَّ مَيّتٌ
وإِنّكَ مَجزِيٌّ بما كُنْتَ ساعِيا
5 - وَسارِعْ إلى الخَيْراتِ جهدَكَ لا تَكُنْ
عَنِ الحَمْدِ والمَعْروفِ ما عِشْتَ وانِيا
6 - ولا تَهْدِمَنْ بنْيانَ مَنْ قد وَجَدْتَهُ
بَنَى لَكَ بُنْياناً وكُن أَنْتَ بانِيا
7 - وسامِ جسيماتِ الأُمورِ ولا تَكُنْ
مُسِفّاً إلى ما دَقَّ منهُنَّ وانيا
8 - وعِرْضَكَ صُنْهُ لا تَعَرَّضْ لِفاحِشٍ
فإنَّ لِقَوْلِ السُّوءِ والفُحْشِ واعِيا
9 - وآخِ ذَوي الإحْسانِ والرَّأْي إنَّهم
أَحَقُّ إذا ما كُنْتَ يَوْماً مُؤَاخِيا
10 - وَجالِسْ ذَوي الأَحْلامِ واحفَظْ حَديثَهُمْ
ولا تَكُ عنهم ساهيَ القَلْبِ لاهِيا
11 - ولا تَنْطِقِ العَوْراءَ في القَوْمِ سادِراً
فإنَّ لها فَاعلم مِنَ القومِ واعِيا
12 - ولا تَكُ شتّاماً لقَوْمِكَ باسِلاً
عليهم فَتَلْقَى عندَ ذاكَ دَواهِيا
13 - ولا تَأْمَنَنْ صَرْمَ امْرِىءٍ بَعْدَ وُدِّهِ
وإن كانَ حيناً قَبْلَ ذاكَ مُصافِيا
14 - وإِنْ خِفْتَ مِنْ مَوْلاكَ يَوْمًا تَكَبُّراً
فَعاقِدْ أخاً يغدو إذا كنت غاديا
15 - فإنْ كُنَتَ يوماً أَنْتَ أَكثَرَ ناصِراً
فلا تَغْشَهُ بالظُّلمْ تُؤْذيه باغِيا
16 - إذا أَنْتَ لم تُعْرض عن الجَهْلِ والخَنا
وَشَتْمِ ذَوي القُرْبى تَنَدَّمْتَ خاليا
17 - أخوكَ أَجِبْهُ إن دعى لِمُلمةٍ
ولا تَخْذُلن في النّائبات مُواسيا
18 - وإنْ أَنْتَ آخَيْتَ امرأً أَوْ صَحِبـتَهُ
فكُنْ باذِلاً فيما مَلَكْتَ مُواسِيا
19 - وَعَهْدُكَ فاحْفَظْهُ فلا خَيْرَ في امْرئٍ
إذا لَمْ يَكُنْ للعَهْدِ في الغَيْبِ راعِيا
20 - وإيّاكَ لا تَغْدُرْ بَعْهدٍ عَهدتَهُ
فَأَفْضَلُ مَنْ عاهَدْتَ مَنْ كانَ وافِيا
21 - ولا تَكُ مِعْثَاراً إذا قُلْتَ واقْتَصِدْ
ففي القَوْلِ والإكثارِ تَجْني الدّواهِيا
22 - إذا أَنْتَ عادَيْتَ الرّجالَ فجِدْ لهم
بما كَرِهوا حَتّى يَمَلُّوا التَّعاديا
23 - ولا تَسْأَمَنَّ الحَرْبَ حين تهيجُها
سَريعاً وباشِرْها إذا كنَت جانيا
24 - وَنْفسَكَ أَكْرِمْها إذا نِلْت عيشةً
فإنَّك لا تُبْقي لمالِكَ باقيا
25 - ولا تُرِيَنَّ الناسَ إلا تَجَمُّلا
وإن بِتّ صِفْرَ الكَفِّ والبَطْن خالِيا
26 - وإنِ امرٌؤ أَفْـضَى إليكَ بِـسرِّه
لِتَكْتُمَهُ يَوْماً فلا تَكُ فاشِيا
27 - وللجارِ حَقٌّ فاحْتَرِسْ من أذاتِهِ
فلا خَيْرَ في جارٍ يَكُنْ لَكَ آذِيا
28 - وإنْ خِفْتَ سوءاً أو نَبَا بِكَ مَنْزِلٌ
فَدَعْهُ لِمَنْ بالخَسْفِ يُصْبـِح راضـِيا
29 - وَضيفكَ فاكْرِمْ ما اسْتَطَعْتَ ثواءَهُ
إذا حَلَّ حَتّى يَرْحَل الضَّيْفُ راضـِيا
* * *
[812] بعض هذه الأبيات وهي 29 و25 مع ثالثٍ منسوبة إلى طرفة بن العبد في المناقب والمثالب للخوارزمي 112، وبعضها الآخر 1 + 2 مع ثالث في ديوان طرفة بن العبد 200، قلت: وبعض أبيات القصيدة ركيكٌ إلى حدٍّ أنّه لا يمكن أن تكون لطرفة.
563 - وقال أبو العتاهية [813]: [من البسيط]
1 - يا صاحبَ الغمِّ إن الغمَّ منقطَعٌ
أَبْـشِرْ بخيرٍ كأنْ قد فَرَّجَ اللهُ
2 - إذا ابتُليتَ فَثِقْ باللهِ وارضَ به
إنَّ الذي يَكْشِفُ البَلْوى هو اللهُ
3 - اليَأسُ يَقْطَعُ أحياناً بصاحبه
لا تيأسَنَّ فإنَّ الكافيَ اللهُ
4 - اللهُ حسبك فيما عُذْتَ منه به
وأينَ أصنَعُ مِمَّنْ حَسْبُه اللهُ
5 - إذا قَضَى اللهُ فاستسلمْ لقدرَتِهِ
ما لامرىءٍ حيلةٌ فيما قضى الله
6 - هُنَّ البلايا ولكن حسبنا اللهُ
واللهُ حسبُكَ في كلٍ لك اللهُ
7 - هَوِّنْ عليك فإنَّ الصانعَ اللهُ
والخيرُ أجمعُ فيما يصنعُ اللهُ
8 - يارُبَّ مُسْتَصْعِبٍ قد هَوَّنَ اللهُ
وربَّ شرٍّ كثيرٍ قد وقى اللهُ
* * *
[813] الأبيات 2 + 3 + 5 في أدب الدنيا والدين 469، والمستطرف 2/ 349، وكلاهما بلا نسبة، وأخلَّ بها ديوان أبي العتاهية.
564 - وقال إبراهيم بن كُنَيْف النبهاني [814]: [من الطويل]
1 - تعزَّ فإنَّ الصَّبُرَ بالحُرِّ أجْمَلُ
وليسَ على ريبِ الزمانِ مُعَوَّلُ
[815]
2 - فَلَوْ كانَ يُغْني أن يُرى المرءُ جازِعاً
لنازلةٍ أوْ كانَ يُغْني التَّذَلُّلُ
3 - لكانَ التَّعَزّي عند كُلّ مصيبةٍ
ونائبةٍ بالحُرِّ أَوْلى وأَجْمَلُ
4 - فكيف وكلٌّ ليس يعدو حمِامَهُ
وما لا مرئٍ عّما قضى اللهُ مَزْحَلُ
[816]
5 - فإنْ تكُنِ الأيّامُ فينا تبدِّلَتْ
ببُؤْسَى ونُعْمَى والحوادثُ تفعلُ
6 - فما لَيَّنَتْ منا قناةً صَليبَةً
ولا ذَلَّلَتْنا للذي ليس يَجْمُلُ
[817]
7 - ولكن رَحَلْناها نُفوسًا كَريمةً
تُحَمَّلُ ما لا يُسْتَطاعُ فَتَحمِلُ
8 - وَقَيْنا بُحسْنِ الصَّبْرِ منّا نفوسَنا
فَصَحَّتْ لنا الأعراضُ والناسُ هُزَّلُ
* * *
[814] إبراهيم بن كُنَيْفٍ النبهاني: شاعر إسلامي اشتهر بأبيات له أوَّلها:
تعزّ فإنّ الصبر بالحرّ أجملُ
وليس على رَيْبِ الزمانِ معوَّلُ
سمط اللآلي 430، والأبيات تُنسب إلى البسامي في روضة العقلاء 1/ 162، وإلى غيره في الوافي بالوفيات 6/ 62، وانظر الأعلام 1/ 53.
[815] مُعَوَّل: من عَوَّل عليه: اعتمد واتّكل.
[816] مَزْحَل: من زَحَلَ عن مكانه تنحَّى وابتعد.
[817] صليب: قوي شديد.
565 - وقال الإمام الشافعي [818]: [من البسيط]
1 - ما في المُقامِ لذي عَقْلٍ وذي أَدَبِ
من راحةٍ فدعِ الأوطانَ واغْتَرِبِ
2 - سافِرْ تجدْ عِوَضاً عَمَّنْ تُفارِقُهُ
وانْصَبْ فإنّ لَذيذَ العَيْشِ في النَّصَبِ
3 - إني رأيْتُ وقوفَ الماءِ يُفْسِدُهُ
إن ساح طابَ وإن لم يجرِ لم يطِبِ
4 - والأُسْدُ لولا فراقُ الأرض ما افْتَرَسَت
والسَّهْمُ لولا فراقُ القوسِ لم يُصِبِ
5 - والشّمْسُ لو وَقَفَتْ في الفُلْكِ دائمةً
لملَّها الناس من عُجْمٍ ومن عربِ
6 - والتِّبرُ كالتُّرْبِ مُلْقًى في أماكِنِهِ
والعودُ في أرْضـِهِ نوعٌ من الحَطَبِ
7 - فإن تغَرّب هذا عزَّ مطلبُهُ
وإن تَغَرّب ذاك عَزَّ كالذَّهَبِ
* * *
[818] ديوان الإمام الشافعي 32 - 33.
566 - وقال الحريري [819]: [من الطويل]
1 - بُنَيَّ اسْتَقِمْ فالعودُ تنمى عُروقُهُ
قَويماً ويَغْشاهُ إذا ما الْتَوَى التوى
[820]
2 - ولا تُطِعِ الِحْرصَ المُذِلَّ وكُنْ فَتىً
إذا التَهَبَتْ أَحْشاؤُهُ بالطَّوى طَوَى
[821]
3 - وعاصِ الهَوَى المُرْدي فكَمْ من مُحَلِّقِ
إلى النَّجْمِ لمّا أن أطاع الهوى هوى
[822]
4 - وأَسْعِفْ ذوي القربى فَيَقْبُحُ أن يُرى
على مَنْ إلى الحُرّ اللُّبابِ انضوى ضوى
[823]
5 - وحافِظْ على من لا يخُونُ إذا نَبا
زمانٌ ومن يرعى إذا ما النَّوَى نوى
[824]
6 - وإنْ تَقْتَدِرْ فاصفَحْ فلا خير في امرئٍ
إذا اعْتَلَقَتْ أظفارُهُ بالشَّوَى شَوَى
[825]
7 - وإياك والشكوى فلم تَرَ ذا نُهى
شكا بل أخو الجهل الذي ما ارعوى عوى
[826]
* * *
[819] شرح مقامات الحريري 547 - 548، والخريدة - العراق - 4/2/603 - 604. [820] يعني أن العود ما دام مستقيماً يسمو فعروقه تنمو، فإذا اعوَجّ والتوى أصابه الهلاك والردى (عن شرح المقامات). [821] بالطوى، أي: بالجوع، وطوى: أي واصل الجوع وصبر. [822] أي: واعص هوى النفس المهلك، فكم من مرتفعٍ إلى النجم لما أطاع هواه هوى وسقط من العلو فهلك. [823] انضوى، أي: انضم ومال إلى الحر الكريم، وضوى: هزل. [824] نبا زمان: أدبر وأصـاب صـاحبه بالفقر والعوز. والنوى الأولى: السـفر والبعد، ونوى الثانية: أي وضع في عقله نية ما. [825] اعتلقت: نشبت. والشوى: جلدة الرأس. وشوى: أي أحرق. والمعنى: لا خير فيمن كان لئيم الظفر متى قدر غدر، والعفو عند المقدرة من أخلاق الكرام. [826] النهى: العقل، أخو الجهل: الأحمق. ارعوى: كف ورجع. عوى: تضجر وشكا، مستعارمن عواء الكلب.
567 - وقال علي بن أبي طالب [827]: [من الوافر]
1 - إذا هَبَّتْ رياحُكَ فاغتنمها
فَعُقْبى كُلِّ خافِقَةٍ سُكونُ
[828]
2 - ولا تَغْفَلْ عن الإحسان فيها
فما تدري السكونَ متى يكونُ
3 - إذا ظَفِرَتْ يَداكَ فلا تُقَصِّرْ
فإنَّ الدَّهْرَ عادَتُهُ يَخونُ
* * *
[827] ديوان الإمام علي 114 دون الثالث. [828] في مذكرة الشيخ (فإنَّ لكلَّ خافقه سكونُ) والمثبت عن ديوان الإمام علي، وهو الأشبه.
568 - وقال أبو العتاهية [829]: [من الكامل]
1 - اصبـِرْ لكلِّ مُصيبةٍ وتَجَلَّدِ
واعلمْ بأنَّ المرءَ غيرُ مْخَلَّدِ
2 - أوَ ما ترى أنّ المصائبَ جَمَّةٌ
وترى المنيّةَ للعبادِ بمرصدِ
* * *
[829] البيتان أربعة في ديوان أبي العتاهية 110 - 111.
569 - وقال أبو الطيب المتنبي [830]: [من البسيط]
1 - ولا تَشَكَّ إلى خَلْقٍ فتُشمِتَهُ
شكوى الجريحِ إلى الغِربان والرَّخَمِ
2 - وكُنْ على حَذَرٍ للناس تَسْتُرُهُ
ولا يَغُرَّكَ منهم ثَغْرُ مُبْتَسِمِ
* * *
[830] شرح ديوان المتنبي 4/ 295.
570 - وقال أبو الفتح البستي [831]: [من المتقارب]
1 - خذ العَفْوَ وأْمُرْ بعرفٍ كما
أُمرتَ وأعرضْ عن الجاهلينْ
2 - ولِنْ في الكلامِ لكلِّ الأنامِ
فَمُسْتَحْسَنٌ من ذوي الجاه لينْ
* * *
[831] ديوان أبي الفتح البستي 307.
571 - وقال أبو العلاء المعرّي [832]: [من الطويل]
1 - يقول لك العقلُ الذي بَيَّنَ الهدى
إذا أَنْتَ لَمْ تَدْرأْ عَدُوًا فدارِهِ
2 - وقَبّلْ يَدَ الجاني الذي لَسْتَ واصِلاً
إلى قَطْعِها وانْظُر سُقوطَ جِدارِهِ
* * *
[832] اللزوميات 1/ 359.
572 - وقال بشار بن برد [833]: [من الطويل]
1 - إذا بَلَغَ الرَّأْيُ المَشورَةَ فاسْتَعِنْ
برأي نصيحٍ أو نصيحةِ حازِم
2 - ولا تجعلِ الشُّورى عليك غضاضةً
مكانُ الخوافي نافعٌ للقوائمِ
[834]
* * *
[833] ديوان بشار بن يرد 593. [834] الغضاضة: الحقد والكره، والخوافي: الريش الصغير، والقوادم: الريش الكبير (هامش الديوان).
573 - قال أبو العلاء المعري [835]: [من الطويل]
1 - طِباعُ الوَرَى فيها النّفاقُ فأَقْصِهم
وحيداً ولا تَصْحَبْ خَليلاً تُنافِقُهْ
2 - وما تُحْسِنُ الأيامُ أن ترزُقَ الفتى
وإن كان ذا حظٍّ صديقًا يوافِقُهْ
* * *
[835] اللزوميات 2/ 127.
574 - قال الشاعر: [من الطويل]
1 - وقُلْ للعيونِ الرُّمْدِ إياكِ أَن تَرَيْ
سنا الشمس واسـتغشي ظلام اللياليا
2 - وسامحْ ولا تعتبْ عليها وخلِّها
فإن أنكرتْ حقّاً فقل خلّ ذا ليا
* * *
575 - وقال طُرَيْحُ بن إسْماعيلَ الثَّقَفِي [836]: [من البسيط]
لا تأمننّ امرأً أسكنت مهجتَهُ
غيظاً وتَحْسَبُ أنّ الجرحَ مُنْدَمِلُ
* * *
[836] طُرَيْح بن إسماعيل بن عبيد الثقفي أبو الصلت: شـاعر الوليد بن يزيد الأموي وخليله، وأكثر شـعره في مديحه، وعاش إلى أيام الهادي العباسـي، فتوفي سنة 165ﻫ/ 781م (الأعلام 325، ومعجم الأدباء 4/ 1458، وتاريخ دمشق - دار الفكر 24/ 468، والأغاني دار الكتب 4/ 302).
576 - وقال أبو العلاء المعري [837]: [من البسيط]
إذا أَمنْتَ على حالٍ أخا ثِقَةٍ
فاحْذَرْ أخاكَ ولا تَأْمَنْ على الحُرَمِ
* * *
[837] اللزوميات 2/ 321.
577 - وقيل: [من الكامل]
أَقْلِلْ نكاحك ما استطعت فإنه
ماءُ الحياةِ يُصَبُّ في الأَرْحامِ
[838]
* * *
[838] البيت مع آخر قبله في البداية والنهاية 13/ 86 منسوباً لابن سينا، وروايته فيه (واحفظ منيّك...) وما هنا عن مذكرة الشيخ رحمه الله.
578 - وقال أبو الفتح البستي [839]: [من البسيط]
دَع التكاسُلَ في الخيراتِ تطلُبُها
فليس يَسْعَدُ بالخيراتِ كسلانُ
[839] هو أحد أبيات قصيدة (عنوان الحكم) المتقدمة برقم (581): البيت 32.
579 - وقال أبو العلاء المعري [840]: [من البسيط]
لا تَزْدَرُنَّ صِغاراً في ملاعبهم
فجائِزٌ أَنْ يُرَوا ساداتِ أَقْوامِ
* * *
[840] اللزوميات 2/ 323.
580 - قال عمر بن أبي ربيعة [841]: [من الوافر]
1 - ألا يا مَنْ أُحبُّ بكلّ نَـفْسي
ومَنْ هُو من جَميع النّاسِ حَسْبي
2 - وَمَنْ يَظْلم فأَغْفرُهُ جَميعاً
ومَنْ هو لا يَهُمُّ بغَفْرِ ذَنْبـِي
* * *
581 - قال ابن السرّاج البغدادي [842] [من الرجز] [843]
أحبُّهُ حُبَّ الشَّحيحِ مالَهُ
قد ذاقَ طعمَ الفقرِ ثم نالهُ
إِذَا أَرادَ بَذْلَهُ بَدا لَهُ
* * *
[841] ديوان عمر بن أبي ربيعة - دار الكتاب العربي 82. [842] هو محمد السـريّ بن السـراج البغدادي النحوي: نحويٌّ له شعر... مات سنة (316ﻫ/ 928م) (تاريخ بغداد 5/ 320، والأعلام 7/ 6). [843] الشطرتان الأوليان في (المحمدون من الشعراء) - مجمع اللغة العربية بدمشق - 472.
582 - قال المتنبي [844]: [من الطويل]
وَأَحْلَى الهَوَى ما شَكَّ في الوصلِ رَبُّهُ
وفي الهَجْرِ فَهْوَ الدَّهْرَ يَرْجو ويتَّقي
[845]
* * *
[844] شرح ديوان المتنبي 3/ 49. [845] ربّه: صاحبه.
583 - قال الشاعر: [من البسيط]
1 - لَقَدْ سَمِعْنا بأوصافٍ لكُمْ كَمُلَتْ
فَسَرَّنا ما سمعناهُ وأحيانا
2 - نِلْنا محبَّتكمْ من قبل رؤيتكم
والقلبُ يعشَقُ قبل العينِ أحيانا
* * *
584 - وقال بشار بن برد: [من البسيط]
يا قومِ أذني لبعض الحيّ عاشقةٌ
والأذنُ تعشقُ قبل العينِ أحيانا
* * *
585 - وقال عمرو بن قَميئة [846]: [من الطويل]
1 - رمتني بناتُ الدهرِ من حيثُ لا أرى
فكيفَ بمن يُرمى وليس برامي
2 - ولو أنني أُرمى بنبلٍ رأيتُها
ولكنّني أُرمى بغيرِ سهامِ
* * *
[846] ديوان عمرو بن قميئة 45 - 46.
586 - وقال عمر بن أبي ربيعةِ [847]: [من الخفيف]
1 - واشتكتْ شدَّةَ الإزارِ من البُهْـ
ـرِ وألقَتْ عَنْها لديَّ الخِمارا
[848]
2 - حَبَّذا رَجْعُها إليها يَدَيْها
في يَدَيْ دِرْعِها تَحُلُّ الإزارا
* * *
[847] ديوان عمر بن أبي ربيعة 156. [848] البَهْر: الانبهار، وهو تتابع النفس من الإعياء (لسان العرب).
587 - وقال عبدالله بن مصعب [849] وكان الرشيد كثيراً ما ينشـد هـذه الأبيات [850]: [من الطويل]
1 - وإنّي وإنْ أَقْـصَرتُ من غير يَقْظَةٍ
لَراعٍ لأسبابِ المودَّةِ حافظُ
2 - وما يزال يدعوني إلى الـصَّرْمِ ما أرى
فآبى وتثنيني عليكَ الحَفائِظُ
[851]
3 - وأنتظرُ الإقبالَ بالودِّ منكمُ
وأصبرُ حتى أوجعتني المغائظ
[852]
4 - وأنتظرُ العُتْبَى وأُغْـضي عن القَذَى
أُلاينُ طوراً مرةً وأغالظُ
[853]
5 - وجَرّبْتُ ما يُسلي المحبَّ عن الصّبا
فأقـصرْتُ والتجريبُ للمرءِ واعظُ
[854]
* * *
588 - قال: وأنشدنا أبو عبدالله إبراهيم بن محمد بن عرفة [855]: [من الطويل]
1 - لئن دَرَسَتْ أسبابُ ما كانَ بيننا
من الودّ ما شوقي إليكَ بدارسِ
[856]
2 - وما أنا مِنْ أَنْ يَجْمَعَ اللهُ بَيْنَنَا
على خَيْرِ ما كُنَّا عَلَيْه بيائِسِ
[849] هو عبدالله بن مصعب بن ثابت بن عبدالله بن الزبير، أبو بكر القرشي الأسدي، أميرٌ من أهل الورع والعدل والشعر والفصاحة، وولي اليمامة أيام المهدي العباسي ثم الهادي ثم الرشـيد، توفي بالرقة بصحبة الرشـيد سـنة (184ﻫ/ 800م) الأعـلام 4/ 281، وتاريخ بغداد 10/ 173). [850] الأبيات في التذكرة الحمدونية 6/ 111، وأمالي القالي - العصرية - 243. [851] والصرم: القطع، والحفائظ: جمع حفيظة، وهي: الغضب والحميَّة. [852] المغائظ: من الغيظ. [853] العتبى: الرضا. وأُغضي عن القذى: أصبر على الأذى. [854] أقصر عن الشيء: كفّ عنه. [855] الأمالي لأبي علي القالي - العصرية - 440. [856] درست: انمحت وذهبت. والأسباب: الحبال والطرق.
589 - قال ابن زيدون: [من البسيط]
1 - أضحى التنائي بديلاً من تدانينا
وناب عن طيبِ لُقيانا تجافينا
[857]
2 - ألا وقد حانَ صبحُ البينِ صَبَّحَنا
حَيْنٌ فقامَ بنا للحَيْن داعينا
[858]
* * *
[857] التنائي: البعد، وعكسها: التداني. والتجافي: البعد أيضاً. [858] البَيْن: البعد والفراق. والحَيْن: الهلاك.
590 - قال ابن الدُّمَيْنَة [859]: [من الوافر]
1 - أَمَا وَاللهِ ثُمَّ اللهِ حَقّاً
يَميناً ثُمَّ أُتْبـِعها يَمينا
2 - لقد نَزَلَتْ أُمَيْمَةُ مِن فُؤادي
تِلاعاً ما أُبـِحْنَ وما رُعِينا
3 - ولكنَّ الخَليلَ إذا جَفانا
وآثَرَ بالمَوَدَّةِ آخَرينا
4 - صَدَدْتُ تكَرُّماً عَنْه بنَفْـسي
وإنْ كانَ الفُؤادُ به ضَنينا
[860]
* * *
591 - قال كثيّر عزة [861]: [من الطويل]
فإن تَسْلُ عنكَ النفسُ أو تدع الهوى
فباليأسِ تسلو عنكَ لا بالتجلّدِ
* * *
[859] ديوان ابن الدمينة 160. [860] صدَّ عنه: أعرض عنه. والضنين: البخيل (هامش الديوان). [861] ديوان كثير عزة 116.
592 - قال علي الجارم: [من البسيط]
إنّا عَلى العَهْدِ لا بُعْدٌ يُحَوِّلُنا
عَن الودادِ ولا الأيّامُ تُنْسينا
* * *
593 - وقال أبو القاسم القشيري [862]: [من الطويل] [863]
1 - سقى الله وقتاً كنتُ أخلو بوجهكمْ
وثَغْرُ الهوى في رَوْضَةِ الأُنْسِ ضاحِكُ
2 - أقمنا زماناً والعُيونُ قَريرةٌ
وأصبحْتُ يَوْماً والجُفونُ سوَافِكُ
[864]
* * *
[862] هو عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة النيسابوري القشيري أبو القاسم: زين الإسـلام، شـيخ خراسـان في عصـره زهداً وعلماً بالدين، توفي سنة 465ﻫ/ 1072م (طبقات السـبكي 3/ 243 - 248، والأعـلام 4/ 180، وتاريـخ بغداد 11/ 83). [863] الأبيات في ترجمته في وفيات الأعيان 2/ 207. [864] قرير العين: باردها، وهي دليل السرور والرضى. والسوافك: تصبُّ الدموع.
594 - قال كعب بن زهير [865]: [من البسيط]
1 - بانَتْ سُعادُ فقلبي اليومَ مَتبْولُ
مُتَيَّمٌ إثْرَها لَمْ يُفْدَ مكبولُ
[866]
2 - وما سعادُ غَداةَ البَيْنِ إذ رحلوا
إلا أغَنُّ غضيضُ الطَّرْفِ مكحولُ
[867]
3 - هيفاء مقبلةٌ عجزاء مدبرةٌ
لا يُشْتكى قِصَرٌ منها ولا طولُ
[868]
4 - تجلو عوارضَ ذي ظَلْمٍ إذا ابتسمَتْ
كأنه منهلٌ بالرّاحِ معلولُ
[869]
* * *
[865] القصيدة في شـرح ديوان كعب 12، وسـترد كاملة في هذا الكتاب في باب شعر المديح. وقد رضيت بتكرار هذه الأبيات هنا لأنها في الغزل الجاهلي الذي سماه النقاد بالنسيب وبالمقدمة الطللية الغزلية. [866] بانت: فارقـت. وتبل الحب فلاناً: أسـقمه وذهب بعقله فهو متبول. مكبول: محبوس، لم يُفْدَ: من الفداء. [867] الأغنّ: الذي في صوته غنة. وغضيض الطرف: فاتر اللحظ. [868] لم يرد هذا البيت في شرح الديوان. والعجزاء: هي ذات العجيزة الكبيرة. [869] العوارض: الأسنان، وهي ما بين الثنيَّة والضرس. والظَّلْم: ماء الأسنان، ومنهل: قد انهلَّ بالخمر، والنهل: أول شربة، والمعلول: قد سقي مرتين، والعلل: الشرب الثاني.
595 - قال بعض الأعراب، وقد نظر إلى امرأته مبرقعة [870] -: [من المتقارب]
1 - إذا باركَ اللهُ في مَلْبَسٍ
فَلا بارَكَ اللهُ في البُرْقُعِ
2 - يُريكَ عُيونَ المَهَا مُسبَلاً
ويَكْشِفُ عن مَنْظَرٍ أَشْنَعِ
[870] روضة المحبين لابن القيم - دار ابن كثير - 445.
596 - قال الشاعر: [من الطويل]
1 - أُعانقُها والنفسُ بعدُ مَشُوقةٌ
إليها وهل بعدَ العناقِ تداني
2 - وألثُمُ فاها كي تموتَ حرارتي
فيشتدُّ ما أَلْقَى من الهيمَانِ
3 - ولم يكُ مقدارُ الذي بي من الجَوى
ليَشْفِيَهُ ما ترشفُ الشفتانِ
4 - كأنّ فؤادي ليس يشفي غَليلَهُ
سوى أن يرى الروْحَيْن يمتزجانِ
* * *
597 - قال كثيّر عزة [871]: [من الطويل]
1 - وكنتُ إذا ما زُرْتُ سُعْدَى بأَرْضـِها
أرى الأَرْضَ تُطْوى لي ويَدْنو بَعيدُها
2 - مِنَ الخَفِراتِ البيضِ وَدَّ جَليسُها
مَتى ما انْقَضَتْ أُحدوثَةً لي تُعيدُها
* * *
598 - وأنشد ابن الأعرابي: قول الشاعر: [من الطويل]
مِنَ البـِيضِ أمّا الدَّلُّ مِنْها فكامِلٌ
مَليحٌ وأما صَوْتُها فَخَريدُ
[872]
* * *
[871] ديوان كثيّر عزة - دار صادر - 109. [872] صوت خَريدٌ: ليّن، عليه أثر الحياء.
599 - وقال الشاعر [873]: [من الوافر]
1 - أَتَظْعَنُ عَنْ حَبيبكَ ثُمَّ تَبْكى
عَلَيْه فَمَنْ دعاكَ إلى الفِراقِ
2 - كَأَنَّكَ لَمْ تَذُق للبَيْنِ طَعْماً
فَتعْلَم أَنَّه مُرُّ المُذاقِ
3 - أَقِمْ وانْعمْ لِطولِ القُرْبِ منه
ولا تَظْعَنْ فتُكبتَ باشْتِياقِ
4 - فما اعْتاضَ المُفارِقُ من حَبيبٍ
ولو يُعْطَى الشَّآمَ مَعَ العِراقِ
* * *
[873] الأمالي للقالي - العصرية - 164.
600 - قال الشاعر: [من الطويل]
1 - تَذَلَّلْ لمن تَهْوى لتَحْظَى بقربه
فكم عِزَّةٍ قد نالها العبدُ بالذُّلِّ
2 - إذا كان مَنْ تَهْوى عزيزاً ولم تكن
ذليلاً له فَاقْرا السَّلامَ على الوَصْلِ
* * *
601 - قال ابن زريق البغدادي [874]: [من البسيط]
كم قد تشفَّعَ بي أن لا أفارقه
وللـضرورات حال لا تَشَفّعُهُ
* * *
[874] ثمرات الأوراق 1/ 162، والكشكول 1/ 45، 360.
602 - من شعر قيس في معشوقته ليلى [875]: [من الطويل]
1 - تَعَلَّقْتُ لَيْلَى وَهْيَ ذاتُ ذُؤابَةٍ
وَلَمْ يَبْدُ للأَتْرابِ مِنْ ثَدْيِها حَجْمُ
2 - صَغيريْنِ نَرْعَى البَهْمَ يالَيْتَ أَنَّنا
إلى اليَوْمِ لَمْ نَكْبر ولم تكبرِ البَهْمُ
* * *
[875] ديوان مجنون ليلى 164، والمعنى: تعلَّق قلبي بليلى وهي صغيرة ما لثدييها حجم، وكنا صغيرين نرعى الماشية معاً، فليتنا لم نكبر ولم تكبر البهائم.
603 - قال الشاعر: [من البسيط]
تَلَقَّ قلبي فقد أرسلْتُهُ عجلاً
إلى لقائِكَ والأشواقُ تَقْدُمُهُ
* * *
604 - قال الشاعر [876]: [من الطويل]
فإنْ تَنكِحي أنكحْ وإن تتأيّمي
وإن كنتُ أفتى منكِ إني لأيِّمُ
* * *
[876] الأغاني 22/ 308.
605 - قال سُحَيْم عبد بني الحسحاس [877]: [من الطويل]
تُوَسِّدُني كَفّاً وتُثْنِي بمِعْصَمٍ
عَليَّ وَتَحْوي رجلُها من ورائيا
* * *
[877] ديوان سحيم 20.
606 - قال الراعي النميري [878]: [من الكامل]
1 - وَحَديثُها كالقَطْرِ يَسْمَعُهُ
راعي سِنين تَتَابَعَتْ جَدْبا
2 - فَأَصاخَ يَرجو أن يكون حَياً
وَيَقُولُ من فَرَحٍ هَيا رَبَّا
607 - قال ابن الرومي [879]: [من الكامل]
1 - وَحَديثُها السِّحْرُ الحَلالُ لَوٱنَّها
لم تَجْنِ قتلَ المُسْلِم المُتَحرِّزِ
[880]
2 - شَرَكُ النُّفوسِ وفِتْنَةٌ ما مِثلُها
لِلْمُطْمَئِنّ وعُقْلَةُ المُسْتَوفِزِ
[881]
3 - إنْ طالَ لَمْ يُمْلَلْ وإنْ هي أَوجَزَتْ
وَدَّ المُحَدِّثُ أَنّها لَمْ تُوجِزِ
* * *
[878] ديوان الراعي النميري 1/ 22. [879] ديوان ابن الرومي - دار الكتب العلمية 2/ 183، وديوان الراعي النميري - المعهد الألماني - 300. [880] المتحرز: المتحصن. [881] عقلة المستوفز: قيد المستعد للوثوب.
608 - قالت عُلية بنت المهدي [882]: [من الطويل]
1 - تجنَّبْ فإنّ الحبَّ داعيةُ الحبِّ
وَكَمْ مِنْ بَعيدِ الدّارِ مُسْتَوْجِبِ القُربِ
2 - وأَطيبُ أَيَام الفَتى يومُهُ الذي
يُرَوَّعُ بالهِجْرانِ فيه وبالعَتْبِ
3 - إذا لَمْ يَكُنْ في الحُبِّ سُخْطٌ ولا رِضىً
فأين حَلاواتُ الرَّسائِلِ والكُتْبِ
* * *
[882] الأبيات في الحماسـة المغربية 992، وفوات الوفيات 3/ 125، وتُروى لشعراء آخرين كأبي حفص الشطرنجي والعباس بن الأحنف، وإسحاق الموصلي.
609 - قال الشاعر: [من الطويل]
1 - وما الحليُ إلا حِلْيةٌ لنَقيصةٍ
تُتَمِّمُ مِنْ حُسْنٍ إذا الحُسْن قَصَّرا
2 - فَأما إذا كانَ الجَمال مُوَفَّراً
كَحُسْنُكِ لم يَحْتَجْ إلى أَنْ يُزَوَّرا
* * *
610 - قال مجنون ليلى [883]: [من الطويل]
1 - ألا قاتَلَ اللهُ الحَمامةَ عُنْوَةً
عَلَى الأَيْكِ ماذا هَيَّجَتْ حينَ غَنَّتِ
2 - فَغَنَّتْ بِلَحْنٍ أَعْجَميّ فَهَيَّجَتْ
هَواي الذي بَيْنَ الضُّلوعِ أَجَنَّتِ
* * *
[883] ديوان مجنون ليلى 48.
611 - قال البهاء زهير [884]: [من الطويل] [885]
إذا كانَ خَصْمي في الصَّبابةِ حاكمي
لمنْ أَشْتكيهِ أَوْ لمن أَتَظَّلمُ
* * *
[884] هو زهير بن محمد بن علي المهلبي العتكي المشهور بالبهاء زهير: شاعر كاتب، واتصل بخدمة الملك الصالح أيوب بمصر، مات سنة 656ﻫ/ 1258م، وله ديوان شعر مطبوع (الأعلام 3/ 88، ووفيات الأعيان 2/ 332). [885] ديوان البهاء زهير - دار صادر - 299.
612 - قالـت ليلـى الأخيليـة: وَجَّهَ توبـةُ بن الحُمَيرِّ صـاحباً لـه إلى حاضرنا [886]، وقال له: إذا أتيت الحاضـِرَ من بني عبادة من عُقيل، فَاعْلُ شَرَفاً [887]، ثم اهتف بهذا البيت [888]: [من الطويل]
عَفا الله عنها هل أَبيتَنَّ لَيْلَةً
من الدَّهْر لا يسري إليَّ خيالُها
فلما فعل ذلك الرجل عرفتُ المعنى، فقلت له: [من الطويل]
وعنه عَفا رَبّي وأحسنَ حِفْظَه
عَزيزٌ علينا حاجَةٌ لا ينالُها
* * *
[886] الحاضر: الحي العظيم (اللسان). [887] الشَّرَف: الموضع العالي يشرف على ما حوله. [888] البيتان والخبر في ديوان ليلى الأخيلية - دار صادر - 78.
613 - قال المغيرة بن حَبْناء [889]: [من الطويل]
1 - وإنْ تَدْنُ مِنّي تَدْنُ مِنْكَ مَوَدَّتي
وإنْ تَنْأَ عَنّي تَلْفَني عَنْكَ نائِيا
2 - كِلانا غَنيٌّ عن أَخيهِ حَياتَهُ
وَنَحنُ إذا مِتْنا أَشَدّ تَغانيا
* * *
[889] البيت الثاني في محاضرات الراغب 3/ 42، والتذكرة الحمدونية 3/ 135، وفي الأخير نسبته إلى الأعشى، ولم أجده في ديوانه ولا في شرحه.
614 - قال أمين الجندي: [من الوافر]
1 - سَأَلْتُ أَحِبَّتي ما كانَ ذَنْبي
وَهَلْ لي عِنْدَهُم حدثَتْ عُيوبُ
2 - وكَرَّرْتُ السُّؤالَ لَهُمْ إلى أَنْ
أجابوني وأَحْشائي تَذوبُ
3 - إذا كانَ المُحِبُّ قَليلَ حَظٍّ
وَنَجْمُ السَّعْدِ يَعْلوهُ الغُروبُ
4 - وَمَن يَرْمي الزَّمَانُ بقومِ سُوءٍ
فما حَسَناتُهُ إلا ذُنوبُ
* * *
615 - قال ميخائيل خير الله: [من الكامل]
ذَنْبي محبَّتُهُ فلو أبغضتُهُ
مَنْ لي بإنسانٍ إذا أغضبتُهُ
* * *
616 - حَدّثَ رجلٌ يقال له ورقاء قال [890]: سمعت الحجاج يقول لليلى الأخيلية: إن شبابكِ قد ذهب، واضمحل أمركِ وأمر توبة، فأُقسم عليكِ إلا صدقتني، هل كان بينكما ريبة قط، أو خاطبك في ذلك قط؟ فقالت: لا والله أيها الأمير، إلا أنه قال لي ليلةً وقد خلونا كلمةً ظننْتُ أنه قد خضع فيها لبعض الأمر فقلت له: [من الطويل]
1 - وَذي حاجَةٍ قُلْنا له لا تَبُحْ بها
فَلَيْسَ إليها ما حييتَ سَبيلُ
2 - لَنا صاحِبٌ لا يَنْبَغي أنْ نخونه
وأَنْتَ لأُخْرى صاحبٌ وحَليلُ
3 - تَخَالُكَ تَهْوَى غَيْرَها فكأنَّها
لها مِنْ تَظَنِّيها عليكَ دليلُ
فلا والله، ما سمعت منه ريبة بعدها حتى فرّق الموت بيننا.
* * *
[890] الخبر والأبيات في ديوان ليلى الأخيلية - دار صادر - 74 ورواية البيت الثاني فيه: (فارغ وحليل) وللأبيات روايات أخرى كثيرة مذكورة في هامش الديوان.
617 - قال الشاعر [891]: [من البسيط]
لو حُزَّ بالسيفِ رأسي في مودّتها
لمالَ يهوي سريعاً نحوها رأسي
[891] البيت في المستطرف 3/ 34، وروايته عند الشيخ رحمه الله (لو ضربوا رأسي) ولا يستقيم بها الوزن، والمثبت عن المستطرف.
618 - قال امرؤ القيس [892]: [من الطويل]
كأنيَ لَمْ أَرْكَبْ جَواداً لِلَذَّةٍ
وَلَمْ أَتَبَطّنْ كاعِباً ذاتَ خَلْخالِ
* * *
[892] شرح ديوان امرئ القيس 50.
619 - قال الشبراوي [893]: [من البسيط]
يا زائراً زارني كانَتْ زيارَتُه
أحلى من الأمنِ عند الخائِفِ الوَجِلِ
* * *
[893] هو عبدالله بن محمد بن عامر الشبراوي: فقيه مصري له نظم مجموع في ديوان مطبوع باسم (منائح الألطاف في مدائح الأشراف). توفي سنة 1171ﻫ/ 1758م) (سـلك الدرر - دار صـادر - 3/ 119، وتاريخ الجبرتي 1/ 295 و297، والأعـلام 4/ 274).
620 - قال مجنون ليلى [894]: [من الطويل]
ولا خَيْرَ في الدُّنْيا إذا أنتَ لم تزرْ
حبيباً ولم يطربْ إليكَ حبيبُ
* * *
[894] ديوان مجنون ليلى 20.
621 - قال الشاعر [895]: [من المديد]
أبتَغي إصلاحَ سُعدى بجهدي
وهْي تَسْعى جهدَها في فَسادي
* * *
[895] البيت مع ثلاثة أخرى في أمالي القالي - العصرية - 42 - 43 لأعرابي.
622 - ولابن سارة الأندلسي: [من الطويل]
1 - تَضَّوَّع مسكاً بطنُ نعمانَ أنْ مَشَتْ
به زينبٌ في نسوةٍ خفراتِ
2 - ولما رأتْ ركب النمير وأعرضت
وكنَّ من انْ يلقينَه حذراتِ
3 - وليست كأخرى وَسَّعَتْ جيبَ درعِها
وأبدتْ بَنانَ الكَفِّ للجَمراتِ
4 - وعالت فتات المسك وضعا مرجلاً
على مثل بدرٍ لاح في الظُّلمات
5 - وقامت تراءى يوم جمع فأفتنَتْ
برؤيتها مَنْ راح من عرفاتِ
* * *
623 - قال الشاعر [896]: [من البسيط]
1 - مَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ أَحْباب يـسرُّهُمُ
فإنّ عيشتَهُ نَقْصٌ وخُسْرانُ
2 - فأطيبُ الأرضِ ما للنفسِ فيه هوىً
سَمُّ الخِياطِ مع الأحبابِ ميدانُ
3 - وأخبثُ الأرض ما للنفس فيه أذىً
خُـضْرُ الجنانِ مَعَ الأَعْداءِ نيرانُ
* * *
[896] تزيين الأسواق 1/ 164، والكشكول 1/ 460، وديوان الصبابة 1/ 53، والمدهش 1/ 126.
624 - قال المتنبي [897]: [البسيط]
وما صبابةُ مُشْتاقٍ على أملٍ
من اللقاءِ كمشتاقٍ بلا أملِ
* * *
[897] شرح ديوان المتنبي 3/ 199.
625 - قال قيس بن الملوح [898]: [من الطويل]
إذا ما فَرَرْنا كانَ أَسْوا فرارنا
صدودُ الخُدودِ وازورارُ المناكبِ
* * *
[898] أخلّ به ديوان المجنون، وانظر طبقات فحول الشعراء 1/ 229.
626 - وقال مجنون ليلى [899]: [من الطويل]
طَمِعْتُ بليلى أَنْ تَريعَ وإنّما
تُقَطّعُ أعناقَ الرجالِ المطامعُ
[899] ديوان مجنون ليلى 127 وديوان قيس لبنى 53.
627 - قال امرؤ القيس [900]: [من الطويل]
أَلَم تَرَياني كُلَّما جئتُ طارِقاً
وَجَدْتُ بها طِيباً وإنْ لَم تَطَيَّبِ
* * *
[900] شرح ديوان امرئ القيس 53.
628 - قال عبد الصمد بن عبدالله باكثير [901]: [من البسيط]
1 - ولي من العُرْبِ ظَبْيٌ ما رأى بَصَري
شِبْهاً له في الوَرى بدواً ولا حَضَرا
2 - كالشَّمسِ وجهاً وبدر التَّمِّ مَبْتَسَماً
والظَّبيِ جِيْداً وغصنِ البان إن خطَرا
3 – يـمشي الهوينا حذار الكاشحين وقد
أرخى الستورَ ظلامُ الليلِ واعتكرا
4 - قبّلتُ مَبْسَمَهُ عَشْراً على عجلٍ
وقامَ عني إلى التوديع مبتدرا
5 - فكنتُ أَشْرَبُهُ لَثْماً وأَهْـصُرُهُ
ضَمّاً وأثني عناقاً قدَّهُ النّضـِّرا
* * *
[901] هو عبد الصمد بن عبدالله با كَثِير اليمني الكندي: شاعر من الكتاب، ينتهي نسبه إلى كندة. له ديوان شـعر، توفي بالشـحر سـنة 1025ﻫ/ 1616م (الأعلام/ 133، وخلاصة الأثر 2/ 418).
629 - وقال الشاعر: [من الطويل]
1 - أتَظْعَنُ طوعَ النفسِ عمّن تحبُّه
وتبكي كما يبكي المُفارقُ من صغرِ
2 - أقِمْ لا تَسِرْ والهمُّ عنكَ بمعزلِ
ودمعُك باقٍ في جُفونِكَ ما يجري
* * *
630 - وقال ابن مشرف [903]: [من الطويل]
فَعانِقْ وقَبـِّلْ وارتَشِفْ من رُضابها
فَعَدْلُكَ عن ظَلْمِ الحبيبِ هو الظُّلْمُ
* * *
[902] الظَّلم - بالفتح - الماء الذي يجري ويظهر على الأسنان (اللسان: ظلم). [903] ديوان ابن مشرف 1/ 38.
631 - وقال عمر بن أبي ربيعةِ [904]: [من الطويل] [905]
1 - أعبدةُ ما ينسى مودَّتَكِ القلبُ
ولا هو يُسْليهِ رخاءٌ ولا كَرْبُ
2 - ولا قولُ واشٍ كاشحٍ ذي عداوةٍ
ولا بُعدُ دارٍ إِن نأيتِ ولا قربُ
3 - وما ذاك من نُعمى لديك أصابها
ولكنَّ حبّاً ما يقاربُه حُبّ
4 - فإن تقبلي يا عبدُ توبَةَ تائبٍ
يتُبْ ثمّ لا يوجدْ له أبداً ذنبُ
5 - أذلُّ لكم يا عبدُ فيما هويتمُ
وإني إذا ما رامني غيرُكمْ صعبُ
6 - وأعذلُ نفـسي في الهوى فتعوقني
ويأصرني قلبٌ بِكُم كلفٌ صبُّ
7 - وفي الصبر عمّنْ لا يواتيكَ راحةٌ
ولكنَّهُ لا صبر عندي ولا لبُّ
8 - وعبدةُ بيضاءُ المحاجرِ طفْلَةٌ
مُنَعمَّةٌ تُصبي الحليمَ وما تصبو
9 - قطوفٌ من الحورِ الأوانسِ بالضُّحى
متى تمشِ قيسَ الباع من بهرها تربو
10 - فلستُ بناسٍ يومَ قالتْ لأربعٍ
نواعم غُرٍّ كلُّهنّ لها تِربُ
11 - ألا ليت شعرى فيم كان صدوده
أَعَلَّقَ أخرى أم عليَّ به عَتْبُ
* * *
[904] عمر بن عبدالله بن أبي ربيعة المخزومي القرشي أبو الخطاب: أرقُّ شعراء عصره، من طبقة جرير والفرزدق. مـات غرقاً سـنة (93ﻫ/ 712م) (الأعـلام 5/ 211، والأغاني - دار الكتب - 1/ 61). [905] الأبيات في ديوان عمر بن أبي ربيعة 76.
632 - قال العباس بن الأحنف [906]: [من الطويل]
1 - صحائفُ عندي للعتاب طَوَيْتُها
سـتُنْشَرُ يوماً والعتابُ يَطولُ
2 - سأكتبُ إن لم يجمع الله بيننا
وإن نلتقي يوماً فسوف أقولُ
* * *
633 - وقال آخر: [من الكامل]
يفنى الزمانُ وليس ننسى عهدَكم
وعلى محبتكم أموتُ وأُحُشَرُ
* * *
634 - وقال ثالث: [من الكامل]
وجميعُ فكري فيكُمُ دونَ الورى
وعلى محبتكم أموتُ وأُحُشَرُ
* * *
[906] ديوان العباس بن الأحنف 251.
635 - قال أبو صخر الهذلي [907]: [من الطويل]
1 - فلا والذي أبكى وأضحك والذي
أمات وأحيا والذي أمرُه الأمرُ
2 - لقد تركَتْني أحسدُ الوحشَ أن أرى
أليفين منها لا يروعُهُما الذُّعرُ
* * *
[907] شرح ديوان الهذليين 2/ 950، والتذكرة الحمدونية 6/ 165 و9/ 59.
636 - قال الأعشى [908]: [من البسيط]
عُلِّقْتُها عَرَضاً وعُلِّقَتْ رجلاً
غَيْري، وعُلِّقَ أخرى غَيْرَها الرَّجُلُ
* * *
[908] ديوان الأعشى: 93، البيت 17 من القصيدة 6.
637 - قال الحافظ الحجة ابن حزم الأندلسي رحمه الله: [من الطويل]
1 - وذي عَذَلٍ فيمن سباني بحُسْنه
يُطيلُ ملامي في الهوى ويقولُ
2 - أمن أجل وجهٍ لاحَ لم تَرَ غيرَه
ولم تَدْرِكيفَ الجسم أنت عليلُ
3 - فقلتُ له أسرفْتَ في اللوم فَاتَّئد
فعندي جوابٌ لو أشاءُ طويلُ
4 - ألم تَرَ أني ظاهريٌّ وأنني
على ما أرى حتى يقومَ دليلُ
* * *
638 - قال كثير عزة [909]: [من الطويل]
1 - وإنّي وتهيامي بعزَّةَ بعدَما
تخلَّيتُ مما بيننا وتَخَلَّتِ
2 - لكالمُرْتَجي ظِلَّ الغَمامَةِ كُلَّما
تَبَوَّأ منها للمَقيلِ اضْمَحَلَّتِ
3 - فَإنْ سَأَلَ الواشونَ فيم صَرَمْتَها؟
فَقُلْ: نفسُ حُرٍّ سُلِّيَتْ فَتَسلَّتِ
* * *
[909] ديوان كثير عزة - دار صادر - 71.
639 - قال أبو تمام حبيب بن أوس [910]: [من الكامل]
عَفُّ الإزارِ تَنالُ جارةُ بَيْتِهِ
أَرْفادَهُ وتُجَنَّبُ الأَرْفاثا
[911]
* * *
[910] ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي 1/ 318. [911] في شرح الديوان: (عَفُّ الإزار: إذا وُصفَ بالعفة وإنما يراد ما تحت الإزار. والأرفاد: جمع رفد، وهو العطاء. والأرفاث جمع رَفَث، وهو ذِكرُ الجِماع والحديث به).
640 - قال محمد بن حِمْيرَ الهمذاني [912]: [من الكامل]
من لحمكُمْ لَحْمي ومن دَمِكُمْ دمي
وعلى محبَّتكم أموتُ وأُحْـشَرُ
[913]
* * *
[912] محمد بن حمير جمال الدين: شـاعر اليمـن في عصـره. مـات في زبيـد سـنة 651ﻫ/ 1253م) (الأعلام 6/ 343). [913] البيت في مذكرة الشيخ رحمه الله بروايات مختلفة هذه الأولى، وأما الثانية: (وجميع فكري فيكُمُ دون الورى)، والثالثة (يفنى الزمان وليس ننسى عهدكم).
641 - قال عبدالله بن علي آل عبد القادر [914]: [من الوافر]
1 - وغانيةٍ عصيتُ اللَّومَ فيها
فمالي في هَواها من مناصِ
2 - فكم أجني لذيذاً من جناها
أحبَّ إليَّ من رُطَبِ الخلاصِ
3 - تقولُ جنيْتَ بالتَّقبيلِ فاغرمْ
فقلتُ لها هَلُمَّ إلى القصاصِ
[914] هو عبدالله بن علي آل عبد القـادر البخـاري الخزرجي، مـن ذريـة أبي أيـوب الأنصاري الشافعي، وُلد في قرية المبرز من الأحساء وحفظ القرآن الكريم وهو ابن اثنتي عشرة سنة، وأخذ عن جده ووالده علم التفسير والحديث والفقه وعلم العربية، اشتغل بالقضاء بعد وفاة أبيه إلى أن مات سنة (1344ﻫ/ 1925م) كان شاعراً فذاً ذا أسلوب رائع وخيال واسع.
642 - قال امرؤ القيس [915]: [من الطويل]
أيا جارتا إنا مقيمان ها هنا
وكلُّ غريبٍ للغريبِ نَسيبُ
* * *
643 - قال أبو نواس [916]: [من الخفيف]
أسعديني على الزمان عريبُ
إنما يُسعد الغريبَ الغريبُ
* * *
[915] تاريخ دمشق - دار الفكر ببيروت - 9/ 245 مع بيت آخر قبله. [916] ديوان أبي نواس - دار صادر - 58.
644 - قال امرؤ القيس [917]: [من الطويل]
وما ذَرَفَتْ عَيْناكِ إلا لتـضربي
بسَهْمَيْكِ في أَعْشارِ قلبٍ مُقَتَّلِ
* * *
[917] شرح ديوان امرئ القيس 32.
645 - قال عبد الصمد بن المعذّل [918]: [من البسيط]
إنَّ القُلوبَ لتُطْوَى مِنْكَ يا بْنَ أَخي
إذا رَأَتْكَ على مِثْلِ السَّكاكينِ
* * *
[918] عبد الصمد بن معذل من بني عبد القيس، أبو القاسم من شعراء الدولة العباسية، وُلد ونشأ في البصرة، وكان هجاءً، توفي سنة 240ﻫ/ 854م (الأعلام 4/ 134، وفوات الوفيات 2/ 330)، والبيت في ديوان عبد الصمد بن المعذل - دار صادر - 187.
646 - قال عبد الغني النابلسي [919]: [من الكامل]
1 - وأَمَرُّ ما لاقيتُ من ألمِ النَّوى
قربُ الحبيبِ وما إليه وصولُ
2 - كالعيسِ في البيداءِ يقتُلها الظَّما
والماءُ فوقَ ظهورِها محمولُ
* * *
[919] البيت الأول في ديوان النابلسي 1/ 1268، والبيت الثاني في سقط الزند 142.
647 - قال الشاعر: [من الوافر]
وكُلٌّ يدّعي وصلاً بليلى
وليلى لا تقرُّ لهم بذاكا
* * *
648 - قال الشافعي [920]: [من الطويل]
1 - إذا المَرْءُ لا يَرْعاكَ إلا تَكَلُّفاً
فَدَعْهُ ولا تُكْثِرْ عَلَيْهِ التَّأَسُّفا
2 - فَفي النّاسِ أَبْدالٌ وفي التَّرْكِ راحةٌ
وفي القَلْبِ صَبْرٌ للحَبيبِ ولو جَفْا
3 - فما كُلُّ مَنْ تَهواهُ يَهْواكَ قَلْبُهُ
ولا كُلُّ من صافَيْتَهُ لَكَ قَدْ صَفا
4 - إذا لَمْ يكُنْ صَفْوُ الوِدادِ طبيعةً
فَلا خَيْرَ في وُدٍ يَجِيءُ تَكَلُّفْا
* * *
[920] الأبيات في ديوان الشافعي 129.
649 - أنشدت ليلى [921]: [من الطويل]
كأنَّ فتى الفتيانِ توبةَ لم يُنِخْ
قلائصَ يَفْحَصْنَ الحصا بالكراكر
[922]
* * *
[921] البيت في ديوان ليلى الأخيلية - دار صادر - 56. [922] أناخ الناقة والبعير: أبركها. والقلائص جمع القلوص، وهي الناقة الفتية. الكراكر: جمع الكِركرة، وهي صدر كل ذي خف من الحيوان. (هامش الديوان).
650 - قال الشاعر يصف الزوجة: [من الطويل]
إذا رمتُها كانَتْ فراشاً يُقِلُّني
وعند فراغي خادمٌ يتملَّقُ
* * *
651 - قال أبو بكر الشبلي: [من الوافر]
ويقبحُ من سواكَ الفعلُ عندي
فتفعلُهُ فَيَحْسُنُ منكَ ذاكا
652 - قال ابن ميادة [923]: [من الكامل]
ذكر الحبيبُ حبيبَهُ ففؤادُه
مثلُ الجناحِ من الصبابةِ يحفظُهْ
* * *
[923] أخل به شعر ابن ميادة - طبعة مجمع دمشق -.
653 - قال ابن المعتز [924]: [من الكامل]
قايَسْتُ بين جمالها وفعالها
فإذا الملاحةُ بالقَباحةِ لا تَفي
* * *
[924] البيت في ديوان ابن المعتـز - دار المعارف - 1/ 386 برواية (ميـزْتُ بين جماله وفعاله *...).
654 - قال الشاعر: [من الطويل]
إذا ما وضعتُ القلبَ في غير موضعٍ
بغيرِ إناءٍ فهْو قلبٌ مضيَّعُ
* * *
655 - قال أعرابي [925]: [من الوافر]
1 - لقد زادَ الهلالَ إليَّ حُبّاً
عيونٌ تلتقي عند الهلالِ
2 - إذا ما لاحَ وهْو شفى صغيرٌ
نظرتُ إليه من خلل الحجالِ
[926]
* * *
[925] الأمالي لأبي علي القالي - العصرية - 534. [926] الشفا: بقية الهلال، مقصور واوي ويائي. (اللسان: شفا). والحجال: سترٌ يُضرب للعروس في جوف البيت.
656 - قال ابن إسـحاق: عن السائب بن جُبَيْر مولى ابن عباس قال: ما زلتُ أسمع حديث عمر؛ أنه خرج ذات ليلة في المدينة إذ سمع صوت امرأة مغلقةٍ بابها تقول [927]: [من الطويل]
1 - تطاوَلَ هذا الليلُ وازوَرَّ جانبُهْ
وأَرَّقَني أن لا ضجيع أُلاعبُهْ
[928]
2 - ألاعبُه طوراً وطوراً كأنَّما
بدا قمراً في ظلمة الليل حاجبُه
3 - يُسَرُّ به مَنْ كان يلهو بقربه
لطيفُ الحشا لا يحتويه أقَاربُه
4 - فوالله لولا اللهُ لا شيءَ غيره
لحُرِّكَ من هذا السريرِ جوانبُه
5 - ولكنني أخشى رقيباً موكَّلاً
بأنفُسِنا لا يفترُ الدهرَ كاتبُهْ
6 - مخافةُ ربي والحياءُ يصدّني
وإكرامُ بَعْلي أن تُنالَ مراكبُهْ
فسأل عمرُ عنها، فقيل له: إنها امرأةُ فلانٍ، وله في الغزاة ثمانية أشهر، فأمر عمر س أن لا يغيبَ الرجلُ عن امرأته أكثرَ من أربعةِ أشهرٍ.
* * *
657 - وقال خالد الكاتب [929]: [من المتقارب] [930]
1 - رقدْتَ ولم ترثِ للساهرِ
وليلُ المحبِّ بلا آخرِ
2 - ولم تدرِ بعدَ ذهابِ الرُّقا
دِ ماصنعَ الدمعُ في ناظري
* * *
[927] بعض هذه الأبيات في الأوائل لأبي هلال العسكري 2/ 190، والتذكرة الحمدونية 8/ 137، وروضة المحبين 252 - 253، والمستطرف 3/ 42، وتاريخ الخلفاء 169. [928] ازوَّرَ: مال وانحرف. [929] هو خالد بن يزيد أبو الهيثـم الكاتـب البغدادي: شـاعر كاتـب. توفي في حـدود السبعين والمئتين (وفيات الاعيان 2/ 232، وفوات الوفيات 2/ 401). [930] البيتان في المصدرين السابقين في الوفيات 2/ 233، وفي فوات الوفيات 2/ 402.
658 - قال توبة بن الحميّر [931]: [من الطويل]
1 - وهل تَبْكِيَنْ لَيْلى إذا مِتُّ قَبْلَها
وقد قام عن قَبْري النّساءُ النَّوائحُ
2 - كما لَوْ أصابَ المَوْتُ ليلى بَكَيْتُها
وجادَلها دَمعٌ من العَيْنِ سافحُ
3 - وأغبطُ من ليلى بما لا أناله
بلى كلُّ ما قرّت به العين صالحُ
4 - ولو أنّ لَيلْى الأخيليَّة سَلَّمَتْ
عَلَيَّ ودوني جَنْدَلٌ وَصَفائِحُ
[932]
5 - لَسَلَّمْتُ تَسليمَ البَشاشَةِ أوزَقا
إليها صَدىً من جانب القَبْرِ صائِحُ
[933]
* * *
[931] الأبيات في منتهى الطلب 1/ 230، القصيدة 22، وما هنا من أبياتها 9، 10، 7، 3، 4. [932] الجندل: الحجارة. والصفائح: الحجارة العريضة توضع على القبر (هامش الديوان). [933] زقا: صاح. والبشاشة: المسَّرة. (هامش الديوان).
659 - وقال توبة أيضاً [934]: [من الطويل]
1 - حَمامةَ بَطْن الوادِيَيْنِ تَرَنَّمي
سَقاكِ من الغُرِّ الغَوادي مَطيرُها
[935]
2 - أَبيني لنا لا زَالَ ريشُكِ ناعماً
ولا زِلتِ في خَضْراءَ غَضٍّ نَضـِيرُها
[936]
3 - وكنتُ إذا ما زُرْتُ لَيْلَى تَبَرْقَعَتْ
فَقَدْ رابَني منها الغَداةَ سُفورُها
4 - وَقَدْ رابَني منها صُدودٌ رأَيْتُهُ
وإِعْراضُها عن حاجَتي وبسورها
[937]
5 - وأُشْرِفُ بالقورِ اليَفاعِ لَعَلَّني
أرى نارَ لَيْلى أو يراني بَصيرُها
[938]
6 - يَقولُ رجالٌ لا يضيرُكَ نَأْيُها
بلى كُلُّ ما شَفَّ النفُّوسَ يَضيرُها
[939]
7 - بَلَى قَدْ يَضيرُ العَيْنَ أن تُكْثِرَ البُكا
ويُمْنَع منها نَوْمُها وسُرورُها
8 - وَقَدْ زَعَمَتْ لَيْلى بأنيَ فاجرٌ
لِنَفْـسي تُقاها أو عَلَيْها فُجُورُها
* * *
[934] الأبيات في منتهى الطلب بعض قصيدة في 41 بيتاً، وردت في 1/ 222 - 229، وهي منها 17، 18، 20، 21، 9، 3، 4، 28. [935] الغوادي ما أمطر بالغداة. (الوسيط). [936] نبات غض نضير: أي جميل (الوسيط). [937] رابني: من الريبة، وبسورها: عبوسها. [938] القور: المكان والدار. واليفاع: المشرف من الأرض. [939] يضير: يضرُّ. وشفَّه المرض والحزن: إذا شقَّ عليه ونهكه. والنأي: البعد والفراق.
660 - قال ابن الوردي: [من الطويل]
سلامٌ عليكم ما أَلَذَّ وصالَكُمْ
وغايةُ مَجْهودِ المُقلِّ سَلامُ
* * *
661 - قال ديك الجن الحمصي [940]: [من الطويل]
فَواللهِ ما فارَقْتُكُمْ قالياً لَكُمْ
وَلَكِنَّ ما يُقْـضى فَسَوْفَ يَكُونُ
[941]
* * *
[940] ديوان ديك الجن - طبعة الملوحي ودرويـش - 106، وطبعـة مطلوب والجبوري 192، وطبعة الحجي 190. [941] قالياً: مُبْغضاً.
662 - قال ابن الوردي: [من الوافر]
1 - إذا كانَ المُحِبُّ قليلَ مالٍ
فما أيّامُهُ إلا ليالي
2 - لَقَدْ هانَ المُقِلُّ على البرايا
فلم يَخْطُرْ لمخلوقٍ ببالِ
3 - وأَصْبَحَ بَيْنَ أَهْليهِ غريباًَ
طويلَ الهَجْرِ مُنْبَتَّ الحبالِ
[942]
* * *
[942] انبَتَّ الحبلُ: قُطع (الوسيط).
663 - قال عبدالله بن المبارك [943]: [من الكامل]
لو كانَ حبُّكَ صادقاً لأطعْتَهُ
إنَّ المحبَّ لمن يُحبُّ مُطيعُ
* * *
[943] البيت مع آخر أو مع اثنين في ديوان عبدالله بن المبارك 83، وديوان الشافعي 120، وديوان أبي العتاهيـة 75، وديوان محمـود الـوراق 227، وقد نسـبتُه لأقـدم شـاعرٍ فيهم.
664 - قال صريع الغواني [944]: [من البسيط]
ما مَركبٌ مِنْ ركوبِ الخَيْلِ يُعْجِبُني
كَمَرْكَبٍ بَيْنَ دُملوجٍ وخَلْخالِ
[945]
* * *
[944] ديوان صريع الغواني 336. [945] الدملوج: السِّوار (الوسيط).
665 - قال رجلٌ من بني الصيداء [946]: [من الطويل]
1 - دَعَتْ فَوْقَ أَفْنانٍ من الأَيْك مَوْهِناً
مُطَوَّقَةٌ وَرْقاءُ إثر موالفِ
[947]
2 - فهاجَتْ عَقابيلُ الهَوى إذ ترنَّمَتْ
وشبّتْ ضرامُ الشوقِ تحت الشراسفِ
[948]
3 - بكتْ بجفونٍ دمعها غير ذارف
وأغرتْ جفوني بالدموعِ الذوارفِ
[949]
* * *
[946] الأمالي للقالي - العصرية - 134. [947] المَوْهِن: نحوٌ من نصف الليل، أو بعد ساعة منه. والأفنان: الأغصان، والأيك: جمع أيكة، وهي الشجر الكثير الملتفّ. والمطوقة: الحمامة لها طوق حول عنقها من ريشٍ مغايرٍ لريش جسمها، والورقاء: هي الحمامة. والموالف: هو الإلف والحبيب. [948] الضرام: اشتعال النار. والشراسف: جمع شُرْسوف، وهو: طرف الضلع مما يلي البطن، والمقصود هنا: الأضلاع. [949] الذوارف: جمع ذارفة، وهي من: ذرف الدمعُ إذا سال.
666 - قال الشاعر: [950] [من البسيط]
وربَّما كانَ مكروهُ النفوسِ إلى
محبوبـِها سبباً ما مثلَهُ سَبَبُ
[950] بغية الطلب في تاريخ حلب 8/ 3792.
667 - قال أحمد بن أبي فنن [951]: [من المتقارب]
1 - خَلَوْتُ فَنادمتُها ساعَةً
على مثلها يَحْسُدُ الحاسِدُ
2 - كَأَنّا وثوبُ الدجى مُسبلٌ
علينا لمُبْصِرِنا واحدُ
* * *
[951] هو أحمد بن صالح أبو عبدالله المعروف بابن أبي فنن: شـاعر مفلق مطبوع، له ديوان في مئة ورقة. توفي سنة 278ﻫ/ 892م (معجم الشـعراء العباسـيين - دار صادر - 372، تاريخ بغداد 4/ 202).
668 - قال عبد المحسن الصوري [952]: [من البسيط] [953]
1 - ما بعتُكم مهجتي إلا بوصلكمُ
ولا أُسَلِّمُها إلا يداً بيدِ
2 - فإن وفيتُم بما قلتُم وفيتُ أنا
وإن أبيتُم يكون الرهنُ تحتَ يدي
* * *
[952] هو عبد المحسـن بن محمد بن محمـد بن أحمـد بن غالـب بن غَلْبون أبو محمد الصوري. شـاعر من أهل صـور مطبوع الشـعر سـائر القول. توفي في صور سنة 419ﻫ/ 1028م (الأعلام 4/ 295، وتاريخ دمشق - المجمع - 43/ 132).
[953] البيت الأول مع البيت التالي في يتيمة الدهر 1/ 320:
وقد حُسدتُ على مابي فوا عجبي
حتّى على الموتِ لا أخلو من الحَسَدِ
669 - وقال الشاعر: [من الطويل]
1 - سَلُوا عن مَوَدَّاتِ الرِّجالِ قلوبَكُمْ
فَهُنَّ شُهودٌ لم تَكُنْ تَقْبَلُ الرُّشا
[954]
2 - ولا تَسْألوا عَنْها العُيونَ فإنَّها
قَليلةُ علمٍ بالّذي داخِلَ الحَشَا
* * *
[954] الرُّشا: جمع رُشْوَة ورَشْوة ورِشوة (اللسان).
670 - قال ذو الرُّمَّة [955]: [من الطويل] [956]
إذا غَيَّر النَّأْيُ المحبيّن لم يكُنْ
رسيسُ الهوى من حبّ مَيَّةَ يَبْرَحُ
[957]
* * *
[955] هو غيلان بن عقبة ذو الرّمة العدوي أبو الحارث: شاعر من فحول الطبقة الثانية من عصره، كان مقيماً بالبادية. توفي سنة 117ﻫ/ 735م (الأعلام 5/ 319، ووفيات الأعيان 4/ 11). [956] البيت في اللسان (رسس) منسوباً لذي الرمة. [957] النأي: البعد. ورسّ الهـوى في قلبه رسّـاً ورسيسـاً: دخـل وثبت، ورسُّ الهوى ورسيسُه، بقيتهُ وأثره (اللسان).
671 - ولما جاءت امرأةٌ إلى عمر بن الخطاب س تجادلُه في خصومةٍ لها أنشدها [958]: [من البسيط]
إنَّ النّساءَ شياطينٌ خُلِقْنَ لنا
نعوذُ باللهِ من شرِّ الشياطينِ
فقالت: ليس كذلك، ولكنْ قال الشاعر:
إنَّ النساء رياحينٌ خُلِقْنَ لكم
وكلُّكم يشتهي شَمَّ الرياحينِ
[958] الخبر والبيتان في طبقات الشـافعية 1/ 298، والبيتان منسـوبين للشـافعي في ديوانه 200.
672 - قال الشاعر: [من البسيط]
نعم المحبةُ تأسو في محبتكم
حبٌّ يقود إلى خيرٍ وإحسانِ
* * *
673 - قال المتنبي: [959] [من البسيط]
والهجرُ أقتلُ لي مما أراقبُه
أنا الغريقُ فما خوفي من البَلَلِ
* * *
[959] شرح ديوان المتنبي 3/ 200.
674 - قال جميل معمر [960]: [من الطويل] [961]
فلو كنتَ عُذْريَّ الصَّبابةِ لم تكنْ
بطيناً وأنساكَ الهوى كثرةَ الأكلِ
* * *
[960] هو جميل بن عبدالله بن معمر العذري أبو عمرو: شاعر من عشاق العرب، افتتن ببثينة، وشعُره فيها يذوبُ رقةً. مات بمصر سنة 82ﻫ/ 701م (الأعلام 2/ 134، والأغاني - دار الكتب - 8/ 90). [961] البيت مع آخر قبله في تاريخ دمشق - دار الفكر ببيروت - 110/ 272، وفي معجم الشعراء من ابن عساكر 1/ 459، وانظر: شرح ديوان جميل 96.
675 - قال الشاعر: [من البسيط]
فإنْ أبيتَ ودادي غير مكترثٍ
فعنكَ ما دمتُ حَياً لا أرى بدلا
* * *
676 - قال الشافعي رحمه الله [962]: [من الكامل]
1 - كيفَ الوصولُ إلى سعادَ ودونها
قُلَلُ الجبالِ ودونهن حتوفُ
[963]
2 - الرِّجْلُ حافيةٌ ومالي مركبٌ
والكفُّ صفرٌ والطريق مخوفُ
[964]
* * *
[962] البيتان في ديوان الشافعي 130، وفي هامشه إشارة إلى مصدر آخر وشاعر آخر. [963] قُلل: جمع قُلَّة، وهي: قمة الجبل. والحتوف: جمع حتف، وهو: الموت (هامش الديوان). [964] الكف صفر: لا يملك من أمر الرحيل شيئاً. والطريق مخوف: يقصد الآخرة.